اليوم.. الفرصة الأخيرة لتنسيق المرحلة الثانية ل«الثانوية»    شكاوى من انقطاع التيار عن قرى بدير مواس وسمالوط بالمنيا وكفر الشيخ    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 10-8-2025 مع بداية التعاملات    CNN: لقاء بوتين ترامب سيبدو بمثابة هزيمة لأوكرانيا    البيت الأبيض يفكر في دعوة الرئيس الأوكراني لحضور "قمة ألاسكا"    موقف مثير للجدل من حسام حسن في مباراة الأهلي ومودرن سبورت (فيديو)    ظهور أول للمحلة.. مباريات اليوم في الدوري المصري    النصر السعودي يعلن التعاقد مع لاعب برشلونة    تصل إلى 38 مئوية.. ارتفاع درجات الحرارة بشمال سيناء    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث انقلاب سيارة في سوهاج    أول تعليق من محمود الليثي بعد حفله في مهرجان «ليالي مراسي» (صور)    إعلام: إطلاق نار بالقرب من سجن تحتجز فيه مساعدة جيفري إبستين    ألمانيا تعتزم مواصلة المساعدة في ضمان أمن إسرائيل رغم تجميد تصدير الأسلحة    زلزال قوي يضرب منطقة قبالة سواحل جواتيمالا ولا تقارير عن أضرار    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    عرض فيلم "روكي الغلابة" لدنيا سمير غانم في الدول العربية.. 14 أغسطس    ترتيب الدوري المصري بعد تعثر الأهلي وبيراميدز وفوز الزمالك    بعد غلق التسجيل اليوم.. متى تعلن نتيجة تنسيق المرحلة الثانية 2025؟    قروض السلع المعمرة بفائدة 26%.. البنوك تتدخل لتخفيف أعباء الصيف    الضرائب: 12 أغسطس آخر موعد لانتهاء التسهيلات الضريبية    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    أمير هشام: الأهلي ظهر بشكل عشوائي أمام مودرن.. وأخطاء ريبيرو وراء التعادل    حقائق جديدة حول اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل يكشفها وزير البترول الأسبق    الجيش اللبناني يغلق بعض المداخل المؤدية للضاحية الجنوبية    ننشر أسماء المصابين في حريق محلات شبرا الخيمة    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «بيت التمويل الكويتى- مصر» يطلق المدفوعات اللحظية عبر الإنترنت والموبايل البنكي    تعرف على أعلى شهادة ادخار في البنوك المصرية    لهذا السبب.... هشام جمال يتصدر تريند جوجل    التفاصيل الكاملة ل لقاء اشرف زكي مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية    محمود العزازي يرد على تامر عبدالمنعم: «وعهد الله ما حصل» (تفاصيل)    شيخ الأزهر يلتقي الطلاب الوافدين الدارسين بمدرسة «الإمام الطيب»    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    من غير جراحة.. 5 خطوات فعالة للعلاج من سلس البول    يعاني ولا يستطيع التعبير.. كيف يمكن لك حماية حيوانك الأليف خلال ارتفاع درجات الحرارة؟    دعاء الفجر يجلب التوفيق والبركة في الرزق والعمر والعمل    مصدر طبي بالمنيا ينفي الشائعات حول إصابة سيدة دلجا بفيروس غامض    مصرع وإصابة طفلين سقطت عليهما بلكونة منزل بكفر الدوار بالبحيرة    وزير العمل: سأعاقب صاحب العمل الذي لا يبرم عقدا مع العامل بتحويل العقد إلى دائم    مصادر طبية بغزة: استشهاد أكثر من 50 فلسطينيًا 40 منهم من منتظري المساعدات    طلاب مدرسة الإمام الطيب: لقاء شيخ الأزهر خير دافع لنا لمواصلة التفوق.. ونصائحه ستظل نبراسا يضيء لنا الطريق    مراد مكرم: تربيت على أن مناداة المرأة باسمها في مكان عام عيب.. والهجوم عليَ كان مقصودا    حكيمي: أستحق حصد الكرة الذهبية.. وتحقيق الإحصائيات كمدافع أصعب كثيرا    جنايات مستأنف إرهاب تنظر مرافعة «الخلية الإعلامية».. اليوم    بلاغ للنائب العام ضد البلوجر «مانجو» بتهمة نشر محتوى غير أخلاقي    هل هناك مد لتسجيل الرغبات لطلاب المرحلة الثانية؟.. مكتب التنسيق يجيب    أندريه زكي يفتتح مبنى الكنيسة الإنجيلية بنزلة أسمنت في المنيا    ترامب يعين «تامي بروس» نائبة لممثل أمريكا في الأمم المتحدة    "حب من طرف واحد ".. زوجة النني الثانية توجه له رسالة لهذا السبب    نرمين الفقي بفستان أنيق وكارولين عزمي على البحر.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    يسري جبر: "الباء" ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    أمين الجامعات الخاصة: عملية القبول في الجامعات الأهلية والخاصة تتم بتنسيق مركزي    منها محل كشري شهير.. تفاصيل حريق بمحيط المؤسسة فى شبرا الخيمة -صور    ما تأثير ممارسة النشاط البدني على مرضى باركنسون؟    أفضل وصفات لعلاج حرقان المعدة بعد الأكل    أفضل طرق لتخزين البطاطس وضمان بقائها طازجة لفترة أطول    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بشكاوى تداعيات ارتفاع الحرارة في بعض الفترات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرجال y
مسخ الكائنات!
نشر في أخبار الأدب يوم 06 - 05 - 2012


لا أدري كيف أبدأ!
المشكلةُ أنّ مداخلي للتعرُّضِ لمقاربةِ عملٍ أدبيٍّ ما كانت غالِبًا تحومُ حولَ الشذَراتِ المعرفيةِ المنتشرةِ في هذا العمل، أعني إحالاتِهِ إلي غيرِهِ بما يفتحُ أفُقَ النصِّ علي ما سبقه وما عايشَهُ من نصوصٍ أدبيةٍ وغيرِ أدبية، وهذه مشكلةٌ حقيقيةٌ لأن مجموعة (الرجال-y) تتكئُ علي زخمٍ معرفيٍّ مهولٍ وإحالاتٍ لا حصرَ لها، كنتُ ألتمسُ من كلِّ هذا أن يعينَني علي تقديم قراءةٍ ممنهجةٍ، لكن يبدو أنَّ الرياحَ تأتي بما لا تشتهي السفنُ بالفعل!
دعنا نبدأ من الواجهة ، العنوان. فكّرتُ أن أرجئَ التعرُّضَ للواجهة إلي النهايةِ لأستكشفَ منطقها من داخل العمل، لكنَّني انزلقتُ إلي حيرتي السابقِ ذِكرُها.
ما الرِّجالُ Y؟!
تُحيلُنا الفقرةُ المطبوعةُ علي الغلافِ الخلفيِّ للمجموعةِ، والمقتبسةُ من القصةِ الأخيرةِ التي تحملُ الاسمَ ذاتَهُ، تُحيلُنا إلي فيلم (X-men) في الفيلم، تنتابُ الطفراتُ الشريطَ الوراثيَّ الإنسانيَّ لتفرزَ رجالاً خارقين، بشكلٍ غير معقول، بينما في القصةِ التي بين أيدينا، يتميزُ غزوُ الطفراتِ بالعشوائيةٍ المطلقة، فتفرزُ رجالاً ذئابًا ورجالاً حِملانًا ونساء فراشاتٍ، إلي آخر الاحتمالاتِ اللانهائية من المسوخ.
X .. ذلك الحرفُ اللغز، يستخدمه الأنجلوساكسون للدَّلالةِ علي المجهول، كما في المعادلاتِ الرِّياضية، وللدَّلالة علي التَّميُّزِ، كما في X-men .. وهو أخيرًا وليسَ آخر الاسمُ الذي ارتضاهُ علماءُ الوراثةِ لأحدِ الصِّبغِيَّين الجنسيين؛ XY .. وهو الصِّبغِيُّ (الكروموسوم) الذي لا يمكن أن تقومَ حياةٌ بشريةٌ بدونِه.
وبالرُّجوعِ إلي كلماتِ القصة الأخيرةِ المفتاحيةِ في المجموعة، فإنَّ الرَّاويّ البطلَ العالِمَ يعتنقُ نظريةَ (إمپيذوقليس) عن العَود الأبدي .. العالَمُ يتأرجحُ أبدًا بين حالتَي المجالِ والإعصار؛ بين السيادةِ التامةِ للتجاذبِ الطبيعيِّ بين الموجوداتِ، والسيطرةِ الكاملةِ للتنافُرِ بين هذه الموجودات، وكلتا الحالَتين النقيتين لا تسمحُ بوجود الحياة، ففي حالةِ الفيلم X-men، فإنَّ النظريةَ تفترضُ وصولَ العالمِ لحالةٍ وسطي من الاتِّزانِ بين النقيضين، نتجَ عنها ظهورُ الرجالِ الخارقين ذوي (الحياةِ) الكاملة، أمّا في الرجال-y ، فالعالمُ بسبيلِهِ إلي الوصولِ إلي قطبِ المجالِ (سيادة التجاذب التامة)، ولذا تظهرُ المسوخُ المشارُ إليها آنفًا (الرجل الثعبان والرجلُ العنكبوت والرجلُ القنفذ)، فكلٌّ منها كان في المرحلةِ السابقةِ مباشرةً كائنين متمايزين، اندمَجا بفعل التجاذبِ الحتمي في كيانٍ واحد.
لا يمكننا إغفالُ النبرةِ المتعاليةِ التي يعتنقُها العنوان، الإصرارُ علي تسميةِ المجموعةِ باسمٍ يحتفي بحرفٍ إنجليزيٍّ يُكَرِّسُ رؤيةً متعاليةً للعالَم، الإنجليزيةُ لغةُ مَن لا لغةَ له، ولهذا فتبنّي حرفِها الشيطانيِّ Y يمثلُ -بشكلٍ ما- نقطةً متعاليةً علي الظّرفِ الحاليِّ للحياةِ بكلِّ ما يعنيهِ هذا من محليةٍ ووقتية، لماذا Y حرفٌ شيطانيّ؟ للتضادّ القائم بينه وبين X في الوعي الجمعيِّ، الرياضيِّ وغيرِه، ولسببٍ آخر، إنه المعادلُ الصَّوتِيُّ للسؤالِ الشيطانيِّ الذي تدورُ عليهِ المعرفةُ بأسرها: Why?
لماذا؟!
هكذا يشيرُ (كريم) إلي الهَمِّ الإپِستِمُولوجيِّ الذي يُؤرِّقُهُ وهو واقفٌ خلفَ مجموعته القصصية: أري الكون ذاهبًا آيِبًا بين الإعصارِ والمجالِ بلا بدايةٍ ولا نهاية، أرجوحةٌ ترتكزُ علي محورٍ واحدٍ هلاميٍّ شيطانيٍّ اسمُهُ التغيُّرُ. فلماذا؟!
- ما علاقةُ قصص المجموعةِ بعنوانِها؟
تحتفي القصصُ كلُّها بالمَسخ، ففي (الترسيب) يتحولُ المريضُ بين يدَي طبيبِهِ إلي (بسكويت) هشِّ يأكلُهُ النمل، وفي (روتيلاّ ديورا) تتحولُ الأمُّ إلي حشرةٍ... وهكذا، ولذا كان العنوانُ الذي يُكَرِّسُ فكرةَ المسخ في صراحةٍ هو الأنسب.
التَّشَبُّع / التَّشَبُّح، ولا جدوي المعرفة:
في مقابل السؤال المعرفيِّ الذي يتساءلُ عن الغاية، يوجدُ تراكمٌ معرفيٌّ جزئيٌّ في كلِّ قصة، تبدأ القصةُ المفردةُ بمجموعةٍ من الملاحظاتِ تثيرُ لغزًا ما، وتتجمَّعُ الخيوطُ في يد البطل /الرّاوي تدريجيًّا، وقرب النهايةِ يكتملُ حلُّ اللغز، لكنَّ النهايةَ تتجاوزُ لحظةَ الكشفِ إلي وقوع الكارثة الحتمية! دائمًا يُدركُ البطلُ / الراوي الآليةَ التي من خلالِها تتشكلُ الكارثةُ، لكنَّهُ دائمًا أيضًا يقفُ عاجزًا إزاءَ تمام حدوثِها، هذا ما يحدثُ مثلاً في (علاء الدين) حيثُ يكتشفُ طبيعةَ الهيكلِ العظميِّ الملقي أمامَه، لكنَّهُ يُصرِّحُ لنفسِهِ ولنا في يأسٍ مُقَدَّس:
"من قالَ إنني سأنجو لمجرَّدِ أنني أعرف؟!"
نعودُ إلي اصطلاحنا (التشبُّع / التشبُّح) في قصص المجموعة التي بين أيدينا، لا يتجسَّدُ الشبحُ إلاّ مع تمام المعرفة، فالبطلُ في (روتيلاّ ديورا) لا يُدرِكُهُ الرعبُ الوجوديُّ الكاملُ ولا يدركُ موقفَهُ الشبحيَّ إلا حين (يتشبَّعُ) بالمعرفةِ بسلوك الحشرة الحمراء الجافية التي تُظهِرُ سلوكًا عدائيًّا تجاهَ أولادِها..وهكذا، وكما يتبيّنُ من هذه الفقرةِ من مقاربتنا، فالأمران متشابكان للغاية: التشبُّعُ بالمعرفة يؤدي إلي تشبُّحٍ حقيقيٍّ، عندَهُ يدرِكُ البطلُ الشبحُ لا جدوي المعرفة.
الذاتُ مركزُ العالَم، ونسويةُ الثورة:
بين أيدينا خمسَ عشرةَ قصةً، كلُّها محكيةٌ بطريقة الشخصِ الأول: الرّاوي / البطل.. وهذا يعكسُ رؤيةً ذاتيةً للعالَمِ تستحضِرُ (فِشْتَه Fichte) طيلةَ الوقت، إنها مثاليةٌ ذاتيةٌ، لا تُبَشِّرُ بشيءٍ، لكنَّها ترصُدُ حدوثَ الكارثةِ ريثَما تخلُقُها.
لكن لنا وَقفتان عند حديثِنا هذا :
- الأولي عند قصة (الشبكية) وأعُدُّها النموذجَ الأقصي للاعتدادِ بهذه الذاتيةِ وهَدمِها في ذاتِ
الآن، الدكتور (هوركهايمر) الألمانِيُّ الذي يلتقي البطلَ في مصحةٍ نفسيةٍ ب(لندن) يقولُ لبطلِنا: "لكنَّ شبكيَّتَك تملكُ هذه الخاصيةَ الفريدةَ علي التخليقِ المادّيّ." إنَّ البطلَ يري كائناتٍ غريبةً ما أنزلَ اللهُ بها من سلطانٍ ويحكي للناسِ عن هذا، فيُكَذبونه ويُودَعُ هذه المِصَحَّة، ثم يلتقي به (هوركهايمر) طبيبُ العيون بالصدفة، ويأخذ عينةً من نسيجِ شبكيتِهِ، ويختفي تمامًا بما يُنذِرُ بعبثيةٍ الأمرِ برُمَّتِه، ثم يعاودُ الظهورَ ويأخذ البطلَ من يده ليُرِيَهُ الكائناتِ التي خلَّقتها شبكيتُهُ وهي تمرحُ كبيرةً في الحجرةِ المقابلةِ، بعد أن استنسخ خلايا تلك الشبكية الملعونة وفردَها علي الحائط!!
لكنَّ هذا الخَلقَ الخاصَّ يثبتُ لنا في نهاية القصةِ أنَّهُ قادرٌ علي جلب الكارثة، فشبكيةُ البطلِ تختزنُ دورَ شطرنجٍ حاميَ الوطيسِ كان قد لعبه مع أحد الممرِّضين في المصحّة، والطابياتُ تكتسحُ لندن، ورأسُ الملك الصّليبيُّ يبدو وسط الغبار، وهذه هي (المرحلةُ قبل الأخيرة) كما يقول البطل لطبيبه، قبل أن يأتيَ الله!
-الوقفةُ الثانيةُ مع قصة (الشرنقة) .. لا يتخلّي (كريم) عن الرّاوي البطل هنا، لكنَّهُ يجعلُهُ راويةً بطلة، ومن المُلاحَظ أنَّ هذه هي القصةُ الوحيدةُ التي لا تنتهي بكارثةٍ بين قصص المجموعة، بل تنتهي بنصرٍ ثَورِيّ.
إنّ (شهرزاد) الرَاويةَ البطلةَ عُضوَ الخلية الشيوعية السرية، متزوجةٌ من (يسري باشا أبو الفتوح) رأسماليِّ مصنع النسيج، وتخونُهُ وتتواطأُ عليه مع الرفاقِ، فتضع صناديقَ ديدانِ القَزِّ في غرفةِ نومِهِ وتغيبُ عن الغرفة أسبوعًا ريثَما تنسجُ الديدانُ شرنقةً حولَ الرأسماليِّ المَقيتِ وتُخفيهِ تمامًا عن الوجود!!
هل هذه نسويةٌ يتبنّاها (كريم)؟ .. صحيحٌ أنَّ البطلةَ تقفُ في النهايةِ مكتوفةَ اليدينِ أمامَ الشرنقةِ العالمية التي ينسجُها عمّالُ النسيج / الديدانُ للعالَم، لكنَّ نصرًا ما وربيعًا محتملاً يبدوان في الأفق، ولا ننسي أنَّ آخِرَ جملةٍ في القصة: "ومن حولِهِ وفوقَ رءوسِ العُمالِ حلّقَت أسرابٌ هائلةٌ من فَراشاتٍ عملاقةٍ ذاتِ ألوانٍ زاهيةٍ، جميلةٍ جدّا." البطلةُ الأنثي كانت الوحيدةَ بين أبطالِ المجموعة القادرةَ علي الفعل، ومن ثَمَّ علي التغيير، رغم ارتباكِها المؤقَّتِ قربَ النهاية..يبدو أنَّ الأنثي ليستَ جمالاً مطلقًا فَحسبُ كما يفترض عنوانُ المجموعة، لكنَّها كذلك ثورةٌ كامنةٌ محتملَةٌ دائما.
دائريَّةُ الزَّمن:
ونعني بها تبنّي ذلك التصوُّر أنَّ الزمنَ لا يمثلُهُ خطٌّ مستقيمٌ، وإنّما دائرةٌ مغلقةٌ تتصلُ لحظاتُها فلا نعرفُ لها بدايةً من نهاية، أو هو كما يُنسَبُ القولُ لابنِ عربيٍّ : "مكانٌ سائلٌ، والمكانُ زمانٌ متجمِّد." وهو تصورٌ يلتقي بنسبيةِ (أينشتاين) يتجلّي هذا التصورُ كأروعِ ما يكونُ في قصةِ ( أپاسيوناتا) العنوانُ يشيرُ إلي سوناتا الپيانو الثالثة والعشرين لبيتهوفن.
الرّاوي -كما نعرفُ من حديثهِ مع شخصيةِ (فرانتس شوبرت) الموسيقار الشهير- صحافيٌّ في صحيفةٍ تُدعَي ) المداراتِ الجديدة)، رأي (شوبرت) تنهمرُ دموعُهُ وهما في حفلٍ يعزفُ فيه (بيتهوفن) سوناتتَه، فقرّرَ أن يسألَهُ عن رأيه في السوناتة، فاقتادَهُ (شوبرت) إلي حانةٍ ما، وقصَّ عليه قصةَ تأليف (بيتهوفن) لهذه السوناتةِ التي لا يعرفُها أحدٌ إلا (شوبرت) بزعمِه، يحكي (شوبرت) عن أستاذهِ أنَّه بعكس ما يشيعُ من أنّ تاريخ بداية تأليفه لهذه السوناتة كان عام 1804 بدأ في تأليفِها عام 1796، قبل أن تظهرَ عليه أولي أعراضِ الصَّمَم، وبعد أن وضع الحركةَ الأولي منها في ليلةٍ وأوي إلي فِراشِهِ، أقلقه من نومه في منتصف الليلِ أن يسمعَ السوناتةَ تُعزَفُ بالكاملِ في بيته، نهض من فراشِهِ واتجهَ إلي حيثُ الپيانو، ليجدَ ) بيتهوفن) آخَرَ يشبهه تمامًا لكنَّهُ يكبرُهُ سنًّا وحجمًا منهمكًا في عزفِها!
نعرفُ تدريجيًّا أنَّ (بيتهوفن) آمنَ تمامًا بقول (فيثاغورَس) أنَّ الموسيقي هي القانونُ الذي يحكمُ العالَم، وشاء القدَرُ أن يَسمعَ شذرةً من هذا القانونِ أثناءِ نزهتِهِ الخلويةِ بجوار النهرِ غداةَ تأليفِهِ للسوناتة، فيُخمِّنَ الباقي، وبفعلِهِ هذا فتحَ البوابةَ الخفيةَ التي من خلالِها قابلَ في بيتِهِ في هذه الليلةِ (بيتهوفن) الشيخ، و(بيتهوفن) الرَّضيعَ، و(بيتهوفن) المراهقِ، وغيرَهم، لقدَ كسرَ استرسالَ الدائرة، كسرَ استرسالَ الزَّمَن فرأي دائريتَهُ بعينيه!
أسماءُ الشخصيات:
في بعض القصص لا توجد أسماءٌ محددةٌ للشخصيات، لكننا نصطدمُ بأسماءٍ دالّةٍ في بعضِها الآخَر
- ففي قصة (علاء الدين): الاسمُ الذي اختاره الراوي طالبُ الطبِّ للهيكلِ الذي اشتراهُ بشكلٍ (اعتباطيٍّ) هو (علاءُ الدين) يُحيلُ هذا الاسمُ إلي الشخصيةِ الأسطوريةِ الموجودةِ في تراثِ الحكيِ العربيِّ، مرتبطةً بالمغامرة والأهوالِ والانتصارِ في النهاية، لكنَّ (مغامرةَ) علاء الدين هنا مغامرةٌ قدريةٌ لم يَختَر أن يخوضَها، كما أنَّه لن يحقق فيها نصرًا من أي نوع، سيموتُ بالسرطانِ بعد أن يصابَ في حادثِ سيارةٍ، ليتحولَ إلي هيكلٍ عظميٍّ يقتنيه ويدرسُ عليهِ طالبُ طبٍّ آخرَ سيلاقي نفسَ مصيرهِ، وربَّما كان هو نفسه (علاء الدين) إنه يدورُ في مكانِهِ، معاقبًا علي جُرمٍ لا يدري ما هو، وهو يعرفُ كنه العقابِ ويعرفُ المصيرَ لكن لا فكاك.
- وفي (القوقعة): نجدُ أنَّ الأمَّ والبنتَ صاحبتَي اللعنة تحملان الاسمَ نفسَهُ (فادية) ويالَهُ من اسم! هذا الاسمُ بكلٍّ ما يحملُهُ من التضحيةِ ونُكرانِ الذاتِ والفِداءِ، يقفُ علي السطورِ ضاحكًا ضحكةً خبيثةً مما تفعلُهُ صاحبتاهُ الأمُّ والابنةُ، رُبّما رغمًا عنهما، يتقشَّرُ الاسمُ عن المُسَمَّي مرتينِ في قوقعةٍ زمنيةٍ لعينة، فلا يترُكُ إلا عبثًا ضاحكًا في يأس.
الاشتباكُ مع المأثورِ الإسلامي:
وهو محورٌ لن يخفي علي قارئ المجموعة، وهذا الاشتباكُ يتراوَحُ بين الثورةِ والهدمِ والقلبِ من ناحيةٍ، وبين التسليمِ المؤمنِ من ناحيةٍ أخري.
- ففي قصةِ (بئرِ لَملَم) مثلاً، يقلبُ (كريم الصياد) التصور الراسخ في الوعي الإسلامي عن (إسماعيل) ليخلق (إسماعيلَ) جديدًا ثائرًا ملعونًا محكومًا عليه بسرطان الزجاج!
يُعيدُنا هذا إلي سُورةِ الأعرافِ حيثُ يصفُ القرآنُ حالَ المكذبين بالله: "إن في صُدورِهِم إلا كِبرٌ ما هم ببالِغيه."
إنه هذا الكِبر..(إسماعيلُ) القصةِ التي بينَ أيدينا، الفتي العاصي المتأبّي علي أوامرِ اللهِ، تصيبُهُ لعنةٌ ما هي إلاّ تجسيدٌ لمجازِ حالِه، فالزجاجُ كيانٌ مسلوبُ الماء، لا يقبلُ الانثناءَ ولا التشكيل، ومآلُهُ إلي الانكسار، وهو ما يحدثُ بالفعل!
- وفي قصة (الموت قيصريًّا): تنبني القصةُ علي الحديث النبويِّ الواردِ في صحيح مسلمٍ : " لا تقوم الساعة حتي يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتي يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله . إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ." .. ويكادُ الحدثُ الواردُ في هذا الحديثِ أن يكونَ من أركانِ علم آخِر الزمان
كان هذا غيضًا من فيضٍ عمّا يمكن أن يزخرَنا به خمسةَ عشرَ نصًّا بديعًا، احتوتها هذه المجموعة، أعترفُ بأنَّني أتعمَّدُ الانتهاءَ من تدوينِ ملاحظاتي عن المجموعةِ هنا، وأنَّ في هذا كثيرًا من العَسف، لكن، ما يشفعُ لي، هو أنني أتناولُ نصوصًا بهذه الثراءِ، هي بالتأكيدِ تحتملُ قراءاتٍ أخري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.