تخصصه ليس نوويا، نقابة المهندسين بالإسكندرية تكشف هوية "قتيل كرموز"    الجريدة الرسمية تنشر تصديق الرئيس السيسي على قانون الإجراءات الجنائية    قرار من رئيس الوزراء بإسقاط الجنسية المصرية عن شخصين    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يبحثان تعزيز التعاون مع بنك المعرفة المصري لدعم الأئمة والدعاة    الزناتي يفتتح عيادات طبية جديدة للمعلمين ويشهد تكريم 10 مديري مدارس بشمال القاهرة    سعر الذهب اليوم الخميس 13نوفمبر 2025.. عيار 24 ب6440 جنيه    تموين أسيوط تحرر 339 محضرًا خلال حملات رقابية مكثفة على الأسواق    «الكوسة ب10».. أسعار الخضار اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 في أسواق المنيا    محافظ الغربية: كل شكوى تصلنا نتعامل معها فورا.. ومتفاعلون مع مطالب المواطنين    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    الخارجية الفلسطينية: إحراق المستوطنين لمسجد بالضفة انتهاك لحرمة دور العبادة    إيطاليا تخصص 60 مليون يورو لإعادة إعمار غزة    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    الشيباني يرفع العلم السوري أعلى سفارة دمشق في لندن    زلزال قوي يضرب قبرص والتأثير يصل لبنان وتركيا    فاز بانتخابات العراق.. السوداني من مرشح توافقي إلى قطب سياسي    مجلس الزمالك يجتمع بأحمد عبد الرؤوف اليوم في حضور المدير الرياضي    مصر تحقق 34 مليار جنيه عائدًا من الطرح الاستثماري بمجال الشباب والرياضة    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    ليفاندوفسكي على رادار ميلان وفنربخشة بعد رحلته مع برشلونة    لا جازيتا: أرسنال ينافس تشيلسي وريال مدريد على نجم يوفنتوس    قرارات جديدة من النيابة العامة بشأن ضبط 315 طن لحوم مجمدة فاسدة بالشرقية    موعد امتحانات نصف العام الدراسي 2025-2026 (موعد إجازة نصف العام 2025-2026)    تامر السعيد: الترميم يعيد الحياة للأفلام الكلاسيكية    محمد صبحي يوجه رسالة شكر ل الرئيس السيسي    قصر العيني يناقش أحدث التطورات في تشخيص وعلاج أمراض المناعة الذاتية    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    نانسي سلام: الاستدامة والتصدير طريق صناعة الملابس الجاهزة للمنافسة عالميا    ساعية البريد: حين تحمل النساء هم تغيير العالم    مع دخول الشتاء.. هل للبرد علاقة بآلام الأسنان؟    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    رئيس الطائفة الإنجيلية يشيد بجهود محافظ أسيوط فى تطوير مسار العائلة المقدسة    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    بورفؤاد تدفع ب7 سيارات كسح لمواجهة أزمة غرق الشوارع بمياه الأمطار    اتحاد شركات التأمين: يثمن إتاحة الاستثمار المباشر في الذهب والمعادن النفيسة    حسين فهمي يشارك في حلقة نقاشية عن "الترميم الرقمي" بمهرجان القاهرة السينمائي    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    بشير التابعي: شكوى الزمالك ضد زيزو "شخصية".. وطاهر لا يستحق الانضمام للمنتخب    خبير لوائح يكشف سر لجوء اتحاد الكرة للجنة المسابقات لإصدار عقوبات السوبر    الداخلية تكشف الحقيقة الكاملة لفيديو "البلطجي وسرقة الكاميرات" في الدقهلية.. القصة بدأت بخلاف على الميراث!    زوج يقتل زوجته بعد شهرين من الزواج بكفر الشيخ    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    الأعلى للثقافة: مدونة السلوك خطوة مهمة لضمان احترام الآثار المصرية وتعزيز الوعي الحضاري    مخاطر وأضرار مشروبات الطاقة على طلبة المدارس.. استشاري تغذية توضح    المشدد 6 سنوات ل«عامل» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالشرقية    انتهاء الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة    المرشحون يستعدون لجولة الإعادة ب«حملات الحشد»    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    إسرائيل تضغط لرفع الحظر الألماني على صادرات الأسلحة    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رعاة يتأبطون كمبيوتراتهم في صحراء السراب!
نشر في أخبار الأدب يوم 29 - 01 - 2012

لغة جاهلية تقتحم أبجدية قيد التشكّل، فتطيحها تحت وطأة الحماسة، والرغوة السائلة لرعاة يتأبطون كمبيوتراتهم في صحراء السراب، في وقفة طللية. بورتريه سريالي لشخص يرتدي سروال جينز ويضع فوق رأسه عقالاً لا مرئياً، يحميه من شمس الأسئلة الصعبة. يرنّ هاتفه الجوّال فيستله مثل خنجر. يغرق في ثريد الثورة إلي آخر أصابع يده، ثم يلقي بالعظام إلي من حوله، فهذا المنسف الغارق بالأدام الدسم، يستحق المغامرة.
يتسلل من متاهة أحرف الكيبورد، حداء طويل، وعبارات غطّاها غبار النسيان. تستوقفني بنزق كلمة"حرائر". لاتستدعي هذه المفردة الحريّة قدر استدعاءها معجماً جاهلياً، في وصف الحرائر والإماء، وجِمال ونوق، وخيام، وزعماء قبائل، وعبيد، وقهوة مرّة للضيوف، وثغاء أغنام، ونباح كلاب، ومواقد مطفأة. بيانات لا تتسع لها بسطات سوق الحميدية، مكتوبة علي عجل، بطريقة كُتّاب العرائض. بعضهم يرغب الزواج عرفياً من الثورة، وآخر يفضّل زواج المتعة، وآخر الاغتصاب من دون شهود. لكن من يدفع المهر يقبع في مكانٍ آخر، أو إنه من فرط الانحناء تحت ثقل راكبي الموجة فقد صوته للاعتراض، أو الاحتجاج. القاموس الجاهلي يتسع للبيانات المضادة أيضاً، في سوق عكاظ السياسي، فيما الثورة ترتدي ثوب العروس الملطّخ بالدم. دم العذرية علي الأرجح. فالفحولة اللفظية تتسع لكل الهواة في كتابة الإنشاء الركيك والزعيق والاسم المستعار.
إن فكرة التغيير تحتاج إلي معجم جديد يواكب لحظة غير مسبوقة عربياً، لكن ما نجده، هو خطاب قديم يستعين ببلاغة الأسلاف، أو إنه يجيب عن أسئلة جديدة، بإجابات قديمة، فالثورات العربية، أو ما يسمي "الربيع العربي" تشبه أحجية، أو متاهة، بغياب وضوح مقاصدها ، لدي بعضهم، وثورة بيضاء لدي آخرين، تبعاً للمتراس الذي يقف وراءه كلّ منهما. أفكّر بمسّاحي الأراضي الجدد، هؤلاء الذين يرسمون خرائط غامضة في توزيع الغنائم، ذلك أن الثورة بمفهوم هؤلاء هي غنيمة حرب أولاً، وكعكة دسمة صالحة للاقتسام في العتمة، ومن دون إشعال شمعة واحدة، كي لا يتسلل غرباء إلي صخب الاحتفال.
لا شك أن المثقف السوري من أكثر الكائنات عطشاً إلي الحرية، ولديه سيرة ذاتية متخمة من نفائس القمع والإقصاء والتخوين، ولكنه بدلاً من أن يحفر بئراً في الأرض الصخرية، اكتفي - بعد محاولات مرتجلة في الحفر- بزجاجات المياه المعدنية المستوردة، وألقي معوله جانباً، متفرغاً لشعارات يوم الجمعة العظيم. قراءة هذه الشعارات تؤكد الحيرة العمياء ما بين الجامع والفيس بوك، وحرب دائرة الطباشير في الشدّ والجذب، بالإضافة إلي تصنيع صنم من التمر بالأسماء الجاهلية نفسها، ذلك أن الثورة أو الانتفاضة أو الاحتجاجات- سمها ما شئت- التي ما تزال في المخاض وعسر الولادة تحوّلت إلي أيقونة مقدّسة، محرّم الاقتراب منها، من دون وضوء وتعاويذ وتمائم، وكأن مريديها استعاروا قاموس مديح طغاة الأمس، وألبسوه للثورة في قفصها الزجاجي، وإذا بها تدخل المزار المقدّس بالطقوس نفسها التي يحفظها مريدو الأولياء الصالحين. بائعو تذاكر الثورة، افتتحوا أكشاكاً في شوارع الفيس بوك لبيع الأغاني الركيكة والشعارات المستعملة المستوردة من دكاكين اليسار القديم، ولكن بدمغة مختلفة. هكذا ارتدي هواة ومتعطلون"تي شيرت" الثورة، وذهبوا إلي الرقص في حانات باب توما إلي حدود الغيبوبة، حزناً علي أرواح الشهداء. لعل ما نحتاجه، في هذه اللحظة، هو فحص المشهد من خارج حدود الخريطة، وليس من تضاريس الداخل وحسب، في جردة حساب شاملة، بقصد تظهير الصورة بالألوان الطبيعية، وليس عن طريق"الفوتو شوب" لتزيينها فقط. ما نجده، علي صعيد ثقافي صرف، هو خفة في تسلّق شجرة المعرفة، ومحاولة قطف التفّاح المحرّم، من دون جهد ومشقة، لمثقفين استيقظوا فجأة، بعد غيبوبة طويلة، علي ثمرة يانعة في متناول اليد والفم، فيما كانوا، في الأمس القريب، جزءاً من حاشية" الفيل يا ملك الزمان". أن تنهمك في مديح مزايا الفيل بالأدوات نفسها التي تمدح بها مزايا الثورة، فتلك معضلة حقيقية، في كتابة جديدة يُفترض أن تكون متفلتة من معايير الصدأ الذي شاب كتابات كثيرة، كنّا ننظر إليها، علي أنها مجرد إنشاء عابر. قد يحتج بعضهم، بأن الفكرة أهم من صقلها، في هذه اللحظة، وإن الموقف أهم من البلاغة المضادة، لكن السراج يحتاج إلي زيتٍ صاف، كي يضيء العتمة، فتجاوز التفاصيل الصغيرة، سيراكم تبعات كبيرة، وأعباء سوف تتكدس لتصير- في نهاية المطاف- هي الأصل وليس الصورة، سواء لجهة تقنيّة الكتابة، أم لجهة تقديس الأيقونة(الصنم).
في المقابل، لا يمكن تجاهل تأثير وسائل الميديا الجديدة، في طريقة الاختزال، وحتي عدد الكلمات. هنا لا تحتاج إلي تمهيد أو توطئة. عليك أن تذهب إلي فكرتك مباشرة، بما يشبه الرسائل القصيرة علي الموبايل، فالبلاغة في الاختزال، ولكن اختزالاً بلا بلاغة، سوف يكون طبخة بحص لا أكثر. بالطبع سوف يكون امتحان الكتابة الإبداعية، أصعب بمراحل، مما سبق، ذلك أن الانخراط في لحظة الانفجار وحدها، لن ينقذ النص من الشوائب التقنية، فنحن إزاء عتبة سردية مغايرة، تتطلب قدرة إضافية في قراءة المشهد، وإعادة رصف حجارة الشارع، بما يواكب حركة الأقدام، ورنين ساعة كانت معطّلة لفترة طويلة.
دمشق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.