بريطانيا تحذر إسرائيل بعد اعترافها بدولة فلسطين    قامت شركة 1xBet ونادي باريس سان جيرمان بتمديد الشراكة بينهما لمدة 3 مواسم أخرى    حالة الطقس في الكويت.. أجواء مستقرة وارتفاع بدرجات الحرارة    "طلاب من أجل مصر" ترحب بدفعة طب الجديدة بجامعة بورسعيد الأهلية (صور)    إنجاز جديد لجامعة بنها بمؤشر نيتشر للأبحاث العلمية Nature Index    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رابط التقديم على وظائف بنك مصر 2025 لخدمة العملاء.. متاح الآن بدون خبرة    إحالة 9 من العاملين المقصرين في عملهم بالشرقية للتحقيق    الذهب يسجل مستوى قياسي في مصر.. وعيار 21 يتجاوز 5 آلاف جنيه    عاجل- قراران جمهوريان بإنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية وتخصيص أراضٍ للتنمية الصناعية    إحلال وتجديد شبكة المياه بقرية أطواب الواسطى ببنى سويف    رئيس هيئة الاستثمار: مصر استثمرت 550 مليار دولار في تطوير البنية التحتية    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    الإحصاء: 20.9 ٪ انخفاضا بأعداد الأجانب بالقطاع الحكومي والأعمال العام في 2024    انعقاد الجمعية العمومية ل «الإدارية العليا» لتوزيع عمل القضاة بالدوائر    متحدث الخارجية: منتدى أسوان يسعى لدعم جهود إعادة الإعمار وبناء السلام في أفريقيا    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    البرلمان العربي يدين الهجوم الإرهابي على مسجد بمدينة الفاشر بجمهورية السودان    رفع العلم الفلسطيني على مبنى البعثة الفلسطينية في لندن    انتظام الدراسة بجنوب سيناء.. وتسليم الكتب دون ربط بالمصروفات (صور)    سبورت ميدياسيت: يوفنتوس يستهدف ضم سافيتش بعد نهاية تعاقده مع الهلال    زيزو يصل اتحاد الكرة لسماع أقواله في شكوى الزمالك    عبد الله السعيد: أنا تحت أمر منتخب مصر ولن أتأخر أبدا.. وهذا اللاعب يشبه طريقة لعبي    منتخب مصر للشباب مع نيو كاليدونيا في الأخيرة النهائية للمونديال    مع إجراء اتصالات مكثفة .. الأهلي يرفع سقف التعاقد مع المدرب الأجنبي الجديد ل 4 ملايين يورو    تعرف علي تفاصيل البرنامج العلاجي ل إمام عاشور لمواجهة فيروس A    بالصور.. حفل استقبال للطلاب الجدد بجامعة شرق بورسعيد الأهلية    "الداخلية" تكشف ملابسات فيديو سائق ميكروباص خالف تعريفة الأجرة بالعاشر من رمضان    مدير أمن الفيوم يقود حملة لإعادة الانضباط المروري استجابة لشكاوى المواطنين    استخدموا فيها أسلحة بيضاء.. «الداخلية»: ضبط أطراف «مشاجرة بورسعيد»    مصرع فتاة وإصابة 6 في تصادم ميكروباصين بطريق العوايد بالإسكندرية    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    المتحف المصري الكبير ومنطقة الأهرامات يستقبلان رئيس جمهورية سنغافورة وقرينته    ب "التايجر".. ريم سامي تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة    "بحب الفسيخ وكانت بتخدم علينا".. وفاء عامر تكشف سر علاقتها ب"أم مكة"    أمير كرارة: معايا صورة ل هنا الزاهد ممكن تدمرها لو نزلتها    "الغردقة لسينما الشباب" يكشف عن لجان تحكيمه .. وداود رئيسا لمسابقة الأفلام الطويلة    هينسحبوا تمامًا.. 3 أبراج لا تقبل العلاقات السامة «التوكسيك»    هل يجوز للأخ الزواج من امرأة أخيه بعد الطلاق أو الوفاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يشهد احتفال نقابة الأشراف بالمولد النبوي الشريف    العوارى: ما يحدث للأبرياء من تدمير منازلهم لا يمت بصلة للأخلاق التي جاء بها الأنبياء جميعا    دعم مستشفيات الشيخ زايد وأبو النمرس والتحرير العام وأم الأطباء في الجيزة بأجهزة طبية حديثة    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    محافظ المنوفية يوجه بزيادة منافذ صرف الأدوية ودراسة تعلية دورين للتأمين الصحي بتلا    وزارة الصحة: تقديم 17 ألف خدمة طبية في طب نفس المسنين    تحذير من أدوية البرد للأطفال دون وصفة طبية    عائلة وش إجرام.. سقوط تشكيل عصابي بحوزتهم آيس في العجوزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-9-2025 في محافظة قنا    «الإسكان» تستعد لطرح المرحلة الثانية من 400 ألف وحدة.. أكتوبر المقبل    ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بأوروبا والشرق الأوسط    موعد أذان الظهر ليوم الإثنين ودعاء النبي عند ختم الصلاة    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    الدوري المصري بشكل حصري على "أبليكشن ON APP".. تعرف على طريقة تحميل التطبيق    وزير الخارجية يلتقى مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    وفاء عامر: بنيت مسجدًا من مالي الخاص ورفضت وضع اسمي عليه    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الاعترافات الدولية بالدولة لحظة تاريخية يجب البناء عليها    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. المخرج محمد عبد السلام يحتفل بعقد قرانه بحضور نجوم الفن.. أشرف زكى وأحمد بدير وصفاء أبو السعود فى عزاء شقيقة أحمد صيام.. "ضى" يفوز بجائزتى أفضل فيلم وممثلة من مهرجان بغداد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فرق توقيت":
أحلام مجهضة وتواصل زائف
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 11 - 2011

يواصل شريف عبد المجيد في مجموعته الأخيرة "فرق توقيت" اللعب علي وتر الأحلام البسيطة والتي، رغم بساطتها هذه، يتم إجهاضها في مجتمعات تفقد الإنسان إنسانيته، إذ تتجاوز القصة لديه مجرد الحفر في نفسيات شخوص وأحلامهم إلي الحفر في البني الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تفتك بالبشر. ورغم إن فرق توقيت هو عنوان إحدي القصص داخل المجموعة فإنه يؤطرها جميعا؛ حيث نجد أنفسنا أمام فروق توقيت شاسع بين الذات وتحققها، بين الإنسان ومجتمعه، بين الأحلام والمصائر؛ حيث قسوة المجتمع التي تدهس كل ما يقابلها. النصوص داخل المجموعة تفضح مدي التفكك والتناقضات التي يحفل بها عصر العولمة -التي توهم بأنها تجعل العالم قرية صغيرة، وتدفع الجميع إلي التواصل وإلغاء المسافات- حيث التواصل الوهمي والذوات متوحدة مع نفسها.
تبدأ المجموعة بقصة "chat 1" والتي تدور علي شبكة الإنترنت بين شريف وميتشل الأمريكية، ورغم اختلاف السياقات بين الشرق والغرب فإننا نجد أن مشكلاتهما واحدة تقريبا، فميتشيل أمريكية من أصول صينية ويعاملها الأمريكيون كآسيوية ملونة رغم إنها ولدت في أمريكا ولم تذهب إلي الصين قط، والغريب أنها عندما ذهبت إلي الصين تعامل معها الصينيون كجاسوسة أمريكية، فهي منبوذة من الجانبين بلا ذنب ارتكبته. الأمر نفسه تكرر مع شريف ذي الأصول النوبية، فرغم إن حياته كلها في القاهرة ولا يعرف عن النوبة شيئا، فإن القاهريين يتعاملون معه كنوبي، فالاثنان مغتربان عن مجتمعاتهما، منبوذان، لا أحد يتواصل معهما كذوات مستقلة بعيدا عن التصنيفات المسبقة. فالقصة عبارة عن (حوار) علي المستوي التقني ولكنها تفضح انعدام الحوار علي المستوي الثقافي، فكلاهما منبوذ من مجتمعه، لا يجد من يتحاور معه، وربما وجد في الآخر المنبوذ مثله ملجأ له، يستطيع أن يتفهم مشكلاته ووضعيته.
هذه القصة chat ليست قصة واحدة، ولكنها تتواجد أكثر من مرة داخل المجموعة، فنجد chat1 و chat2 و chat3 و off line message ، وجميعها يتواجد علي فترات متباعدة حتي نهاية المجموعة، وكأن هذا الحوار الافتراضي يحتضن بقية القصص وشخوصها المجهضة أحلامهم، كتعويض عن عدم التحقق والحوار مع شخوص حقيقية وقريبة منهم، ولكن حتي هذا الخيط الوهمي من التواصل الافتراضي لا يتم حتي النهاية، حيث ينتهي بإرسال رسائل من ميتشل لشريف وبالعكس، ولكن عندما يكون الخط مغلقا من الطرف الآخر، فيفقد جدواه وحيويته.
بعد قصة chat1 تأتي أربع قصص تتمحور كلها حول تيمة الأحلام المجهضة، فالشخوص رغم تفاوت أعمارهم دهستهم قوي الإنتاج الشرسة التي لا ترحم؛ ففي قصة "كامل العدد" يوجد عم سالم الذي يعمل مراقبا علي بيع تذاكر السينما لصالح إحدي شركات الإنتاج، ولكن الشركة تستغني عن خدماته، بعد أن قامت بتحديث آلياتها والقيام بالتفتيش إلكترونيا، فيأخذ الرجل مكافأة نهاية الخدمة ويدور متسكعا في شوارع وسط البلد التي يحفظها عن ظهر قلب، ويصل يجتر ذكرياته عن السينما في الستينيات وأبطالها، وقصة حبه التي لم تكتمل، حتي يموت وحيدا لا يسأل عنه أحد سوي بعض المهمشين أمثاله. أما قصة "go to hell" فبطلها يعمل في الإعداد التليفزيوني "تلك المهنة التي تشبه عمل السكرتير أو المشهلاتي" ويقوم السارد، الذي يروي بضمير المخاطب، بالربط بين حياة البطل وعمله في مهنة لا يحبها وبين أبطال فيلم "اللعب مع الشياطين" -هالة فؤاد وعبد الله محمود ومحسن محيي الدين- ومصائرهم المختلفة في الواقع بعد تمثيلهم هذا الفيلم "هؤلاء الأبطال إنهم يشبهون أبناء جيلك، لم يصلوا قط لأدوار البطولة، وأنت بالذات شارفت علي الأربعين ولم تحقق أي شيء من أحلامك الخاصة" كما يربط بينهما وبين سقوط سور برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي وخطب جورباتشوف، فانهيار الأحلام الشخصية دوما يرتبط بانهيارات سياسية ولا ينفصل عنها، كما أن الانهيار الواقعي لا يمكن تعويضه عبر المتخيل، فلا يمكن للمتخيل أن يعيد خلق واقع أجمل مهما حاول ذلك.
الأمر نفسه يتكرر في قصة "made in Egypt" حيث البطل الذي يستريح بين العمل صباحا ومساء فتقتحم حياته فتاة صينية تبيع ملابس نسائية، ويتمني أن يقضي معها وقتا حميميا ولكنها سرعان ما تختفي كالسراب. قصة "فرق توقيت" عبارة عن حوار بين ابنة وأبيها المصاب بالزهايمر بعد خروجه علي المعاش، والذي يفقد إحساسه بالزمن وبالحياة من حوله، فيعيش في زمنه الخاص وإيقاعه الخاص.
معظم أبطال المجموعة تنتهي حيواتهم نهايات مفجعة، من الموت المادي في "كامل العدد" إلي الموت الرمزي في " to hell" goو"فرق توقيت" ومن الانتحار في " hand made" إلي الجنون في "السلمة الناقصة" إلي التورط في قتل أسرته نتيجة الضغط الاقتصادي في "محرم" وكأن هذه هي النهايات الحتمية لأبطال يعيشون في الزمن الخطأ، زمن ليس زمنهم، رغم إن أحلاهم ضئيلة وهشة، لكن هذه الأحلام ذاتها تصبح هي سبب فجيعتهم في مجتمعات تسحق الحالمين، بغض النظر عن حواراتهم العبثية التي تشبه حوارات الذين ينتظرون موتهم، والتي يحاولون عبرها أن يحافظوا علي وجودهم، إثبات أن لهم صوت ما زال يخرج.
تتنوع طرائق السرد داخل المجموعة بين الحكي بضمير المتكلم والغائب والمخاطب، بين تقنية الحوار المحض والسرد المحض، بين الوصف والتداعي الحر، وأحيانا ما تتداخل هذه التقنيات داخل القصة الواحدة، كما نجد ألعابا تقنية مثل الصراع بين الراوي والمؤلف في إعادة صياغة الأحداث في قصة "جزمة الباشا". تعمد المجموعة -كعادة أعمال شريف السابقة- إلي معاينة مجتمع العولمة بأدواتها الحديثة من وسائل اتصال وغيره، وتتسرب هذه الأدوات باعتبارها لغة هذا العصر إلي جسد النصوص بوصفها جزءا من تركيبته البنائية، واتساقا مع هذا تتسرب اللغة الإنجليزية إلي لغة السرد، وكأن الحدود قد سقطت بين اللغات، تماما كما سقط سور برلين، وكما سقطت الحدود بين الدول بفعل وسائل الاتصال.
تعمد النصوص إلي استخدام نسق لغوي خال من الزركشة اللغوية من مجاز وغيره، لغة متقشفة، باردة، حيادية أو هكذا تدعي، لغة براجماتية تتسق مع العوالم التي تقدمها في النصوص، وكأن السرد يستعير لغة النظام العالمي الجديد ليفضحه من خلالها ويقوم بتفكيكه وتعريته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.