متاهة كاملة. اسمها مخطوطات نجيب محفوظ التي ستعرض ( والجريدة ماثلة للطبع) في لندن، ولا نعرف هل ستنجح المحاولات الدبلوماسية العديدة التي تبذلها الخارجية المصرية لوقف المزاد بعد اكتشاف أن هذه المخطوطات " مسروقة" من العائلة! بدأت الحكاية بإعلان صالة " سوثيبي" عدداً من المخطوطات ل"عميد الرواية العربية". المثير للاهتمام أنّ بعض هذه الأعمال لم ينشر قبلاً. وقدّمت دار المزادات البريطانيّة الشهيرة علي موقعها وصفاً لما ستعرضه في المزاد: «قصة من السودان» مخطوط غير مكتمل لرواية من بدايات محفوظ. أبطال الرواية، تحكي الرواية عن شخصية فاطمة وذكريات طفولتها، وغرامها بضابط جيش مصري نقل للعمل في السودان. شخصيات الرواية وأسلوبها أقرب إلي " ثلاثية" محفوظ، وربما كانت جزءا منها قام بفصله. يبدو حسب الموقع أنها كتبت في الأربعينيات بقلم حبر، وبعها بالقلم الرصاص في " كشكول مدرسي".. هناك أيضاً مخطوط «تاريخ الفلسفة الإسلامية وبعض نصوصها» يتضمن تأملات محفوظ عن الفلسفة الإسلامية ويعود إلي الثلاثينيات. يتضمن المخطوط تأملات محفوظ عن الفلسفة الإسلامية، ومقارنات بينها وبين الفلسفة الغربية. وتأملات في بعض الفلاسفة مثل ابن سينا وتأملات حول أعماله. المخطوط من 85 صفحة، ويعود إلي ثلاثينيات القرن الماضي. كذلك، يضمّ المزاد ملفاً يشمل مخطوطات أربع قصص من بدايات محفوظ الأولي: »الرجل القوي« و»الزفة الميري« و»العود والنرجيلة« و»حدائق الورد«. كذلك، يضمّ ملف آخر ثلاث قصص لمحفوظ تحت عناوين »البحث عن زوج« (مؤرخة بتاريخ 8 يونيو 1937) و»طفولة صبي« و»البدايات«. وقد ثبت أن هذه الأعمال منشورة لا كما جاء في موقع الالكتروني بأنها غير منشورة. ونعثر علي مخطوط أصلي لكتابه »أحلام فترة النقاهة« وتضمن 30 حلماً كتبها بخط مرتعش عندما كان يتدرب علي الكتابة بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال. وتمتلك صالة العرض حلمين غير منشورين. كذلك، هناك »الأغاني« الذي يتضمن مقاطع من بعض الأغنيات المصرية التي كان يعشقها محفوظ وكتبها عام 1994. فضلا عن مخطوط مقال بعنوان " الأساليب" عن فن الكتابة ومؤرخ بتارخ 1 سبتمبر 1929.، ومخطوط قصة بعنوان " حكمة الموت". وتعرض »سوثبي« 119 صورة لمحفوظ مع عدد من الأدباء العرب وصوراً عائلية. وحددت الدار السعر التقريبي للأعمال بين 50 و 70 ألف جنيه استرليني. والسؤال الأهم: كيف خرجت هذه الأعمال من مصر؟ وكيف وصلت إلي »سوثبي«؟ ومن سيشتري هذه المخطوطات النادرة؟ هل سيقدم أحد الأثرياء العرب علي ذلك، أم وزارة الثقافة المصرية، أو مكتبة الإسكندرية أم الجامعة الأميركية صاحبة حقوق ترجمة أعماله إلي لغات العالم؟ المؤسسات الثلاث: الجامعة الأمريكية، ووزارة الثقافة ومكتبة الإسكندرية رفضتا التدخل لشراء الأعمال بحجة عدم توافر " ميزانية" أو خوفا من المساءلة ب" إهدار المال العام"..وكأن ما تقوم به الوزارة من مهرجانات ومطبوعات ليس إهدارا للمال العام. كما أن الخوف من المساءلة البرلمانية سابقة لآوانها، وتعني رعبا غير مبرر من تيارات تري أن محفوظ " كاتب بورنو"، كما ان هناك ميزانية مخصصة، أو يفترض ذلك ، تخصص لمتحف محفوظ (المعلن عنه منذ ست سنوات ولم يتم اتخاذ أي خطوات لافتتاحه حتي الآن). كما أن قسم النشر بالجامعة الأمريكية الذي لم يكن يصدر قبل تعاقده مع محفوظ سوي كتاب او اثنين في العام ، وتوسع في النشربعد حصول محفوظ علي نوبل ليس لديه ميزانية للشراء، بينما تنازل اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية عن مرتبه لمدة شهرين لاستطاعت المكتبة شراء هذه المخطوطات. أسرة الكاتب صرحت لأخبار الأدب أنها لم تقم ببيع هذه المخطوطات، وتعتبر أن خروجها بهذا الشكل هو " سرقة" لأن المخطوطات ملك الورثة ولم تخرج عن طريق الأسرة. الأسرة كلفت المحامي بالتدخل لوقف المزاد، وقام الدكتور عماد ابو غازي وزير الثقافة السابق بالاتصال بوزير الخارجية محمد كامل عمرو الذي طلب تفويضا من الاسرة بتدخل الخارجية، كما قام محسن بدوي رئيس جمعية عبد الرحمن بدوي بالاتصال بعمرو موسي الذي قام بالاتصال بأسرة الكاتب ، والخارجية المصرية أيضا لوقف المزاد . الأسرة لا تتهم أحدا بسرقة هذه المخطوطات، لأن هناك " كثيرين يقومون بجمع المخطوطات بحجة تسليمها للمتحف".. كما أن هناك سيدة ألمانية مقيمة في أمريكا تدعي بيرتا لا فا جاءت الي مصر منذ ثلاث سنوات لجمع مخطوطات لصالح مكتبة هارفارد .. ولم تنجح في الحصول من الأسرة علي اي مخطوطات،ولكنها نجحت في جمع المخطوطات من آخرين. تحكي ابنة محفوظ، وعندما حاولنا أن نعرف من هؤلاء الآخرين ..رفضت »بيرت« الحديث إلا بمقابل مادي.. " هي أرادت أن تشتري من أجل أن تقنن مسروقاتها، وقد حذرناها أن تعرض هذه المسروقات للبيع .. " أما ليلي ديبلج من إدارة سوزيبي فأكدت أنها اشترت أرشيف محفوظ من أحد المصادر الخاصة في أمريكا الشمالية، ويعد الإعلان عن المزاد في نفس توقيت الاحتفال بمئوية محفوظ، مصادفة غير مخطط لها"وفقا لما نشره موقع "أرابيك ليتراتر" الذي تديره الصحفية مارشا لينكس كوالي. كيف خرجت المخطوطات؟ الملاحظ أن هناك مصادر متعددة من مصر تمتلك مخطوطات لمحفوظ، ولكن كما يبدو أن النسبة الأكبر تخص مجلة " نصف الدنيا" التي نشرت مخطوطة "الأغاني" وهي اول قصة نشرها محفوظ بعد الحادث الذي تعرض له ويستعيد فيها محفوظ أغنيات الطفولة والشباب والكهولة.. ويبدو أيضا أن نصف الدنيا لم تعد المخطوط إلي محفوظ وأسرته، وايضا هناك مخطوط " أحلام فترة النقاهة" ..وحسب اسرة محفوظ فقد " كان هناك اتفاق أن تعيد المجلة المخطوطات الأصلية بعد النشر، ولكن لم يتم اعادة المخطوطات" .. فضلا عن الصور التي يبدو أن معظمها يخص أرشيف نصف الدنيا أيضا. حاولنا الاتصال بالأستاذة سناء البيسي رئيسة التحرير السابقة للمجلة التي نشرت الأحلام والأغاني ولكن كان الهاتف الخاص بها مغلقا لفترة طويلة. والسؤال لها: كيف خرجت هذه الأصول من المجلة؟ تقول ابنة محفوظ: " هناك أشياء كثيرة تركها أبي لامي، من بينها الأحلام، وكان يقول دائما أمامنا للحاج صبري يجب أن تعود الأصول لأنها ملك للأسرة". ولكن لا أحد يعرف ما الذي حدث بعد ذلك لنفقد أصول الأحلام وكتاب الأغاني". الأسرة واصدقاء الكاتب المقربون منه تحدثوا عن بيرتا التي كانت تجمع المخطوطات من مصادر مختلفة، الكاتب الدكتور زكي سالم أحد المقربين نجيب محفوظ قال: " اتصلت بي لشراء أي مخطوطات او صور تخص الأستاذ منذ سنوات، واعتذرت لها لأنني لا أملك شيئا". أما المهندس عماد العبودي فأكد أن بيرتا حصلت منه علي نسخ من بعض الصور التي تجمعه بالأستاذ .. وأن لديه نسخا من هذه الصور سوف يتبرع بها للمتحف إذا تم انشاؤه". العبودي لفت النظر إلي أن المهندس هشام رجب ابن آدهم رجب صديق طفولة نجيب محفوظ لديه أشياء عديدة تخص الأستاذ ، وعرض عليه البعض ملايين لبيعها ورفض الأمر تماما معتبرا " هذه ثروة تخص مصر ولا تقدر بثمن" هشام قال إنه علي استعداد للتبرع بصور من هذه المقتنيات للمتحف بشرط أن يبدأ العمل فيه بشكل حقيقي. أضاف العبودي أن هناك أشياء كثيرة لدي محمد سلماوي ويحي الرخاوي وهم أيضا علي استعداد للتبرع بها للمتحف. في كتابه " المحطة الأخيرة" أوضح الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب أن محفوظ تعرض كثيرا للنهب، ومن بين ما تمت سرقته الميدالية الخاصة بنوبل إذ تم البحث عنها أثناء الاعداد للجنازة لتحمل مع كافة الأوسمة التي حصل عليها ولكن لم يتم العثور عليها. ابنة الكاتب نفت ضياع الميدالية وقالت انها موجودة. ولكن ثمة اوراق كثيرة تعرضت للسطو من الصحفيين الذين كانوا يزورون محفوظ في المنزل ، الأوراق تختفي ثم تظهر منشورة مثل: شهادة الزواج ..غيرها! الصحفية مارشا بدأت رحلة بحث من جانبها لمعرفة كيفيةخروج المخطوطات؟ واتصلت بأحد الأسماء التي تكررت طوال رحلة البحث ريموند استوك الأمريكي الذي ظل أكثر من عشر سنوات بصحبة محفوظ بحجة كتابة سيرته الذاتية ، وتم منعه من دخول مصر منذ عام كما يقول لنقد لفاروق حسني اثناء ترشحه لليونيسكو. ستوك أرسل إلي مارشا أنه " يعرف كافة التفاصيل ولكن لم يحن الوقت بعد لكشف هذه التفاصيل".. كما اخبرها عبر حوار معه بالقصة كما يعرفها: لا يمكن أن نؤكد مصدر هذه الأشياء ، ولكن يبدو أن هذا الارشيف وصل إلي سوزيبي عن طريق مكتبة جمع الكتب النادرة في نيويورك. لأن صاحبها كان مهتما بمخطوطات الكتاب ومن بينهم محفوظ، وقد دفع الرجل تكاليف رحلة لأحد الأشخاص ( لم يذكر اسمه) لجمع هذه المادة. هذا الشخص التقي العديد من المثقفين المصريين واسرة محفوظ، بل وتفاوض علي شراء مخطوطات روايتي " ميرمار " و" الشحاذ" بعد أن اكتشفت العائلة وجودهما في خزانة تحت سرير نوم محفوظ. وطلب مني المساعدة في توفير المادة ولكنني رفضت. المفاجأة التي يفجرها ريموند أن المزاد لن يكون الأخير لأن ما تم جمعه من مواد عن محفوظ كبير، ما سيعرض هذه المرة جزء بعد أن تم الاتفاق علي تجزئة المخطوطات والمقتنيات، وربما يكون من قام بجمع الوثائق قد عرض هذا الجزء فقط من أجل تغطية ما صرفه بينما سيحتفظ بالجزء الباقي" مكتبة الكتب النادرة في نيويورك تسمي جيلين هورويتز وهي مهتمة بجمع المخطوطات وأيضا باقتناء الطبعات الأولي من الكتب النادرة، وقد حاولنا الاتصال بالمكتبة ، وبالسيدة بيرتا لا فا حيث تقيم ولكنا لم ننجح. المفاجأة أن سوزبيي اتصلت باسرة محفوظ يوم الثلاثاء الماضي واخبرتهم أنها حولت الموضوع للشئون القانونية، ثم عادوا ظهر الأربعاء وأخبروهم أنهم المعرض سوف يتم في موعده سواء أكانت الأشياء " مسروقة" أم لا. وهو الأمر الذي اصاب الكثيرين بالإحباط. إذن فشلت المحاولات الدبلوماسية العديدة لوقف المزاد لتبدأ اتصالات أخري بأمير الشارقة لشراء هذه المخطوطات حتي لا يقدم علي شرائها إسرائيلي مثلا..ويصبح تراث نجيب محفوظ معروضا في "تل أبيب"! قبل الطبع في اللحظات الأخيرة ،قبل الطبع اتصل مسئول من »سوثبي« بعائلة نجيب محفوظ اخبرهم أن من باع لهم المقتنيات أكد أن هذه الأشياء تم الحصول عليها أثناء حياة محفوظ،ولكن الأسرة نفت ذلك تماما.وقرر المسئول بقاعة العرض الشهيرة وقف المزاد لحين التأكد من ملكية الورثة لهذة المقتنيات