ليس من أغراضنا فيما نكتب عن المرأة المسلمة وحجابها ان نجادل قوما لا يريدون أن يفهموا ما يقال. بل ولا يقرأون ما يكتبه معارضوهم في الرأي علي ما يقولون إن كل ما يكتب مخالفا لرأيهم بعيد عن الصواب مخالف لاحكام الدين، هؤلاء القوم يشعرون بعجزهم فيغالطون. يغالطون حتي في كلام الله فاذا استشهدوا ببعض آيات القرآن الكريم جاءوا بها مبتورة مثلهم مثل ذلك الذي يقول »ويل للمصلين« ويترك بقية الآية. ولانري هنا أن نأتي علي بيان لمغالطاتهم لانها كثيرة فلا يتسع لها نطاق صحيفتنا ولاننا لا نحب أن نجادل كتابا لايريدون أن يحترموا رأي مناظريهم. تعوزهم الحجة فيشتمون خصومهم في الرأي ويرمونهم بالكفر والالحاد. والله يعلم أي الفريقين أهدي سبيلا. نحن انما نكتب لقوم تخلص نيتهم في طلب الحقيقة فلا يكابرون ولايشتمون. كلما حاولنا أن نختبر قيمة الادلة لأنصار الحجاب وجدنا تلك الادلة لاتتلاشي امام نور الحق فقط بل تنقلب حجة بالغة علي المستشهدين بها. وقد ضربنا بعض الامثلة علي ذلك في المقالات الماضية وأمامنا اليوم مثل آخر هو مثل الخوف من الفتنة لانجادل في ان بعض الفقهاء رأوا تحجب المرأة اذا خيفت الفتنة من النظر إلي وجهها وكذلك رأوا تحجيب الغلام الأمرد اذا خيفت الفتنة ايضا. لانجادل في ذلك ولكن الذي ندفعه بقوة هو ان هذا الرأي يعد دليلا علي ان الدين أوجب تحجيب النساء لانه اذا كان اللذين قد أمر بحجاب النساء أمرا صريحا أو ضمنيا فلماذا لجأ الفقهاء إلي هذا التحايل في تحجيب المليحات من النساء؟ هل المليحة لاتعد من جنس النساء اللائي فرضن عليهن جميعا الحجاب كما يقول بعض الذين لايفكرون فيما يقولون؟ أليس من التناقض الغريب أن يقول أنصار الحجاب ان الدين أوجب الحجاب علي النساء جميعا مليحات وغير مليحات ثم يقولون في الوقت نفسه ان تحجيب المليحة واجب اذا خيفت فتنة!!! ومما يثبت أن أنصار الحجاب لايميزون بين ما يكون حجة لهم وما يكون حجة عليهم تلك الحكاية الشهيرة التي يتخبطون في نسبتها تارة إلي الخليفة عمر وطورا إلي غيره من الصحابة. حكاية الصحابي الذي أراد أن يمنع امرأة الذهاب إلي المسجد والخروج إلي السوق فاختبأ لها فجر يوم من الايام حتي اذا مرت به ذاهبة إلي المسجد برز لها في الظلام فضربها علي عجيزتها فعادت ادراجها إلي الدار فلما سألها لم لم تخرج إلي المسجد قالت كنت اذهب والناس ناس. اذا قبلنا هذه الحكاية علي علاتها كانت دليلا ساطعا علي ان ذلك الصحابي سواء أكان عمر أم غيره لم يجد بين أحكام الدين ما يساعده علي حجب امرأته واقرارها في الدار فلجأ إلي التحايل في ذلك. وإلا فما الذي منعه ان يقول لها ان الدين يوجب عليك الحجاب وعدم مبارحة الدار؟! أكان يخشي انها لاتصدقه في ان الدين أمر بذلك؟! أم كان يخشي أن يدفعها تشبع نفسها بالحرية الشخصية إلي عصيان أوامر الدين؟! اذا كانت الاولي فهل ثقة نسائنا اليوم بمعلوماتنا الدينية وقدرتنا علي فهم أحكام الدين أكبر من ثقة نساء الصحابة بمعلومات ازواجهن حتي نري من الهين ان نقدمهن بما لم يستطع صحابي جليل ان يقنع به زوجه واذا كانت الثانية فهل يريد أنصار الحجاب ان يقولوا ان نساءنا أتقي من نساء الصحابة وأشد منهن لازواجهن طاعة حتي انهن يضحين حريتهن الشخصية في سبيل ما تأمرهن به باسم الدين!! الا يخجل كاتب ان يستشهد بمثل هذه القصة علي وجوب تحجيب النساء! غريب أمر هؤلاء الكتاب يريدون ان تكون مصالح وعادات الامة جميعا ألعوبة في يد الاهواء الشخصية. فيبحثون في ثنايا التاريخ عن قصة في روايتها شك عن رجل غار علي امرأته فتحايل في تحجيبها تحايلا نجزم بتنزه أخلاق الخليفة عمر عن ارتكابه ثم يقولون انه يجب ان يتبع المسلمون جميعا عمل ذلك الرجل. وربما استشهدوا بقصة أوهي من هذه علي وجوب تغطية وجه الغلام مليح الوجه جعلوها سنة يجب علي المسلمين اتباعها. وهكذا تصبح عادات الأمة ومصالحها أسيرة حالات نفسية قامت عند بعض المتقدمين لظروف خاصة قد تكون أثارت غيرتهم عندما شرعوا لانفسهم ما شرعوا مما لم يجدوا من الدين معينا علي تقريره فتحايلوا في الوصول إليه. انني كمسلم يغار علي كرامة دينه أخجل كلما ذكرت مسألة الخوف من الفتنة وقول القائلين فيهم بوجوب تغطية وجه الامرد اذا خيفت الفتنة. اخجل الخجل كله لانني لا أتصور انه يمكن ان يحكم الناس علي اخلاقهم بأقسي من هذا الحكم الهائل. ولا ان ينزلوا انفسهم أحط من هذه المنزلة الدنية. قوم يحكمون علي انفسهم بأنهم اسري الخنا. عباد الشهوة البهيمية: لايصدهم عن ارتكاب الفحشاء حتي مع الذكور منهم الا القوة القاهرة قوة الحجاب الذي يغطي وجوه النساء والغلمان علي السواء: رب ما اقسي وما أمر هذا الحكم علي نفوس العقلاء الاباة. لذلك نهمل الكلام في هذه المسألة كل الاهمال لاننا نري من العيب ان يمر غبارها كذلك يؤلمني ان تنسب مثل هذه القصة التي اشرت إليها إلي اعقل وأعدل رجل حكم بين الناس إلي الخليفة عمر لانها قصة لا تشرف من تنسب إليه بل هي علي العكس من ذلك تدل علي خلق غير مرضي لان الرجل الذي يتحايل في الوصول إلي غرضه تحايلا يؤدي إلي اعتقاد زوجه بغير الواقع فتحسب الناس قد فسدت أخلاقهم وتغيرت طبائعهم حتي اصبح من حفظ الكرامة ألا تخرج المرأة بينهم لقضاء حاجتها هذا الرجل انما يكذب علي الناس بطريق غير مباشرة ويخدع امرأة خداعا غير شريف فتصرفه معيب في شكله وموضوعه. وهو تصرف لاننزه عنه الخليفة عمر وحده ءبل فنزه عنه كل ذي خلق قويم. فلعل المستشهدين بأمثال هذه الاقاصيص يتعلمون بعد الآن الا يشتموا قومهم برواية مثل هذه الاقوال غير المشرفة والا ينزلوا الأمة منزلة قطيع من البهائم يفترس بعضها بعضا بغير ان تكون لها ضمائر تتأي بها عن ارتكاب الدنايا