شادي زلطة: الكتب الدراسية سُلّمت بالكامل ولا توجد مدرسة بدونها    انطلاق موسم الحج السياحي 1447ه بتسهيلات غير مسبوقة وتخفيضات كبيرة في الأسعار    ترامب: إسرائيل قد تستأنف القتال في غزة بكلمة مني إذا لم تلتزم حماس بالاتفاق    الناتو: تعاون وثيق مع الاتحاد الأوروبي لبناء درع دفاعي موحد ضد الطائرات المسيّرة    وزيرة التضامن: استمرار تدفق المساعدات لغزة.. وخطة متكاملة لإعادة إعمار القطاع    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع مساعدات إغاثية في مخيمات النازحين في قطاع غزة    هنا جودة تتوج بلقب بطولة أفريقيا لتنس الطاولة بتونس    برشلونة يعلن تمديد عقد دي يونج حتى 2029    حماية المستهلك : التحفظ على 8.5 طن زيت طعام مجهول المصدر    الحلقة 5 من «لينك».. تصاعد درامي وأحداث مشوقة    محافظ أسوان يشهد مراسم توقيع بروتوكول تعاون بين المحافظة والهيئة العامة للكتاب    مواعيد عرض فيلم "هابي بيرث داي" في مهرجان الجونة    تكثيف أمني لكشف غموض العثور على جثة شقيقين بالعياط    كرة يد - إلى ربع النهائي.. سيدات الأهلي تكتسحن اتحاد النواصر في بطولة إفريقيا    محافظ جنوب سيناء يبحث آليات البدء في تنفيذ مشروع محطة إنتاج الطاقة والهيدروجين الأخضر بمدينة الطور    بث مباشر.. لحظة انتشال سيارة ملاكى سقطت فى ترعة المريوطية بدون خسائر بشرية    انطلاق الدورة السادسة عشر من مهرجان المسرح العربى من 10 ل 16 يناير    بعد مقاضاة طليقته بالنفقة.. محمد العمروسى: العائلة هى الكنز الحقيقى    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقارى بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    الصحة العالمية: برنامج التطعيم الإجباري بمصر نموذج يحُتذى به على مستوى العالم    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا تدريبيًا توعويًا بمدرسة الجلاء الابتدائية    الصين: مصر شريك محوري في أفريقيا والعالم العربي    زيلينسكي: لا يمكن تحقيق السلام في أوكرانيا إلا بالقوة    ضبط 850 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    ننشر مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الخامس الابتدائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    الشيخ خالد الجندي: جنات عدن في القرآن رمز للخلود وتمام الأجر الإلهي    أجندة سيتي حتى توقف نوفمبر.. 7 مباريات في 22 يوما ل مرموش قبل العودة لمنتخب مصر    انطلاق فاعليات اليوم العالمي لغسيل الايدي بمدارس شمال سيناء    صحة المنوفية تواصل استعداداتها للاعتماد من هيئة الاعتماد والرقابة    شفاء المرضى أهم من الشهرة العالمية    مدبولي: مصر لن تفرط في أي نقطة مياه والصبر مع إثيوبيا ليس ضعفا    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    رفع كفاءة المنشآت لخدمة الشباب..محافظ الجيزة يتفقد مركز شباب المناجم بالواحات البحرية    موعد مباراة الأهلي ضد إيجل نوار في دوري أبطال إفريقيا والقنوات الناقلة    تحت رعاية محافظ بني سويف: بلال حبش يُكرّم لاعبي ولاعبات بني سويف الدوليين ولاعبات السلة "صُمّ"    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    عملية أمنية شاملة لاستهداف المتعاونين مع الاحتلال في قطاع غزة    السيسي والبرهان يجددان رفضهما لأي إجراءات أحادية تتخذ على النيل الأزرق    بعد تعيينه شيخاً للمقارئ أحمد نعينع: أحمد الله على ما استعملنى فيه    رسوم إنستاباي على التحويلات.. اعرف التفاصيل الكاملة    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    التعليم توجه المديريات بخطوات جديدة لسد العجز في المدارس للعام الدراسي الحالي    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    وزير الثقافة: قافلة مسرح المواجهة والتجوال ستصل غزة حال توفر الظروف المناسبة    «القوس بيعشق السفر».. 5 أبراج تحب المغامرات    توفير لقاح الأنفلونزا الموسمية فى 17 منفذا بالشرقية .. العناوين    أول تعليق من وزير الشئون النيابية على فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان    اللجنة الخاصة: استثناء "فوات الوقت" في استجواب النيابة للمتهمين    ب 20 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    السجن المشدد ل 7 متهمين بحيازة المواد المخدرة في المنيا    الكرملين: بوتين سيجري محادثات مع الرئيس السوري اليوم    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عِناق عند جسر بروكلين:
سِفر الشر الأمريكي
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 07 - 2011

لا أحد سيصل إلي منزل الدكتور درويش، ولا حتي الحفيدة ضيفة الشرف! مادامت الحوادث تضع العقبات في طريق هذا الوصول لسبب أو آخر. والحكاية أن الدكتور درويش بشير أستاذ التاريخ العربي بإحدي جامعات نيويورك - كان قد قرر أن يقيم حفل عيد ميلاد لحفيدته »سلمي« التي ستبلغ الواحد والعشرين منتصف هذه الليلة.
جلس الجد ينتظر، بينما الحفيدة تواجه المجهول في متاهة المترو الأمريكي. أما المدعوون فمهاجرون عرب، أو منحدرون من أصول عربية يحيون عصر ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. علي محور هذا الحدث البسيط تتجمع خيوط الرواية لتسرد أسفار العهد الأمريكي الجديد. ولم يكن الحفل، ولا الدعوة في حقيقة الأمر - إلا مناسبة لجلوس المدعوين علي مائدة السرد، ليفتح لنا كل واحد منهم باب مدينة أمريكية جديدة. من واشنطن، إلي بروكلين فميامي وصولاً إلي نيويورك كبري المدن الأمريكية.
هناك وسط الأنصاب الأمريكية التي يُراق الدم تحت بصرها وسمعها، نصغي في أروقة »الأمم المتحدة« إلي صوت الأمين العام الحائر بين الصيغتين الشهيرتين: »نأسف« و»ندين«. حيث البلاغة اللغوية، ولعبة بيانات الشجب والإدانة هي البدائل التي بمقتضاها يمارس الغرب شعائر »الفرجة« علي وقائع قتل المدنيين وتشريدهم في كل مكان من العالم. وقد يحلو للمتفرجين أن يشاركوا في صناعة القتل تحت غطاء لغوي ناعم يصيغه الأمين العام بدقته المعهودة. هكذا استطاع يوسف ابن الدكتور درويش ونقيضه في آن أن يتبين أقانيم الزيف التي تجعل من كِيانات مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ألعاباً افتراضية أبدعها لاعبو الغرب المهرة. يضيف إليهما زوج خالة سلمي برجي التجارة العالمين بما ينطويان عليه من رمزية يختلط فيها الزهو بالتحدي، والغرور بالقوة. حتي يغدو انهيار البرجين هزيمة تمتد في مداها التاريخي إلي انتصار »داوود« علي »جالوت« الطاغية، بل وانتصاراً للضعف علي القوة، وللخير علي الشر: »نحن داوود وأنتم جالوت الطاغية. لم يهزم داوود جالوت بمصارعته وجهاً لوجه، فجالوت أقوي وأضخم، وأقدر علي المنازلة. لكن داوود انتصر بالحيلة حين سدد الحجر لعين الطاغية فأرداه من الألم«. ومن ثم لم يتوقف السرد عن نشر ما يمكن القول عنه أنه شواهد الحياة الأمريكية المصقولة واللامعة. علي نفس النحو الذي يشير به من طرف خفي إلي الطابع اللاانساني الذي يغمر هذه الحياة.
أما رامي تلميذ الدكتور درويش وقريبه القادم من »ميامي« تلبيةً لدعوة أستاذه، فيضعنا في قلب العزلة الاجتماعية والنفسية التي يعانيها مهاجر مصري ترك بلده منذ أكثر من ثلاثين عاما. هذه الهوة الثقافية التي يتردي فيها مصري تعوّد علي الفضفضة، وأُنس الصحاب هي بالضبط ما يفتقده رامي. بل ويعجز عن عبوره، حتي بينه وبين زوجته وابنتيه. يفتح رامي قلبه لابنته الكبري »شاسا« فيخرج الحي من الميت، مثلما يخرج الميت من الحي. أو قل يُبعث الماضي الدافيء والحنون من بين ركام حياة مختومة بخاتم الصمت والوحشة. يحكي فيسترد حياته المسلوبة والمُبدلة بالفيزا - كارد، السيارة، المنزل وأناقة الطريقة الأمريكية. يحكي فيتبين ملامح »الطوطم« الأمريكي الغارق حتي أذنيه في شرور الحياة المادية. لسنواتٍ طوال وهو يتفادي كسر التابوهات الأمريكية، »وذلك علي أمل أن يحتويه هذا النظام ويحميه«. غير أن العاقبة ليست دائماً للمتقين. فقد كَبِر علي ابنتيه وزوجته أن يكفر هذا العربي المهاجر بنِعم الحياة الأمريكية بعد كل هذه السنين. ومن ثم استطعنّ بقوة القانون أن يجردنه من أبوته قبل أمواله. وأن يسمعنّه بالتي هي أسوأ صوت اللوم والتأنيب علي حنينه لبلده وناسه!
كذلك تنعطف حكاية »رباب العمري«، التي تعمل بالمحاماة دفاعاً عن حقوق الأقليات، علي حكاية رامي بمعني من المعاني. فهي في الخط الممتد للرواية، إحدي المدعوات لحفل الدكتور درويش، وصديقة ابنته ليلي. وهي، بالإضافة إلي ذلك، لا تخلو من ضيق بالصلف الأمريكي الذي يتجلي في جميع ممارسات الحياة اليومية. إما بطبيعة عملها الذي يتطلب رهافة خاصة في التقاط العوارات التي تختبيء تحت سطح الحياة اليومية. وإما بسبب أصولها العربية التي تجعلها هدفاً للغضب الأمريكي المتصاعد، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ففي هذه المرة نحن في مطار»واشنطن« أمام بوابات التفتيش الإليكترونية التي تتصدي للمسافرين درءاً لأي خطر محتمل. حيث يتوقف السرد بنا أمام السحنة العربية التي أصبحت سحنة »مشبوهة« بوصفها دالاً يفضي مدلوله إلي المسئولية الأخلاقية عن تفجير مركز التجارة العالمي. هذا الاشتباه الفوري هو الذي جمع رباب العمري بعدنان فكري المحاسب في غرفة معزولة يحرسها رجال الأمن. غير أن الخوف أيضاً هو ما يجمعهما في نهاية المطاف. الخوف الذي ينثره عدنان فكري في انسحابه وانكماشه وعزلته، وتنثره رباب العمري في جرأتها، وتحديها وثرثرتها التي لا تهدأ.
وأخيراً فقد ضمت الرواية أكثر من حكاية يُفضي أولها إلي آخرها في مدي الفهم الذي يعطف وشائج القرابة، الصداقة وعهود الدراسة علي رواد عيد الميلاد المنتظر. كما تصبح العثرات التي يتردي فيها المدعوون خلال محاولاتهم اليائسة للوصول إلي منزل الدكتور درويش بلا جدوي، هي القاسم الأعظم المشترك بين أبطال العمل. بل هو الصراع الذي لا يهدأ بين حياة خلّفها المرء وراءه، وحياة لم يستطع بعد أن ينتمي إليها. وليس كذلك الدكتور درويش بشير أستاذ تاريخ العرب، الذي لايزال يري في الثقافة العربية مجرد تاريخ!. فقد استطاع الدكتور درويش أن يتقمص دور المواطن الأمريكي المتعصب، بالرغم من أصوله المصرية. ومن ثم يصبح موقفه المفارق لموقف أبطال الرواية محل تساؤل. فماذا أراد السارد بهذا مثلا؟. هل يرغب السارد في إدانة الدكتور درويش سردياً، من خلال تصعيد وتيرة النقد للمجتمع الأمريكي الذي تحكمه حزمة من التقاليد الميكانيكية؟ أم هو بالضبط الناطق السردي باسم ذلك المجتمع الذي يتقبل جموده ولاإنسانيته، علي نفس النحو الذي تقبل به موته؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.