عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    سعده: خفض الفائدة يدعم الاستثمار ويخفض الأسعار خلال شهرين    «الزراعة» تطلق أول مختبر حي لاستكشاف مستقبل ابتكارات القمح    وكالة «سانا»: ثلاثة قتلى جراء انفجار داخل مسجد في حي علوي في وسط سوريا    الجيش الأوكراني: أسقطنا 73 مسيرة روسية استهدفت مناطق متفرقة في البلاد    مصر ضد جنوب أفريقيا.. تاريخ المواجهات المباشرة بين المنتخبين قبل لقاء اليوم في أمم أفريقيا 2025    سقوط المتهمين باقتحام مقهى وترويع المواطنين بالقليوبية    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    وكيل الصحة بالإسماعيلية تفاجئ مستشفى الحميات    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    إطلاق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة في جولة الإعادة بالدوائر ال19 الملغاة    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    تركيا: اعتقال مشتبه به ينتمي ل "داعش" كان يخطط لشن هجوم في رأس السنة الجديدة    غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    الحكومة اليابانية تقر ميزانية دفاع قياسية بهدف ردع الصين    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية فى سلاح السيف    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار غير مشروع فى العملات الأجنبية بقيمة تتجاوز 3 ملايين جنيه    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    تحسن صحة محمود حميدة وخروجه من المستشفى.. ويستعد لطرح فيلمه الجديد "الملحد" الأربعاء المقبل    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    أنشطة وزارة الإسكان خلال الفترة من 20/12/2025 حتى 25/12/2025.. فيديو جراف    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    الرعاية الصحية تعلن قيد جمعية الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة رسميا بوزارة التضامن    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    وزيرا الإنتاج الحربي وقطاع الأعمال يبحثان تعزيز التعاون لتعظيم الاستفادة من القدرات الصناعية الوطنية    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    كأس الأمم الأفريقية.. زيمبابوي وأنجولا اليوم من أجل التعويض    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.جابر عصفور يتحدث ل»الأخبار« :عبرنا الصعب .. وننتظر إنفاقاً أكبر علي الثقافة
السيسي حقق ما يشبه المعجزة.. وقد يفوق عبد الناصر في إنجازاته
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 04 - 2018

د. جابر عصفور يتحدث مع محرر »الأخبار« «تصوير: حسام المناديلي»
كان المفكر الكبير د.جابر عصفور علي موعد مع الإقامة داخل مكتب وزير الثقافة الأنيق والفاخر مرتين، الأولي قصيرة جدا لم تمتد سوي بضعة أيام، والثانية أطول بعض الشيء، وامتدت لشهور، لكن بريق المكتب الفاخر لم يطفئ عشقه لمكتبه البسيط في الطابق السادس بمؤسسة الأهرام، والذي ورثه وهو وزميله بنفس المكتب الكاتب محمد سلماوي عن أديب مصر الراحل نجيب محفوظ.
بساطة المكتب وعشق صاحبه لهذه البساطة ربما تكون كاشفة عن شخصية د.عصفور الذي لا يميل في تصريحاته إلي المراوغة، بل دائما ما تكون واضحة ومباشرة وصريحة لدرجة تجعلها في كثير من الأحيان صادمة.
وخلال مدة ساعة تجولنا فيها بين الماضي والحاضر والمستقبل، أجاب د.عصفور بتفصيل أحيانا وباقتضاب شديد أحيانا أخري علي أكثر من 25 سؤالا طرحتها عليه »الأخبار»‬، وكانت مفاجئة بالنسبة لي أنه أجاب عليها جميعا، لكنه طلب التغاضي عن نشر إجابة أحدها، لأنها علاقة خاصة جدا بين الانسان وربه، ولا يجب أن تنشر إعلاميا.. وإلي نص الحوار.
نواجه مشكلة في النظام الأزهري وليس في الإمام الأكبر
أغلب أحاديث البخاري عن المرأة »‬مفبركة» ويرفضها العقل
• بداية.. هل تعيش أوقاتا أفضل وتشعر بالراحة بعيدا عن أي منصب رسمي؟
لم يعط نفسه فرصة للتفكير وخرجت الكلمات من فمه سريعة: بالتأكيد أعيش وقتا أفضل، فأنا في البداية والنهاية استاذ بجامعة القاهرة، وأحب الأماكن إلي قلبي هو مكتبي بكلية الآداب، ذلك المكان الذي قابلت فيه طه حسين وكثيرا من المفكرين الذين صنعوا نهضة مصر الحديثة.
وبعد هذا المكان يأتي مكتبي في مؤسسة الأهرام، الذي نجلس فيه الآن، فهو أيضا من الأماكن المفضلة لدي، وكان بالمناسبة مكتب أديب مصر الراحل نجيب محفوظ.
وكلا المكانين يرتبطان بعشقي لمهنتي الأصلية كباحث أكاديمي وكاتب، وهي المهنة التي أحب أن أمارسها، وليس لدي أي طموحات مادية ورسمية ومعنوية أخري.
منظومة للثقافة
ولكن حبك لمهنتك الذي يبدو واضحا في كلامك وحتي في ملامح وجهك وأنت تجيب علي السؤال، يبدو متعارضا مع قبولك لمنصب وزير الثقافة، لاسيما في المرة الثانية، فرغم أنك قلت بعد استقالتك في المرة الأولي أنك تخلصت من القلق وتشعر الآن بالراحة، عدت وقبلت المنصب مرة أخري...
يبدو الاهتمام الشديد بالسؤال واضحا علي ملامح وجهه، ليقول وقد ارتفعت نبرة صوته بعض الشيء: عدت وقبلت المنصب من أجل الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد كنت ضمن مجموعة من المفكرين والمثقفين التقي بهم في اجتماع أثناء ترشحه للرئاسة، وعرضت عليه مأساة الثقافة المصرية وكيف يتم حلها، واختتمت كلمتي موجها حديثي له: إذا كنت تحب أن تسير معنا فنحن معك.
وعندما انتخب رئيسا للجمهورية كان لا يزال متذكرا لهذا الحوار ورشحت وزيرا للثقافة وخلال عملي وضعت منظومة للثقافة المصرية، ولكن لم يسعفني الوقت ولا الظروف لتنفيذها، وكل ما أتمناه أن تنفذ، فهي ليست ملكي، لكن هناك جهدا بذل في إعدادها وأصبحت ملكا لمصر.
وما أبرز ملامح تلك المنظومة؟
يظهر ارتياح واضح علي وجهه لطرح هذا السؤال الذي سيعطيه فرصة للتذكير بجهد طواه النسيان، وقال بمزيد من التفصيل: هذه المنظومة تترجم شعارات ثورتي 25 يناير و30 يونيو في مجال الثقافة، فإذا كانت الثورتان رفعتا شعارات حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، فإننا في هذه المنظومة راعينا العدالة الثقافية، بأن يأخذ الصعيد حقه مثل القاهرة، وتأخذ المرأة حظها مثل الرجل.
كما تطرقت إلي جانب الحريات، وأكدت علي ضرورة صدور قانون يترجم مادة الدستور التي تتحدث عن أنه لا عقوبات سالبة للحريات بسبب الكتابة، لأنه حتي هذه اللحظة لا يزال هناك من يسجن بسبب الكتابة.. وأكدت علي ضرورة الاستفادة من أدوات العصر الحديثة مثل الإنترنت في الثقافة، فحتي الآن ورغم الانتشار الواسع لاستخدام وسائل العصر الحديثة، لا تزال وزارة الثقافة بعيدة عن هذا المجال، إذ لا يوجد إدارة للإنترنت بالوزارة.
وركزت المنظومة أيضا علي التعاون بين الوزارات، وأدخلت وزارات التعليم والاوقاف والتضامن الاجتماعي والشباب كشركاء في تنفيذها.
وأضاف: آن الأوان لأن يري هذا الجهد النور، ولا يجب أن نتذرع بنقص التمويل، لأننا يجب أن ننفق علي الثقافة بنفس قدر انفاقنا علي السلاح، فقد تكون الظروف الاقتصادية الصعبة في الفترة الرئاسية الأولي للرئيس السيسي قد حالت دون تنفيذها، فإننا قد عبرنا الصعب ونحن علي مشارف الفترة الثانية، وننتظر مزيدا من الإنفاق علي الثقافة.
احترام القضاء
ربما كنت ستصبح ضحية عدم تنفيذ تلك المنظومة، لاسيما في الجزء المتعلق بالحرية؟
يبتسم قائلا: تقصد الحكم الذي صدر مؤخرا بالسجن عاما مع إيقاف التنفيذ.
بالضبط.. هذا ما أقصده.
تختفي الابتسامة من وجهه لتفسح المجال لملامح جادة أعقبها بقوله: قصة هذه القضية خلاصتها اني لست متهما ولا أنظر لنفس باعتباري متهما، ولكن أنظر لنفسي كضحية.
ولماذا تعتبر نفسك ضحية، فالمنسوب لك أنك أهنت القضاء بوصفك مرافعة النيابة في إحدي القضايا بأنها أشد تطرفا من داعش؟
لم ينتظر إكمال السؤال، وارتفعت نبرة صوته قائلا: صحفية غير متعلمة ولا مؤهلة سمعت مني كلمة وصفت فيها مرافعة النيابة بإحدي القضايا بأنها كانت متحفظة دينيا، فقامت بتحريف كلامي بمساعدة مسئول بالجريدة يميل إلي »‬الفرقعة»، وخرج عنوان الجريدة بأني أصف مرافعة النيابة بأنها أكثر تشددا من داعش، وأنا لم أقل هذا الكلام، وليس لدي تعليق علي الحكم سوي أني أحترم القضاء وتشهد بذلك كتبي ومقالاتي، وسألجأ إلي الدرجة التالية في التقاضي وهي محكمة النقض.
الوزير النموذج
كما أن الحكم الذي صدر ضدك مخالف لآرائك، كما تقول، فإن البعض قد يلوم عليك إصدار أحكام علي أشخاص قد تكون مغايرة لآرائهم وتوجهاتهم الفكرية؟
ينظر إلي باهتمام متسائلا: مثل ماذا؟
كان لك رأي في وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وصفته فيه بأنه انجح وزير جاء خلال الثلاثين عاما الماضية، بينما حدثتني عن وضعك منظومة للثقافة المصرية تحقق أهداف ثورتي 25 و30 يناير، أثناء توليك المنصب، بما يعني أن هناك قصورا كان موجودا خلال الفترة التي تولي فاروق حسني مسئولية الوزارة بها...
بدون تردد وبإصرار واضح يقول: لا زالت مصرا علي رأيي، ففاروق حسني كان وزيرا صاحب رؤية، ووزراء الثقافة أصحاب الرؤية الذين تولوا المنصب قليلون جدا.. والنموذج الأمثل عندي في هذا الإطار كان وزير الثقافة ثروت عكاشة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فقد استمد عكاشة رؤيته من وجوده مع رئيس أيضا صاحب رؤية، وهو نفس ما حدث في فرنسا حيث حققت الثقافة الفرنسية نجاحات كبيرة في وجود وزير ثقافة صاحب رؤية وهو أندريه مالرو، مع رئيس صاحب رؤية وهو شارل ديجول.
وما علاقة ذلك برأيك في الوزير الأسبق فاروق حسني؟
يزداد إصراره قائلا: فاروق حسني كان أحد تلامذة ثروت عكاشة، واستمد رؤيته من ذلك، فكلنا نعمل وفق الاستراتيجية التي وضعها ثروت عكاشة في مذكراته، وكل ما نفعله هو تحديثها لتكون مسايرة لروح العصر.
وما المميز في استراتيجية ثروت عكاشة الذي نفذه فاروق حسني وجعلك تعطيه هذا التقدير؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: كان يؤمن ب »‬العدالة الثقافية»، الأمر الذي جعله يعطي اهتماما بالثقافة الجماهرية لا يقل عن اهتمامه بالأوبرا، وأفرزت هذه الرؤية العديد من الأسماء اللامعة، فأهم قيادات الثقافة الجماهرية مثل حسين مهران وغيره كانوا موجودين في عهد فاروق حسني.
أليست »‬العدالة الثقافية» التي أشرتم إليها، كإحدي مزايا فاروق حسني، هي ذاتها التي توجد في المنظومة الثقافية التي وضعتها وقلت إنك تنتظر تطبيقها؟
يبتسم قائلا: لا يوجد أحد يخترع جديدا، فكما قلت لك سابقا كلنا نعمل وفق الاستراتيجية التي وضعها ثروت عكاشة، ولكننا نحاول تحديثها وفق مقتضيات العصر.
تقييم الرؤساء
يهمني أيضا في إطار الأحكام التي تأتي مخالفة للتوجهات الفكرية سؤالك أيضا عن حكمك علي مبارك بأنه كان من أقرب الرؤساء للمثقفين، رغم وصفك لنظامه في تصريح آخر بأنه كان فاسدا.. كيف يمكن الجمع بين الأثنين؟
لم يتعثر د.عصفور في تفسير ما يبدو متناقضا في كلامه، وقال بكل ثقة: بوضوح شديد لا ينكر أحد أن العشر سنوات الأولي من حكم مبارك كانت رائعة وسعي خلالها إلي تحقيق ما يحلم به المصريون، ولكن المشكلة أن الاستمرار في السلطة يؤدي لانتشار الفساد.
ولكن رأيك في عبد الناصر لم يحمل هذا القدر من الغموض، رغم أنه أيضا صاحب توجهات مغايرة لفكرك؟
كان مجرد ذكر اسم عبد الناصر كافيا لتخرج الكلمات من فمه سريعة دون انتظار اكمال السؤال، وقال بكل ثقة: هو أقرب الرؤساء لقلبي رغم أنه كان ديكتاتورا.
واستطرد قائلا: كان رئيسا مؤمنا بالفقير، وأكثر الرؤساء حبا لهم، ولذلك لم تشهد مصر في تاريخها جنازة شعبية بحجم جنازة عبد الناصر، وكان ذلك تعبيرا عن محبة الناس ووفائها له، فهو الذي قال لهم »‬ارفع رأسك يا أخي»، ومنحهم الأراضي الزراعية.
هذا الجانب واضح جدا في مسيرة عبد الناصر، ولكن في مقابله كان هناك تقييد للحريات كنت أتوقع أن يؤثر علي رأيك فيه، باعتبارك كاتبا ليبراليا؟
مثل السؤال السابق كانت الإجابة جاهزة عند د.عصفور، وأشار بيديه الاثنتين فيما يشبه الميزان، قائلا: سنأتي بالمزايا والإيجابيات، فإيجابياته أنه كان محبا للفقراء وحقق العدالة الاجتماعية ونفذ خططا تنموية رائعة، وفي المقابل كانت سلبياته أنه لم يكن مؤمنا بالحرية والديمقراطية، وربما يكون ذلك عائدا لطبيعته العسكرية، ولكني عندما أضع المزايا في كفة والسلبيات في كفة أخري، ستربح كفة الإيجابيات.
التجربة الشخصية
أشعر أن رأيك في عبد الناصر ربما يكون مرده هو تجربتك الشخصية...
لم ينتظر إكمال السؤال بالحديث عن هذه التجربة، وتساءل بكل ثقة: وما المانع أن يتأثر رأيي بتجربة شخصية؟.. فأنا لا أنكر الأثر الشخصي، فعبد الناصر حقق لي العدل شخصيا، عندما قرأ شكوتي وأمر بتعييني معيدا في الجامعة.
ويبدو أن رأيك في السادات، تأثر بأنك فصلت من الجامعة في عهده...
يبتسم قائلا: دائما ما أقول إن عبد الناصر أمر بتعييني والسادات فصلني ومبارك أعادني.
أليس من العيب أن يسمح المثقف لتجربة شخصية في التأثير علي رأيه بقضية عامة؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: القضية تتعلق كما قلت سابقا بميزان الإيجابيات والسلبيات، فأنا ليس لدي تجربة شخصية مع الرئيس السيسي، وأحيانا اتهم بنفاقه، لأني أري ان كشف الحساب الذي قدمه مؤخرا ليس كلاما فحسب، لكنه واقع نراه بأعيننا، ويكشف بوضوح عن أن ما تحقق يشبه المعجزة، فلابد أن أحترمه بسبب ذلك، وأعطيته صوتي في الانتخابات لهذا السبب.
ويضيف: أقول ذلك، رغم وجود بعض السلبيات المتمثلة في وجود ضغط كبير للأمن يؤثر علي الحريات، وتقلص هامش الديمقراطية، وغياب مرشحين حقيقيين عن المنافسة في الانتخابات، ولكن هذه السلبيات عندما توضع في كفة والإيجابيات في كفة، تربح كفة الإيجابيات.
السيسي وعبد الناصر
أشعر من حديثك بوجود تشابه بين الرئيس السيسي والرئيس الراحل عبد الناصر في ميزان الإيجابيات والسلبيات...
يتساءل بكل ثقة: ولم لا؟.. فالرئيس السيسي أمامه فترة رئاسية ثانية، وأمامه الفرصة لتحقيق إنجازات أعظم من انجازات عبد الناصر.
وثائق الأزهر
ربما من أهم إنجازات الرئيس السيسي، التي يتحدث عنها المواطن المصري في فترته الرئاسية الأولي، كانت استعادته للأمن بشكل كبير، ولكنك ورغم اعترافك بذلك في تصريحات صحفية، قلت في تصريح آخر لمجلة آخر ساعة إن البؤر الظلامية لا تزال مستمرة، فكيف يمكن الجمع بين التصريحين؟
يبتسم قائلا: لا يوجد تعارض بين الاثنين.. فالرئيس السيسي نجح في قيادة الجهود الأمنية علي الأرض لوأد الإرهاب، لكن للأسف لا يزال بالثقافة المصرية أجهزة تعمل علي تفريخ إرهابيين جدد، ومنها التعليم الأزهري، فلا يزال الأزهر عاجزا عن تجديد الخطاب الديني.
ولكنك كنت قد أشدت بالوثائق التي أصدرها الأزهر الشريف، ووصفتها بأنها إحدي أدوات تجفيف منابع الإرهاب...
لم ينكر د.عصفور رأيه الإيجابي في تلك الوثائق، وقال وقد ارتسمت مشاعر الحزن علي وجهه: أنا أحد المشاركين في إعداد ثلاث وثائق صدرت عن الأزهر الشريف، وهي مفخرة للمصريين، ولكن هل يعترف بها الأزهر وينفذها؟.. أشك في ذلك.
هل المشكلة في شيخ الأزهر؟
بكل ثقة يقول: المشكلة ليست في شيخ الأزهر، لكنها في النظام الأزهري كله.
وكيف يكون الحل من وجهة نظرك؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: هذه مشكلة لن تحل من خلال الأزهر وحده، ولا يجب أن يكون الأزهر وحده هو من يضطلع بمسئولية حلها، فلابد من وجود أطراف أخري، لأن الأزهر هو سبب المشكلة، فكيف سيكون الحل من عنده.
وما هي الأطراف الأخري التي ترشحها للمشاركة في هذا الجهد؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: المثقفون وكبار الكتاب لهم دور كبير، والجامعات المدنية، وواضعو مناهج الدين في التعليم الأساسي غير الأزهري، فالقضية ليست حكرا علي الأزهر.
تجديد الخطاب الثقافي
هل إيمانك بدور المثقف في هذه القضية، هو ما جعلك تطالب في مقالاتك بتجديد الخطاب الثقافي؟
يومئ بالموافقة قائلا: تجديد الخطاب الثقافي يعني بالضرورة تجديد الخطاب الديني، لأن الدين جزء من ثقافة المجتمع.
أفهم من ذلك أنك وأنت تستخدم مصطلح »‬تجديد الخطاب الثقافي» كنت تعني تجديد الخطاب الديني؟
يومئ بالموافقة قائلا: نعم بالتأكيد.
أخشي أن يكون موقفك هذا نابعا من تجربة شخصية، مثلما كان رأيك في عبد الناصر مستمدا من تجربة شخصية لم تنكر تأثيرها عليك...
وما هي التجربة الشخصية في انتقادي عجز الأزهر عن تجديد الخطاب الديني.
الخلاف الذي حدث بينك وبين شيخ الأزهر ابان توليك مسئولية وزارة الثقافة في الفترة الثانية...
تظهر علامات الدهشة علي وجهه قبل أن يقول: ولماذا تصور القضية هنا علي أنها شخصية، هذا خلاف سيظل قائما بين مثقفين يرون أنه لا مانع من تنفيذ أفلام يظهر فيها الأنبياء، وبين الأزهر الذي يرفض ذلك، والمشكلة كانت حول »‬فيلم نوح»، وكان رأيي حينها أنه لا يجب منع الفيلم، لأنه إذا كان الأزهر يمنع فيلما عن نبي الإسلام، فمن حق المواطن المسيحي أن يري فيلما عن نبيه، وقلت حينها إن المنع غير دستوري، لذلك عندما كنت أمين عام المجلس الاعلي للثقافة سمحت بعرض فيلم »‬آلام المسيح»، وقلت من حق المواطن المسيحي ان يري فيلما عن نبيه، وليس أنا من يحدد له إن كان ذلك صحيحا أو خطأ.
الاعتذار لشيخ الأزهر
إذا كان هذا هو رأيك، فلماذا ذهبت لشيخ الأزهر واعتذرت له في مكتبه؟
تبدو علامات الانزعاج علي وجهه قبل أن يقول: لماذا يصور علي أنه معركة، فأنا ذهبت لشيخ الأزهر لأنه صديق عزيز، وليس بيننا مشاكل شخصية.
قيل وقتها إن رئيس الوزراء إبراهيم محلب أجبرك علي الذهاب والاعتذار لشيخ الأزهر؟
بكل ثقة يقول: غير صحيح علي الإطلاق.
إذن أنت ذهبت إليه بمبادرة شخصية؟
يومئ بالموافقة قائلا: نعم ذهبت بمبادرة شخصية، عندما وجدت أن الخرق يتسع علي الراقع، وتفهم شيخ الأزهر رأيي، وقلت له حينها إن الأزهر ليس سلطة دينية، لأنه ليس في الإسلام سلطة دينية، ووافقني شيخ الأزهر في الرأي وقتها.
إذا كان شيخ الأزهر نفسه وافقك الرأي في أن الأزهر ليس سلطة دينية، فلماذا يأخذ رأي الأزهر في مثل هذه الأمور؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: من يذهب لشيخ الأزهر فهو مخطئ، فالحكم في أي قضية يجب أن يكون للدستور والقانون، لأننا لو فتحنا المجال لمثل ذلك، فسيذهب الصوفيون لشيخ الصوفية ويذهب السلفيون لشيخ السلفية، بينما نحن دولة مدنية علمانية فيها فصل بين الدين والدولة، فنحن لدينا رئيس ومجلس وزراء، وهذه بنية علمانية، والعلمانية ليست كفرا، فمن يحكمنا هو الرئيس عبد الفتاح السيسي وليس شيخ الأزهر، ومن يسن القوانين هو مجلس النواب، وليس مشايخ الأزهر.
أفلام الأنبياء
لكن بعض الحالات يجب أن يتم استشارتهم فيها، يعني مثلا لو هناك جهة قررت أن تنتج فيلما عن الرسول محمد صلي الله عليه وسلم، كيف لا يتم استشارة الأزهر؟
تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: يتم اللجوء للجهات المختصة، التي هي في هذا الموقف »‬الرقابة»، وان شاءت أن تسأل أهل الدين، فهي حرة في ذلك، ولكن القرار النهائي يصبح لها.
وأضاف: أنا اتساءل لماذا يؤخذ رأي الأزهر وحده في هذا الموقف، رغم أن هناك علماء دين مستنيرين مثل د.سعد الدين الهلالي أباحوا مثل هذه الأعمال الفنية التي يتم فيها تجسيد الأنبياء، وقال إنها من قبيل العظة والعبرة ليري الناس تضحيات الأنبياء لكي تقتدي بها البشرية، ويجب أن يتم التفكير في وجهة النظر هذه، ولا يتم التمسك بوجهة النظر المتشددة التي سمحت لدولة مثل إيران تزايد علينا وتنتج أفلاما عن الأنبياء لإثبات أن الشيعة أكثر استنارة من السنة، وبالتالي تكون قد خسرت معركة بلا داع.
وجهة النظر التي تقال في هذا الأمر وقد تكون منطقية، أن الفنان الذي يجسد دورا عظيما كذلك، سيظهر في أدوار أخري وهو يصور مشهدا به إيحاءات جنسية مثلا، وهذا ينتقص من قدر الشخصية العظيمة التي جسدها قبل ذلك...
تظهر علامات الامتعاض علي وجهه، قائلا: لا أتفق معك في هذا الرأي، فالفنان بعبقريته يستطيع تجسيد كل شخصية بشكل منفصل، حتي إنه يوهمك مع كل شخصية بأنه هو صاحبها.
أحاديث البخاري
يبدو أن معارك كثيرة، فليست قضية فيلم نوح فقط التي أثارت جدلا، فرأيك أيضا في بعض أحاديث البخاري أثار جدلا أشد، فلماذا وصفت بعضها بأنه كاذب؟
لم ينتظر إكمال السؤال، وقال: بعض أحاديث البخاري منحولة وكاذبة، ومن يري غير ذلك، فهو ليس لديه عقل.
وهل أنت متخصص في علم الحديث لتقول هذا الكلام؟
يبتسم قائلا: تعلمنا في الكلية انتقاد الحديث علي اساس السند والمتن، فالسند تنقده من خلال الروايات، حتي تستطيع التفرقة بين الحديث الصحيح والمرسل والمنقطع والضعيف، والحديث الصحيح كما يقول الفقهاء، وليس المتخصصون في علوم الدنيا، هو الذي يرويه عدل ضابط عن مثله، معتمد في ضبطه ونقله، بشرط ألا يكون شاذا ولا معللا، وبإعمال هذا التعريف تجد كثيرا من أحاديث البخاري لا يقبلها عقل، ولا يمكن أن تكون صدرت عن النبي صلي الله عليه وسلم.
هل يمكن أن تعطيني أمثلة لبعض هذه الأحاديث التي لا يقبلها عقل؟
حاول التذرع بأنه ليس من أدواره توضيح مثل هذه الأحاديث، لكنه قال تحت إلحاح: كثير من الأحاديث التي تتعلق بالمرأة والشيعة لا يقبلها عقل.. فمع الوقت والصراعات السياسية دخلت الأهواء الشخصية في هذا المجال، وقامت كل فرقة بتأليف أحاديث تخدم أغراضها الشخصية.
منهج المعتزلة
يبدو أن آراءك دائما ما تكون صادمة مثلما هي الآن، وربما ذلك هو ما دفع الكاتب محمد القاعود للكتابة في جريدة الوفد مقالا تضرع فيه إلي الله سبحانه وتعالي أن ينصر الإسلام بجابر عصفور، فالكاتب كان يري أن لديك قدرة وطاقة لكنها ليست موجهة لخدمة الإسلام؟
يضرب كفا بكف قائلا وقد ارتسمت علي وجهة ابتسامة ساخرة: لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنا مسلم ومؤمن بالله ورسله وكتابه الكريم، ولكني أتكلم في الدين من منظور إسلامي معتزلي.
يبدو ذلك واضحا في آرائك، فأنت تلتزم بمنهج المعتزلة في تغليب النزعة العقلية؟
يومئ بالموافقة قائلا: أنا أميل لتغليب العقل وأختلف مع الذين لا يعطون له أهمية في التأويل، فأنا يمكن أن تحصرني في فكر المعتزلة أو ابن رشد ان أردت الدقة، وهؤلاء لهم رأي في تأويل الآيات القرآنية يعتمد علي العقل، وهم ليسوا كفارا، ولكنهم أكثر إسلاما من كثير من المشايخ المنافقين.
يعني مثلا واسمح لي أن أطرح عليك هذا السؤال.. هل تؤدي الصلوات الخمس المفروضة في الإسلام؟
أجاب علي هذا السؤال، قبل أن يتدخل في الحوار ضيف جاء لزيارته، قائلا إنه ليس من حقي أن أسأل في هذه المساحة، ليتراجع د.عصفور طالبا عدم نشرها.
غياب الإخوان
مثل هذه الأفكار التي ينظر لها البعض علي أنها صادمة، هل ردة الفعل عليها هي التي دعتك يوما إلي أن تبدي تخوفا من حدوث صراع إسلامي ليبرالي في مصر؟
يومئ بالموافقة قائلا: بالطبع نعم.
وهل غياب الإخوان عن المشهد بعد 30 يونيو لم يعطك بعض الاطمئنان؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: أظن أن الإخوان خلال السنة التي وصلوا فيها إلي الحكم، انهوا من عقول الناس فكرة تقبل أي دعاوي دينية سياسية، فالمصريون باللهجة العامية »‬اتقرصوا» ولن يقبلوا بتكرار المأساة، والسلفيون بدورهم تعلموا من الدرس، وأصبحوا ينافقون الرئيس ويؤيدونه، لكن لو ترك لهم حرية الأمر لكانوا ألعن من الإخوان، لانهم أشد تطرفا منهم.
أفهم من ذلك أنك لا زلت متخوفا؟
يومئ بالموافقة قائلا: لا أخاف علي مصر دينيا إلا من السلفية، لأنهم أشد ظلاما وأكثر قدرة علي التكفير من الإخوان.
نخبة العواجيز
في النهاية، كان لك تصريح قلت فيه: »‬آن لنخية العواجيز أن ترحل»، ألا تري أن المزج بين الخبرة والشباب مطلوب؟
يبتسم قائلا: أقصد أن ترحل من المناصب، يعني لا يصلح أن تأتي الآن في هذه السن وتقول لي تقلد منصبا وزاريا، لكن يمكن أن يكون وجودي في أي مكان استشاريا.
لكنك قبلت رغم ذلك بالوزارة؟
بكل ثقة يقول: آخر مرة كانت مرحلة حرجة، وقبلت من أجل الرئيس السيسي كما قلت لك في البداية.
وماذا عن المرة الأولي؟
كان خطأ واعتذرت عنه، فقد قيل لي إنها وزارة لانقاذ مصر بعد قيام ثورة 25 يناير، فوجدتها وزارة بها نفس عيوب الحزب الوطني واختلفت معهم وقدمت استقالتي بعد 9 أيام.
وماذا عن المرات الأخري التي عرضت عليك الوزارة، لكنك لم تقبل مراعاة لصداقتك بفاروق حسني؟
من أين جئت بهذا الكلام.
كان لك تصريح قلت فيه ذلك؟
يبتسم بسخرية قائلا: تصريح »‬مفبرك» مثل بعض أحاديث البخاري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.