هَلْ يَخْسَرُ الشِّعْرُ حِينَ يَخْسَرُ الحُبَّ؟

ابْنَةُ عَذْرَاء
إِنَّهَا؛ وَقْتُ التِحَامِ عَاشِقَيْنِ حَتَّي مَا بَعْدَ الحَوَاسِّ. المُتَبَقِّي لَهَا مِنَ وَقْتِهَا؛ يَنْشُرُهُ المُتَمَاهِيَانِ عُرْيًا عَلَي حَبْلِ غَسِيلِ التَّأْوِيلِ.
تَوَتُّرٌ مَالِحُ المَدِّ وَالجَزْرِ/
أَعْصَابُ ظِلٍّ مُكَهْرَبَةٌ/
فُوَّهَةُ نَشِيدٍ سَاخِنَةٌ/
ضَبَابٌ لَا يَرَي/
أُفُقٌ أَزْرَقُ اللَّهَبِ/
البَيَاضُ، أَنِيقًا، يُشْوَي عَلَي نَارٍ هَائِمَةٍ.
الأَثْرِيَاءُ القَلِيلُونَ؛
مُنْهَمِكُونَ بِتَكْثِيرَاتِ ثَرَائِهِمْ.
الفُقَرَاءُ الكَثِيرُونَ؛
مَذْبُوحُونَ بِمَعِدَاتِهِمُ الفَارِغَةِ.
مَنْ سَيَقْرَؤُهَا فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ؟
فَرَحُهَا هُنَاكَ؛ يَقِفُ بِزَهْوٍ شَحْرُورًا عَلَي رَأْسِ إِصْبَعِي، لَوْلَا خِدَاعُ البَصَرِ.
»قَلْبِي تَحْتَ مِطْرَقَتِكِ».
التَهِمِي أَيَّتُهَا المُومِسُ الشَّرِهَةُ «سْتِيكَ» العَوْلَمَةِ.
أَعْرِفُ أَنَّهَا أَهَمُّ مِنَ الحَيَاةِ،
لكِنَّهَا
تَظَلُّ قَصِيدَةً!
مَا اسْمُكِ الآنَ؟
بَطَّةُ
البَحْرِ المَيِّتِ
السَّوْدَاءُ؟
دَائِرَةُ
مَسْرَحِ الثَّعَالِبِ المُسَنَّنَةُ
حَوْلَ عِفَّةِ غَزَّةَ؟
فَجْوَةُ
رَحْمِ الأَقْصَي
العَقِيمِ؟
مَوْزَةُ
قَمَرِ أَرِيحَا
بِسَحَّابِ مُسْتَوْطَنَةٍ؟
سِيَاحَةُ
مَهْدِ المَسِيحِ المُسَيَّجِ
إِكْلِيلَ شَوْكٍ؟
خَشَبةُ
الآلَامِ مَثِيلَ
إِشَارَةِ مُرُورٍ تُكَسَّرُ؟
خَلِيلَةُ
إِبْرَاهِيمَ مَقْسُومَةً
عَلَي وَاحِدٍ لَيْسَ هُوَ؟
نَهْدَةُ
ثَدْيَيْ نَابُلُسَ
بِحَمَّالَةِ النَّارِ؟
أَمَةُ
رَامَ الله مَسْفُوحَةً
بِال (جِي. أَنْ. أُوزْ)؟
خَسَّةُ
جِنِينٍ مُلَقَّحَةً
سَمَادًا مُسْتَوْرَدًا؟
كَرْمَةُ
طُولِ كَرْمٍ
فِي سِنِّ اليَأْسِ؟
رَائِحَةُ
جَوَّافَةِ قَلْقِيلْيَةِ العَطْشَي
وَأُنُوفُنَا مَزْكُومَةٌ؟
أَمْ بِاخْتِزَالِهَا:
ضِفَّةُ
ابْنَةِ الشَّغَالَةِ- الأَرْمَلَتَانِ؟
خُطَّةُ
الخَطِّ الأَخْضَرِ
المُصْفَرِّ؟
جِزَارَةُ
لَحْمِ عَكَّا
عَلَي خُطَّافَةِ الأَسْوَارِ؟
كَوْمَةُ
يَافَا بَعْدَ انْكِمَاشِهَا
بِتَلِّ الرَّبِيعِ؟
شَرْقَةُ
حَلْقِ حَيْفَا
بِقَوَارِبِ القَرَاصِنَةِ؟
نَاصِرَةُ
ابْنَةِ عِمْرَانَ الَّتِي
هَزَّ اللُّقَطَاءُ جِذْعَهَا؟
إِذَا لَمْ يَتَبَقَّ مِنْكِ سِوَي الاسْمِ؛
فَمَا اسْمُكِ الآنَ
يَا ... ؟
أِجَّاصُ خُبْثِ شَبِيهِي
اسْتَدَلَّوْا
عَلَيَّ وَأَنَا بَعْدُ لَمْ أَزَلْ فِي سِرْوَالٍ قَصِيرٍ! قَالَ لِي، وَأَرْدَفَ: لَمْ أَكُ أَعْرِفُ عَنْهُنَّ شَيْئًا؛ الصَّغِيرَاتِ مُنْتَصَفَاتِ الجَمَالِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُبَلِّلْنَ سَرَاوِيلَهُنَّ المَالْطِيَّةَ الدَّاخِلِيَّةَ بِالبَوْلِ لَيْلًا- نَهَارًا، حَتَّي خَشُنَتْ أَكْثَرَ، كَأَنَّهَا أَوْرَاقُ أَجَاصٍ.
لَمْ
يَسْمَحْ أَنْ أَتَحَسَّسَهَا بِأَصَابِعِ سُؤَالٍ. خَبِيثٌ شَبِيهِي مِثْلُ قَارِئِ (بُودْلِير)، لِأَعْرِفَ: كَيْفَ عَرَفَهَا؟ وَقَدْ كَانَ قَصِيرًا فِي سِرْوَالٍ خَارِجِيٍّ صَغِيرٍ.
كَثِيرًا
مَا كُنَّ يُحَلِّقْنَّ حَوْلِيَ مِثْلَ رَغِيفٍ دَونَ خَمِيرَةٍ، وَلَمْ يَكُ جُوعِي عَرَفَ غَرِيزَتَهُ بَعْدُ، لَاهِيَاتٍ، تَتَفَتَّحُ تِلْكَ الرَّائِحَةُ مِنَ انْفِرَاجِ سِيقَانِهِنَّ بِلَا زَغَبِ قَامَاتِ عَبَّادِ الشَّمْسِ.
لَمْ
أَكُنْ شَاعِرًا آنَهَا، فَأَقُولُ، يَقُولُ شَبِيهِي: إِنَّهَا أَطْيَبُ مِنْ عِطْرٍ لَمْ يُوْجَدْ بَعْدُ، فِي قَارُورَةٍ مَا مَسَّهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ.
اكْتَشَفْتُ
شَبِيهِي شَاعِرًا بِالفِطْرةِ، عَفْوًا بِالرَّائِحَةِ. قَرَأَ عَليَّ مَا كَانَ قَرَأَهُ: حِينَ أَنْهَي المَوْتُ جِنْسَ (فْرُويْد)، عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَجَدُوا سُؤَالَهُ القَدِيمَ/الجَدِيدَ ذَاتَهُ عَلَي جَفَافِ حَلْقِهِ: »مَاذَا تُرِيدُ المَرْأَةُ؟»
يَسْتَديرُ
شَبِيهِي فِيَّ، نَافِضًا أَجْنِحَةَ مَا بَعْدَ حَوَاسِّهِ كُلِّهَا، وَاقِفًا عَلَي حَافَّةِ هَاوِيَةِ سُؤَالٍ: وَ .. مَاذَا أُرِيدُ أَنَا؟
مَاسُ دِيكِ المَجْنُونَةِ
لَا
يُمْكِنُنِي أَنْ أَنْسَاهُ أَبَدًا مُنْذُ طُفُولَتِي؛ كَانَ عَرْشُهُ عَلَي شَجَرَةِ مَجْنُونَةٍ مُعَقَّدَةِ الأَغْصَانِ، فَوْقَ سُورٍ عَالٍ لِبَوَّابَةٍ كَبِيرَةٍ.
لَمْ
يَكُنْ يَظْهَرُ عَلَي أَحَدٍ طَوَالَ الوَقْتِ، لِدَرَجَةٍ تُنْسِيكَ وُجُودَهُ، وَفَجْأَةً؛ يَقْفِزُ عَنْ عَرْشِهِ، كَبَرْقَةٍ لَا تَكَادُ تَلْمَحُهَا، بِتَنْشِينِ جَسَدِهِ المُذَهَّبِ، وَتَاجِهِ القَانِيِّ، قَذِيفَةً دَقِيقَةً جِدًّا، عَلَي مَا بَيْنَ يَدَيْكَ.
كَمْ
صُحُونُ الحُمُّصِ الصِّينِيَّةُ بَعْدَ أَنْ أَكُونَ لَعَقْتُ دَائِرَتَهُ تَدْرِيجِيًّا إِلَي الدَّاخِلِ، خِلَالَ مَسَافَةِ النِّسْيَانِ اللَّذِيذَةِ مَا بَيْنَ المَطْعَمِ وَالعَرْشِ! كَمْ مَرَّةً تَنَاثَرَتْ أَرْحَامُ أَكْيَاسِ الوَرَقِ، بِأَجِنَّةٍ ثِمَارٍ نَاضِجَةٍ، وَكَمْ كَانَتْ تِلْكَ الوِلَادَاتُ تُفْرِحُنَا، حِينَ كُنَّا نَقْطِفُ عَنْ شَجَرَةِ الأَرْضِ ثِمَارًا مُتَدَحْرِجَةً بَعِيدًا عَنْ أَرْحَامِ أُمَّهَاتِهَا الوَرَقِيَّةِ!
بَشَاعَةُ
مَوْتِ العُنْفُوَانِ مَا زَالَتْ تُغَلِّقُ عَيْنَيَّ عَنْ رُؤْيَةِ أَيِّ كَائِنٍ يُذْبَحُ، أَوْ يُعْطَي حُقْنَةً طِبِّيَّةً. خِطَّةُ
مُؤَامَرَةِ اغْتِيَالِهِ، مِنْ قِبَلِ رِجَالِ الحَيِّ، كَانَتْ شِبْهَ فَاشِلَةٍ؛ خَوْفُ الجَزَّارِ المُدَّعِي، وَرَجْفَتُهُ مَثِيلَ سِتَارَةٍ فِي رِيحٍ، لَمْ يَجْعَلَا سِكِّينَهُ تَتَمَكَّنُ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ، عَلَي الرَّغْمِ مِنْ كَثْرَةِ رِجَالٍ، أَخْرَجُوا رَأْسَهُ المُتَوَّجَ مِنْ فُوَّهَةٍ صَغِيرَةٍ لِكِيسٍ مِنَ القِنَّبِ، بَعْدَ إِتْقَانِ القَبْضِ عَلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ جَبَانَةِ جِدًّا، وَخَوْفٍ يَتَطَايَرُ مِنَ العُيُونِ كَشَرَرٍ مُرَطَّبٍ لَا يَشْتَعِلُ.
لَا
يُمْكِنُ أَنْ أَنْسَاهُ أَبَدًا؛ المَلِكُ الَّذِي انْتَصَبَ عَلَي سَاقَيْهِ كَعَمُودَيْ فُولَاذٍ، غَارِزًا مَخَالِبَهُ فِي الإِسْفَلْتِ الحَارِّ، وَرَافِعًا رَأْسَهُ شَامِخًا كَنَسْرٍ، بِعَيْنَيْنِ مَثِيلَ رَأْسَيْ سَهْمَيْنِ، بَرَّاقَتَيْنِ تَأَمُّلًا كَشَاعِرٍ سُرْيَالِيٍّ، وَمُشْرَئِبَّةً عُنُقُهُ التُسَاقِطُ حَبَّاتَ الكِبَرِ المَاسِيَّةَ مُشَعْشِعَةً أَحْمَرَ نَقِيًّا، مُشَكِّلَةً عَمُودًا أَصْلَبَ، وَمُصِرَّةً عَلَي أَنَفَةِ الرُّوحِ، حِينَ يُغْتَالُ الجَسَدُ البَهِيُّ.
الرِّجَالُ
الَّذِينَ جَلَسُوا عَلَي مُؤَخَّرَاتِهِمُ مَثِيلَ مُحَارِبِينَ فِي اسْتِرَاحَةٍ دَائِمَةٍ، لَاهِثِينَ مَعًا شَجَاعَةً مُزَوَّرَةً، وَنَازِفِينَ عَرَقًا مَغْشُوشًا، تَبَاهَوْا بِانْتِصَارِهِمُ المُنْكَمِشِ عَلَي ذَاتِهِ، أَمَامَ النِّسْوَةِ المُطِلَّاتِ، بِأَنْصَافِ أَثْدَائِهِنَّ، مِنَ النَّوَافِذِ النَّخِرَةِ، وَشُرُفَاتِ عُرُوضِ مَلَابِسِ النَّوْمِ الشَّفِيفَةِ المُبَلَّلَةِ، تَرَكُونَا نَحْنُ الأَطْفَالَ، نُحَاوِلُ قَطْفَ ثَمَرَةِ الانْتِصَارِ غَيْرِ النَّاضِجَةِ (ثِمَارُهُ كَانَ ينَثَرَهَا مِنَ الأَكْيَاسِ نَاضِجَةً وَحَقِيقِيَّةً)، بِاقْتِرَابِنَا البَطِيءِ مِنْهُ، يَشُدُّ بَعْضُنَا بَعْضًا، حَذَرًا أَعْرَجَ، وَجُرْأَةً تَخْتَبِئُ وَرَاءَ ظُهُورِنَا.
الحَافِلَةُ
الوَحِيدَةُ، الَّتِي كَانَتْ تَعْبُرُ مِنْ شَارِعِنَا الوَحِيدِ، تَبَاهَتْ أَيْضًا؛ بَكَّرَتْ مُرُورَهَا اليَوْمِيَّ، ذَاكَ الصَّبَاحَ البَاهِتَ، بِعَشْرِ دَقَائِقَ أَلَمٍ وَعَجَلَتَيْنِ عَجُولَتَيْنِ تَوْءمَيْنِ، وَسَوَّتِ المَلِكَ المُذَهَّبَ بِالإِسْفَلْتِ الأَحْمَرِ القَانِيِّ.
الآنَ
كَأَنَّا لَمْ نَكُنْ،
لكِنْ؛
لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَنْسَانَا أَبَدًا!مَرَّةً سَالَ أَحْمَرُ البَطِّيخِ المَغْدُورِ، عَلَي الرَّغْمِ مِنْ شِدَّةِ حِرْصِي لِثِقَلِهِ، وَنُعُومَةِ مَلْمَسِ ثِيَابِهِ اليَابِسَةِ! كَمْ مَرَّةً تَهَشَّمتْ