السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين    رسميًا.. جدول امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي 2025 بمحافظة الوادي الجديد    هيغير المعادلة، تفاصيل اقتراح برلماني للتفاوض العادل بين ملاك ومستأجري الإيجار القديم    أسعار الأسماك اليوم الخميس 15 مايو فى سوق العبور للجملة    أسعار الأضاحي 2025 في مصر.. ارتفاع طفيف في الكيلو القائم واقبال متزايد مع اقتراب عيد الأضحى    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    دلالات رمزية.. وسط غياب ترامب وبوتين.. ماذا ننتظر من محادثات أوكرانيا في إسطنبول؟    برشلونة يسعى لعبور إسبانيول للاقتراب من حسم لقب الليجا    إنتر ميامي يتعادل مع سان خوسيه 3-3 بمشاركة ميسي (فيديو)    اليوم.. منتخب مصر في مواجهة صعبة أمام المغرب في نصف نهائي كأس الأمم    الأرصاد تكشف موعد ذروة ارتفاع درجات الحرارة| خاص    تجديد حبس 6 عاطلين بتهمة البلطجة والتشاجر وحيازة أسلحة في المرج    وفاة وإصابة 7 أشخاص إثر تصادم ميكروباص وبيجو بقنا (أسماء)    اليوم.. أولى جلسات محاكمة نجل محمد رمضان بتهمة التعدي على طفل    جاستن بيبر مديون لمدير أعماله السابق ب 8 مليون دولار    الكرملين: مدة استئناف المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنبول ستعتمد على مدى تقدمها    القومي للبحوث يقدم 14 نصيحة طبية لزيادة التركيز خلال فترة الامتحانات    «الصحة» تنظم مؤتمرًا طبيًا وتوعويًا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    رئيس وزراء قطر: عرض الطائرة لترامب صفقة حكومية قانونية وليست هدية شخصية    عاجل- قناة السويس تبدأ تطبيق تخفيض 15% على رسوم عبور سفن الحاويات العملاقة لمدة 90 يومًا    مصرع طفل صدمته سيارة نقل مقطورة فى أوسيم    ستيف ويتكوف: حل قطاع غزة يتطلب نزع سلاح حماس بالكامل    حديد عز تجاوز 39 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 15-5-2025    وصل سعره ل 6800 يورو.. يسرا تتألق في «كان» بفستان لامع من توقيع إيلي صعب    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    إعلام إسرائيلي: مباحثات جادة بين إسرائيل وعدة أطراف لوقف إطلاق النار في غزة    كيف تتخلص من ارتفاع ضغط الدم؟ 3 طرق فعالة دون أدوية    لأول مرة، جيتور تستعد لإطلاق X70 Plus المجمعة محليا بالسوق المصري    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    لايف.. تليفزيون "اليوم السابع" يكشف حقيقة فيديو حريق كورنيش مصر القديمة    نائب رئيس جامعة دمنهور تفتتح معرض منتجات الطلاب ضمن مبادرة «إنتاجك إبداعك»    يبدأ التسجيل اليوم.. المستندات المطلوبة للتقديم بوظيفة معلم رياضيات بالأزهر    الكشف عن نظام المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    المجلس الرئاسي الليبي يعلن وقف إطلاق النار في طرابلس    رسميا.. رابطة الأندية تدعو الفرق لاجتماع من أجل مناقشة شكل الدوري الجديد قبل موعد اتحاد الكرة بيومين    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    وزير الخارجية: الرئيس السيسي يقود جهودًا دبلوماسية لوقف العدوان على غزة وإيصال المساعدات    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    نشرة التوك شو| تفاصيل زيارة ترامب للسعودية.. وخالد أبو بكر يقترح إلغاء وزارة الأوقاف    مصرع رجل وزوجته في حادث تصادم سيارتين أجرة ونقل على طريق طنطا- كفرالشيخ    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    وصول حسام البدري والفوج الأول من الرياضيين المصريين إلى القاهرة    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    رئيس لجنة التخطيط السابق بالأهلي: مدربون فُرضوا علينا.. والخطيب كلمة الحسم    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة أديب حاولوا تجنيده في الثمانينيات ..
جهاز الأمن الوطني
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 07 - 2011


التنظيم السري الحديدي الذي يحكم مصر
أود في البداية أن أشير بسرعة إلي أن ما أقصده ب " جهاز الأمن الوطني " ليس الجهاز الجديد الذي شكله وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي ( ابن خال والدي ) مؤخرا، من إدارات جهاز أمن الدولة السابق، بعد أن حذف منه إدارة مكافحة النشاط السياسي، علي حد قوله، والذي كان يضم مكاتب مكافحة الشيوعية والنشاط الديني والنقابي والطلابي وما يلحق من مراقبة وتصنت وخلافه.الجهاز الذي أقصد هنا هو جهاز آخر شكله الرئيس المخلوع مبارك حوالي عام 1986 تحت قيادته المباشرة، ويبدو أن مكتب معلومات الرئيس كان له دور في ترشيح الأسماء التي قام الجهاز بتجنيدهاللتعاون معه كل في موقعه من مؤسسات الدولة .
لقد أشار الأستاذ محمد حسنين هيكل في حديثه مع الأستاذ فهمي هويدي ( الشروق : 6 / 2 / 2011 )إلي ما أسماه ب " التشكيل السري" الذي قام بإطلاق جحافل المعتدين علي المظاهرات السلمية في اليوم المشهود الذي عرف بيوم موقعة الجمل، وأبدي مقاومة مشهودة للبقاء علي نظام مبارك، عبر ما وصفه مصطفي الفقي في حينه،بإشاعة الفوضي للتمكن من إعادة السيطرة علي الأوضاع، ووصف الفقي هذا بالخطة الحمقاء ، ولديّ ما يشبه اليقين، وإن لم تكن لديّ شواهد محسوسة، بأن الدكتور مصطفي الفقي يعلم عن هذا التنظيم السري، لأنه كان في ذلك الوقت مديرا لمكتب الرئيس لشئون المعلومات.
ولا أعرف ما إذا كانت إشارة الأستاذ هيكل جاءت عفو الخاطر أم أن وراءها علما بالموضوع، لكنها في كل الأحوال تشكل استنتاجا طبيعيا ومنطقيا لشكل أداء ما جري قبل وأثناء وبعد هذا اليوم المشهود ( يوم موقعة الجمل وما أعقبه من انسحاب مريب لقوي الأمن وفتح السجون ) وحتي يومنا هذا.
ما يهم أنني، هنا، أدلي بشهادة عشتها وأشهدت، في حينه، ثلاثة أشخاص، أحدهم كنت أعمل معه في مجلة المصور ( وهو الأستاذ مكرم محمد أحمد ) وهو حي يرزق أطال الله في عمره، والثاني هو الصديق والكاتب الوطني الكبير مصطفي نبيل الذي كان في حينه رئيسا لتحرير مجلة الهلال، وكنت أتعاون معه بباب ثقافي شهري، وثالثهم هو الراحل الكبير أحمد بهاء الدين ( رحمه الله ) لما كان له من دور في أن أعمل في دار الهلال، ولنرجئ قليلا بداية القصة لأوضح ما أنا مقدم عليه.
إذ أنني أعرف بداية أن هذا كلام خطير، وقد تترتب عليه مخاطر جمة، وأعرف أن أدلتي علي مصداقيته ستكون موضع قدح خاصة من فلول التشكيل العصابي ( من العصابة ) الذي يحاول الالتفاف علي الثورة، إما لسرقتها، أو لتشويه وجهها الناصع بإلقاء القذي والأوحال عليه، من رجال يعملون ليل نهار يقودون هذه الحملة علي كل المستويات، الإعلامية ( بالخصوص ) ثم العملاتية حتي، وتشير الأدلة مما جري ويجري، أن هذا التشكيل السري :
هو الذي قاد عملية واسعة لإشاعة الفوضي ( لوصم الثورة السلمية بالتخريب ) عبر إصدار تعليمات من رئيسه المباشر للمرتبطين به في الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية، وعلي رأسهم وزير الداخلية السابق لأنه لا يمكن أن يكون العادلي علي غير صلة بهذا التنظيم السري المسمي " جهاز الأمن الوطني "، لصرف قوي الأمن ( البوليس )، وفتح السجون عبر عملية إستخبارية نفذها عملاء هذا الجهاز والمتعاونين معه، بطريقة تدفع الشبهات بعيدا عنه وتلصقها " بالبدو قطاع الطرق " ومن السهل ارتداء لباسهم المميز ليظهر في الصور، وهناك سوابق لتمرد بدو سيناء الشرفاء علي المظالم التي لحقت بهم منذ سنين، فهنا تاريخ سابق قد يؤكد دعوي الجهاز المذكور.
ما يجعلني أصف هذا الجهاز بالحديدي هو ما أكده الضابط الذي حاول تجنيدي للعمل مع هذا الجهاز، بأنه ذو طبيعة سرية حديدية ( بنص لفظه ) حتي أنني وبعد أن غادر منزلي رحت أتساءل ما إذا كان الجنون قد حدا بنظام مبارك وهو لا يزال في سنواته الأولي إلي التفكير في إنشاء جهاز حديدي يذكرنا بالجهاز الحديدي سيء السمعة الذي كان قد كونه الملك فاروق.
أعتقد أن هذا الجهاز هو الذي أدار وخطط للمظاهرات المؤيدة لمبارك، سواء تلك التي قادت حملة موقعة الجمل الشهيرة، أو مظاهرات يوم جمعة الاحتفال بنجاح الثورة، التي انطلت علي البعض باعتبار أن هناك من لم يزل علي ولائه للرئيس المخلوع، وما هي إلا مسرحية ألفها وأخرجها وعرضها هذا الجهاز، وما حدث بعد ذلك عبر أحداث اجتماع الأوبرا وتداعياته، وحتي يومنا هذا.
وحتي لا يسرح التفكير بالبعض بأنني أريد أن أبريء أجهزة وزارة الداخلية السابقة فإنني أعتقد أن التنسيق بينهما كان كاملا، لأنني لا أظن أن قيادات وزارة الداخلية السابقة لم تكن تنسق مع جهاز الأمن الوطني المذكور، فهذا أمر يتناقض مع المنطق.
هو الذي دفع بأمثال عبد اللطيف المناوي وأسامة سرايا وعبد الله كمال ( وغيرهم كثيرون في الأعلام والمؤسسات الأخري ) للتشبث بمقاعدهم لآخر لحظة حتي ولو أدي بهم الأمر لأن يلبسوا لباس ( المضلّلين المجبورين الذين هم بلا ذنب ) أو المصححين لمواقفهم، كل بأسلوب، حتي تظل الثورة المضادة حية عبرهم.
هو الذي يمسك بالسكين علي رقبة الكثيرين ممن نجح في تجنيدهم، في كل الوزارات والهيئات والمواقع القيادية في كل مجالات العمل، وأظن انه لا يزال يمسك بكثير من الخيوط في محاولة ( يائسة وغبية ) إما للانقلاب علي الثورة أو لتعطيل مسيرتها، وقد فهمت من الضابط الذي حاول تجنيدي ( وهو ما سأسرده لاحقا ) بأن التنظيم موجود في كل المواقع، وحتي داخل أحزاب وقوي المعارضة من الإخوان إلي أقصي اليسار.!
لكن كل ما سبق هو أدلة استنتاجيه لما عرفته من الضابط الذي سآتي علي ذكره حالا، وهو الذي أوضح لي في المقابلة التي جرت بيننا في منزلي بالسيدة زينب ( عام 1986 ) أن دور هذا الجهاز هو " الالتفاف حول القيادة الوطنية ( !!!) بكوادر جديدة (ذات مصداقية )لتأهيلها لإمساك مواقع القيادة في كل المجالات خاصة الإعلامية , وللدفاع ساعة اللزوم عن هذه القيادة الوطنية ( الرئيس مبارك ).
أعود لبداية القصة
إذ أنني ذات مساء تلقيت مكالمة من الصديق الكاتب الصحفي عمرو عبد السميع يدعوني فيها للحضور إلي مكتب مجلة "الشموع" بالمعادي لاستطلاع رأيي في إمكانية أن أتعاون مع مجلة جديدة سيرأس تحريرها الأستاذ أحمد بهاء الدين، وقال أن الأستاذ بهاء هو الذي طلب الاتصال بي لضمي لفريق عمل هذه المجلة .
لم أكن قد رأيت الأستاذ بهاء قبلها سوي مرتين، مرة كنت ذاهبا إلي منزله للقاء ابنه وصديقي زياد الذي كنت تعرفت عليه حين عملنا سويا في حملة للوقوف مع الفلسطينيين أثناء حصار بيروت (1982 )، إذ تشكلت حينها كتيبة من النشطاء المتطوعين لمد الكتاب والصحفيين المصريين (وبعضهم كان يستند إلي معلومات خاطئة ) بالمعلومات الصحيحة التي كانت ترد مباشرة من داخل بيروت المحاصرة لمكتب دار " الفتي العربي " وهي (كانت) دار نشر فلسطينية لكتب الأطفال وكان مقرها في جاردن سيتي،وكان علي رأسها الدكتور نبيل شعث، وكان لي تعاون مستمر معها عبر أعمال تحريرية، لذا كان من الطبيعي أن انضم للمساعدة في تحرير النشرات مع كتيبة الناشطين الذين كان زياد بهاء الدين واحدا منهم.
ذهبت للقاء زياد في منزل الأستاذ بهاء في الدقي، لأمر يتعلق بهذا النشاط، فإذا بي في مواجهة الأستاذ، وما أن انتهي زياد من تقديمي له حتي فوجئت به يقول ضاحكا : "أنا كنت فاكرك كاتب سعودي " ( ربما لوجود شبه بين لقبي ولقب أحد كتاب جريدة الشرق الأوسط ) ولم يستمر اللقاء إلا لحظات حتي انسحب وتركني مع زياد لكنه سألني : من أين يمكنني الحصول علي كتبك ؟ الأمر الذي انتهي بموعد آخر قريب حيث ذهبت له في مكتبه بجريدة الأهرام وأهديته كتبي شاكرا ممنونا.
ذهبت إلي موعدي مع عمرو عبد السميع في المعادي حيث مقر المجلة الوليدة،ثم دخل بي علي الأستاذ، وكانت فرحة شديدة ليس فقط لأنني سأعمل مع بهاء الدين بل وأيضا لأن مكاني في فريق العمل كان محجوزا منذ البداية، أو أنني هكذا فهمت، وبعد مقابلة ملؤها المشاعر الصادقة ناولني الأستاذ ملفات العمل وبدأت علي الفور، إثر المقابلة بدقائق.
لم يطل العمر بالمجلة الشهرية أكثر من ثلاثة أعداد، وذات مساء فوجئت بالأستاذ بهاء يطلب مني أن أجمع كل الأوراق التحريرية الخاصة بالمجلة " لأننا سنغادر"، لم يكن هناك سواي والأستاذ وسائقه فحملنا معا عدة كراتين من مواد التحرير وغادرنا.
في الطريق شرح لي أسباب قراره بالتوقف عن إصدار المجلة، لكنه أكد انه لن يكون لديه مانع أن استمر مع صاحبتها لو أردت، خاصة وانه عرف أنني ليس لدي عمل منتظم، لكنني رفضت بالتأكيد، فإذا به يفاجئني وكأنه دبر الأمر في ذهنه مسبقا : " عموما اعتقد أن مكانك الطبيعي هو مجلة الهلال "
وما أن عدت إلي منزلي حتي فوجئت به يتصل :
خلاص، سيتصل بك مكرم محمد احمد لتبدأ العمل في الهلال " في اليوم التالي اتصلت مديرة مكتب مكرم الذي استقبلني ببشاشة، و فوجئت بأنه يريدني معه في دسك المصور، وانه ليس لديه مانع أن أتعاون أيضا مع مجلة الهلال.
وهكذا بدأت العمل في المصور، و بعد أيام طلبت الإدارة مني التقدم بأوراقي، وهكذا فعلت،لكن أوراقي تأخرت شهورا طويلة، وفسر لي بعض الزملاء بأن هذا التأخير ربما يكون لأسباب أمنية، حيث سبق اعتقالي عام 1979 في القضية رقم 632 / 79 حصر أمن دولة، مع قيادات الحزب الشيوعي المصري.
وذات مساء ظهر الضابط المرسال في غرفة الضيوف في شقتي المتواضعة في حارة جريدة السياسة الملاصق لمبني دار الهلال، بالسيدة زينب !
لقد جاء الرجل ودخل بيتي بطريقة غريبة ؛ إن دلت علي شيء فهي تؤكد أن منزلي وتليفوني كانا مراقبين، إذ كيف له أن يعرف بأنني موجود في البيت في هذا الوقت بالذات وأن لدي موعدا مع صديق أنتظره ؟
كان الموعد مع الصديق الصحفي فكري سعيد، أحد صحفيي مجلة الإذاعة السابقين، الذي كان يقوم بتأسيس دار نشر في الإسكندرية، وطلب مني أن أطلب من الفنان الكبير الراحل محيي الدين اللباد ( باعتباري صديقه ) تصميم لوجو للدار الوليدة، وتحمس اللباد للفكرة وصمم اللوجو متطوعا، واتصلت بفكري فجاء من الإسكندرية علي عجل ليأخذ مني اللوجو، وفي الموعد رن جرس الباب ففتحت فإذا بفكري وبصحبته شاب أنيق بشكل لافت، خلت أنا انه صديقه، لكن فكري الذي لا يحب أن يبيت في القاهرة، خطف اللوجو الجميل من يدي وهم راحلا، لكنني فوجئت بأن الآخر ظل جالسا، خرجت خلف فكري أسأله عن هذا الشخص، فقال انه لا يعرفه وأنه فوجئ به يطلع السلالم خلفه مباشرة، وعند الباب سأله ما إذا كانت هذه الشقة هي شقتي، فأكد له فكري ذلك، فقال انه أيضا قادم إليّ.
وما أن عدت حتي وقف الرجل وأخرج من جيب سرواله الخلفي حافظته وأخرج منها كرأنيها ومده إلّي، وأنا الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات نسيت اسم الرجل، لكن ما لا أنساه أن الرجل كان برتبة عقيد في " جهاز الأمن الوطني ".
سألته : خير، حضرتك من أمن الدولة ؟
قال : لا، ياعم أنا من جهاز آخر، اسمه الأمن الوطني، وهو تابع للرئاسة مباشرة، متبرئا من أمن الدولة "لأنهم تسببوا في أن تسوء العلاقة بين النظام والمثقفين الشرفاء أمثالي" علي حد زعمه.
طبعا أسقط في يدي ( ورجلي أيضا ) وبدأت أحس بالأرض تميد بي، لكن الرجل فاجأني بمعرفته بأنني صعيدي وأن من شيم الصعايدة إكرام الضيف وطلب قهوة علي الريحة، كنت أعيش وحدي فذهبت للمطبخ وصنعت له قهوة، وعدت، لكنني فوجئت بأنه دخل للموضوع مباشرة و رشف رشفة واحدة من القهوة ولم يقترب منها بعد ذلك ( اكتشفت بعدها بأنني وضعت الملح بدلا من السكر دون قصد وهو ما عكس ارتباكي ).
المهم أن الرجل بدأ بدغدغة، بأن هنأنني بأنني من الأسماء المرشحة للقيادة في الإعلام !!
والمهم أن الحوار دام أكثر من ساعتين ( وأنا أحسستهما وكأنهما أطول من قرن )
بدأ بسلسلة من الإغراءات أخذ يسرب الواحدة بعد الأخري، من شقة تليق بك ولم لا تكون علي النيل، بدلا من سكناك في حارة في السيدة، وسيارة فاخرة بدلا من السيارة 128 المهكعة، ولمح لي كمزيد من الضغط بأن أغلب زملائي الصحفيين من جيلي يعملون معهم، وكثير منهم في دار الهلال وروزا اليوسف والأهرام، وأن المسألة لن تتعدي لقاء كل فترة علي فنجان شاي، وأنه وأنه.
بالقطع كنت مرتبكا وغاضبا إلي أقصي حدود الغضب، ولكنني تماسكت وحاولت أن أشرح بكل هدوء :
أولا أنا رجل صعيدي، تربيت علي الشرف الذي رضعته مع لبن أمي، ثم رسخته بالقراءة، ما يعني أنني لا أحتقر إنسانا بقدر احتقاري لمن يعمل مع مثل هذه الأجهزة مهما كانت، وهذا موقف لا يستطيع شيء أو أحد أن يزحزحني عنه، وان حقيبتي جاهزة للمعتقل إن كان يريد اعتقالي.
أنه اخطأ العنوان لأنني أبدا لم يكن من ضمن طموحاتي أن أصبح رئيسا لتحرير أي مجلة أو صحيفة حتي لو كانت الأهرام ( لأن عملي في الصحافة، أصلا، هو شيء أنا مجبر عليه لأن كتابة الروايات لا تكفي لأكل العيش ) ولم اعتبر نفسي يوما صحفيا محترفا، وإنني إن وجدت نفسي في هذا الموقع، فإن أول شيء سأفعله أنني سأقوم بهدم هذه المؤسسة علي رؤوس من فيها والأسباب يطول شرحها.
أن الشيء الوحيد الذي أنا متأكد من أنني خبير فيه وأستطيع إبداء الرأي فيه بكل ثقة،هو القصة القصيرة والرواية، ولا أظن انه قادم ليسمع رأيي في القصة أو الرواية.
أنه وحتي إذا كان لي رأي في السياسة فإنني في هذا المجال أعتمد علي ضميري الوطني ، لكنني أبدا لم أحسب نفسي خبيرا في الِشأن العام، حتي أقول رأيا ولو كان استشاريا، لأن رأيي في السياسة يقترب من أن يكون رأيا فوضويا، فأنا أتمني أن تنتهي مرحلة الدولة في تاريخ البشرية، فأنا في حقيقتي فوضوي إلي أقصي درجات الفوضوية، أما رأيي في الاقتصاد فأنا أتمني أن لا يكون هناك اقتصاد أصلا، وأن تعود البشرية لمرحلة المشاع ،حيث يعود الناس للغابة، ويأكلون الثمار الساقطة عليهم من الأشجار وهم ممددين وسط النساء لا يفعلون شيئا سوي ممارسة الحب والأكل وليذهب العمل للجحيم، فهو سر شقاء البشرية.
وفي النهاية قلت له انه إذا كانت نية جهازكم صادقة كما تقول فعليه أن يفهم دوره كما يفهم دور المثقفين، فدوركم هو الحفاظ علي النظام القائم، ودورنا هو التبشير بالمستقبل، والنظام الذكي( منين يا حسرة ) هو الذي يعترف بدور المثقفين، ويتركهم في حالهم يبدعون، فإبداعهم هو أهم قيمة لهذا الوطن ، ولأي وطن.
طبعا كان الرجل فاغرا فمه طوال الوقت، ولا أظن أنه فهم شيئا مما قلت، وفي النهاية طلبت منه مشكورا أن يتركني في حالي، وأن تكون زيارته هذه هي الأخيرة، أو أن يحضر في المرة القادمة ليقبض عليّ، وإلا فسأضطر لترك البلد إن كان ولا بد.
وأظن أنني نقلت إليه حالة الارتباك، فليس هناك شيء مما قلته يبعث علي الطمأنينة بأن هذه الأقوال يمكن أن تصدر عن إنسان عاقل.
أخيرا وقف الرجل الذي كان طوال الوقت قد بدا في غاية اللطف وقد تحول إلي ضابط شرس، وأصدر إلي أمرا بطريقة غاية في الجلافة والخشونة بأنه من الممنوع عليّ أن أتحدث مع أي كان عن هذه المقابلة، لكنني وقد كنت أحسست بالزهو وأنا أري بأنه لم يفهم شيئا، ولم يحصل علي شيء، قلت :
لا. الأستاذ مكرم ، ودا رئيس تحريري، لازم يعرف وحأقوله.
وقف صامتا للحظات وقال بصوت متحشرج :
في الحدود دي مفيش مشكلة.
لا هو ولا أنا استطاع أن يمد يده للآخر، وما أن خرج من ضلفة الباب حتي تصرفت بكل ما أوتيت من حماقة، وأغلقت الباب بكل ما أوتيت من قوة، لكننني وللأمانة وقفت ساكنا وقتا أظنه قد طال متوقعا أن يرد بأن يحطم الباب عائدا بالكلبشات، ولكن هذا لم يحدث ،وما حدث أنني بدلا من أن أدخل من باب الغرفة دخلت في المرآة المعلقة في الصالة، ورأيت من بين شروخها الدماء تسيل من جبهتي.
ما أن استرددت أنفاسي وعالجت جرحي، حتي أمسكت بسماعة التليفون وأنا متأكد بأنه مراقب، وطلبت مكرم محمد أحمد في بيته ( وهو شيء لا يقدم عليه أحد من العاملين معه إلا في الطوارئ ) وبدا انه انزعج من هذه المكالمة المتأخرة ظانا بأنني أتصل به من المجلة، وبأن حدثا جللا قد جري، لكنني سألته :
حضرتك جاي بكرة أمتي الجرنال ؟
فيه إيه ؟
أنا منزعج جدا من مقابلة جرت للتو مع ضابط يدعي انه من شيء اسمه جهاز الأمن الوطني، وأن عليّ أن أراك بمجرد حضورك في الغد.
ما أن وضعت سماعة التليفون،حتي عدت و تجرأت ( وليكن ما يكون ) وطلبت الأستاذ بهاء وأنا أعرف انه ينام مبكرا، فردت علي السيدة الفاضلة أم زياد، فقلت لها أنني مضطر للحديث للحظة مع الأستاذ، فإذا به يرد من السماعة الأخري :
إيه يا جبير فيه إيه ؟
قلت له عن المقابلة المزعجة، فطلب مني أن أحضر لتناول الإفطار معه في السابعة من صباح اليوم التالي.
طبعا لم أنم هذه الليلة، وهي تكاد تكون أسود ليلة في حياتي، بل هي أشد سوادا من الليلة التي تم فيها القبض عليّ في القضية المذكورة ، وشحنت إلي سجن القلعة غير المأسوف عليه، وفي السابعة بالضبط كنت في بيت الأستاذ، وفوجئت بالدكتور علي الدين هلال جالسا علي مائدة الإفطار، وقد لاحظ الأستاذ أنني لم أتناول لقمة واحدة فاستأذن من الدكتور هلال وذهب بي إلي صالون منعزل.
حكيت له حكاية المقابلة المشئومة فبدا في غاية التأثر، وكان مجرد إخباره بالموضوع يعني أنني أطلب منه أن يجد لي حلا، وكان تعليقه الذي لا أنساه أبدا :
الناس دول معندهمشي تمييز ؟ وطيب خاطري وأكد لي بأنه بمجرد أن يصل للأهرام سيتصل بأسامة الباز.
ولأنني لم أكن قابلا للحديث في أي شيء آخر، استأذنت وتركت منزل الأستاذ بهاء، وأذكر أنني مشيت من الدقي حتي دار الهلال، وأنا أحس بشيء ما غير طبيعي يجري خلفي، وتذكرت الصديق الكاتب المبدع يحيي الطاهر عبد الله الذي كان يتلفت خلفه طوال الوقت " لأنه مراقب " وكنت علي كل أحس بنفس المشاعر التي تقترب من البارانويا.
وصلت إلي دار الهلال وانتظرت مكرم محمد أحمد حتي جاء وشرحت له ما جري، وللحقيقة كان الرجل في غاية الرقة، وحاول أن يطيّب خاطري بل مازحني بقوله :
طول عمرك حتبقي صعيدي، يا أهبل دول بيتمنوهم وانتا بترفض ؟
أذكر أنه، وللأمانة، احتضنني بكل قوة، بل إنني رأيت الدموع تترقرق في عينيه، وقال انه سيتصل بمصطفي الفقي ويطلب منه أن ينهي الموضوع، لكن الأقدار شاءت أن لا يعود ملفي من هناك، حتي يومنا هذا، ولم تتم إجراءات تعييني أبدا، مع أنني أمام الزملاء بل وفي الوسط الصحفي كله كنت أقوم بدور رجل الدسك المفدي ، أرفض وأقر وأعيد الصياغة، بل وأقوم بمراجعة مقالة رئيس التحرير نفسه، بل وسافرت مبعوثا رسميا من المصور لتغطية فيضانات السودان في نفس العام، وأنا أتولي مسئولية تنفيذ عدد كل ثلاثة أعداد بالتناوب مع الزميلين احمد أبو كف ويوسف القعيد، حتي جاءت أول فرصة لترك دار الهلال فلم أتردد.
لا أعرف ما إذا كان الأستاذ مكرم يذكر ذلك، لكنني بعد أن خرجت من عنده ذهبت إلي الصديق مصطفي نبيل رئيس تحرير مجلة الهلال آنذاك، وحكيت له ما جري، والرجل لا يزال يذكر ما جري حتي الآن (بل انه أكد لي في حينه انه سيتصل بأسامة الباز ليرفعوا أيديهم عني ) لأنني وأنا أخط هذه الكلمات، سألته فأكد أنه لا يمكنه أن ينسي، بل إنه لا يمكن أن ينكر شهادته علي ما جري.
إذن كان هناك هذا التنظيم السري الحديدي، المسمي جهاز الأمن الوطني، وأعتقد انه لا يزال هناك.. يقود الثورة المضادة. والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.