»لماذا ليس لدينا غير وجه واحد»، لا يمكننا تبديله مثلما نُبَدِّل ملابسنا؟، لأننا لو امتلكنا أكثر من وجه لملأنا العالم جنونًا. »لو أضمن ألا يتعرَّف عليَّ أحد، سأمارس من الجنون ما لا يطيقه العالم، سأُطلق كل الشرور التي أحبسها بداخلي، أُحَرِّر كل ما أَسجنه هناك، سأُطلق كل شيء لأقصي درجة، أتجاوز كل حدّ، سأخترع جنونًا جديدًا»، أليس هذا ما نريده جميعًا؟ أن نفعل الجنون؟ أكثر من الجنون، لكن ما يمنعنا هو هذا الوجه الواحد. أو لو كان لدينا وجد آخر، يحتفظ به الواحد منّا في مكان سرّيّ، ويرتديه وقتما يريد، وجه نُخبئ تحته وجهنا الحقيقي، لفعلنا ما لم يخطر علي بال بشر، وما لم يخطر علي بالنا، ليس لنا غير هذا الوجه الواحد، الوحيد، كي يحمل تاريخنا كله، ويعرفنا العالم عندما نُطلق جنوننا وشرورنا، وأحدنا لا يخلو من بعض الشر. هذا الوجه الواحد يفعل تمامًا ما يفعله كوننا نحتفظ بأسرارنا، ولا نُظِهر مشاعرنا الحقيقية في كل الأوقات، فلو رأينا مشاعر بعضنا بعضًا، وأفكارنا، سيكون هذا أسوأ ما يحدث في العالم، أو ربما يكون الأجمل. "المُهرِّج" يستطيع أن يفعل، هذا الغامض الذي لم يَرَ أحد وجهه الحقيقي، الذي يفعل كل ما يريد، وجه »المُهرِّج» يشبه إلي حَدّ ما طاقية الإخفاء، لكنه يتميز بأنه مرئي، فالأمر لن يكون ممتعًا كفاية إذا كنتَ غير مرئي، المتعة هنا أنك تفعل ما يحلو لك أمام الجميع، دون أن يتعرَّف عليك أحد، تمارس سخريتك وتنكيلك بالجميع، علي مرأي منهم، تماديًا في الجنون والشر. لماذا كل هذا الصدق في وجه »المُهرِّج» عندما يبكي، لأنه يستحضر كل أحزانه بلا خجل، لماذا كل هذا الجموح في ضحكته، لأنه يضحك كأنها الضحكة الأخيرة التي تختم العالم، كلنا يريد أن يمارس سخافات »المُهرِّج»، لا مبالاته، وشروره، لكننا لن نفعل ما دمنا تحت رحمة/قسوة هذا الوجه الواحد. أحيانًا نمارس دور »المُهرِّج» عندما نكون منفردين بأنفسنا، أو في مكان غريب لا يعرفنا فيه أحد، عندما نكون في مكان/موقف جنوني، لكنها حالات غير كافية، "»المُهرِّج» " وحده كافٍ، عندما نرتدي وجه »المُهرِّج» سنكون أكثر وضوحًا، وصراحة، سنفعل ما نريد، ونقول ما نريد، نكون أكثر شجاعة وإخلاصًا، صدورنا وقلوبنا ستكون أكثر راحة وحرية، لن نحبس فيها كل هذه المشاعر والأفكار، ربما استطعنا أن نخون ونكره علي راحتنا. كنا أيضًا سنُحب علي راحتنا. حتي الحب يحتاج أحيانًا وجه »المُهَرِّج». لأطلَقْنا الحيوان الساكن فينا. لأطلَقْنا الإنسان الساكن فينا. داخل كلٍ مِنّا إنسان وحيوان مُقيَّدَاْن، لا يحصل أيّ منهما علي فرصته كاملة في الحياة، ربما لآخر العمر، قد يحدث في مرات قليلة، ولوقت قصير، أن يحصل إنساننا أو حيواننا علي فرصته، ولأن هذه المرات قليلة، تظهر أعمالنا ومشاعرنا مُشوَّهَة، ناقصة، غير حارة، وغير حيَّة بما يكفي، ينقصها شيء ما. الوجه الواحد يضطرنا أن نكون بهذا الاحترام الغبي، وهذا الاتزان المُمِلّ، يضطرنا أن نُرِهق أنفسنا بأن نرسم لأنفسنا صورة لا تخلو من الزيف بقدْرٍ ما، يضطرنا أن نمارس كل هذا القَدْر من الأكاذيب والاحتيالات، لهذا يبدو لنا »المُهرِّج» كائنًا من عالم آخر، لأنه بهذا الصدق والعفوية، حتي إنه عندما يمارس السخرية من الجمهور لن يعترض أحد منهم، لأنهم يعرفون أنه سينصرف بعد قليل، لأنهم يشعرون في اللحظة نفسها بأنهم يضعون وجهًا يخفي وجههم الحقيقي. و»المُهرِّج» لن يُفوِّت الفرصة في السخرية من الجميع، ربما لأنه يعرف ما يفكرون فيه وما يشعرون به، لأنه يعرف أنهم يحلمون بهذا الوجه القناع. إذا كنا نسخر من »المُهرِّج»، فهو أيضًا يسخر من كل هذه الوجوه الغبية التي نضعها علي وجوهنا الحقيقية، كل تلك الأقنعة اللطيفه المهذبة، عليها اللعنة، فلتذهب إلي الجحيم، لأنها ليست بصدق وجه »المُهرِّج». كم يا تُري عدد الأقنعة التي يمكن يتفاجأ بها أحدنا لو أنه عَدَّها علي نفسه، وكم قناعًا يستعمل في اليوم الواحد؟. ليست مصادفة أن تكون كل وجوه »المُهرِّج» في العالم متشابهة إلي هذه الدرجة، الباكي منها والضاحك، كلها لها النظرة نفسها، والروح، كأنهم وجه واحد، »مُهرِّج» واحد يسخر من الجميع، ولأجلهم. ولكن، أليس »المُهرِّج» نفسه رجل يُخفي وجهه تحت قناع؟ هل لو أزال هذا الرجل قناعه سيستطيع أن يفعل جنونه وسخريته، أم أنه سينضم لجمهور المتفرِّجين، حتي هذا الرجل يحتاج لوجه »مهرِّج»، يحتاج للتنكر والتخفي، لو أَمسكَ به الجمهور، وأزالوا وجهه، فلن يظهر ثانية في هذا المكان ليُقدِّم عرضه، رغم أنه سيظهر بقناعه، ولن يكون معروفًا أنه الرجل نفسه الذي كان هنا الليلة الماضية، ولكن لأنه يعرف أنه الرجل نفسه، سيهرب. حسنًا، هذه إحدي علامات ضعفنا، إنسانيتنا، أننا لا نستطيع أن نرتدي هذا الوجه الصادق تمامًا كل الوقت، نحن بهذا الضعف، ولا يجب أن يكره أحدنا نفسه لأنه غير صادق كل الوقت، لا أحد فينا بهذه القوة، وليس مطلوبًا من أحد أن يكون بهذه القوة، وليُرَبِّت كلٌ منا علي روحه ليصالحها. فقط حاوِلْ ألا تكون مُؤذِيًا. هَوِّن علي نفسِك يا صديقي، أنت لست بهذا السوء، أنت فقط لست بهذه القوة، أنت »إنسان».