الصدفة وحدها هي التي قادتني لكي أري المعرض من الخلف للأمام، فقد تم تحديد باب رقم 7 ليكون المدخل الرسمي لرجال الإعلام، ولكن اختلط عليّ الأمر، ودخلت من باب 1، الذي يقع في آخر نقطة لأرض المعارض، وبالتالي أتاح لي هذا الخطأ رؤية الساحة المكشوفة التي خصصت للعارضين. آثار الهدم واضحة تماما في كل أنحاء المعرض، وأصبح السير بجوار "خيام الكتب" محفوفا بالمخاطر، فالأرض غير مستوية ومن الواضح أنهم بذلوا مجهوداً خرافياً لينصبوا عليها ما يمكن أن نطلق عليه مجازا "أجنحة العارضين"، ففي الواقع تلك الأجنحة مجرد خيمة تهين الكتاب ولا تحميه! أثناء سيري التقيت بأحد الناشرين.. أبدي استياءه من هذا الوضع، فقلت له إن التقارير الرسمية تشير إلي أن اختيار هذا المكان هدفه التيسير علي الناشرين، لأنهم كانوا سيدفعون الكثير في مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات، فرد: هل تعرف أن خيمتي التي لا تتعدي المائة متر، دفعت مقابلها 58 ألف جنيه؟! شعرت أن صاحبي الناشر قد بالغ حينما ذكر ذلك، فسعيت إلي ناشر آخر، وكانت المفاجأة أنه صرف65 ألفاً، وقال لي ساخراً "وفي النهاية جاء المعرض علي الشكل الذي تراه". استمر سيري من باب 1 إلي باب 7 لأكثر من ربع الساعة، ولم أر لافتة واحدة تشير إلي جناح الاستثمار، الذي سيشهد مراسم الافتتاح، حتي رأيت مجسما عليه لوحات من الثورتين " التونسية والمصرية" ولكن لشدة الريح في ذلك الوقت سقطت مشاهد من الثورة المصرية علي الأرض!! ما أن دخلت جناح الافتتاح حتي تغير المشهد تماما، " الأناقة" هي شعار هذا الجناح، الذي تم الإعداد له بعناية فائقة، ويضم أجنحة لعرض إصدارات المشاركين، وربما كانت فخامة هذا الجناح هي الأقرب لشكل المعرض في الأعوام الماضية، ولكن التغيير أن حجم الصالة أقل مما سبق، وبالتالي لم تستطع دور النشر الكبري، التي كانت حريصة فيما مضي أن يكون لها جناح في سراي العرض، أن تجد موقعا لها في هذا المكان، وبالتالي اكتفت بأماكن العرض. بالتأكيد كانت هناك مظاهر كثيرة تشعرك بالتغيير عن آخر معرض تم افتتاحه في 2010، فقد غابت القبضة الأمنية، التي كانت تتمثل في قوات الحرس الجمهوري، أمن الدولة، والأمن العام، فلم تكن هناك إجراءات تفتيش مرهقة أو مبالغ فيها، بل بدا الأمر بسهولة ويسر، وربما يعود ذلك إلي أن المعرض شهد في أعوامه الأخيرة حضور الرئيس السابق، لكن هذا العام افتتحه وزير الثقافة د. شاكر عبد الحميد، في غياب د. كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء، وغياب- أيضا- أي ممثل للمجلس الأعلي للقوات المسلحة.، بينما حرص مجموعة من الوزراء علي افتتاح المعرض وقص الشريط برفقة د. شاكر، وحرصوا أيضا- علي مصافحة الحضور، رغم أن بعضهم لم يكن معروفا، فقد سألني زميل يقف بجانبي، من الذي سلمت عليه، وأجبت د. جمال العربي وزير التربية والتعليم!!. مشهد د. شاكر وهو يفتتح المعرض دون القيادات الأعلي منه، دفعني لسؤال حلمي النمنم رئيس مجلس إدارة دار الهلال، وأحد المهتمين بالتاريخ: هل هي المرة الأولي التي يفتتح فيها وزير الثقافة المعرض؟، فقال إن الرئيس جمال عبد الناصر لم يفتتح أية دورة من معرض الكتاب، وكذلك الرئيس السادات، وإن الأعوام الأولي لحكم مبارك لم يفتتح فيها المعرض، وبدأ هذا التقليد في التسعينيات، وبالتالي ليس صحيحا أنه لأول مرة يفتتح وزير الثقافة المعرض، وأضاف حلمي أنه في مرات كان يكتفي فقط بافتتاح رئيس هيئة الكتاب. الجناح كان كاشفا عن التغييرات، التي حدثت في قيادات وزارة الثقافة، فقد كان في استقبال د. شاكر، د. أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، وهذه أول دورة له، بعد أن انتقل من رئاسة هيئة قصور الثقافة عقب الثورة، أثناء تولي د. عماد أبو غازي لمنصب الوزير، إلي هيئة الكتاب، وترك الثقافة الجماهيرية للشاعر سعد عبد الرحمن، الذي وقف للمرة الأولي في الجزء المخصص لهيئته ضمن جناح العرض لهيئات وقطاعات الوزارة، كما كان د. زين عبد الهادي موجودا للمرة الأولي-أيضا- بحكم وظيفته رئيسا لمجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية. وإذا كانت كل هيئات الوزارة قد " حُشرت" في مكان واحد، انفردت هيئة الكتاب بموقع كبير، وفي صدارة المشهد، وقد أحسنت استخدامه، حيث عرضت كتبها بشكل جذاب، كما وضعت كتابا يتضمن كل فعاليات المعرض، بالإضافة لكتيبات صغيرة، تطبعها الهيئة لأول مرة، في محاولة منها لجذب القارئ، هذه الكتيبات أطلقت عليها عنوان " قطفة من كتاب". كما جذب الأنظار الجناح التونسي، باعتبار أن تونس ضيف شرف المعرض، وفيها قدمت بانورما للكتب التي صدرت عن الثورة التونسية، وقد أحسن المسئولون عن الجناح استقبال الضيوف، وقدموا لهم ملفا كاملا عن المشاركة التونسية في المعرض. وربما كان اللافت للنظر والسمع، حرص هيئة الاستعلامات علي إذاعة بيان تنحي الرئيس السابق باستمرار، كما عرضت مجموعة من الكتب عن الثورة: " يوميات ثورة 25 يناير"، " المرأة المصرية في ثورة 25 يناير"، ثورة 25 يناير في الإعلام الدولي".