مناسبتان لهما علاقة باليابان ومصر عايشتهما بنفسي في القاهرة الاسبوع الماضي تجعلانني مليئا بالتفاؤل والأمل في تجاوز الشدة التي نمر بها الآن بأقصي سرعة وبأقل الخسائر: المناسبة الأولي, هي إبلاغي من أحد رجال الأعمال المعنيين بالاستثمار الأجنبي المباشر بأن نحو 30 خبيرا يابانيا قدموا معه علي رحلة الطائرة نفسها من طوكيو لاستئناف العمل في بناء مشروع مصنع كبير لتجميع واحدة من أشهر ماركات السيارات اليابانية في مصر. صحيح ان رحلة الخبراء اليابانيين من طوكيو الي القاهرة لم تكن مباشرة علي الخطوط المصرية, كما جرت عليه العادة منذ سنوات غير أن إعلان سلطات الطيران المدني عن استئناف الرحلات المباشرة بين عاصمتي البلدين في غضون أسابيع تزامنا مع الموسم السياحي الجديد أثلج صدر الجميع. المناسبة الثانية, هي قيام فريق فني من الهواة اليابانيين بإحياء أمسية غنائية رائعة في الهواء الطلق بحديقة بيت الأمة وسط القاهرة, وقد حضر العرض العشرات من المصريين وأفراد الجالية اليابانية. الأمسية الفنية جاءت بمثابة اختبار لعودة الأمن والأمان بدرجة ملموسة الي ربوع المحروسة, وهو ماشعر به ضيوفنا من اليابانيين لدرجة مطالبتنا لحكومتهم برفع درجة التحذير الباقية المفروضة علي زيارة اليابانيين لمصر, وهو مانتوقع صدوره في القريب العاجل لتعود معدلات السياحة اليابانية الي مستوياتها العالية من جديد. أكتب وعيني علي المستقبل ولدي أسباب أكيدة للتفاؤل, ولم لا؟ وقد استطعنا بالفعل خلال ستة أشهر تحقيق انجازات مهمة علي طريق إقامة الدولة المدنية الحديثة, وتتواصل الجهود حتي ولو رآها البعض بطيئة لتطهير البلاد من الطغيان والفساد والاستبداد والمضي قدما وبخطوات ثابتة لا رجعة فيها نحو تحقيق أهداف الثورة العاجلة والمستعجلة والمتمثلة في ثلاث هي استعادة الأمن والاستقرار, دفع عجلة الاقتصاد ووضع الأساس الصلب للتحول الديمقراطي. استعادة الأمن والاستقرار في كل أرجاء المحروسة أصبح حتميا الآن وقبل أي وقت مضي بعد أن رأينا بأعيننا حالة غير مسبوقة عن الاحتقانات الطائفية والاعتصامات والاضرابات, والمطالبات الفئوية, غير المسئولة, والإنفلات والبلطجة والسرقة والنهب والمساس بسيادة الدولة. صحيح أن ثورة مصر العظيمة بريئة تماما من إحداث تلك الحالة المنفلتة والمشينة غير أن آثارها المدمرة قد تصيب أحلامنا في مقتل, وتبعدنا كل البعد عن تطلعات الانتقال الديمقراطي الآمن والعاجل للسلطة, خاصة اذا اطلعنا علي الاحصاءات الدولية التي تشير الي أن 25% من حالات التحول الديمقراطي انتكست بسبب العامل الأمني. بالنسبة لدفع عجلة الاقتصاد والخروج من الخلل المزمن الحالي وضعف الأداء والانتاجية, فإن مايشغلني حقيقة الي جانب المؤشرات الاقتصادية السلبية الفعلية هو مدي احساس المواطن بالعدالة في مرحلة مابعد الثورة في ظل هجمة غير مسبوقة تقودها أقلام وأبواق مسمومة وتحليلات مشبوهة, يجري توظيفها بحرفية عالية جدا منذ فجر الخامس والعشرين من يناير لتسويد صورة الثورة تماما في أعين البسطاء من المصريين وإلصاق تهمة الانهيار الاقتصادي وكل ماهو سلبي بالثورة. نصل الي الهدف الثالث من أهداف الثورة وهو التخطيط للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي. هنا..أجد نفسي مهموما, خاصة وأنا أري بعيني تلك الحالة المؤسفة من التشرذم والصراعات والانقسامات السياسية الحادة بين قوي الثورة وائتلافها وفصائلها الي حد التراشق بالتخوين والعمالة والتمويل الأجنبي. ماالعمل؟ وكيف نتمكن من التخطيط السليم للتنمية السياسية والتحول الديمقراطي؟ في رأيي لا مفر من قبول الآخر وإنكار الذات والتجرد ووقف المحاولات المستميتة لتقسيم قوي الثورة والوصول برسالتها الرائعة الي نجوع مصر وكفورها والتركيز من الآن فصاعدا علي توفير المناخ الملائم لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة واتباع الجميع قواعد اللعبة السياسية حتي يتم الانتقال الآمن والسريع الي سلطة مدنية وعودة الجيش الي ثكناته. لابد من التركيز من الآن فصاعدا علي مدنية الدولة القائمة علي أساس المواطنة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز والعدالة الاجتماعية. يجب الانضمام الي المطالبين بضرورة الاسراع في بدء حوار وطني حقيقي وشامل وللتوافق علي مباديء رئيسية لدستور مصر الثورة, تمهيدا لإصدارها في اعلان دستوري ضامن لدستور دائم جديد يحقق نظاما ديمقراطيا يؤكد حقوق الانسان, يضمن سيادة القانون والتوازن بين السلطات, يوفر ضمانات تكافؤ الفرص وصيانة القيم, يؤكد أيضا أن مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وأن الشرائع السماوية للمصريين من غير المسلمين هي المرجعية فيما يخص أحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية. المزيد من مقالات كمال جاب الله