منذ عام بالتحديد بدأت كتابة هذه المقالات الأسبوعية في "أخبار الأدب" واستهللتها بمقال كان عنوانه "لماذا أنا متفائل". في ذلك المقال كتبت أعدد الإنجازات التي حققناها منذ إجبار مبارك علي التنحي وكنت أتطلع لمستقبل مشرق تتحقق فيه آمال الثورة. اليوم أكتب هذا المقال قبل أن أنزل لأدلي بصوتي في أول انتخابات رئاسية حقيقية تشهدها مصر في تاريخها الطويل، وأجد نفسي وأنا أكتب معتزا بما تم طوال العام المنصرم، ومتفائلا بما يحمله المستقبل من خير لبلدنا. أدرك تماما أن العام المنصرم شهد حوادث جساما، سقط فيها مئات الشهداء وجرح فيها الآلاف. وأدرك أيضا أن الوضع الاقتصادي ما زال يتدهور وأن الأمن لم يعد. كما أعلم أن المجلس العسكري الحاكم أساء إدارة الفترة الانتقالية بطريقة يحسد عليها، وأن حالة الاضطراب السياسي والتشريعي تتأزم يوما بعد يوم بدلا من أن تتحسن. ولكن بالرغم من هذه المشاكل هناك ثلاثة أسباب تدعوني للتفاؤل. أول هذه الأسباب هو تمكننا من انتزاع حقنا في إقامة انتخابات رئاسية تعددية حقيقية. صحيح أن هذه الانتخابات تشوبها الكثير من المشاكل، أهمها عدم وضوح صلاحيات الرئيس نتيجة الفشل في كتابة الدستور الجديد. ولكن تبقي حقيقة واضحة مهمة وهي أن هذه أول مرة نتمكن فيها من المفاضلة بين أكثر من مرشح، وأنها أول مرة لا نعرف فيها نتيجة الانتخابات مسبقا. والأهم من ذلك كله أن الرئيس الجديد سيستمد شرعيته من صندوق الانتخاب، الأمر الذي سيجبره علي احترام الشعب الذي انتخبه. ثاني أسباب تفاؤلي هو اقتناعي بأن المجلس العسكري الحاكم ومن وراءه المؤسسة العسكرية برمتها فقدا الكثير من قوتهما وسطوتهما وشعبيتهما. فبالإضافة إلي أن الرئيس القادم لن يكون عسكريا، فإن العسكر فقدوا الكثير من الحظوة التي كانوا يتمتعون بها قبل الثورة. فوقتها لم يكن من الجائز الإشارة للجيش في أي من وسائل الإعلام من قريب أو من بعيد. أما الآن فالمقالات الصحافية والبرامج التليفزيونية تعج بالحديث عن الجيش وعن الإمبراطورية الاقتصادية التي يديرها والتي وصفها أحد أعضاء المجلس العسكري بأنها "عرق الجيش". ولم يكن مقصودا بهذا الحديث الطنان تجريح الجيش أو الإساءة إليه بل المقصود هو طرح سؤال هام تملصنا من الإجابة عليه طويلا: هل يحق للمؤسسة العسكرية أن تلعب دورا في السياسة؟ وما هو طبيعة هذا الدور وحدوده؟ صحيح أننا لم نتمكن بعد من الإجابة علي هذا السؤال، إلا أني أعتبر أن خروج هذا الحديث عن دور الجيش من الغرف المغلقة إلي الفضاء العام علامة علي تطور الخطاب السياسي ونضجه. أما ثاني أسباب تفاؤلي هو النجاح الذي حققه حزبا الحرية والعدالة والنور في الانتخابات التشريعية، ووجود أكثر من مرشح إسلامي في الانتخابات الرئاسية. فأنا وإن لم أكن من أنصار هذين الحزبين وإن لم أكن مقتنعا بامتلاك فصائل الإسلام السياسي برمتها لإجابات عن مشاكل مصر المتعددة، إلا أن لدي يقينا بأن هذه الفصائل لها الحق في العمل السياسي طالما تم ذلك بشكل سلمي، وطالما لما تنتهج العنف سبيلا. صحيح أن أداء هذه الأحزاب داخل البرلمان جاء متواضعا، علي أحسن تقدير، وصحيح أن أيا من المرشحين الإسلاميين للرئاسة لا يمتلك أفكارا خلاقة للخروج من مشاكلنا، إلا أني أري أن إشراك الإسلاميين في العمل السياسي يمثل نقطة تحول هامة وإيجابية في تاريخ مصر الحديث. أما ثالث وأهم أسباب تفاؤلي هو ما أثبته الشعب المصري طوال العام المنصرم من تماسك وتطلع للمستقبل. فبالرغم من انهيار الأمن وتدهور الاقتصاد فلم تشهد مصر اقتتالا بين المصريين ولم نر حربا أهلية كما رأينا في بعض بلدان الربيع العربي، بل رأينا مجتمعا ما زالت تحكمه المودة وخفة الدم ، وما زال يعج بالحيوية والابتكار، وما زال يتطلع لغد أفضل ولمستقبل أجمل.