إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    اليوم، بدء الصمت الانتخابي للمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 داخل الأسواق المصرية    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    رونالدو بعد لقاء ترامب: الشجاعة والمسئولية والسلام أساس المستقبل.. صور    الاتحاد السكندري يوضح موقفه من مستحقات المهدي سليمان    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    مستشار الرئيس الأمريكي: واشنطن تعمل لفرض هدنة وإنهاء الصراع في السودان    أكسيوس: واشنطن تنتظر رد زيلينسكي بشأن مناقشة خطة أمريكية جديدة لوقف الحرب    وكالة ناسا تكشف صورا مقربة لمذنب عابر قادم من نجم آخر    مصر تصنع مُستقبل القارة.. القاهرة تقود «الإعمار الإفريقي»    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    يحيى أبو الفتوح: الذكاء الاصطناعي يستلزم جاهزية أمنية متقدمة لحماية الأموال    إصابة 15 عاملاً في حادث انقلاب أتوبيس تابع لإحدى الشركات بأكتوبر    الحماية المدنية تسيطر على حريق مصنع إطارات بالصف    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    بوتين يجري مباحثات ثنائية مع رئيس وزراء توجو في الكرملين    رئيس المحطات النووية: تركيب وعاء المفاعل نقلة رئيسية نحو التشغيل    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    مصرع طالبة على يد والدها بسبب عدم مساعدته فى العمل برشيد في البحيرة    انقلاب سيارة محملة بالطوب بالطريق الصحراوي الغربي في قنا    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    الذكاء الاصطناعي يمنح أفريقيا فرصة تاريخية لبناء سيادة تكنولوجية واقتصاد قائم على الابتكار    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    رشا عدلي: بدأت مشروعي الروائي بوعي.. وأشعر أن روح بطلة «شغف» تسكن الرواية وتدفعها للأمام    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    زيارات ميدانية ومراجعة عقود الصيانة.. توجيهات من رئيس هيئة التأمين الصحي لتعزيز جودة الخدمات    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    (أرجوحة) المصرية تفوز بجائزة عبد العزيز المنصور في معرض الكويت الدولي للكتاب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    هكذا دعمت بسمة بوسيل تامر حسني بعد تعرضه لوعكة شديدة    أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا بالبورصة المصرية قبل ختام تعاملات الأسبوع    الأرصاد الجوية: ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة وشبورة مائية على بعض الطرق خلال الأيام المقبلة    الصحة: مرض الانسداد الرئوي يصيب أكثر من 392 مليون شخص عالميا    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    هل دخل الشقق المؤجرة الذي ينفق في المنزل عليه زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ كفر الشيخ يناقش جهود مبادرة «صحح مفاهيمك» مع وكيل الأوقاف الجديد    رئيس جهاز مستقبل مصر ووزير التعليم يواصلان جهود تطوير التعليم الفنى    غرامة 100 ألف للمخالف.. بدء الصمت الانتخابى بانتخابات مجلس النواب ظهر غدا    جنازة المخرج خالد شبانة عقب صلاة العشاء بالمريوطية والدفن بمقابر العائلة بطريق الواحات    جامعة أسيوط تطلق قافلة طبية مجانية لعلاج أسنان الأطفال بكلية طب الأسنان    استعدادا لاستضافة cop24.. البيئة تكثف أنشطة التوعوية بالمحافظات    وزير الري يلتقي نائب مدير الوكالة الفرنسية للتنمية    المسلماني: برنامج دولة التلاوة يعزز القوة الناعمة المصرية    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    الصحة: مصر خالية من الخفافيش المتسببة في فيروس ماربورج    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضحك .. تضحك لك الدنيا !

يجلس ثلاثتهم الآن يتابعون قناة الجزيرة. الأحداث متلاحقة جداً.لا أحد يصدق مايحدث. يطلب الأب من "شادي" أن يأخذ الدواء، حيث أن ميعاده جاء. يذهب "شادي" إلي مكتبه. يحتفظ بشريط الأقراص في الدرج. تتسلل "فدوي" وراءه خلسة. تتابعه من وراء ستارة الشباك. تتأكد من أنه يضع الأقراص الآن في فمه، يرشف بعدها الماء من الكوب. تسارع بالعودة إلي الكنبة، أمام التليفزيون، قبل أن يعود "شادي" بدوره.
"شادي" يجلس الآن علي الكنبة بجوارها. يقوم الأب لأجل أن يعد لهما العشاء. تحدّث "فدوي" "شادي" متعجبة. تخبره أن اليوم هو الثالث منذ إندلاع هذه الإنتفاضة، والريّس لم يظهر حتي الآن. يزّم "شادي" علي شفتيه فيما يشبه التفكير العميق، يهز رأسه في ثقة العارف، ويخبر "فدوي" أنه سيظهر، هو فقط يقوم ببعض الأشياء التي يعرفها-"شادي"- جيداً، ثم سيظهر. تنظر "فدوي" إليه نظرة طويلة متأملة، ثم تواصل الفرجة علي التليفزيون.
ينادي الأب علي "فدوي" كي تساعده في نقل أطباق العشاء من المطبخ إلي السفرة. تذهب إليه "فدوي" مسرعة. تعرف جيداً أنه في الواقع لا يحتاج مساعدتها إلا في مراقبة الجو، حتي يتسني له وضع الجرعة الإضافية من دواء "شادي" في طبقه سراً.
بعد تناول العشاء، يجلس ثلاثتهم من جديد أمام التليفزيون. تبث القناة نبأ عاجلاً في الشريط أسفل الشاشة، مفاده أن الرئيس سيظهر في كلمة بعد قليل. ينتفض "شادي"، ويهب واقفاً، ويقول لهما " أنا مش قلت لكم"، ويكررها عدة مرات.
لا يعرف الأب، أو "فدوي" أن "شادي" وحده يعلم أين كان الريّس حتي هذه اللحظة. يعرف "شادي" أنه خلال الأيام الثلاثة الماضية، كان الريّس مجتمعاَ بأهل "ريم"، يتوسل إليهم أن يعدّوا له عملاً، يعيد الأوضاع لما كانت عليه، ويعيد الشعب لجحوره.
حين ألقي الريّس خطابه الذي بدا فيه غير مباليً بما يحدث، تأكد "شادي" أن أهل "ريم" كادوا ينجحون، أو نجحوا بالفعل، في عمل هذا العمل. بعد الخطاب يخبر "شادي" أباه ، و"فدوي" بلهجة العارف، أن الأمور ستعود إلي نصابها خلال يومين علي الأكثر.
مع أحداث الشغب التي بدأت عقب الخطاب، قرر الأب أن "فدوي" لن تذهب لعملها غداً. اعترضت وتعالي زعيقها مع أبيها، كانت تحاول أن تقنعه أن عملها ليس مجرد عمل، إنما رسالة يجب عليها أن تؤديها. استيقظ "شادي" ، الذي كان نائماً علي زعيقهما. يعرف سبب الخناقة، فيصرخ صراخاً هيستيرياً في وجه "فدوي". ينعتها بشتائم وسخة. يتوعدها قائلاً " يابنت القحبة يا لبؤة مافيش نزول، وإلا هطلع ميتين أمك ضرب". تنظر "فدوي" إلي أبيها الذي يقف صامتاً، ثم تخبرهما أنها لن تنزل. يطلب منها "شادي" أن تحضر له شنطة خروجها، فتحضرها وتعطيها إياه طواعية، ثم تخبرهما أنها ستخلد للنوم.
علي سريرها تبكي "فدوي" بمرارة. من الممكن أن تنزل رغماً عنهما، لكنها لن تفعل، ليس خوفاً من "شادي"، وإنما خوفاً عليه.
تري "فدوي" في عملها كمذيعة في راديو البي بي سي رسالة ثورية هامة. لا تقل أهمية عما يقوم به المتظاهرون الآن في ميدان التحرير. تري أنها تنقل الحقيقة. تنقل صوتهم إلي العالم أجمع. صحيح في أنها ترغب جداً في أن تكون مع المتظاهرين الآن، لكنها لن تفعل. هي خائفة، ليس من الموت في المظاهرات، بل من الخوف والقلق اللذان سيكون عليهما أبوها وأخوها لأجلها.
في يوم السبت التالي لجمعة الغضب، تقف "فدوي" ليلاً في البلكونة مع شادي. يسمعان صوت خناق في الشارع، يليه ضرب نار، ونسوة تصرخ. يفزع "شادي"، ويسحب "فدوي" من ذراعها للداخل. "فدوي" تبكي، تتجنب النظر لعيني شادي. رغماً عنها تلتقي نظراتهما، فتري في عينيه الرعب الذي كانت تخشي أن تراه. لن تسامح. هكذا قررت لحظتها. لن تسامح الريّس ونظامه، أن تسببا في أن تري مثل تلك نظرة في عين أخيها، وإن سامح الشعب في حقه، وأهالي الشهداء في دماء أبنائهم. بكائها في هذه اللحظة ليس خوفاً من حالة الترويع، والإنفلات الأمني، فلقد عرفت منذ شاهدت الخطاب بالأمس، أن الريّس حتماً يخير الناس بين الأمان معهم، أو الفوضي بدونه. لكنها تبكي خوفاً علي "شادي".
يطرق باب الشقة أحدهم، فيجري أبوهما كي يفتح الباب. " كريم" ابن الجيران يطلب من الأب أن ينزل معهم لحراسة العمارة من أعمال البلطجة. يغلق الأب الباب، ويذهب ليبدل ملابسه، فيمنعه "شادي"، ويقول أنه سينزل بنفسه. يستسلم الأب لرغبته سريعاً، فحالته لا تسمح بأي صدام. ينزل "شادي" بالفعل، بعد أن يحمل معه شومة غليظة. ترغب "فدوي" في أن تنزل معه، لا تعرف أي نوبة رعب قد يتعرض لها في الأسفل وحيداً. يعرف "شادي" مايدور في رأس أخته، فيقفل الباب بالمفتاح وراءه. يصعد كل نصف ساعة تقريباً، ويطلب من "فدوي" أن تعد له كوباً من الشاي، ثم ينزل من جديد.
يؤذن الفجر. ترأف "فدوي" لحال أبيها، الذي راحت عليه نومة، وهو جالس علي الكنبة في الليفينج روم. توقظه كي يصلي، وتطلب منه أن يذهب للنوم بعدها. تعده أنها لن تنام، حتي يصعد "شادي"، وتتأكد من نومه.
في التاسعة صباحاً يقرر "شادي" أخيراً أنه لن ينزل ثانية. يحكي ل"فدوي" أحداث الليلة الرهيبة. يقول أن أهل "ريم" عملوا للريّس عمل بإخافة الشعب. يقول أنهم يسخّرون له شياطين، وعفاريت لفعل ذلك. يقول أنه رأي بنفسه في سيارة إسعاف بالأسفل شيطانين أصفري اللون. تلاحظ "فدوي" أنه يرتجف بشدة وهو يحكي. تحاول تهدئته، وتطلب منه أن يذهب للنوم.
تتفرج "فدوي" علي التليفزيون، لمدة ساعة تقريباً، منذ أن نام "شادي" في سريره. تتسحب إلي غرفته، تحاول أن تتأكد عبر الإضاءة الخافتة أنه نام أخيراً. لا تتمكن من رؤية عينيه، لكنها تسمع أنفاسه منتظمة، أو هكذا يخيل لها. تخرج من حجرته. ترتدي ملابسها. تخرج شنطتها من نملية المطبخ. تفتح باب الشقة، وتنزل بهدوء، متجهة لعملها.
لا تعرف "فدوي" أن "شادي" لم يكن نائماً. هو الآن في سريره يرتجف. يشعر بخوف شديد، وينتحب. سمع كل تحركات "فدوي" في الخارج، وعرف عزمها علي النزول، لكنه كان غير قادرعلي التحرك لمنعها. فالخوف يشلّ أطرافه تماماً.
تعود "فدوي" بعد يومين للبيت، ظهيرة يوم الثلاثاء. يستقبلها بلا أي عتاب. فقط يخبرها، فيما يشبه الإنهيار أن "شادي" في حالة سيئة جداً، وأنه لا ينام. تحاول أن تبدو قوية وهي تخبر أباها أن عليه أن يصطحبه غداً للدكتور، بدون علمه. تقترح أن يدّعي أبوها المرض، وستكون هي في العمل وقتها، وعليه يطلب من "شادي" أن يصطحبه لدكتور القلب.
تدخل "فدوي" علي "شادي" في مكتبه. تجده جالساً بعينين علي أشد اتساعهما، يمسك مصحفاً، ويقرأ بصوت عال، يكرر آيات بعينها، كشيخ يطرد جاناً. يرتجف بلا انقطاع، بشفاه مزرقة، وعضلات فكه الأيسر تتحرك بعصبية لا إرادياً. تحتضنه، فيقف غير مصدق أنها لازالت علي قيد الحياة. يسألها عن باقي الرهائن. تخبره أنهم بخير، وأن كل شيء خير إن شاء الله.
لا تعرف "فدوي" أن الأحداث الأخيرة، ذكّرت "شادي" بتلك الحادثة الرهيبة، التي تعرض لها منذ عامين. حين كان يجلس لحظة الغروب، مع "ريم" علي إحدي الكراسي الرخامية ، في الجامعة. فرّ الجميع من حولهما فجأة في ذعر.الكل يصرخ ويجري، و"شادي" و "ريم" جالسان في مكانيهما لا يفهمان ما يحدث، ولا يعرفان له سبباً.خلت الجامعة،وحرمها في دقائق تماماً إلا منهما. شعرت "ريم" بالخوف. طمأنها "شادي"، وقام ليتفقد في حذر الحرم الخالي حولهما. رأي "شادي" وهجاً أصفر، غير واضح الملامح يمرق سريعاً، ويختفي خلف جذوع الأشجار العتيقة العملاقة، له صوت كالفحيح. يقترب من "شادي" حيناً، ويبتعد حيناً آخراً. عرف "شادي" أنه الشيطان، فرجع سريعاً إلي حيث تجلس "ريم"، احتضنها، وأغمض عينيه، وأخذ يردد آيات يحفظها من القرآن. حتي أغاثه الله أخيراً.
حينها أرسل الريّس، كتيبة من الحرس الجمهوري لتنقذ "ريم" و "شادي". كتبت الجرائد في اليوم التالي عن الحادثة، لكنها لم تذكر أن الحرس تدخل للقضاء علي الشيطان، وإنما لمطاردة تنين، هرب من جنينة الحيوانات، وتهجم علي الطلاب في حرم الجامعة.
بعدها ستتغير طريقة معاملة "ريم" ل"شادي"، وتنهار علاقتهما. سيطاردها "شادي" في الخفاء ليعرف السبب، ويأتي ذلك اليوم الذي يعرف فيه الحقيقة كاملة. أهل "ريم" هم من عتاة السحرة. يتعبدون للشيطان، الذي اصطفي ابنتهم "ريم" الجميلة لنفسه. وهكذا انخرط الأهل في طاعته طاعة عمياء. عملوا الأعمال ليفرقوا بين" شادي" و"ريم"، و"ريم" كانت الأكثر تأثراً باعتبارها مقيمة في وكرهم، حتي أصبحت تحت سيطرتهم التامة.
عرف "شادي" أيضاً أن تدخل الريّس لم يكن هكذا لوجه الله.الريّس خشي أن يقضي "شادي" علي الشيطان ، ويحرقه. الريّس يستعين بأهل "ريم" في إدارة شئون البلاد. الريّس لا يحكم إلا بعمل الأعمال لشعبه كاملاً.
حين يعرف "شادي" كل ذلك، ويسعي إلي فضح الجميع.
سيسلط عليه الريّس أحد كلاب أمن الدولة، كي يغتصبه في حمام الجامعة. بعدها سيهدده أهل "ريم" باغتصاب أخته، وإحراق أبيه. حينها فقط سيتراجع شادي، ويقرر أن ينسي "ريم"، ويتخلي عنها للأبد.
ليلة الأربعاء، يلقي الريّس خطابه الثاني. بعدها يعقب "شادي" قائلاً أن عليهم أن لايصدقوه، أو يتعاطفوا معه. يطلب من "فدوي" أن تتصل بأصحابها في الميدان، وتطلب منهم العودة لبيوتهم فوراً. "شادي" علي يقين بأن الريّس سيجمع أكبر عدد من الناس، ويحتفظ بهم كي يقدمهم قرباناً للشيطان. هناك عدد كبير من الرهائن معه الآن بالفعل، وعلي الناس جميعها أن تلزم بيوتها، حتي يجد "شادي" بنفسه طريقة للخلاص. تهاوده "فدوي"، التي تلاحظ أن أباها يمسح دموعه في الخفاء.
في صباح اليوم التالي، لم ينم "شادي" كعادته في هذه الأيام، يبكي بشدة ، ويتوسل إلي "فدوي" كي لا تغادر البيت. ينحني علي رجليها كي يقبلها. تجلس "فدوي" علي كرسي في الليفينج، وتخبره أنها لن تنزل امتثالاً لرغبته. تستغل دخوله للحمام ، فتخرج مسرعة، وتقفل ورائها الباب.
بعد الظهيرة تبدأ أحداث موقعة الجمل. تتابعها "فدوي" من عملها، وتتلقي إتصالات، واستغاثات من الميدان. تتحرك، وتروح وتجيء، وخلال كل هذا دموعها تنهمر، حتي أنها مع الوقت نست أنها تبكي.
وقت المغرب، ترد علي أبيها، الذي طلبها علي الموبايل. تسمعه يجهش بالبكاء، تلتقط أنفاسها، وتقول "شفت يا بابا ولاد الكلب الكفرة عملوا إيه؟!.. معليش يا بابا دم الناس دي مش هيضيع" .يأتيها صوت أبيها متقطعاً علي الناحية الأخري، يخبرها أنه يبكي لأجل أخيها، الذي هرب منه، حين حاول أن يصطحبه للدكتور وفقاً للخطة التي وضعها معها. يخبرها أبوها أن أخاها الآن مغيب تماماً، ليس معه بطاقة، أو موبايل، ولا شلن في جيبه. يستغيث أبوها بها، قائلاً أنه لا يعرف ما عليه أن يفعل. تأخذ "فدوي" شنطتها، وتغادر ماسبيرو مسرعة، دون أن تستأذن حتي. تركب سيارتها، وتجوب الشوارع، باحثة عن "شادي". تتصل بأبيها الذي يبحث بدوره- من حين لآخر.
تجوب شوراع، وحواري "عين شمس"، التي تسكن فيها "ريم" حبيبته السابقة. في الثانية صباحاً، تركن سيارتها علي جانب شارع "رمسيس"، حين تتصل بها صديقتها لتخبرها عن قناصة، وقتلي، وإصابات لا حصر لها. تنزل "فدوي" بالقرب من محطة "غمرة"، وتجلس علي الرصيف. تضرب وجهها بيديها عدة مرات." فدوي" تلطم، وتصرخ، ودموعها تختلط بمخاطها، والشارع مظلم وخال تماماً. يرن موبايلها من جديد. يطلب منها أبوها أن تعود إلي البيت، ويخبرها أن "شادي" الآن معه، وأنه في الطريق إلي المصحة.
ستعرف "فدوي" من أبيها حين يعود، أن الجيش اتصل به ليسأله إن كان يعرف أحداً باسم "شادي"، وطلبوا منه أن يتجه إلي المطار فوراً لاستلامه. يجد الأب حين يصل "شادي" حافياً. ملابسه ممزقة، ومصاب بجروح عدة. سيعرف من النقيب أنه تعرض للضرب علي يد أهالي مساكن شيراتون الذين ظنوا أنه مبرشم، وأن الجيش استطاع أن ينقذه من بين ايديهم بأعجوبة، وأنهم ادركوا متأخراً أنه ليس في كامل قواه العقلية، واستطاعوا بمعجزة ما أن يعرفوا اسمه، ورقم الموبايل الذي كلموه عليه.
يركب الأب السيارة، بعد أن يساعد"شادي" المنهك علي أن يمدد علي الكنبة في الخلف. يخبره النقيب علي جنب أن خلي بالكم يا حاج، حرام تسيبوا واحد في حالته يخرج لوحده في الأيام المهببة دي. يمسح الأب دمعة لم يستطع أن يقاومها، ويتجه بشادي إلي المصحة.
لا يعرف الأب، أو "فدوي" أن "شادي" هرب من أبيه في الصباح، كي ينقذ "فدوي" التي احتجزوها مع الرهائن حين خرجت صباحاً. كان الرهائن جميعاً في جامع "الفتح"، وظل رجال الريّس يهربونهم من جامع إلي جامع، حتي يحولوا دون وصول "شادي" المخلّص إليهم، واستقر بهم المطاف أخيراً جامع في مساكن "شيراتون". استطاع "شادي" بالحيلة أن يدخل إلي الجامع قبل إخلائه، وقت صلاة العشاء. كانوا الرهائن وقتها يصلون، ويبتهلون إلي الله، كي ينجيهم مما هم فيه. قاطع "شادي" صلاتهم، وأخرجهم جميعاً. اعتدي علي بعضهم بالضرب، لكن لا يهم، فكله في مصلحتهم في الآخر. حين تأكد " شادي" من خروج الجميع، وإنقاذهم، خرج بنفسه أخيراً من الجامع، واستقبله في الخارج كلاب أمن الدولة بملابس ملكية، وانهالوا عليه بالضرب، ثم سلموه بعدها للحرس الجمهوري، الذين أعطوه علقة ساخنة بدورهم. حين علمت "ريم" من أهلها بما يحدث له، طلبت من الشيطان أن يقصر جنوده عنه، وهددته بالهجر. انصإع الشيطان لأمرها، وطلب من الريّس أن يخلي سبيل "شادي"، فاعطي الريس أمراً علي الفور للحرس الجمهوري بأن يهاتفوا أباه، كي يأتي ويستلمه.
بعد أسبوع، وفي يوم الخميس، ستصل تسريبات إلي "فدوي"، أثناء عملها عن خبر تنحي الرئيس الليلة. تنهي عملها مسرعة، وتقرر أن تذهب إلي البيت، كي تسمع الخطاب مع أبيها، ويتشاركان الفرحة سوياً.
قبل العاشرة بثلث ساعة كانت "فدوي" تعمل دوانلود لمجموعة من أشهر الأغاني الوطنية، علي الكمبيوتر الخاص بها ، في البيت. وصّلت به أيضاً السماعات الصّب، وقررت أن يكون الإحتفال صاخباً، حتي الفجر.
بعد الخطاب، كانت تحاول "فدوي" الوقوف علي رجلها، لكنها لم تستطع. فكرت في أن تستنجد بأبيها، ثم تراجعت رأفة بحاله. قالت في سرها أنه لا ينقصه. ظلت صامتة، وبعد عدة دقائق، حاولت الوقوف مرة أخري، فلم تقدر أيضاً. انخرطت في بكاء صامت، نامت بعده علي وضعها هذا، جالسة علي الكرسي. شعرت بأبيها يوقظها، ويصطحبها للسرير، أرادت أن تعرف الوقت، لكنها لم تنظر للساعة، تركيزها انصب فقط علي أنها تمشي الآن بالفعل مع أبيها.
في اليوم التالي، كانت تشاهد علي الكمبيوتر فيديو متقن الصنع، يحكي قصة وأحداث الثورة منذ اندلاعها. تأثرت كثيراً، وسالت دموعها. كانت تدعو قائلة "يا رب احنا عملنا اللي علينا، الدور عليك بقي يا رب". كان أبوها يجلس في الليفنج يشاهد التليفزيون الأرضي، حين سمعت صيحة جماعية من الشارع، والجيران، كتلك التي تسمعها وقت أن يدخل المنتخب جوناً في ماتشات كأس الأمم الأفريقية. خرجت جرياً إلي الليفينج، فوجدت أباها ساجداً، يبكي علي الأرض. تابعت بعين غير مصدقة شريط الأنباء العاجلة علي التليفزيون، يبث خبر التنحي. أخذت تقفز علي الأرض كالمجنونة. تصرخ، معتقدة أنها تزغرد، لكنها لم تكن تعرف كيف تزغرد، فانطلق صراخها متواصلاً. ابوها يشاهدها جالساً علي الأرض، ويضحك من بين دموعه.
تعود قفزاً إلي الكمبيوتر، وتشّغل بأعلي صوت،الأغاني التي عملت لها داونلواً البارح. ترقص، وتقفز، وتواصل الصراخ، يدخل عليها أبوها، يضحك عليها، ويرقص معها، ثم يحتضنها ويبكي.
في اليوم التالي، بعد العصر، كانت "فدوي" قد انتهت من ارتداء ملابسها. خرجت بصحبة أبيها، كي يعودوا ب"شادي" من المصحة، بعد أن قضي عشرة أيام من العلاج المكثف فيها."شادي" الآن هادئ. وجهه منتفخ من كثرة النوم، وتركيزه شبه منعدم، بسبب جرعة العقاقير القوية التي أخذها هناك.
في البيت يجلس "شادي" أمام التليفزيون. يشاهد بنفسه خطاب التنحي، الذي أعادت القنوات بثه مراراً، وتكراراً. تجلس "فدوي" بجانبه. يضحك وهو يشير إلي الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان، ويقول ل"فدوي" "هو الراجل ده عامل كده ليه ؟". تلاحظ "فدوي" للمرة الأولي الرجل، بوجهه العابس، ونظراته الثاقبة، فتضحك هي الأخري.
يسألها "شادي" عن العشاء، قتخبره أنهم سيأكلون الليلة من "كنتاكي". يطلب منها أن تطلب له الوجبة ذات ال68 قطعة، فتضحك وتخبره أنها طلبت له الوجبة أم 116 قطعة، فيضحك هو الآخر.
بعد دقائق يسيرة يشاهدان الخطاب، الذي يعاد بثه مرة أخري. ينظر "شادي" متأملاً إلي "عمر سليمان"، ثم يلتفت إلي "فدوي" قائلاً"تصدقي سليمان ده كمان، كان ماشي بالأعمال". تبلّم "فدوي"، وتنطفيء البهجة علي وجهها، بل وترف عينها اليمين، في حركة عصبية، لا تتحكم فيها. يلاحظ "شادي" ردة فعلها، فينفجر ضاحكاً، ويقول"بهزر معاكي يا بنت الهبلة". تبتسم ببطء وريبة، فتتعالي قهقهته، ويؤكد لها وهو يحاول التقاط أنفاسه من الضحك"والله بهزر، طب ورحمة أمك بهزر". تتأمل ضحكه الذي لا يتوقف، فتضحك هي الأخري، حتي تدمع عيناها، ويمتلأ فراغ الليفينج بصوت ضحكهما ممتزجا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.