وفاة شقيق الرئيس السابق عدلي منصور بعد صراع مع المرض    انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالوادي الجديد    القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوي بعنوان «النساء يستطعن التغيير»    محافظ المنيا: توريد 408 آلاف طن من القمح منذ بدء موسم 2025    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    ترامب يحث «الشيوخ الأمريكي» إرسال قانون الموازنة إلى مكتبه في أقرب وقت    ماذا تمتلك إسرائيل في ترسانتها لاستهداف منشآت إيران النووية؟ وهل يكفي؟    الكرملين: "لا نعلم ما قاله ترامب للأوروبيين عقب محادثاته مع بوتين"    الزمالك يكشف تطورات شكوى ميشالاك إلى فيفا.. ومصير 3 ملفات أخرى    نقص الميداليات يفسد لحظة تاريخية لتوتنهام في نهائي الدوري الأوروبي    بعد خسارة الدوري الأوروبي| 14 لاعبا مهددون بالرحيل عن مانشستر يونايتد    "بينهم أجنبي".. يلا كورة يكشف 4 خيارات يدرسها الأهلي لدعم الدفاع قبل المونديال    مباشر كرة يد - الأهلي (19)- (10) المنتدى المغربي.. الشوط الثاني    محافظ المنيا: تحرير 150 محضرًا تموينيًا خلال حملات رقابية على الأسواق والمخابز    الداخلية تحبط ترويج صفقة مخدرات ب 27 مليون جنيه    انطلاق أعمال تصحيح امتحانات الشهادة الإعدادية الأزهرية بكفر الشيخ    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    عرض "مملكة الحرير" قريبًا    برنامج «فضفضت أوى» يتصدر الأكثر مشاهدة على «Watch it» بعد عرض حلقة كريم محمود عبدالعزيز    أسماء جلال تحتفل بعيد ميلادها ال 30    أسرار متحف محمد عبد الوهاب محمود عرفات: مقتنيات نادرة تكشف شخصية موسيقار الأجيال    موعد ومكان تشييع جنازة شقيق الرئيس السابق عدلي منصور    التنسيق الحضاري: تدشين تطبيق "ذاكرة المدينة" الأحد المقبل بدار الأوبرا    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    مكافحة بعوضة ال«جامبيا» على رأس مباحثات وزير الصحة مع نظيره السوداني    مجلس وزراء الصحة العرب يؤكد دعمه للقطاع الصحي الفلسطيني    أخطرها التسمم والهلوسة والإدمان، أضرار الإفراط في استخدام جوزة الطيب    اهتمام متزايد من الأجانب بالاستثمار في الصين    نقل النواب تناقش موازنة هيئة ميناء دمياط عن العام المالي 2026/2025    بحوث "مباشر" تحدد القيمة العادلة لسهم "بنيان" عند 7.94 جنيه    زلزال يضرب بني سويف دون خسائر أو إصابات    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    بعد قرار الرمادي.. الزمالك يبدأ الاستعداد لمواجهة بتروجيت في الدوري    أوروجواي تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد الهجوم على دبلوماسيين في جنين    اليوم العالمي للتنوع البيولوجي.. "البيئة" تكشف سبيل إنقاذ الأرض    خبير تربوي: تعديلات قانون التعليم مهمة وتحتاج مزيدًا من المرونة والوضوح    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    خالد الجندي: يوضح حكم الصلاة في المساجد التي تضم أضرحة؟    الجوازات السعودية تكشف حقيقة إعفاء مواليد المملكة من رسوم المرافقين لعام 2025    3 مصابين في حريق منزل بالشرقية    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    الدكتور محمد خليل رئيسًا لفرع التأمين الصحي في كفر الشيخ    مشاجرة بين طالبين ووالد أحدهما داخل مدرسة في الوراق    الجامعة البريطانية تحتفل بتخرج الدفعة الثانية من برنامج زمالة زراعة الأسنان    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    إعلام عبري: إسرائيل تستعد للسيطرة على 75% من أراضي غزة    كامل الوزير: نستهدف وصول صادرات مصر الصناعية إلى 118 مليار دولار خلال 2030    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    «سيدات يد الأهلي» يواجهن الجمعية الرياضية التونسي بكأس الكؤوس الإفريقية لليد|    «سلوكك مرآتك على الطريق».. حملة توعوية جديدة لمجمع البحوث الإسلامية    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    «فولكانو ديسكفري»: نشاط زلزالي محتمل في الإسكندرية أو القرب منها    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون جديد
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 04 - 2012


(....)
أثناء العمل في هذه الرواية،
سألت نفسي كثيرا:
ما جدوي كتابتها،
إذا كان حازم شحاتة لن يقرأها؟
(....)
ضياء أبو اليزيد
فرش وغطا
1
عادة ما يقولون في تلك المواقف: "لم أدر بنفسي إلّا وأنا أفعل ما فعلت."، لكنّني أقول لك يا سيّدي: في تلك اللّحظة المهيبة، كنت أكثر ما يكون دراية بنفسي، وبما أفعل، وبمن فعلت به. كانت لحظة شبيهة بحالة الأورجازم: لا تعرف إن كنت قد خرجت بها من نفسك، أم عدت إليها!
عشرون عاما، هل هي فترة طويلة أم قصيرة؟ لا تتسرّع في الإجابة، فقد يكون مصيرك مرتبطًا بها. أما أنا، فقد عرفت مصيري، ولم أعد بحاجة للإجابة عن السّؤال، أصبحتُ فقط بحاجة للحكي.
أعرف أنّك تريد الوصول "للمفيد". لكن، من قال إنني أحكي تلبيةً لاحتياجاتك؛ تعبت من تلبية احتياجات الآخرين. ومن الآن فصاعدًا، إن كان هناك صاعد، سأبحث عما يلبّي احتياجاتي أنا.
منذ عشرين عامًا يا سيّدي، كنت أمشي وحيدًا في ميدان التّحرير للمرّة الأولي. أتحسّس ملامح الميدان العتيق. كنت أشعر بأنني أمرّر يدي علي وجهه؛ كان ناصعًا كأحلامي، وواسعًا كصدري. لكنه كان يخفي شيئًا ما، شيئًا كالعورة، كأحزاني الذي لم يكن يقدّرها الآخرون.
لستُ متوتّرًا يا سيّدي، وإن كنت تظنّني كذلك. وساعتها أيضًا لم أكن متوتّرًا، وإن كان "مستر سميح" يظنّني كذلك. كنت قد انتهيت من دراستي في المعهد. لا تهمّك التفاصيل الآن؛ كل المعاهد تتشابه: مشاجرات بين الأولاد تبدو في الظّاهر بسبب البنات، رغم أنّ من يجهد ذهنه في تأمّل أحوالنا ولو نصف، أو حتي ربع، ما يجهد ذهنه لإدانتنا، لاكتشف أنّنا كنّا بحاجة لإراقة الدّماء الّتي تسيل في تلك المشاجرات، وأنّ تلك الدّماء كانت بحاجة لسبب، وكانت البنات سببًا معقولًا، أو هكذا كنّا نظنّ.
حصلت علي شهادتي من المعهد، وقال لي أبي إنّ عليه أن يلتفت لإخوتي الصّغار، وأنّ عليَّ أن أعتمد علي نفسي. لم أعلّق. فقط كنت مغتاظًا؛ لأنّني بالفعل كنت أعتمد علي نفسي، فاشتغلت كلَّ ما يمكن أن يخطر لك علي بال، وربما لا يخطر. كلّ ما هنالك هو أنّني أصبحت مطالبًا بعمل "ثابت" لا أكثر.
وهكذا كنت أمام "مستر سميح" في شقّته بالدّور الرّابع، في واحدة من أكثر عمارات ميدان التّحرير عراقة.
2
يا له من محظوظ! لقد طار.
لم يقل "جمال" قطّ ماذا حدث بينه وبين "المستر سميح" في أوّل لقاء بينهما، كان كثيرًا ما يتحدّث عن المقابلة، لكنّه لم يقل حرفًا مما حدث فيها.
ولأنّ الغموض هو مفتاح الخيال، فقد فتح موقف "جمال" الرّافض للحكي أبوابًا واسعة دخل منها هواة السيناريوهات. وافترض أصدقاء الشابّ الصّغير أنّ أحداثًا جرت جعلته في حالة خزي، وكما هو متوقّع فإنّ أغلب تلك السيناريوهات، كلّها في الواقع، يرتبط بالنّصف الأسفل من الجسد.
لكنّني متأكّد من أنّ شيئًا من هذا لم يحدث، بل إنّني علي استعداد للقسم بكل مقدّسات العالمين أنّها لم تشهد أكثر من التّعارف المعتاد:
- اتفضّل يا ابني.
- أهلاً يا أفندم.
- عمّ "إبراهيم" قال لي إنّك طيّب وابن حلال وبتاع شغل. ومش عايزك تقصّر رقبته.
- رقبتي يا أفندم.
- أنا هاعرّفك بكرة علي الأستاذ "نسيم صبحي"، مدير المكتب اللي هتشتغل فيه، اللي يعوزه منك اعمله، هو عايز شاب قشاط، وأنا حاسس إنّك قدّها.
- ربنا يقدّرني يا افندم.
هذا هو كلّ ما حدث في تصوّري، لكنّني أظنّ أنّ حساسية "جمال" تجاه اللّقاء ترجع إلي أنّها كانت مغلّفة برغبة من نوع آخر، لا يتعلّق بالنّصف الأسفل من الجسد، ولا حتّي بالأعلي. رغبة يمكن تلخيصها في نظريّة "العبد والسّيد" التي اخترعتُها.
تفترض نظريّتي أن كلاًّ منّا يولد وبداخله رغبة، أو يمكنك القول "غريزة"، لأن يكون عبدًا أو سيّدًا، أو كليهما. بعض النّاس يولدون أسيادًا ويفقدون غريزة العبوديّة، والبعض الآخر يحدث له العكس تماما، فيفقد غريزة السّيّد، ويصبح لديه استعداد فطريّ للعبوديّة.
كان "سميح عبد الملاك" من النّوع الأوّل الّذي تعوّد أن يكون سيّدًا، في حين تعوّد "جمال مختار" أن يكون عبدًا، ولهذا فقد شعرا بأنّهما مكمّلان لبعضهما البعض منذ اللحظة الأولي. وكما يحدث في حالات الحبّ، شعر كلٌّ منهما بأن مصيره مرتبط بالآخر. وهو ما كان حرفيًّا.
بعد تعرّف "جمال" علي "مستر سميح"، كما كان يناديه دائمًا، تبدّلت أحواله؛ لم يعد يأتي إلي ندوة الأربعاء في قصر ثقافة "روض الفرج". كانت الندوة تضمّ مجموعة من الأدباء -كنتُ واحدًا منهم- وكنّا ننظر في مرآة تقول لنا إننا عباقرة هذا العالم. نفسّر ما يحدث في هذا الكون شعرًا وقصة ورواية ومسرحًا ونقدًا، وكانت شكوانا الوحيدة هي أنّنا لا نجد من يفهم الحياة بالقدر الذي نفهمه بها. لذا، كنّا دائمًا ما نقارن بيننا وبين "المواطن العادي"، الذي لم يكن له وجود إلا في رءوسنا.
كانت القضية التي تشغل البلد وقتها، هي قضية "فتاة العتبة"، التي لا يذكرها أحد الآن، لكنني لا يمكن أن أنساها، كانت هذه القضية برهانًا علي نظريات كثيرة تدور في ذهني.
كان ما حدث، ببساطة، هو تعرض فتاة للاغتصاب في نهار رمضان، وفي قلب ميدان "العتبة" أكثر ميادين "القاهرة" ازدحامًا. كانت الصحف تدلق كل صباح طنّيْن من الأحبار تترحم بها علي الزمن الجميل، وتلعن الأيام السوداء التي نعيشها، في الوقت الذي كانت تتسابق فيه من أجل الوصول إلي اسم الفتاة، ثم سباق آخر للوصول إلي صورتها، وصورة أهلها وأبيها وأمّها وخالتها، ولون "الأندر وير" الذي كانت تلبسه. عرّوها يا سيدي قطعة قطعة، وهم يترحّمون عليها.
كتب "رمضان النويشي" قصة قصيرة تتناول الحادث كعادته، فقد كان مشهورًا بقصصه التي تواكب الأحداث. وكان فرحًا بأن قصصه تنال القسط الأكبر من النقاشات.
في الواقع، لم تكن قصص "رمضان" هي التي تفجّر النقاشات، وإنما رغبتنا في أن نتناول الموضوعات التي تهمّ "المواطن العادي"، وكانت هذه القصص هي المسوّغ الأدبي الذي يجعلنا نقترب من مثل هذه الموضوعات.
كانت هناك تفسيرات مختلفة من "الشلة" للحادث، أغلبها يحمل طابعًا مؤامراتيًّا صرفًا، يتلخّص في أن هذه القصة مجرد تمويه (كومو فلاش) حتّي يتمّ تمرير قانون الإيجارات للسكن والأراضي، وهو القانون الذي حمل لقب "القانون الجديد" حتي يومنا هذا، رغم مرور 18 عاما علي إصداره. بل إن بعض الناصريين قالوا وقتها:
لو كان "عبد الناصر" عايش، ماكانش ده حصل، ولو حصل كان أقلّ حاجة هيعملها في الولاد دول هي الإعدام.
عن نفسي، لم أهتمّ. كنت طوال الوقت مؤمنًا بأن ما يجري علي المسرح ليس هو الأحداث الحقيقية، وأن ما يجري في الكواليس هو الأصدق. لكن، علي أية حال، كان لابدّ لي من الإدلاء برأيي، لذلك انتهزتُها فرصة لصياغة عدد من النظريات التي تفسّر العالم من خلال الحادث، نسيتُها الآن بالطبع، لكنّني متأكد من أنّها لم تمت، ربما كانت نظرية "العبد والسّيّد" نفسها واحدة منها.
كان "جمال مختار" واحدًا من رواد القصر، لكنه لم يكن أبدًا واحدًا من "الشّلّة"، كان يكتب قصصًا أشبه بالمقالات، ويعرضها بمنتهي الانكسار، وأحيانًا كان يخبرنا في بداية الندوة أنه كتب قصة جديدة، وعندما يحين دوره يقول إنه نسيها في البيت. كان يخاطبنا جميعًا بلقب "أستاذ"، ويقول إنه لن يصل لمستوانا مهما فعل. بالنسبة لنا كان وجود شابّ مثل "جمال" فرصة نموذجية لوجود "مواطن عادي" نمارس عليه تميّزنا. كنا نحرص جميعًا علي أن يلقي علينا عملاً جديدًا، وكان اعتذاره خيبة أمل تكررت كثيرًا.
انضمّ "جمال" للقصر بعد حرب الخليج 1991 مباشرة، وبقي حتي حادث "فتاة العتبة"، وقال إنه سيتفرّغ للامتحانات، ثم تخرّج، وعرفنا أنّه وجد عملاً عند "المستر سميح"، المليونير المعروف، وقال إنّه لم يجد نفسه في الأدب، لكنه لن ينسي أساتذته، الذين هم نحن.
ومع مرور الوقت، لم يعد "جمال" يظهر، ونسيناه، وبدأنا في البحث عن "مواطن عادي" آخر. حتي طار! طار "جمال" يوم الأربعاء الماضي .. يا بخته.
3
كتير باسأل نفسي: إحنا ليه ما اتجوّزناش؟
لو قلت لك إني بحب أصاحب البنات والستات اللي مش كويسين هتقول عليّ إيه؟ علي العموم، ما عادش يهمّني؛ مش علشان اللي حصل ل"جمال"، مع إنه هزّني بالجامد. بس ده هييجي إيه جنب اللي حصل لي؟ علي الأقل هو عرف يعمل حاجة، أنا ما عرفتش.
بقي أنا يا سيدي كنت ف مدرسة التجارة أمّ بابين، بيقولوا إن لها بابين علشان البنت من دول بتدخل من الأول آنسة، تطلع من التاني مدام. أبويا قال: "سناء" بنتي بميت راجل؛ أرميها وسط النار، ولا أخافش عليها.
لما دخلت المدرسة كنت شايلة شنطتي علي كتفي، وبروفلي علي إيدي، وخوفي علي قلبي. الغريبة بقي، إني مكنتش حاسّة إن الكلام بتاع البابين ده يسري عليّ؛ كان عندي إحساس إني برّة الكلام ده، بس كنت عايزة أشوف البنات اللي بيقولوا عليهم، وأعرف بيبقوا مدامات ازّاي يعني. علشان كده، كانت "جيهان" أول حاجة تشدّني ف أمّ المدرسة دي. كانت جريئة كده، وبتقول الكلام الأبيح كأنّها بتقول السلام عليكم، ومفيش مانع تسحب واحدة اسكندراني في النص، لا مؤاخذة يعني في الكلام. باختصار، كان كل اللي يشوفها يتعامل معاها علي إنها "شرشر" رسمي.
إيييه .. دنيا، فين أراضيكي دلوقتي يا "جيهان"؟
المهم يا باشا، "جيهان" دي كانت بتخشّ ييجي ميت خناقة ف اليوم: مع بنات عايزة تدبّسها في أي نصيبة .. مع شباب عايزين يتحرشوا بيها .. مدرسين بيرسموا عليها .. "ميس" متغاظة منها ونفسها تعمل زيّها.
انبهرت أنا ب"جيهان"، وكتير كنت باحسّ إنها مش بنت، مش قصدي إنّها مدام، قصدي إنها ولد. وأوقات كنت باهيج عليها. ولما كنت باحلم أحلام وحشة، ولا بافُكّ عن نفسي، كنت باتخيّلها هي الراجل اللي بيعمل معايا، أو علي الأقل شايفاني وأنا باعمل كده.
فضلت شهرين عايزة أتعرّف عليها، وخايفة أحسن أتلطّ معاها في أيّ حاجة وحشة، وف الآخر خدت حبتين شجاعة، ورُحت لها، وقلت لها بمنتهي العبط: أنا "سناء الديب"، بنت عم "إسماعيل الديب"، عارفاه؟
ضحكت ضحكة طويلة، شخرت ف آخرها، وقالت لي: طلبك مش عندي، وسابتني ومشيت.
فضلت أحرِبْ وأحرِبْ لحد ما قربت منها، وبقينا اصحاب. واتصدمت صدمة عمري لما لقيت إنّ "جيهان" زيّي بالظبط، خايفة م الدّنيا ومرعوشة؛ بس حاسة إنّها بطريقتها دي هتعرف تحمي نفسها.
نهايته، نقبي طلع علي شونة. بس الفايدة اللي طلعت بيها من "جيهان" هي إنّي اتعرّفت علي "مروة".
أصل "جيهان" دي إكمنها يعني كانت جريئة، كان فيه حاجات ما ينفعش تكلّم فيها حدّ غيرها. وف يوم من الأيام لقيت "مروة" دي بتشاور ل"جيهان"، وتوشوشها وتمشي.
منظرها وهي بتتكلم ما ريّحنيش، أو بصراحة ريّحني، لأ .. قصدي يعني حسيت إنّها هي دي. واستريحت أكتر لما سألت "جيهان": هي كانت بتقول لك إيه؟ فَشَتَمِتْ عليها، وحذّرتني منها.
طبعًا، كنت باقرّب يوم بعد يوم من "مروة"، وأبعد عن "جيهان"؛ ما بقيتش أحس إنها مثيرة خالص، وبدأت أقرف منها بالصراحة، ومن الحاجات الأبيحة اللي كانت بتعملها علني، وف الآخر قطعت علاقتي بيها خالص لما أبويا عرف إني باقف معاها، وهدّدني إنه هيطلّعني من المدرسة خالص.
"مروة" كانت حاجة تانية خالص غير "جيهان"، ولما بقيت أقرب واحدة ليها، طلّعت لي كل الأسرار. كل الحاجات السرية اللي تخطر علي بالك، كان نَفَسي بيتحبس وهي بتحكي لي ازّاي ممكن الواحدة تنام مع واحد، نوم نوم يعني، وتحافظ علي "شرفها". كانت مهووسة بنت الذين بالجنس، وهوستني معاها.
الغريبة إنّي ما بقيتش أحلم بالجنس الكامل، بقيت أحلم بالتفريش (الكلمة اللي علمتها لي "مروة"، وقالت لي إن معناها الجنس مع الاحتفاظ بالبكارة)، وبقي عندي مشكلة كبيرة، أصل أنا كنت باحلم بالجنس الكامل، وأنا عارفة إني هاعمله لما أتجوز. كام سنة يعني، ويمكن كام شهر. بس التفريش ده هاعمله ازّاي مع جوزي، أكيد مش هينفع أخلّيه يعمله معايا، وإلّا هيقول علي عملته قبل كده.
المهمّ، إن "مروة" دي كانت حويطة قوي، كانت بتحكي كل حاجة، بس من غير ما تقول لي: مع مين أو فين؟ كنت هاولّع أنا وأعرف، علشان كده لزقت لها، وبدأت أروح وآجي معاها، وهي ماكانتش تخلّي أي حد يشكّ فيها، وده ساعدنا كتير في إننا نروح ونيجي علي مزاجنا.
كنت باروح معاها معهد كده من معاهد الولاد، كانت تعرف فيه شاب، اسمه "عادل" أظن، وكنت متأكدة إنها بتعمل مع "عادل" ده. وماكانش عندي أي مانع من إني أروح معاهم، وأشوفهم وهم كده كده يعني. بس ما اعملش أنا حاجة.
يومها ولْعت خناقة كبيرة بين الشباب، و"عادل" ده اتعوّر، والحكومة جات، وأنا اضطريت أمشي لوحدي، وتهت، وكان ممكن تحصل لي مصيبة، لولا "جمال" إلهي يستره.
هو كان خد باله مني لما رُحت مع "مروة" المعهد ده كام مرة، ولمّا حصلت الخناقة كانت عينه عليّ، وما سابنيش إلا لما وصّلني أول حتّتنا.
يوم الأربع اللي بعده، قلت لأمي إني رايحة "شارع شبرا" أجيب حاجات بناتي يعني، ورُحت علي قصر ثقافة "روض الفرج"، اللي "جمال" قال لي إنه بيروحه يقابل جبابرة القراية والكتابة، وقضيت أسود يوم ف عمري، كلام .. كلام .. كلام، صدّعت ودُخت، ومفيش شاب من "الجبابرة" اللي بيقول عليهم إلا وسقّم عليّ، أعوذ بالله، "جمال" ما صدقنيش لما حكيت له، بس أنا قلت له لو عايز يعرفني ما يجيبنيش هنا تاني.
في الفترة دي كنا بنتقابل كتير، بس أنا لما عرفت ظروفه، عرفت إننا مش لبعض. أنا كمان ما كنتش بحبّه، ولا بحلم بيه، بس كنت باستريّح له، كان الوحيد اللي أقدر أحكي له، وأنا عارفة إنه مش هيفكر فيّ بشكل وحش، كمان هو كان جبان، وأكيد عمره ما هيفكر يئذيني.
يمكن أكون استغلاليّة في اللي باقوله، بس "جمال" كان عامل زي الكرّاسة اللي البنات بيكتبوا فيها مذكراتهم. بس كرّاسة مضمونة، مش ممكن أبويا يفتحها ويقراها.
حكيت له عن مغامراتي مع "مروة"، وهو ما كانش بيقول لي: "ما تروحيش معاها"، بس كان بيقول لي أحمي نفسي إزّاي. كان عكس الضّمير؛ الضّمير ما يمنعكش تعمل الغلط، بس ما يخليكش تتبسط وإنت بتعمله. "جمال" كان بيحميك من إنّك تعمله، وما يستكترش عليك فرحتك بحاجة من ريحته. حاكم الحرام مفيش ألذّ منه، ولا من ريحته.
لما "جمال" اتخرّج، قال لي إنه لقي شغل عند رجل أعمال كبير. الغريب، إن ده ما خلنيش أفكّر في إنه ينفع عريس، أنا ما بدأتش أسأل نفسي: "إحنا ليه ما اتجوزناش؟" إلا بعد ما أنا اتجوزت، ولحدّ دلوقتي بسأل نفسي: "إحنا ليه ما اتجوزناش؟". يا حبيبي يا "جمال".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.