كيف انقلب المشهد وتبدلت الصورة بين يوم وليلة، انخفض الفارق بين الآدمية والوحشية في لحظة، والجيش الذي كان "خطاً أحمر" ، تراجعت فيه الخطوط وتلاشت.. سحل فتاة في الطريق العام ، صورة هي الأعنف والأقسي، تهدر الكرامة، وتهدر المعاني، وتهز سكون الصورة الراسخة في ضمائرنا منذ أحمس حتي عبد الناصر!! يؤلمني المشهد مرتين، مرة لانتهاك الجسد وامتهان كرامة الفتاة وآدميتها ، ومرة أخري لتحطيم الصورة وانكسار المعاني العميقة.. صورة الجندي الحلم ، البطل الذي يتطلع الطفل الصغير أن يكونه،وتهتف له النساء في طوابير النصر، الجندي الذي يحمي الحدود ويصون الأرض والعرض، المؤسسة العسكرية ، الضمير الوطني علي امتداد التاريخ، تلك عقيدتها وعقيدتنا.. لم يعر الجندي الفتاة في ميدان التحرير، كان يعرّي نفسه أولاً، يفضحها، وينتحر علنا في لحظة من لحظات الجنون، أن أعلي فكرة يمكن أن تنخفض الي أدني فكرة بالإرهاب والقمع، لحظة مذهلة، فليس سهلاً أن نتخيل إنساناً يُمكن أن يشوّه نفسه إلي تلك الدرجة، مبدداً المسافة بين آدميته وأكثر الحيوانات انحطاطاً!! منذ الثورة، منذ كل ثورة والجيش والشعب يد واحدة، ليست شعاراً ولكن عقيدة راسخة في ضمائر المصريين، لم تهتز في أي يوم قبل، لكن الجيش الحماية، لم تعجبه بدلته العسكرية، قرر أن يرتدي بدلة مغايرة، وأن يضع في عروة البدلة وردة ، ربما يطيل شعره قليلا ليناسب الحفل التنكري، لكن كان عليه أن يدرك خطورة اللعبة، وورطتها الكبري، كان علي الجيش أن يدرك، خطورة تبديل الصورة، الخروج من ملامحه، وتبديل دوره ووظيفته، الانتقال من وظيفة الجيش إلي وظيفة الشرطة، وأمن الدولة، والانتقال من الأسلحة الثقيلة لحماية الحدود، إلي أسلحة القمع والترويع، وحمل المولوتوف والهراوات والأحجار والرخام والسيراميك وإخفاء الوجه بأقنعة سوداء كرجال العصابات. انقلاب صورة العنف أيضا، فالعنف الذي كان يمارس في الماضي نتيجة لبني وثقافات متشددة ، يمارس اليوم نتيجة لغياب البنية والثقافة. كان عليه أن يدرك حجم الخطورة في وضع الجيش في مواجهة الشعب، هي الخطوة نحو الجحيم، هي أيضا زحزحة للصورة، وتبديل للدور والوظيفة وانكسار المعاني معها.. هل صار الشعب مكان العدو، أم صار الجيش سلاحاً للقمع، الانتقال من حرب الحدود إلي حرب الشوارع؟.. انقلاب الصورة هو أيضاً انقلاب الوعي بها وتبدل معانيها ودلالتها.. .. ياجيش كن جيشاً فقط، لتستعيد عقيدتك ومكانتك واحترامنا.