جاءت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال لقائه ورئيس الأركان الباكستاني حول الجهاد وتأكيده أن الجهاد الحقيقي هو رفع مستوي الشعوب كلمة صدق وحق وهدفا جوهريا لمقاصد وأصول الشريعة الاسلامية ذلك أنه وكما قال علماء الأمة ل اللواء الاسلامي إن أعمار الأوطان والسعي علي الكسب الحلال هو تطبيق عملي لحديث الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم «من لم يهتم بأمر المؤمنين فليس منا». علماء الأمة أكدوا أن رفع مستوي حياة الشعوب وتهيئة سبل العيش الكريم للانسان من حيث هو انسان كرمه الله تعالي «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا» هو مطلب شرعي أصيل وأنه لا حرية لجائع ولا سلامة لجاهل، مشددين علي أنه ليس مجاهدا من يقتل الأبرياء ويخرب الأوطان ثم يدعي أن هذا جهاد في سبيل الله «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا». د. ابراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية تناول قضية الجهاد مؤكدا أن هناك جهادين الأول قتالي لايكون إلا بإذن ولي الأمر القادر علي الجهاد وتحت رايته علي حد ما كان يفعله رسول الله والخلفاء الراشدون من بعده وهذا وهو الجهاد الأصغر. أما الجهاد الأكبر: يكمل د. الهدهد- فأوضحته سورة آل عمران يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفحلون» مؤكدا أن العلماء تحدثوا عن المرابطة وهي ست مقامات تبدأ بالمشاركة ثم المراقبة ثم المحاسبة ثم المعاقبة ثم المعاتبة ثم المرابطة وهذا يعني أن كل إنسان لابد وأن يجاهد نفسه وهو المسمي «بالجهاد الأكبر» وقد صح في الحديث «أن رسول الله وهو جالس وصحبه الكرام رأي شابا نشيطا يمشي أمامه فقال لو كان هذا يسعي علي أولاد له صغار أو علي والدين لكان في سبيل الله» كما أن رسول الله «أتاه أحد الصحابة يستأذنه في الخروج للجهاد أي القتال فقال له صلي الله عليه وسلم ألك والدان قال نعم: قال ارجع إليهما ففيهما جاهد» مؤكدا أن الجهاد هنا ليس بالمعني القتالي وفق الضوابط التي ذكرناها وحده ولكن الجهاد في كل مناحي الحياة كالجد في العمل وثقافة الأمل ويجسد ذلك الحديث الصحيح «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتي يغرسها فليفعل» ووضع عمربن الخطاب قاعدة منطلقة من الأصول الاسلامية من أحيا مواتا أي أرضا لاتنبت فهي له كما أن الله تعالي استخلف آدم لإعمار الأرض. ويؤكد د. الهدهد أن السعي علي الكسب الحلال والاجتهاد في إعمار الأوطان وتربية الأجيال كل ذلك جهاد في سبيل الله والنصوص في ذلك كثيرة وما سبق إنما هو إشارة وكذلك نري الأحاديث الداعية إلي زراعة الأرض وطلب العلم في أكثر من 150 موضعا من القرآن الكريم والعلم هنا كل العلوم والمعارف التي تؤدي لرفعة الانسان وشأنه وكثرة الأحاديث في البخاري ومسلم بنحو أكثر من 60 حديثا تحث علي طلب العلم وتبين فضله وفضل أهله. ويري د. الهدهد أن هذه الرايات السوداء التي ترفع بين حين وآخر بدعوي أنها تجاهد وتقاتل في سبيل الإسلام انحراف بالنصوص عن الفهم الصحيح وجهل وجهالة بالمصطفي وحياته لأن الجهاد لايعلنه إلا ولي أمر قادر علي الجهاد وهؤلاء جماعات منحت نفسها ما لايوافق عليه الإسلام الحق وبأي وجه من الوجوه وأمثال هؤلاء بغاة مفسدون في الأرض يجب إقامة حد الحرابة عليهم الذي جاء في سورة المائدة. السيسي حاكم متميز يري د. محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء أن الرئيس السيسي هو أول رئيس يحترم شعبا ويقدر أمة ومن هنا فقد أعطاه الله سعة في الصدر ورجاحة في العقل لأنه تهتم بأمور الشعب وينفذ قول الرسول صلي الله عليه وسلم «من لم يهتم بأمر المؤمنين فليس منا» وقال الرسول اللهم من ولي أمر أمتي فرفق بهم فأرفق الله به مؤكدا أن الشعب في حاجة لرفع مستوي المعيشة ونحن مستعدون للعمل مع الرئيس من أجل البناء والتنمية حتي لانمد أيدينا إلي عدو أو صديق. ويضيف د. مهنا أن سيدنا علي كرم الله وجهه يقول «لحمل الصخر من قمم الجبال أحب إلي من منن الرجال» ويقول أيضا «يقول الناس لي في الكسب عار فقلت العار في ذل السؤال مؤكدا أن علماء مصر يعملون مع الرئيس بقلوبهم وعقولهم لأننا عرفناه ممنهجا كمنهجية عمر الذي أهتم بأمر الشعوب فجاع حين جاع الناس وأكل الزيت كما أكل الناس. ويوضح د. مهنا أن رفع مستوي حياة الشعوب من أعظم أنواع الجهاد لأن الجهاد أنواع هو جهاد النفس وجهاد العدو وجهاد رفع مستوي المعيشة وسئل سيدنا عمر عن شاةعثرت في العراق لما لم تسو لها الطريق يا عمر وهو الذي كان يحمل الدقيق والزيت للفقراء والمساكين حتي لايُسئل عنهم يوم الدين. ويشير د. مهنا إلي أن من يقتلوننا ويخربون ديارنا بحجة أننا كفار هم كما قالوا لأن مصر هي التي زرعت الإسلام في القارات الست عن طريق أزهرها الجميل الذي يحترمه مليارا مسلم في العالم وهي البلد الوحيد المذكورة في القرآن خمس مرات تصريحا و 75 مرة تلميحا ومن حكم مصر فقد حكم قال الله علي لسان فرعون «ونادي فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي» ومن يحكم مصر لايكون أبدا كمن يحكم عزبة مثل قطر ولايعرف التاريخ شيئا عن هذه الدويلة ولا اسرائيل ولا غيرها وقال عمروبن العاص «ولاية مصر تعدل الخلافة». رفع مستوي الشعوب ويحدد د. محمود مزروعة عميد كلية أصول الدين الأسبق أن الجهاد في الإسلام نوعان الأول جهاد الحرب وهذا هو الجهاد الحقيقي ونزل به القرآن ورسخه الرسول في معركة بدر الكبري وهذا ينسحب علي كل الحروب الاسلامية مع غير المسلمين حتي قيام الساعة والذي يقتل فيه أو يموت من المسلمين هو النوع الأول من الشهداء وفيه نزلت آيات قرآنية وسنة الرسول الشريف. والنوع الثاني: يشمل جميع أنواع الكلمات والأفعال التي تدعو إلي الله تبارك وتعالي وتشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب وأن رفع مستوي حياة الشعوب هو أعظم أنواع الجهاد وهو مطلوب شرعا وهو جهاد في سبيل الله ويعد من الحسنات المتعدية في الأخذ بيد الفقراء والمساكين والمحتاجين والجائعين لأنه في سقيا كلب غفر الله لمن فعل ذلك فما بالك فيمن يرحم الشعوب ويساهم في رفع مستوي حياتهم وتخفيف معاناتهم وهي «ماتعدش»!! لأنها تمنع العوز ومد اليد للسؤال. ويؤكد د. مزروعة أن الرسول دل علي الخير وحذر من الشر قولا وفعلا وإن شئت فاقرأ باب الفتن في البخاري ومنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فقالوا ما العمل يارسول الله فقال من له زرع فليحق بزرعه ومن له غنم فليحق بغنمه ومن له ابل فليحق بإبله قالوا يا رسول الله فمن لم يكن له زرع ولاغنم ولا ابل فقال صلي الله عليه وسلم فليأت بحجر وليدق به علي حد سيفه» وفي حديث آخر قال فليعض علي جزع شجرة حتي يلقي الله» ولم يقل صلي الله عليه وسلم خذ سيفك وحارب الناس باسم الإسلام وحين سئل عن أولياء الأمور قال افعلوا ما يأمرون به واسألوا الله تعالي حقوقكم عندهم». ويري د. مزروعة أن منزلة الجهاد علي رفع مستوي حياة الشعوب عند الله تعالي له أجر عظيم فالكلمة الطيبة لها أجر والعمل الطيب النافع للناس أجره عظيم فهذا هو الخير الوفير. مصالح البلاد والعباد د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر يؤكد أن الجهاد هو بذل الوسع لما فيه مصالح البلاد والعباد عاجلا وآجلا وميادين الجهاد متنوعة أولها الطاعات والكربات لله عز وجل وجهاد النفس الأمارة بالسوء وجهاد الشيطان والأصل فيه قول الله تعالي: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنه الله لمع المحسنين». ويوضح د. كريمة وثانيها: أن هناك جهادا لخدمة الدعوة الاسلامية ويكون بالقرآن الكريم قال الله تعالي «وجاهدهم به جهادا كبيرا». وثالثهما: جهاد الذود عن الأرض والعرض وهو الجهاد المشروع لرد العدوان قال الله تعالي: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين» ويحدده ولي الأمر ومؤسساته ذات العلاقة لأنهم أدري بالمصلحة فلا يقام قتال مشروع إلا بإذن ولي الأمر والأصل فيه أن النبي محمدا صلي الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين من بعده كانوا يدعون للجهاد في سبيل الله عند وجود مقتضياته ودواعيه وهذا ما أخذت به النظم المعاصرة. ورابعا يضيف د. كريمة هناك جهاد لعمارة الدنيا وتحسين مستوي الشعوب والأصل فيه قول الله تعالي: «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة» مؤكدا أن من معاني ومقاصد إستخلاف الانسان في الأرض العمل علي العيش الكريم قال الله تعالي: «فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور» والرسول فيما صح عنه أنه كان إذا رجع من معركة قال رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر» فاستصلاح الأراضي وزراعتها نوع من الجهاد «عامل النبي صلي الله عليه وسلم يهود خيبر علي النخل بشطر ما يخرج منها» وقال عليه الصلاة والسلام من بات كالاً من عمل يده بات مغفورا له. ويشير د. كريمة إلي أنه في الحياة التطبيقية وجدت الأنشطة زراعيا وتجاريا وصناعيا ورعويا وبنيان العقارات والسعي علي المكاسب والأرزاق كلها جهاد للعمران وتحسين مستوي المعيشة مؤكدا أن ما قاله الرئيس حق وصدق يتفق مع المباديء والمقاصد للشريعة الاسلامية وفي ذلك فليتنافس المتنافسون». ويؤكد د. كريمة أن من يرفعون الشعارات ويتعاملون بالمزايدات ويقتلون ويخربون ليسوا بمجاهدين بل بغاة مفسدون فقد أنبأنا الله عنهم.. «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد». لا حرية لجائع ويشدد الشيخ خالد الجندي من علماء الأزهر الشريف أن الأمة التي لاتبذل مجهودا وعرقا لاتعرف جهادا الأمر الذي يتطلب الاجهاد كي يتحقق الجهاد أما الشعوب المترفة فلا علاقة لهم بهذه الفريضة لذلك فالجهاد هو بذل الجهد والطاقة مؤكدا أن مفهوم الجهاد يتسع لكل بناء عمراني وبحث علمي ولكل تحصيل دراسي ولكل انتاج متميز ودليل ذلك قوله تعالي: «فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا». ويتساءل الشيخ الجندي فما هو مرجع الضمير في قوله «به»؟ ويجيب إنه الجهاد الدعوي الذي تكاسل عنه معظم العلماء للأسف فلم يقوموا بواجبهم في تجديد الخطاب الديني والارتقاء بحياة الشعوب لذا فما قاله الرئيس أصاب كبد الحقيقة في عدم حصر مفهوم الجهاد علي المواجهات الحربية وعندما يصدر هذا الكلام من قائد تربي كمقاتل علي أرض المعركة فهذا دليل علي أنه أصدق من غيره في شرح وبيان خطورة الحروب وتعطيل الحضارة وتعويق البحث العلمي مطالبا الأمة بالاستجابة لدعوة البناء الصادقة التي أطلقها أمير القلوب ورئيسنا المحبوب تحت عنوان رفع مستوي حياة الشعوب لأن القوة اليوم لم تعد القوة العسكرية فقط انما هي القوة الاقتصادية التي توفر حياة كريمة للانسان من حيث هو انسان فالاقتصاد اليوم هو السيف الذي تنتصر به الشعوب وتفسير الرئيس للجهاد يكمن في أنه لا حرية لجائع ولاسلام لجاهل فبالعلم والبناء تنتصر الشعوب وليس بالمدافع والصواريخ فحسب وحدد الشيخ الجندي ثلاثة محاور لرفع مستوي حياة الشعوب في الإسلام هو بناء العقيدة والثاني هو نشر السلام ويبدو ذلك جليا في التداخل الواضح بين كلمة السلام ومشتقاتها في كل العبادات في الإسلام والثالث هو تأكيد مبدأ المحاسبة يوم القيامة لمنع الظلم حتي لو مع غير المسلم وهي أسس لبناء هذه الحضارة الانسانية وليس القتال. ويؤكد الشيخ خالد الجندي أن من يرفعون الراية السوداء ويدعون أن هذا جهاد في سبيل الله إنهم كالبهائم التي لاتعرف سوي شريعة الغاب ومن المعروف أنه كلما صغر عقل المرء كلما كبرت حماقته فالذي يحاول أن يفرض علي الآخرين سلاحه انما هو إعلان منه أنه لن يفرض عليهم عقله لذا فالعاقل لايلجأ إلي القوة إلا للدفاع ضد حماقة القوة.