انتخابات مجلس النواب 2025، الأنبا فام أسقف شرق المنيا يُدلي بصوته في انتخابات النواب    السيسي: استضافتنا للقمة العالمية لصناعة التعهيد تعكس ثقة المجتمع الدولي في قدراتنا    سعر الجنيه السوداني أمام الدولار بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    أمين مجلس الأمن الروسي: التاريخ سيتذكر دور السيسي لتحقيق الاستقرار الإقليمي    سعر الليرة أمام الدولار في مصرف سوريا المركزي بمنتصف تعاملات اليوم    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس غدا الثلاثاء    ضبط صانعة محتوى بالبحيرة بتهمة نشر مقاطع خادشة للحياء على السوشيال ميديا    انطلاق فرق التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب بالوادي الجديد    وزير النقل الإيطالي: نتعاون مع مصر لدعم مسار التجارة إلى أوروبا    وزير النقل: ربط مصر بالدول العربية والأفريقية والأوروبية يحقق تكاملا اقتصاديا حقيقيا    معلومات الوزراء: المهارات المطلوبة لسوق العمل تتغير بوتيرة غير مسبوقة    حركة تنقلات بين مديري ووكلاء الإدارات التعليمية في الشرقية (الأسماء)    سيدات يصطحبن أطفالهن في انتخابات مجلس النواب 2025 بالهرم    منال بركات تكتب: براءة هتلر من دم اليهود (2)    واشنطن تتفادى الأزمة.. رويترز: مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    بعد فضيحة تحريف خطاب ترامب.. دعوة لتعزيز الإشراف على المعايير التحريرية في بي بي سي    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزازية    خبر في الجول - سيراميكا كليوباترا يبدأ مفاوضات تمديد عقد مروان عثمان    الإصابة تحرم مدافع إنجلترا من مواجهتي صربيا وألبانيا    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    مسيرة لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب بقنا | صور    طن الشعير الآن.. سعر الأرز اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 في الأسواق    غيوم وأمطار محتملة بالإسكندرية وشركة الصرف الصحي ترفع حالة الاستعداد    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل أحمد المسلماني تاجر الذهب بالبحيرة لتعذر حضورهما    بعد الوعكة المفاجئة .. نتائج تحاليل الفنان محمد صبحي مطمئنة وحالته تشهد تحسنا ملحوظا    فاصوليا بيضاء بالأرز على مائدة محمد سلام!    الثقافة تحتفل باليوم العالمى للطفولة بفعاليات متنوعة تحت شعار أبناؤنا فى متاحفنا    «القوس» هيقع في الحب وتحذير ل«السرطان» من قرارات مالية.. توقعات الأبراج لهذا الأسبوع    «توت عنخ آمون» تواصل خطف الأضواء من باقي قاعات المتحف المصري الكبير    رغم مشتريات الأجانب.. هبوط مؤشرات البورصة في منتصف جلسة تداولات اليوم    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "السلم والثعبان - لعب عيال" بحضور صناع العمل    غرق مركب صيد أمام سواحل محافظة بورسعيد وإنقاذ صيادين    رضا عبد العال: بيزيرا "خد علقة موت" من لاعبي الأهلي.. ويجب استمرار عبدالرؤوف مع الزمالك    انتخابات النواب 2025.. شلاتين تشارك في العرس الديمقراطي وتحتشد أمام اللجان| صور    إطلاق منصات رقمية لتطوير مديرية الشباب والرياضة في دمياط    «الله أعلم باللي جواه».. شوبير يعلق على رفض زيزو مصافحة نائب رئيس الزمالك    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    «الداخلية»: تحرير 1248 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» ورفع 31 سيارة متروكة بالشوارع خلال 24 ساعة    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    التعليم: تغيير موعد امتحانات شهر نوفمبر في 13 محافظة بسبب انتخابات مجلس النواب    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    بعثة الأهلي تغادر مطار دبي للعودة إلى القاهرة بعد التتويج بالسوبر    السكة الحديد تعلن متوسط تأخيرات القطارات على الوجهين القبلي والبحري    انطلاق أعمال التصويت في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمهندسين    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاف تشبيه الدكتاتور
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 10 - 2011

أصبح يائسا وطريدا وانصرف عنه الأتباع والمريدون، لم يعد أمامه سوي طريق واحد وهكذا قرر أن يكون نبيا، خاصة وأن معظمهم كانوا في مثل حالته، بل ان بعضهم كانت حالته اسوأ بكثير، لكنه تذكر فجأة ان عليه الاتيان ببعض المعجزات، لدفع العامة الي الالتفاف حوله والدفاع عنه اذا اقتضي الأمر، عندها زاد يأسه وانصرف إلي النظر حوله، لعلمه بعجزه عن مثل هذه الأشياء، فقد كانت أعظم معجزاته التي يتذكرها- والتي لاتهم العامة علي الاطلاق- كونه لايزال حيا.
لكنه رغم انصرافه عن الأمر، قرر دراسة حياة اولئك المحظوظين، فإذا كان قد عجز عن الانخراط في سلكهم المقدس، فقد يسعفه الحظ فيعمل داعية لأحدهم، خاصة وان هذه الوظائف اصبحت تضمن لصاحبها كل ما يصبو إليه الآن. الطعام الجيد. البراندي والسجائر. النوم متي شاء.
لهذا لم يضيع وقتا فقد خرج مسرعا من البار، وعبر الشارع الصغير، ليجد نفسه محدقا إلي أكداس الورق المصقولة والمجلدة تاركا ما عداها، فقد كان يعلم- لطول باعه في هذا الميدان- أن كل ما يبحث عنه لايوجد إلا مصقولا ومجلدا، بل أن أكثره يتحلي ايضا- علاوة علي الغلاف المهيب- بعناوين ذات ألوان ذهبية وفضية، ولم تعطله أحجامها، ولا مقاومتها للطي، فقد كان يستطيع- لطول باعه ايضا- ان يسلب هؤلاء الباعة الأجلاف سراويلهم وليس فقط كتبهم.
كان لوجود هذه المجلدات علي طاولته أثره السريع فقد انهالت عليه الكؤوس من اصحاب الطاولات المجاورة، بل ومن الجرسون نفسه، فهم رغم عملهم طوال الليل ونومهم طوال النهار، مازالوا يتذكرون أصحاب هذه الكتب بالخير كلما وجدوا وقتا لذلك، وهكذا انصرف ذهنه الي العمل وحده، خاصة وان بعضهم عرض عليه ايضا اصطحابه- عند عودته- في عربة الفرقة الموسيقية التي ستمر بالقرب من بيته.
أخيرا وبقليل من البحث وجد ضالته، لم يكن يعلم ان الأمر بهذه السهولة، لذا فقد طرح جانبا مسألة العمل داعية، وقرر تنفيذ مشروعه الأول، فهاهو يكتشف ان هناك طرقا عديدة ليست المعجزة إلا إحداها، يكفي أن يباركك أحد القدامي، أو يقدم لك خاتمه فتصبح واحدا منهم، فهاهو أحدهم لم يقم بأية معجزة، واكتفي بانتحال شخصية أخيه ومكر بوالده الضرير المتقاعد، فصار نبيا ذائع الصيت بينما مات اخوه راعيا للماعز.
انفتحت امامه الطرق، وشعر بنفسه وقد أصبح بالفعل أحدهم، فصب كل ما أمامه داخل فمه حتي ابتلت ملابسه، وقذف ببقايا العصافير بين أسنانه، وخرج متجاهلا دعوة رئيس الفرقة الموسيقية، الذي ظهر عليه الانزعاج، ثم انقلب انزعاجه اطمئنانا وفرحا، عندما اكتشف ان المجلدات المصقولة والمجلدة مازالت علي الطاولة، فعلم انها احدي كرامات هذا المثقف الناسك.
فكر في الطريق- وقد صفا ذهنه- في خطواته المقبلة، وكاد يداخله اليأس من جديد، فمن اين له باحدهم- سواء كان ضريرا ام مبصرا حتي يباركه فيصبح واحدا منهم، خاصة وهو يعلم ان اخرهم مات منذ اكثر من مائة عام بعد او وضع وصاياه في كتاب كبير يكاد يحفظ أحد ملخصاته العديدة وهو المدعو »بالبيان الشيوعي« (رغم منظره البائس فلم يكن مصقولا ولا مجلدا).
لكن ذهنه الصافي سرعان ما اسعفه، فمن قال ان عصرنا يخلو منهم، أليس الجنرالات هم أنبياء العصر بلا منازع، بل انه كاد يرقص فرحا عندما تذكر انه رأي العديد منهم، بل وجالس احدهم منذ سنوات، وحادثه وجها لوجه، وعندما تذكر تفاصيل تلك الجلسة المقدسة تأكد لديه انه قد حقق امله، فما اسهل خداعهم، والتغرير بهم، رغم مظهرهم الذي يوحي بغير ذلك.
وهكذا ترك طريقه واتجه مباشرة الي منزل والد صديقه ذلك الجنرال الوديع المتقاعد، والذي يكاد لايري، والذي يهوي لحم الضأن، والذي يشرب الخمر كثيرا، والذي يحمل اسما يماثل تماما- من حيث جرسه علي الأقل- ذلك الاسم المقدس القديم.
نعم الجنرالات هم أنبياء هذا العصر بلا منازع، أليسوا هم أصحاب التعاليم والوصايا الكبري في عصرنا، بل ان اكثرهم تواضعا له عشرات الكتب التي تحمل تعاليمه ووصاياه وكلها لاتفترق عن تلك الكتب القديمة في شيء فلها نفس الأغلفة المصقولة والمجلدة.
لذلك قرر دراسة كل ما كتب عن الجنرالات خاصة تلك الكتب القديمة التي يحمل لها الناس تقديسا خاصا فكان مما قرأه في هذا الصدد، فصلا مطولا ولكنه باء بالفشل الذريع لاستعصاء الفاظه علي النظم مما جعله يلخصه- آسفا- نثرا وان اضمر في نفسه الانقطاع- بعد بلوغ المأمول- الي نظمه وجعله كتابه ودستوره الذي سيخلده بعد الانقلاب عليه وعلي الجنرالات من بعده.
ومع الإيغال في العمل داخله الشك في قدراته البلاغية فقد كان يجلس مبهوتا امام لمات هجينة ومعظمها اعجمي الاصل ثقيل الجرس عصي الفهم مثل:
القائد المعلم- الزعيم- المرحلة الحرجة- اللقاء التاريخي- الثورة المباركة- الاشتراكيه العربية- الاستفتاء- مجلس الشعب- الجماهير الكادحة-.. وغيرها من تلك المصطلحات المستحدثة ولكنه في النهاية نجح في تلخيص ما يهمه بعد ان استبدل مصطلح الجنرال بذلك المصطلح الحديث الذي وجد معظم اصحاب الكتب والجرانيل يطلقه علي الجنرال مقرونا بالهيبة والاحترام.
فصل في محاسن الدكتاتور
واعلم أفادك الله انك اذا استطعت ولوج هذا الباب وانفتحت امامك المسالك وعبرت وصرت واحدا منهم، فابدا برفاقك ولاتبطيء عليهم. واطرد الوهن من
قلبك، ولا تجزع من سومهم صنوف العذاب قبل تعليقهم، وخذ ممن سبقوك اسوة حسنة، فقد اذلوا القاصي والداني وقيلت فيهم المدائح والأغاني، وذلك لصبرهم علي النوائب وكفاحهم وعظيم صبرهم علي بلوغ نهاية الطريق الي خرقة الجنرالية فهو طريق لا يقطعه سوي البواسل من السالكين فهو يبدأ بملازمة الشيخ لسنوات ولذا سمي المريد في هذه المرحلة بالملازم ويظل المريد خادما لصاحب الخرقة مرحلة تلو اخري حتي بلوغ المرحلة السابعة وهي الجنرالية وفيها توهب الخرقة المباركة وتصبح مستعدا للتلقي والأخذ وعبور البرزخ الذي يعبره من علا نجمه وتأكد خلوده وسعده، وليس بعده مشقة ولا عناء ولا هم ولا ضني بل ان من بلغ هذا الموضع واصبح دكتاتورا يمكن ان يقول للشيء كن فيكون ويمكنه مخاطبة الهوام والوحوش بلسانها والتربع علي عرشه طوال حياته ذلك ان الدكتاتور لايختاره العامة والدهماء ولا جماهير الصعاليك ولارقعاء بل يتربع بارادة عليا لايقدر عليها ولايفهمها امثال هؤلاء.
فاذا ما قدر لك ولوج ذلك البرزخ الخطير لتسليم خوذة الجنرال وتسلم خرقة الدكتاتور، فلا تندهش من ازدحامه ليس فقط بالجنرالات بل بما هو ادني، وكلهم طامح الي نيل الخرقة المرجوة، لعلمهم أنها لا تأتي إلا لصاحبها ولو كان جاويشا. غير أن طريقك هو أكثرها استقامة وأقصرها مسافة. إذا ما بلغت مقام الجنرالات، لأنه سابع المقامات وأرقاها حتي ذهب بعض المفسرين إلي أن لفظة الجنرال ليست سوي حجاب أو ستر ينكشف ساعة الوصول وبلوغ المأمول.
فإذا ما بلغت المأمول فلا تأبه لمستحدثاتهم المسماة بالدساتير والجرانيل والأحزاب والانتخابات فلم يعد في عصرك سمير سواها، واذا رابك شيء منها فما عليك سوي تغيير لباسك ووضع آلة حربك وكفاحك مقام آلة طربك وانشراحك فيستقيم لك الأمر، إلي آخر العمر.
عندما انتهي من بحثه، عاد الي الطاولة لم يسأله الجالسون عن سر غيابه، واستمروا في إكمال تلك الحكاية التي سمع أجزاءها السابقة قبل قيامه، بل وجد مجلداته المصقولة كما تركها تماما كل هذا جعله يشك في خروجه من البار، وفي حقيقة أبحاثه، لكنه سرعان ما طمأن نفسه عندما تحسس الهاندباج ووجدها منتفخة بالأوراق والأقلام، فزاد احتقاره لهم، أليسوا هم الذين لم يجزموا بموت »شاكر عيد« -صاحب الطاولة الخامسة- إلا بعد رحيله المفاجيء بأربع سنوات، بل وظل بعضهم يؤكد حضوره كل ليلة ويقسم انه شاهده يجلس الي طاولة اخري تقع في آخر البار بجوار دورة المياه، وبعضهم أكد أنه لم يمت ولكنه فقط انتقل الي بار آخر ولكنهم اضطروا في النهاية الي تصديق موته بعد ان رأوا بأعينهم احدي عظام حقوية- وكانوا يعرفونها- مكتوبا عليها عدة أبيات بقافة ميمية مخففة، عندها كثر عويلهم وعياطهم، وتتالت مراثيهم وقصصهم ومن الغريب ان تلك المراثي كانت جميعا بقافية الميم المخففة.
سرعان ما اصدر الأنبياء الفاشلون مرسوما بعد تلك الحادثة قالوا فيه ان معارفهم وتفسيرهم الصحيح لكل ماهو مجلد ومصقول، أكدت لهم دائما موت »شاكر عيد« بل حتمية موته في هذا التاريخ بالضبط، ولكنهم احجموا عن الاعلان بذلك لما وجدوه من ايمان بالترهات والخرافات بين أهل البار، اما وقد تم اكتشاف احد الحقوين وبعد التأكد من نسبة القصيدة الي صاحبها فهم يعلنون للجميع ان الابتعاد عن معتقدهم ضلال مبين لن يجني اصحابه الا الخزي والعار وفي نهاية المرسوم اكدوا علي امكانية عودة الضالين والمنشقين دون مؤاخذة ولا عقاب بشرط ان يتم هذا قبل نهاية جلسة المساء القادم.
لم يلتفت اليهم بتاتا، كان يعلم انهم يقصدونه بالذات بهذه الرسوم، خاصة وقد ثارت ثائرتهم لما وجدوه من الاحترام الذي ناله منذ ان جلب مجلداته المصقولة الي طاولته، بل انه لمح اكثرهم شراسة وهو يكسر عنق زجاجة »سيكو مصر« ويهم بالتوجه اليه ولكن العقلاء منهم اقنعوه بسخف هذا العمل لان مثل هذه الاجراءات لا تتخذ- حسب العادة- الا بعد فقدان الأمل في اصلاح الفاسد وتقويم المعوج.
استأنف بحثه وهو أكثر حذرا منهم فربما قذفه متطرف بكأس فارغة أو بسيجارة مشتعلة امعانا في مضايقته واذلاله لكنه فجأة قفز فرحا فقد وجد في احد المجلدات ما كان يبحث عنه، بل ما كان يخشي فشل مشروعه بأكمله لو لم يتوفر له، ذلك ان سنوات من المناقشات والمساجلات العنيفة والزجاجات الطائرة قد مرت وجميع أهل البار يحاولون معرفة أي الفريقين اجدر بالتجنيد والتجييش، هل يمكن للجمهور ان يكون اداة الدعوة القادمة ام يمكن الاعتماد علي عدوه اللدود الشعب. لهذا سارع بتلخيص البحث في الحال وضمه الي ملفات المشروع الذي وهب حياته من أجله. وكانت هذه الحاشية.
حاشية في تفضيل
الشعب علي الجمهور
وأعلم جعلك الله من الناجين ان اقطابنا القدامي كانوا يطلقون لفظة الجمهور علي كل ما سما قدره وبزغ نجمه حتي قيل جمهور الفقهاء أو جمهور المفسرين للدلالة علي هذه الطبقة السنية ولكن جاء زمن استباح فيه الناس هذا اللقب السامي، فأنزلوه من عليائه وجعلوه قرينا بالتافه من الأشياء والنافل من الأمور حتي اطلقه ملوك عصرنا علي ممالكهم درءا للحسد، ودفعا لأحقاد منافسيهم وحجابا لما هم فيه من العزة والنعيم فتري الممالك المزدهرة تطلق علي نفسها- تقية- اسم الجمهورية، وتسمع عن أباطرة الملوك يتسمون أمام العامة باسم الرؤساء ولولا لطف الله بنا وعظيم رحمته علينا، لما اسعف قرائح ذوي البصيرة بلفظة الشعب التي بزت سائر الألفاظ برقة جرسها وموفور عمقها، ورغم عكوف الأجيال من العارفين علي حل طلاسمها، وفهم اسرارها، فمازالت معانيها وقفا علي الواصلين واصحاب الكرامات ومما قيل في تفصيلها علي الجمهور.
و».. والجمهور ميال بطبيعته الي الفسق والمجون والخلاعة، فتراه عاكفا علي مشاهدة المباذل ومتابعة المهازل في الوقت الذي يكون الشعب فيه مشغولا ببيعة حاكم او جهاد عدو او شنق حاسد واذا انتهي من جليل اعماله تراه عاكفا علي الزهد والعبادة ولولا ذلك ما اصطفاه الله ببعض صفاته، فهو لا يموت ولاينهزم ولا ينام ولا يجوع ولا يظهر للعيان.
ومن كرامات الشعب المتواترة قدرته علي احياء الموتي وقتل الاحياء وتأويل العناصر، ولقد عاينت بنفسي احد الشعوب وقد حول جاويشا الي جنرال وسمعت ان شعبا حوله الي ملك بل واكد بعض اهل الثقة ان هناك شعبا استطاع تحويل الجنرال الي امبراطور دون ان يفقد ايا من خصائصه او يزيد عضوا واحدا.
ولهذا قال فيهم زعيم نابه:
ولولا الشعب ما اغمضت عيني
وحول القصر جمهور الرزايا
ولو خيرت ما ابقيت فردا
من الجمهور يلعق في دمايا
ولو شاء الإله وطال عمري
لسقت نساءهم سوق السبايا
ذلك أن الجمهور لايصل الي افهامه ان الدكتاتور يقوم برسالة انيطت اليه، وان اعماله ليس مبعثها الهوي، والدليل علي ذلك هذا التوافق العجيب بين افكارهم واعمالهم مهما اختلفت الأرض وتبدل الزمان، فقد قال ديكتاتور عاش في غابر الزمان (وقيل بل انه زعيم العماليق) نفس المعني، وان كان في رأينا اكثر بلاغة واعمق حكمة والطف جرسا:
القصر قصري. وهذا الشعب احبابي
ما اطيب العيش بين الشعب والناس
والحقد من شيمة الجمهور، فاحذره
واجعل جماجمهم كالكأس والطاس.
2
فصل في خصائص الخرقة الكاكية:
لست في حاجة الي معجزة اضافية
يكفيك معراجك اليومي الي السماوات
والأزمنة
وحديثك السري مع الجنرالات
والأنبياء والآلهة
فاقترض منهم الخبز والقميص
والسجائر والنساء
فماذا ينقصك اذن سوي شارع ترابي لا يحمل لافتة
وبعض عجائز يرتدين السواد
وجماعة من الشعراء والقراء اليائسين
وحنرال واحد
لايشيخ
ولا يموت
يلبس خرقة لاتشبه خرق اصحابك
ومريديك
من الصوف أحيانا
ومن الحرير احيانا
ومن الكاكي دائما
حكاية
»فصل في خصائص الخرقة الكاكية«
وأعلم أن الكل يصبوا الي سلوك ذلك الطريق، ونيل تلك الخرقة، ولكن الوصول لايكتب الا لقلة قليلة، بل قل لواحد احد لان بلوغ منتهي الطريق يعقبه الفناء والمحو، حينئذ تنكشف له الحجب والاستار، ويدين له القاصي والداني وتخضع لسطوته الثغور والبلدان.
وقد حكي لي بعض من عاينوها- وكلهم أهل ثقة- فذكروا ان ملمسها يكسب البدن قشعريرة سرعان ما تزول بعد ارتدائها وتحل محلها غبطة لاحد لها حتي ينسي لابسها اصله الطيني ويشعر وكأنه خلق من نور ونار، بل يشعر بأنه كان قبل ان يكون هذا العالم العياني ولا يبقي في وجدانه سوي ذاته التي تسكن اليها سائر الذوات وكأن الدكتور قد حل فيه او كأنه فني فيه، وذابت روحه في روحه.
لذلك تري شقاوة من يتخلف عن الطريق، فتخلع عنه الخرقة او يخلعها اضطرارا، فمنهم من يختلف الي العامة فيصير واحدا منهم، ويكابد اضاف ما يكابده السالك، وتنزل عليه المسكنة والذلة، ومنهم من يعكف علي الأذكار وكتابة القصص والأشعار، وبعضهم يشتط في الضلالة فيرتاد وكور المثقفين والشطار بل لقد شاهدت بنفسي احدهم وهو يصرح جهرا وبكل لسان بالديمقراطية وحقوق الانسان غير ان هؤلاء لا يقاس عددهم بمن يتجه الي معاملة التجار وامتلاك الدكاكين والوكالات وفتح الشقق والخانات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.