مثلما ينبغي لمؤسسة ثقافية مستقلة تعي أن »البهرجة« الزائدة قد تشكل الخطر الأكبر علي عملها، جاء احتفال مؤسسة العويس الثقافية بيوبيلها الفضي، فاليومين الذي أقيمت الاحتفالية خلالهما اقتصرا علي حفلين أحدهما لتوزيع الجوائز علي الفائزين بهذه الدورة وهم: محمد علي شمس الدين (جائزة الشعر)، رضوي عاشور (القصة والرواية المسرحية، فيصل دراج (الدراسات الأدبية والنقد)، عبد العزيز الدوري (الدراسات الإنسانية والمستقبلية)، أمين معلوف (الإنجاز الثقافي والعلمي). أما الحفل الثاني فكان سهرة غنائية أحيتها الفنانة المغربية كريمة الصقلي وقامت علي أغاني لكبار المطربين العرب: أم كلثوم وعبد الوهاب وأسمهان وسيد درويش، وكأن المؤسسة أيضاً وعبر هذا الاختيار تؤكد انحيازها إلي الفن الراسخ الذي لا يختلف علي قيمته أحد، وإن تباينت الأذواق! كل ما في مؤسسة العويس يعبر عن رحلتها طوال الفترة المنقضية، يبدو المبني القائم في شارع الرقة بإمارة دبي، عريقاً بشكل ما رغم حداثته، يحكي كل جزء فيه حكاية ربع القرن الفائت، بورتريهات الفائزين في الدورات السابقة موجودة في معرض خاص، وأعمال منتقاة لهم يتم توزيعها علي المدعوين كهدايا تذكارية. الفائزون بالدورة الجديدة ينضمون إلي صورة تتسع كل عام لتضم مجموعة أخري، لهذا كانت كلمة الفائزين التي ألقتها الروائية رضوي عاشور دقيقة وصفت من خلالها شعور كل من حضر الاحتفال: »الحق أنها صورة نادرة لصف مدهش من الشعراء والحكائيين والمسرحيين والنقاد والباحثين والمفكرين. لم أذكر إلا أسماء البعض منهم، لأن القائمة طويلة ولا تتيح الدقائق المقررة لهذا الحديث الإشارة لقيمة كل واحد منهم ولو بجملة تلغرافية واحدة«. قبل كلمة رضوي المفعمة بالمشاعر والتي تناولت فيها علاقتها ببعض من فازوا بالجائزة قبلاً، كان الدكتور محمد أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء الجائزة قد أكد في كلمته علي أن الصورة التي ترسمها المؤسسة ستظل مفتوحة لتضم لها مبدعين جدد، فقرقاش (والذي يشغل بشكل رسمي منصب وزير دولة الإمارات للشؤون الخارجية ووزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي) تناول الوضع المالي والثقافي للمؤسسة قائلاً أنه أفضل بكثير من سنواتها الماضية وهو ما يعني حسب رؤيته زأن سياسات مجلس الأمناء منذ التأسيس حتي الآن بُنيت علي رؤية موضوعية واقعية وخطوات محسوبة ومدروسة سواء كان في أنشطتنا الثقافية أو استثماراتنا المالية التي تطورت ونمت بما يفيد لصالح الأجيال القادمة من الأدباء والكتّاب والمفكرين، وتأكيداً لمبدأ الديمومة التي عمل مجلس الأمناء علي ترسيخها من البداية في حياة الراحل سلطان العويس وحتي اليومس. وتأتي أهمية كلمة أنور قرقاش حول الموقف المالي من أن »العويس« واحدة من المؤسسات الثقافية القليلة في العالم العربي التي تتمتع بالاستقلال ولهذا فلابد لها من موارد مالية تجعل مجلس أمنائها ينجح في مهمته: »بقيت بقدر ما استطعنا حمايتها بعيدة عن مراكز التعصب والتحيز والانغلاق لنؤكد وعبر مسيرة ربع قرن حيادية قراراتها وموضوعية تفاعلها مع الحياة الثقافية، بعيداً عن التأثيرات الجانبية والخارجية، ودون النظر إلي الجنس أو الجنسية أو اللون، أو الدين أو الطائفة أو المذهب، أو الإيديولوجية، إنما رسخت الإبداع كسلطة وحيدة قادرة علي الحسم دون خوف أو خجل أو مجاملة«.