الممثلة الحسناء كانت تردد في إعلان التمثيلية بصوت متقطع الأنفاس موغل في الدهاء الأنثوي: »غشاني ياعمدة وقال لي بعرسك«، في ذلك الوقت أصبح الإعلان يتكرر بين فينة وأخري مثل إعلان مشروب شامبيون الآن، الذي واكب انتخابات أبريل 2010م، عندما سئل ظريف من سيفوز في الانتخابات، قال واحد من اثنين شامبيون أو الرئيس الحالي. عندما يهبط الصمت كله علي المكتب، وفي عدم وجود المراقب وغياب موظفة الحسابات. يحاكي أحد الشباب بالصوت العالي الممثلة المدللة: »غشاني ياعمدة وقال لي (...) يجرد »بعرسك« من ثيابها يلقي بها عارية كما ولدتها أمها أمام الجميع، فيضج المكتب بالضحك، ثم يتواصل الانهماك في العمل الحسابي عالي التركيز بعد الفاصل. تأتي الموظفة من قسم الحسابات لتقوم بتنزيل حركة حسابات التغذية علي الكروت لمدة ساعة أو ساعتين ثم تعود إلي سربها في الحسابات العامة حيث إن الغلبة هنالك لصالح الموظفات. وجودها في البنوك الأجنبية يشعرها بالوحشة، ومع ذلك يلبس فريق العزاب في البنوك الأجنبية ثوب الحشمة في المناقشات وتبادل الطرف والنكات. ذات مرة حضر الموظف عماد من الخارج، عماد يردد الأبيات الشعرية ويوزع الفرح في أرجاء المكتب. ولم يكن المراقب موجودا، لم ينتبه لوجود موظفة الحسابات، حال بينه وبينها العمود. وجد الكل منهمكاً في تفاصيل العمل. أطلق عماد سراح التعليق بالصوت العالي: »غشاني ياعمدة وقال لي (...)، لم يتلق الرد المعهود من الجميع، الضحك العالي. لزم الموظفين لغير العادة الصمت تظاهروا بالانهماك في العمل وعدم سماع شيء، وكذلك فعلت موظفة الحسابات، عندها انتبه عماد للموقف الحرج، عاد من حيث أتي، وأصبحت الضحكة مؤجلة إلي أن تخرج الموظفة. أضيف الموقف برمته ملحق إلي حكاية فتاة العرس - ممثلة التمثيلية المغناج. دارت الأيام ذات يوم هاجم مراقب المكتب الموظف معتز في نقاش خلال تناول وجبة الإفطار أنفجر المراقب: أنت قايل نفسك شتو. أسمك لسع مكتوب بقلم الرصاص. والله تقرير مني يرفدك. مسك معتز نفسه عند الغضب لم يقل شيئاً، لم يرد علي المراقب، المفاجأة واحترام الأكبر سناً ألجماه. تدخل رئيس القسم قائلاً للمراقب: لم يقل شيئاً يا أخي أتركه. دارت الأيام دورتها، وتعاقبت السنين، أصبح المراقب مدير فرع في الأقاليم، ورئيس القسم مدير فرع في العاصمة، والموظف معتز رئيس قسم التفتيش في الإدارة العامة. ذهب فريق التفتيش برئاسة معتز لمراجعة أعمال فرع الحمرة في كردفان. مدير الفرع هو المراقب السابق في قسم البنوك الأجنبية. بالغ المدير ونائبه في الاحتفاء بمعتز وفريق التفتيش. شكرهم معتز علي الحفاوة والاستقبال ودخل في صلب الموضوع مباشرة، مراجعة أعمال الفرع من الألف إلي الياء، ضمت قائمة ملاحظات فريق التفتيش، الفوضي البادية علي الفرع وتعامل موظفيه مع الزبائن، وجود تجاوز في أحد الحسابات بدون تصديق من إدارة الاستثمار بالإدارة العامة. حاول مدير الفرع ونائبه إثناء معتز عن إدراج التجاوز في التقرير. فتح تحقيقا في الأمر. أدين المدير وذهب حيث استقبل استقبال المقيمين في سجن دبك. وجه الخير في فرع المصرف العتيق يحضر أصحاب الحوالات من ليبيا بعد إرسالها عن طريق المصارف الليبية ليستلموها في أحد مصارف السودان. بتوجيه من الموظف المسئول من الحوالات الخارجية بقسم الحوالات، يصعد صاحب الحوالة إلي الطابق الأول إلي قسم البنوك الأجنبية - المراسلين - ليستفسر عن ورود حوالته في كشف حساب المراسل لدي الموظف المختص في قسم البنوك الأجنبية. يتكون القسم من مكتب كبير في شكل صالة فيها عشرة موظفين زائداً رئيس القسم والمراقب، ما عدا موظف تغذية أرصدة الحسابات بالخارج، موظفة الحسابات، وموظف تنفيذ العمليات الخاصة بالفروع، فإن باقي الموظفين يقومون بالعمل نفسه، عمل المطابقات المحاسبية علي أرصدة الحسابات مع المراسلين بالخارج بإجراء التسويات اللازمة، إلغاء المنفذ واستبعاده من المطابقة وعمل قوائم بالمعلقة غير المنفذة. حسابات المراسلين وزعت بينهم، كفل المصرف لجميع الموظفين مكاتب موحدة أما الرئيس والمراقب فمكاتبهم أكبر حجماً وارفع مظهراً، إضافة إلي موقعها في صدارة المكتب. معتز موظف وسيم وأنيق، حديث الالتحاق بالخدمة، كما قال مراقب القسم ذات مرة اسمه مازال مكتوباً بقلم الرصاص - سهل مسحه وإزالته، ومع ذلك قامته وانضباطه في العمل كفلا له مظهر الموظف الكبير المحترم. رئيس القسم محمود ذو شخصية محبوبة، متواضع غير متعال، مرح صديق الجميع، ذو همة ونشاط كل من في المكتب يقدره ويحترمه. بين الموظفين يبدو كالموظف وليس الرئيس، تمت ترقيته رئيساً للقسم حديثاً، ومازال يمارس مهمتي الموظف والرئيس الأثنين معاً. المراقب كان أقدم الموجودين في قسم البنوك الأجنبية من حيث سني الخدمة في المصرف، وكذلك العمر، إلا أن ذلك لم يظهر في هيئته، كان يلبس الملابس غير المنسقة المتنافرة الألوان، لون القميص ولون ربطة العنق ولون البنطلون كل ذاهب في اتجاه بعيدا عن التناغم. كثير الثرثرة والانتقاد للموظفين، لذلك كان مكروها، لم يكن محبوبا أبدا. درج المراجعون الصاعدون من قسم التحاويل علي تخطي المراقب في صدارة المكتب والموظفين في طريقهم والحضور إلي معتز للاستفسار عن حوالاتهم. معتز دائماً يوجه السائل إلي الوجهة الصحيحة إلي المراقب القابع في مقدمة المكتب كأبي الهول. يصحب هذا التوجيه تبسم جاره في المكتب رئيس القسم، الضحكات المكتومة من بعض الموظفين، تكرر هذا المشهد الذي فرضه سلوك المراجعين أصبح معتز مرشد ودليل المراجعين إلي المسئول، الذي يحول المراجعين إلي الموظف المختص بمسك حسابات مراسلي ليبيا والمراسلين الآخرين. الناس عادة يتوسمون الخير في شخص يفشون له بما لايعرفونه وما يودون معرفته. هنا في السعودية يسألون السوداني من بين عابري الطريق من جميع الجنسيات، وطنيون وأجانب. يتوسمون في »الزول« السمح، الخير والصدق، لأنه لايعبث بجهلهم وعدم معرفتهم الاتجاه الصحيح. كان معتز في عيون المستفسرين السوداني الأقرب إليهم بين جمع من السودانيين في مكتب البنوك الأجنبية، كان يمثل وجه الخير، وجه القوم، لذلك تقدموا له بدون حرج، أو لسبب اتفقوا عليه هم جميعاً ولم يخبرونا به أبداً. فتاة العرس، دارت الأيام، وجه الخير ليبيا