وزارة العمل : تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور.. و37 مخالفة لتراخيص الأجانب    ضوابط استخدام وسائل الإعلام الحكومية في الدعاية الانتخابية وفق القانون    تفاصيل البرنامج التدريبي المخصص لأعضاء الشيوخ الجدد بالأكاديمية الوطنية (صور)    وزير الري يتابع تنفيذ مشروع إنشاء قاعدة معرفية للمنشآت الهيدروليكية فى مصر    سعر الدولار أمام الجنيه في بداية تعاملات اليوم 17 نوفمبر 2025    استقرار الأسعار فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الإثنين 17-11-2025 فى المنوفية    نائب رئيس الوزراء يكرم العاملين المتميزين بالسكة الحديد ويؤكد: نماذج مشرفة    تراجع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 17 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025    مصر تعلن كشف جديد للغاز في الصحراء الغربية    انقطاع التيار الكهربائى عن 14 قرية وتوابعهم ومنطقة ب5 مراكز بكفر الشيخ    بلتون القابضة: أصول صندوق «سبائك» للاستثمار في الذهب تصل ل1.6 مليار جنيه    ترامب يتراجع عن موقفه ويدعم الإفراج عن ملفات «إبستين»    الفصائل الفلسطينية: نرفض أي وصاية أو وجود عسكري أجنبي في غزة    الحرس الوطني الأمريكي يبدأ الانسحاب من بورتلاند وشيكاغو    نتنياهو يتجنب لجنة تحقيق رسمية.. تفاصيل أزمة هجوم 7 أكتوبر    بن غفير: مصادرة مكبرات الصوت في المساجد ضمن قانون الضوضاء    مدرب نيجيريا يتهم لاعبي الكونغو الديمقراطية باستخدام السحر خلال ركلات الترجيح    محمد صلاح على رأس تشكيل كامل يغيب عن منتخب مصر الليلة أمام كاب فيردي    بسبب الأزمة المالية .. الزمالك يضع شرطا للموافقة علي رحيل البرازيلي خوان بيزيرا    جاتوزو: أعتذر لجماهير إيطاليا.. ولدينا مشكلة ذهنية بسبب آخر نسختين ويجب أن تتغير عقليتنا    بعد الاتفاق علي التفاصيل .. الأهلي يقترب من تجديد عقدي أحمد عبد القادر وحسين الشحات    كاب فيردي: هدفنا الوصول لأبعد نقطة في المونديال.. وغياب محمد صلاح لن يؤثر على قوة مصر    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    الأرصاد تحذر من ارتفاع تدريجي لدرجات الحرارة دءًا من الغد    تفاصيل مصرع سائق وإصابة 13 فى اصطدام ميكروباص بعمود إنارة بإسنا    إحالة أوراق فني سيارات بالإسكندرية إلى المفتى بتهمه القتل واستعراض القوة    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى فيصل دون إصابات    محمود جويلي مرشح «النواب» يوضح ملابسات ضبطه.. والأمن: كان في النيابة العامة    4 ترشيحات للأوسكار من نصيب النجم العالمى توم كروز    أحمد سعد يكشف لأول مرة تفاصيل حادث العين السخنة: "الحب الحقيقي يظهر في الشدة"    أوعى تزعلها.. رسائل الجمهور لزوج مي عز الدين.. فيديو    مروة صبري تعتذر عن تريند دينا الشربيني: «الخطأ ليس عيبًا»    كلية دار العلوم القاهرة تنظم ندوة بعنوان.. المتحف المصري الكبير: الخطاب والمخاطِب    عرض "الجولة 13" لأول مرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمهرجان القاهرة السينمائي    دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى فى التعامل مع البنوك    وزير الصحة يشيد بكوادر وأعضاء لجنة المسؤولية الطبية وسلامة المريض    لمواجهة الصعوبة في النوم.. الموسيقى المثالية للتغلب على الأرق    السبب الحقيقي وراء آلام الظهر رغم عدم بذل مجهود.. طبيبك يجيب؟!    مفاجأة.. 70% من مرضى السكري مهددون بضعف السمع    نظر محاكمة 5 متهمين فى قضية "داعش الطالبية" اليوم    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    مديرة قسم الصحة باليونيسيف: برامج متكاملة لدعم الأم والطفل في مصر    بعد صلاة الفجر.. كلمات تفتح لك أبواب الرحمة والسكينة    #جزيرة_الوراق تتصدر مع تحوّلها لثكنة عسكرية .. ودعوات للتصدي بالثبات في الأرض    ياسمينا العبد: شخصيتي في ميدتيرم هي الأصعب.. مركبة من عدة شخصيات في آن واحد    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    ترامب يتوعد بعقوبات شديدة على الدول التي تتعامل تجاريا مع روسيا    الخارجية الأمريكية تدرج مجموعة تابعة للرئيس الفنزويلى كمنظمة إرهابية أجنبية    الكونغو الديمقراطية تنتزع بطاقة الملحق العالمي بعد مباراة ماراثونية أمام نيجيريا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    انتهاء التحقيق مع الفنان شادي ألفونس وحبسه 4 أيام بتهمة حيازة المخدرات    مدير الترميم بالمتحف الكبير: المركز أول مبنى في المشروع.. وتمر كل القطع عليه    مروة صبري تعتذر ل دينا الشربيني: «أنا غلطت والصلح خير»    الدفاع الجوي الروسي يسقط 31 مسيرة أوكرانية خلال ساعات    نشرة الرياضة ½ الليل| مثل صلاح الأعلى.. تفكيره في القطبين.. تدريبات مصر.. عزاء صبري.. وجوائز كاف    اللجنة المصرية في قطاع غزة توزع الخيام على النازحين المتضررين من الطقس السيء | فيديو    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ع هدير البوسطة..
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 03 - 2018

كان ذلك في بداية الثمانينيات، حين قرر تاجر أرمني أن يهاجر فجأة إلي الولايات المتحدة، ويبيع كل محتويات بيته بأسعار زهيدة. الأمر الذي شجع أبي علي أن يشتري منه راديو فيليبس، أذكر أنه كان جميلاً ونظيفاً جداً، أما والدتي فكانت حصتها طنجرة ضغط تطبخ اللحمة بسرعة هائلة، وفرامة مولينيكس لم تكن تجيد استخدامها، ومع ذلك كانت سعيدة .
من خلال الراديو، اكتشفت الموسيقي العربية: أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد، ونجاة الصغيرة، وفريد الأطرش وشقيقته أسمهان التي انحزتُ لها، حين أخبرني أبي بحادثة موتها المأساوي وهي في ريعان شبابها. ووجدتُ الموسيقي العربية قريبة من الموسيقي والأغاني الكردية التي فتحتُ عينيّ عليها، رغم أنني لم أكن أفهم كلماتها، وكنت دوماً استعين بخالي الذي يجيد العربية بطلاقة، والذي فتح لي أبواب الأدب العربي، كونه كان يعمل في أهم مكتبة في (القامشلي)، وهي مكتبة أنيس حنا مديواية، المسئولة عن توزيع الصحف والكتب والمجلات في قامشلي وضواحيها .
الإذاعة الوحيدة التي كانت تقدم برامج غنائية وموسيقية ونشرات الأخبار باللغة الكردية، كانت إذاعة بغداد، ومنها استمعتُ للمرة الأولي لمحمد شيخو وسعيد يوسف ومحمد عارف جزراوي ومحمود عزيز وتحسين طه والمغنية الكردية الوحيدة وقتها عيشه شان، التي كُنا نبكي حين نسمع صوتها وأغنيتها المشهورة (به مال) .
كان كل ذلك، وأنا طفل في قريتي (كرصور)، وحين كبرت وذهبتُ لإتمام دراستي في القامشلي اكتشفتُ عالماً موسيقياً آخر: فيروز والأخوين رحباني، لتبدأ علاقة جديدة مع كل ما يأتي من لبنان .
في درس الموسيقي، جاء المُعلم بجهاز تسجيل قديم علي شكل حقيبة يعمل بالبطاريات، ثم ضغط بإصبعه علي كبسة صغيرة، ووضع كاسيت سانيو، وكانت هذه هي المرة الأولي التي استمع فيها إلي فيروز. كانت الأغنية رائعة وجميلة وكلماتها بسيطة تتحدث عن رحلة ركاب البوسطة، واسمها (البوسطة)، التي عرفنا من المعلم- أنها من كلمات وألحان زياد الرحباني .
هذه الأغنية بالتحديد جعلتني أبحث -حين كنت في بداية تجربتي الشعرية- من خلال ركام التفاصيل اليومية عن كل ما هو مُدهش وفاتن وقريب منّا جميعاً .
»ع هدير البوسطة الكانت ناقلتنا
من ضيعة حملايا لضيعة تنورين
تذكرتك يا عاليا وتذكرت عيونك
يخرب بيت عيونك يا عاليا شو حلوين»‬
كما تركت هذه الأغنية ندبة جميلة في قلبي، لن أشفي منها، وفتحت لي أبواب عالم الرحابنة، وشغلهم المختلف الذي يستفيد من المنجز الموسيقي العالمي ويحافظ علي روحه اللبنانية والعربية.
في بداية دراستي، عملتُ عاملاً في مقهي صغير في سوق العتاقجية في (القامشلي)، حيث محلات تصليح المحركات والسيارات والشاحنات والحافلات. كنتُ استمتع بأصوات المطارق وهي تنهال علي الحديد بلا رحمة، وأنظر نحو الشرر التي تتطاير في السماء، وتختفي .ثم تركت العمل في المقهي لأساعد خالي حسين في بيع الخضار والفاكهة بالسوق.
هُناك في القامشلي- تمتزج اللغة الكردية بالسريانية والأرمنية والعربية ولهجات أخري ليست موجودة في أي مكان مثل لهجات المحلمية والميردلية وهي مزيج من الكردية والعربية، تفوح منها رائحة حقول القمح والبيوت البعيدة في جبال طوروس وسهوب ماردين.
بعد خلاف مع خالي، غادرت سوق الخضار، لأعمل عتالاً في الميرا حيث صوامع الحبوب والشاحنات العملاقة وأكياس كثيرة وثقيلة من القمح تنتظرنا أنا وأصدقائي العتالين، هؤلاء الذين لا ظهر لهم في هذه الحياة غير ظهرهم .
في فترات الاستراحة، وتحت شمس آب الحارقة، كُنّا نُدخن ولا يلبث أن يطلق أحدهم العنان لحنجرته ويُغني، إلي أن تختلط دموعه مع قطرات العرق التي تنساب بحزن وهدوء، وتتوقف علي خده ثانية واحدة، قبل أن تسقط علي الأرض وتختلط بالتراب الساخن.
لم أتحمل حزن العتالين، ولم يتحمل ظهري أكياس القمح، رميتُ الخطاف في الهواء، وعدتُ إلي (القامشلي)، بعد أن وجدتُ عملاً جميلاً: سائق دراجة نارية، أنقل راكبين في كل مرة إلي القري الكردية. فِي الأعراس تسير عدد من الدراجات أمام سيارة العروس كنوع من الفرح الخاص خصوصا إذا كان العريس سائقا للدراجة النارية .
بفضل دراجتي النارية (هوندا)، تجولتُ في كل القري الكردية، وحضرتُ عشرات الأعراس، وحفظتُ العشرات من الأغاني الشعبية الكردية التي عن قلوب العشاق وآهاتهم ودموعهم. كل ذلك كان في مرحلة الصبا. وخلال وجودي في (القامشلي) و(كرصور) وبعد أن أنهيت دراستي الثانوية، كان عليّ الانتقال إلي حلب، حيث الدراسة الجامعية .
في حلب، مدينة الطرب أحببتُ الغناء الحلبي والأكل الحلبي والحياة في حلب والسهرات الطويلة في ليالي الصيف تحت ضوء القمر، بالقرب من القلعة .
وبحكم وجودي في الوسط الثقافي، وكنت قد نشرتُ بعض القصائد في الصحف والدوريات اللبنانية والعربية، لاحظتُ من خلال نقاشات وحوارات المثقفين اهتمامهم بالموسيقي الكلاسيكية العالمية .
طبعاً، وكجزء من الديكور الثقافي، اشتريتُ اسطوانات لباخ وبيتهوفن وكورساكوف وفيفالدي. وبصراحة لم أجد فيها أي شيء يشدني إليها.
أنا أحبُ آهات أم كلثوم. أحبُ حنان نجاة الصغيرة، وحزن فريد الأطرش، وجنون محمد عارف جزراوي، ودموع عيشه شان، وشامة سميرة توفيق، ورقص صباح، وبحة جورج وسوف. أحبُ أغاني الكراجات في دمشق وحلب والقامشلي. أحبُ المطربين الذين يغنون في الحفلات والسهرات والأعراس بعيداً عن السلم الموسيقي والمقامات. أحبُ الأغاني الهابطة وفق تقسيمات المثقفين التي اسميها الأغاني العالية، لأنها تُشبهنا كثيراً، وتُشبه حياتنا وأحلامنا .
كل ما حكيته، ترك أثراً كبيراً علي قصيدتي، التي ابتعد فيها عن الغموض، واقترب فيها من الناس، لأنني أكتب عنهم ولهم .
سوريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.