سرقات الاثار والسيارات وحتى الناس فى مجتمعنا تكاد تكون طبيعية ولكن أن تسرق أعمال أدبية أو أن تهرب فهذا جديد وتفتح لنا أبوابا لأسئلة لا حصر لها .. كبف سرقت أعمال نجيب محفوظ؟ كيف خرجت من مصر؟ ومن الذى سهل سرقتها وأخرجها؟ حيث فجر إعلان صالة "سوثيبي" للمزادات ببريطانيا عن عرضها لمجموعة نادرة عالية القيمة من أرشيف الأديب العالمي الحائز على نوبل نجيب محفوظ، غضباً كبيراً بين الكتاب في مصر. وتمكّنت وزارة الخارجية المصرية اليوم الخميس من وقف المزاد من خلال التعاون بينها وبين السفارة المصرية في لندن، وكان مقرراً أن يعقد المزاد اليوم. ويأتي الإعلان من جانب سوثيبي عن عرض هذه المجموعة للبيع في ذكري مئوية ميلاد محفوظ الأولى، وقد أثار الإعلان موجة من التساؤلات حول مالك تلك المجموعة التي ستعرض في سوثيبي وكيف وصولها إلى هناك. المجموعة تتضمن صوراً عائلية نادرة لمحفوظ ومخطوطات لأعماله المبكرة ورواية غير منشورة تقع في 100 صفحة. وقد زاد من حدة التساؤلات أنه تم الإعلان وبشكل واضح عن أن أسرة محفوظ (زوجته وابنتيه) على غير علم بالمزاد، وهو ما أعطى انطباعا بأن المقتنيات وصلت إلى صالة المزادات العالمية بطريقة غير شرعية، خاصة وأن صالة "سوثيبي" بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية لم تلق الضوء على تلك النقطة، وردت المتحدثة الرسمية باسم صالة المزادات "ليلا دايبلج" على كل الاستفسارات التي وردت لها على البريد الإلكتروني قائلة "إن مجموعة محفوظ ستقوم ببيعها لصالح مصدر خاص في أمريكا الشمالية، وقد تصادف عرض المجموعة مع مئويته الأولي هي محض صدفة غير مقصودة". كذلك لم تقدم صالة المزادات أية معلومات عن هوية مصدر المواد المعروضة للبيع، على الرغم من أنهم ردوا في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قائلين "إننا نعمل بشكل جاد على مسألة هوية المالك، وقد حققنا في الأمر قبل عرض المجموعة للبيع. وتأكدنا أن مالك المجموعة اشتراها بشكل قانون من شخص قريب من محفوظ". ولكن تلك الردود لم ترض الكتاب والناشرين وباعة الكتب المصريين الذين عبروا عن فزعهم من مسألة البيع، وقالت المحررة والكاتبة رحاب بسام ومسئولة نشر بدار الشروق التي تملك حقوق نشر أعمال محفوظ باللغة العربية على "تويتر "كيف يمكن لعائلته أن لا تعلم عن مسألة البيع؟" ومن جهته، قال الباحث في أعمال محفوظ رشيد العناني والأستاذ بإحدى أعرق الجامعات البريطانية "أنا منزعج للغاية لرؤية كنوزنا الوطنية تخرج من موطنها الأصلي". وأضاف "أعتقد أن محفوظ كان يوصف بأنه الهرم الرابع، لكني أعتقد بأن شخص ما قد هرب تلك المجموعة من مصر لعرضها في المزاد". وتحدثت رحاب بسام -بحسب تقرير الصحيفة- إلي ابنة محفوظ، وقالت لها إن هناك العديد من الأشخاص الذين يتدخلون لوقف البيع ومن بينهم عمرو موسى المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، وحاتم سيف النصر السفير المصري في لندن، ووزير الثقافة الحالي د. شاكر عبد الحميد، ووزير الثقافة المستقيل د. عماد أبو غازي، إضافة إلى قائمة طويلة من الأسماء لم تنقلها الصحيفة. ونقلت بسام عن عائلة محفوظ أنهم لا يعتقدون أن "سوثيبي" لديها الحق في بيع تلك المجموعة بأي حال، لأنهم لم يحصلوا عليها من العائلة، وهي الوحيدة المخولة بالتصرف في مثل تلك المواد. وأشار الصحفي المصري محمد شعير، المحرر في صحيفة "أخبار الأدب"، والمراسل الثقافي لصحيفة "الأخبار" اللبنانية من مصر، إلى أن بعض تلك الأرشيفات تم أخذها من بيت محفوظ بشكل غير قانوني في السابق. كما أوضح مترجم أعمال محفوظ رايموند ستوك أنه لا علم لديه عن مالك تلك المجموعة، ولكنه قال إنه كان يعمل مع صديق له مع بائع كتب بنيويورك لشراء أشياء كانا يعتقدان أنها تعود لنجيب محفوظ. ولكن كتاب آخرين كانوا أكثر اهتماماً برؤية المادة المعروضة للبيع تعود إلى مصر عن معرفة مصدرها. وفي سياق متصل عبرت الروائية المصرية الشابة منصورة عز الدين عن أملها في أن تنجح وزارة الثقافة المصرية أو مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة في شراء المجموعة على الرغم من أن السعر المقترح للمجموعة يتراوح ما بين 50 إلى 70 ألف جنيه إسترليني في المزاد الذي كان يفترض أن يقام اليوم قبل أن تنجح الخارجية المصرية في وقف البيع. وكانت وزارة الثقافة المصرية ودار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة قد أعلنتا أنه لا توجد لديهما موارد لتغطية تلك الكلفة العالية. من ناحية أخرى لم يمنح مقيم المجموعة د. آلان هاين، أستاذ بمدرسة لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، أية معلومات عن مصدر المجموعة ولكنه قال "إنه من المثير للغاية دائماً أن تمسك بين يديك بكتابات أصلية لكاتب كبير، خاصة إذا كان من طراز محفوظ". وأضاف أن مخطوطات صاحب "الثلاثية" كانت مميزة بشكل خاص ومن ضمنها مخطوط نصه الشهير "أحلام فترة النقاهة" الذي خص به مجلة "نصف الدنيا" التي تصدرها مؤسسة الأهرام، ويظهر إلى أي مدى تأثرت حالته الجسدية وكتابته بمحاولة اغتياله. وأضاف "بدون أن أبدو عاطفياً للغاية، أعتقد بأنه يمكننا أن نرى الشجاعة والتصميم من خلال خط يديه المرتعش، وتعطي الكتابات المبكرة استبصارات حول الطريقة التي كان يدون بها أفكاره كتابة". ومن بين الأرشيف المعروض مسودة لرواية غير منشورة لمحفوظ بعنوان "قصة السودان" ويعتقد هاين بأن لها علاقة بثلاثية محفوظ. من ناحيتها قالت الكاتبة سناء البيسي، رئيسة تحرير مجلة نصف الدنيا سابقا:" إنه لا علم لديها عن كيفية وصول النسخة الخطية التي كتبها نجيب محفوظ من كتابه "أحلام فترة النقاهة" إلى لندن للعرض في مزاد بصالة "سوثيبي"، ضمن المجموعة المعروضة للبيع، وأشارت إلى أنها لاتزال تحتفظ بمخطوطات الأعمال، التي نشرتها للكاتب المصري الحائز على نوبل خلال فترة رئاستها لتحرير المجلة منذ عام 1990 إلى 2005. كان الشاعر أحمد الشهاوي مدير تحرير مجلة نصف الدنيا، التي تصدرها مؤسسة الأهرام قد تساءل على صفحته في "فيسبوك" أمس: "من باع أصول الثلاثين حلما من أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ إلى صالة مزادات سوثيبي في لندن، التي كنا نشرناها له في مجلة نصف الدنيا.. هل أنا؟.. أم هو؟.. أم..؟.. أم..؟"، في إشارة إلى الغموض المرتبط بآلية وصول هذه الأصول إلى صالة المزادات بلندن. كما تساءل الشهاوي: "أين الثلاثمائة حلم، التي كانت موجودة في درج مكتبه في البيت، التي لم تنشر بعد وكان قد وعدنى بنشرها في نصف الدنيا؟"، مشيرا إلى أن محفوظ قال له آنذاك: "سأعطيك ثلاثة أحلام فقط كل شهر، هو أنت عايز الناس تنساني"، ردا على طلب من المجلة بمنحها المزيد من الأحلام. ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في معرض تقرير لها عن بيع المجموعة الأرشيفية أن المجموعة، التي كان مقرراً بيعها اليوم بلندن في صالة سوثيبي، قبل أن تتمكن وزارة الخارجية المصرية بالتعاون مع السفارة المصرية بلندن في إيقاف بيعها، تتضمن صوراً عائلية ومخطوطات لبعض كتبه المبكرة منها "أحلام فترة النقاهة" ورواية غير مكتملة بعنوان "قصة السودان". وأشارت البيسي، التي تمتعت بثقة نجيب محفوظ إلى أن ما لديها من مخطوطات لنجيب محفوظ ستتركها إرثاً لأحفادها من نجلها الوحيد هشام منير كنعان، وذكرت أنها لم تحتفظ بكامل مخطوطات الكتاب، الذي نشر علي حلقات خص بها مجلة نصف الدنيا، التي كان ينشر بها كل جديد يكتبه منذ عام 1990 ومنها "أحلام فترة النقاهة" و"أصداء السيرة الذاتية" ومجموعة قصص قصيرة أخري.