الذاكرة خائنة.. يقول أحمد زغلول الشيطي أن كتابه "مائة خطوة من الثورة ..يوميات"(دار ميريت) محاولة لمقاومة النسيان، معتبراً أن الكتاب هام كتسجيل لما حدث، ويتساءل: كيف كنّا سنعرف ما جري في الحملة الفرنسية لو لم يكتب الجبرتي عنها؟ بينما يعتبر إبراهيم عبد المجيد كتابه "أيام التحرير ..لكل أرض ميلاد"(قطاع الثقافة- أخبار اليوم) دعوة لكل قارئ ليكتب كتاباً عن الثورة.. أما القارئ فسيكتشف أن الشيطي كان يتابع الثورة من البلكون، بينما كان عبد المجيد، يمشي في شوارع وسط البلد. هنا نحاور الكاتبين حول كتابيهما عن الثورة، وكذلك حول جدوي الكتابة الآن عن الثورة. هجر الفن إبراهيم عبد المجيد.. يكتب الإحساس! هذا هو الانطباع الذي قدمه لي، بعد لقاء قصير. صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية". لا يضع "أيام التحرير" ضمن كتابته الإبداعية، يراه-فقط- تسجيلا لحدث عظيم، حظي باهتمام وتفاعل الآخرين، حيث يقول:" أنا راض عن التجربة"، أسأله: لو كانت معك كاميرا هل كنت ستكتب؟ فيجيب: أنا لا أصور. لكنه رغم ذلك يعتبر أن تلك الكتابة كاميرا مختلفة! بينما كان الشيطي أكثر حسماً، حيث قال: ربما ما كنت كتبت!! كتابتا عبد المجيد والشيطي كانتا بعيدتين عن الفن.. الأخير كان يتسامح مع مفاهيمه النقدية للكتابة "كنت أنشرها بتسامح"، مبرراً ذلك بأنه فعل استثنائي في حياته ككاتب، بسبب فعل اسثنائي آخر هو الثورة، لهذا كان علي الشيطي، حسبما يقول، أن يخفف من حسه النقدي حول الجمال الأدبي.. هكذا كانت الكتابة مجرد فعل تسجيل، حيث يقول: "فرد في الميدان يسجل ما يحدث حوله، هذا ليس وقت التدقيق الجمالي، والأدبي، ربما أعود لهذه الكتابة أو لا أعود. لكن الأسلوب كان يتغير، يتطور، يتخذ ثقلاً. يصبح ذا حمولات متعددة. الكتابة تتغير حسب تطورات الثورة". بينما لم يدخل عبد المجيد في محاولة للتعبير الإبداعي عن الثورة، مقدماً تسجيله للثورة دون تعديل، إلا بإضافة أشعار مناسبة للأحداث، أو تعديلات محدودة في صياغة بعض الفصول. لم يكن عبد المجيد مدفوعاً بهم جمالي أو فني، بل كان يريد التعبير عن المشاعر، والأحاسيس الخاصة بمشاهد الثورة العظيمة، حيث يقول :"كنت أتابع الشعب المصري في لحظة لن تتكرر.. موقناً أن ما يحدث يحتاج لتعبير مختلف، إلي لغة برزخية، مثلا، تقع بين السماء والأرض. ربما حضرت إليّ أثناء الكتابة"!! اللافت أن الكاتبين رفضا تماماً أن يكتبا رواية عن الثورة! يقول عبد المجيد: "لم أفكر في كتابة رواية عنها". يصمت قليلاً، ويضيف: "ولن أكتب. الرواية هي التي تفرض نفسها عليك. لا تستدعيها". بينما يستبعد تماماً أن يكتب أحد رواية، لأن عملاً كهذا يعد ابتذالا للثورة! كاتبا الفيسبوك! الحكاية متصلة بالفيسبوك، بالطبع. خلال الثورة كان عبد المجيد يكتب شريط الحالة، وتتوالي تعليقات الأصدقاء عليه، وذلك أمر عادي في الفيسبوك، ولكن غير العادي أن يورد عبد المجيد أغلب الاستياتوس الخاص به، مصحوباً بتعليقات الناس، داخل الكتاب! بينما أراد الشيطي أن يكتب عما يحدث علي الموقع الاجتماعي، لكن شريط الحالة لم يستوعب عدد الكلمات التي كتبها، فكانت "النوت" الأولي، التي تطورت إلي كتاب كامل .. هكذا لعب الفيسبوك دوراً هاماً في الكتابين، بل كان الدور المولد لهما. عبد المجيد يري أن الفيسبوك يكشف المناقشات التي كانت تجري خلال هذه الأيام! "رأيت أن استخدامه سيكون لطيفاً". بالطبع يري صاحب "في كل أسبوع يوم جمعة"، أنه تنبأ بدور الفيسبوك، والإنترنت في الحراك الاجتماعي، حيث يقول:"كتبت عنه مقالا في الوفد، لكن الحزب لم ينتبه لأهمية هذا العالم الافتراضي، ولم يسع للتواجد فيه قبل الثورة". أتوقف عند هذه النقطة وأقول له: لكن الأمر لا يحتاج لتنبؤ، الإنترنت له دور منذ سنوات في حياتنا.. بمعني أنه تطور طبيعي للأمور! فيتراجع قائلاً :" سمه معايشة للتطور.. مواكبة. أنا، بالطبع، لا أدعي أنني أتنبأ بشيء. كل كاتب جاد تنبأ في كتابته. عبر رصد الظلم، أو حالة الرفض، بل أن الخروج عن التابوهات يعتبر رفضاً لهذا المجتمع. كل كتابة جادة كانت احتكاكاً بهذا الواقع المتردي. لكن الفكرة أنني لا أسمح لسني أن يجعلني كلاسيكياً."..هكذا وضع عبد المجيد تعليقات الفيسبوك كاملة. يضيف: "كان ما أوردته في الكتاب حالة سياسية، تكشف الأفكار والتطورات والمناقشات.. أي الحالة الروحية للناس ببساطة". يري عبد المجيد أنه قدم تفسيراته وتحليلاته علي الأحداث الساخنة وقت حدوثها، مثلاً توقع أن يتنحي مبارك الجمعة لا الخميس. كاتباً مساء العاشر من فبراير.."نلتقي غدا". يشير عبد المجيد أنه يتمتع بخبرة سياسية، كان يتشاركها مع الشباب علي الموقع الاجتماعي. (توظيف الفيسبوك كان موضوع مناقشة مع عبد المجيد، فهو يعتبر إدخاله كحكاية أو كمشهد حواري داخل الكتابة توظيفا "لطيفاً". وأن الانترنت هام، بدليل قطعه يوم جمعة الغضب. بينما لا يتزايد بالنسبة للقارئ عن كونه إدخالا قسريا لا يمثل إضافة، كما لو أنه يحكي عنه لا به) لماذا يسجل الكتّاب الثورة؟ الثورة مستمرة، والأحداث لا تزال مفاجئة.. السؤال الآن لماذا تعجلا الكتابة، وكتبا عن الثورة خلال حدوثها؟ ما الجديد في الكتابة، إذا كانت هناك أحداث جديدة وتطورات مستمرة؟ سألتهما فأجابا بشكل مطول.. الشيطي: الكتابة ودوافعها شديدة الغموض والتعقيد، لا أعتبر الكتاب جزءاً من إنتاجي الأدبي. أعتبر أنه نوع من الهتاف الخاص، وليس أدباً. هناك صور وتخيلات، لكنه ليس فناً، هي يوميات. إن كنت تريد الدقة فإنني أصبت بالشلل عند اندلاع الثورة، كما لو أن الثورة أصابت استراتيجيات الكتابة عندي، أو أخلت بها. كان عندي إدراك عقلي أن ما يحدث لن يتكرر، وأردت أن أسجل أكبر قدر من المشاهد والصور.. لأقاوم فعل الذاكرة الخائن، حتي تكون الكتابة ذاكرة للمستقبل. كتبته لي أنا شخصياً، وليس بنية النشر. لم يخطر ببالي أبداً أنني سأكتب عن حدث آني، خاصة أنني أكتب نصاً ينتهي ببطل رافعاً يده فرحاً بالنصر، هذا خاص بفيلم ترويجي، ولكني كتبته. بالفعل كانت الكتابة من ذاكرة قريبة أمرا مستبعدا تماماً بالنسبة لي خاصة أنني أكتب قليلاً جداً، وعلي فترات متباعدة، الكتاب الأخير تجاوز من حيث عدد الصفحات أعمالي الكاملة. ما حدث أنني سجلت ما حدث كمواطن ومثقف. يري عبد المجيد أنه قدم الأحداث بنظرته الخاصة، يعلق صاحب كتاب "أيام التحرير" " كانت لي نظرة خاصة، رأيت التفاف الشباب حول المتحف المصري كجدارية فنية، وبالطبع ذلك يخالف ما يراه الآخرون"! الثورة مستمرة، فهل ستستمر في الكتابة؟ أسأل ويجيب عبد المجيد بأنه لا يزال يتابع الثورة بالمقالات، بينما أكد الشيطي أنه لم يعد يفهم ما يحدث في الميدان! نعود لأيام الثورة الثمانية عشر، ما ردك إذا كانت ذاكرتك ستكون في مواجهة ذاكرة الآخرين.. وأنا أقصد بالآخرين الشعب بالمناسبة؟ عبد المجيد: أنا أسجل أحداثاً وقعت بالفعل، وما يهمني أن أكتب الحدث من واقع انعكاسه عليّ، وليس كما جري. مستخدماً الخبرة السياسية، وأنا أري، رغم ذلك، أن كل مواطن عليه أن يكتب كتابه عن الثورة. أما الشيطي فيعلق قائلاً:"هي بالفعل شهادة من زاوية محددة، مثلا غابت موقعة الجمل عن الكتاب، لأنني لم أر من الميدان إلا جانباً محدوداً. لكن شهادة القارئ ستكون مكملة لشهادتي.. أي أن الشهادة ستكتمل برؤي وذكريات الآخرين، ستتلاحم معها. رغم ذلك لا أزال مؤمناً بأن رفضنا لكتابة اليوميات أو التسجيل لحدث جار يظلم الحدث نفسه. يري صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" أن الكتابة عن الثورة ليست مهمة كاتب واحد، بل هي فرض عين. يقول الشيطي: "أكتب وفي ذاكرتي عدة أعمال منها (أسير عاشق) لجان جينيه، وشهادة الصحفي الأمريكي جون ريد عن ثورة الروسية المعروفة بعنوان (عشرة أيام هزت العالم) (1918)، الصادر بعد عام من الثورة البُلشفية.. الأحداث الكبري إذا لم يكتب عنها ستكون مجهولة للأجيال القادمة. كيف كنا سنعرف ما جري أثناء الحملة الفرنسية إذا لم يسجل الجبرتي ما حدث؟". التحصن بالمقال والكاميرا القارئ، بالطبع، سيظل هو المعيار، سواء كان عادياً أو محترفاً، في الختام سألتهما هل ستعاودان التجربة، استبعد عبد المجيد أن يكتب مرة أخري عن الثورة، مكتفيا بكتابة المقالات، بينما أكد الشيطي أنه يمتلك كاميرا رقمية جيدة الآن، وسيسجل بها جديد الثورة.