يبدو أن قضايا وبلاغات الحسبة لن تنتهي، وأن جرجرة المثقفين للنائب العام وللمحاكم أصبح أمرا عاديا، وليس أدل علي ذلك من البلاغ المقدم حاليا للنائب العام، بسبب إعادة طبع ونشر ألف ليلة وليلة في سلسلة الذخائر التي تصدرها هيئة قصور الثقافة وهو إعادة طبع لنسخة الليالي التي صدرت في مطبعة بولاق وحققها الشيخ محمد قطة العدوي أحد علماء الأزهر. البلاغ هذه المرة ضد نشر عمل تراثي فريد من نوعه، ويعتبر من كلاسيكيات الأدب العالمي، وعبر قرون عديدة كان موضوعا لمؤتمرات عالمية داخل وخارج العالم العربي، وترجمت الليالي نفسها للغات كثيرة، وكان أسبق الترجمات الترجمة الفرنسية علي يد المستشرق أنطوان جالا، وصدرت عام 1704 البلاغ المقدم من تسعة محامين دفعة واحدة ينتمون لمكتب واحد، ضد: د. أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة، الروائي جمال الغيطاني رئيس تحرير سلسلة الذخائر، سعد عبد الرحمن أمين عام النشر، جمال العسكري بصفتيه مدير إدارة النشر، ومدير تحرير السلسلة ( وقت صدور الليالي)، وسوزان عبد العال سكرتير تحرير السلسلة. وقد جاء البلاغ علي شكل مذكرة مكونة من 9 صفحات، فيها تعقب لكل لفظ داخل الليالي، مع تقديم شرح له من وجهة نظرهم، مبررين سبب تقديم هذه الشكوي ب: ( فوجئ مقدمو الشكوي باحتواء المؤلف المطبوع والمنشور والموزع بمعرفة هيئة قصور الثقافة علي كم هائل من العبارات الجنسية الصريحة المتدنية والقميئة والدعاية إلي الفجور والفسق واشاعة الفاحشة وازدراء الأديان والعديد من الجرائم المعاقب عليها طبقا لنصوص قانون العقوبات). ومن جانبه علق محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر علي هذا البلاغ مؤكدا أن مقدمي البلاغ ليس لهم صفة أن ينصبوا من أنفسهم أوصياء علي المجتمع، وأن يقدموا قراءتهم الخاصة لعمل أدبي فريد، وأن يقرأوا ما لم يقرأه المتخصصون علي مدي العقود الطوبلة منذ ظهور الليالي وحتي الآن، وأن هذا البلاغ شكل من أشكال الولاية، وفيه نوع من الإدعاء غير المقبول، وأنهم نصبوا من أنفسهم أوصياء علي المجتمع يمنعون عنه ما يريدون، وتزداد المسألة فداحة فيما يتعلق الأمر بكتاب من كلاسيكيات الأدب العربي، وهو الكتاب الأدبي الذي أثر أكثر من أي كتاب آخر علي وجدان العالم العربي، وعلي الأدب الأوروبي والعالمي بشهادة كبار الكتاب العالميين. وأضاف سلماوي أنه مندهش ممن يعملون بالقانون ويحاولون فرض رقابة علي النشر، بينما قانون البلد لا يجيز هذه الرقابة، فهذا تعد علي القانون نفسه، وهذا يقودنا إلي الحديث عن جوهر مثل هذه البلاغات التي تتعلق بفرض وصاية علي حرية المجتمع، ومحاولة إستخدام القضاء في إعادة المجتمع إلي عصور التخلف والتردي، فالكتاب صدر منذ عصور طويلة مضت، هل يريدون توصيل رسالة أننا أكثر إنغلاقا وتخلفا من المجتمع الذي ظهرت فيه الليالي منذ مئات السنين، أعتقد أن المفارقة علي هذا النحو محزنة، وتتطلب تكاتف الأدباء والمثقفين، وتكاتف أيضا كل من هو حريص علي تقدم المجتمع من أجل عدم تكرار مثل هذه البلاغات.