«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بدوي في حوار حول »حراس النص المقدس«:
الله والثورة
نشر في أخبار الأدب يوم 29 - 05 - 2011

الدكتور محمد بدوي كان مشاركاً فعالاً في الثورة، وهو قلق علي مصيرها الآن، يدعو لتأمل ما يجري: "الثورة نجحت مجازياً، ولكن الخلاف بين القوي التي صنعتها يهددها بالفشل".
يري بدوي أنَّ هناك جماعات تلعب لمصلحتها، الإخوان _مثلاً- نسوا حلم الدولة المدنية، وتطابق خطابهم مع خطاب السلفيين: "إنهم يريدون الفوز بكتلة التصويت التي يسيطر عليها السلفيون". يحلل صاحب "بلاغة الكذب" أسباب التخبط الذي يجري في المجتمع، حالة التشدد الديني التي علت في أعقاب الثورة، والصراع علي حراسة النص المقدس ..
ويؤكد أن الحل يكمن في الدولة المدنية. لحظتها سيكون بطرك (الكنيسة المتشددة الآن) علمانياً جداً!
بدوي الذي تولي منصب رئيس تحرير مجلة "فصول" مؤخراً تشغله أسئلة الثورة وقرر أن يجيب أول عدد يصدره منها عن أسئلة ثقافية حول الثورة والمستقبل، وسؤال المستقبل كان بداية للحوار..
المجتمع المصري يحبو باتجاه الديمقراطية، ولكن هناك من يري أن وصولنا إليها محفوف بمخاطر كبيرة سيدفع المجتمع ثمنها.. كيف تري المجتمع بعد الثورة؟ وهل يمثل السلفيون الخطر الأكبر علي مستقبله؟
سؤال الخطر تعبير عن قلق طبيعي في المجتمع، فنحن إزاء وضع شديد السيولة، شديد التغيُّر، لا يمكن التنبؤ بحركته بدقة. يلعب فيه أكثر من لاعب وهذا أمر ضروري في الثورات التي حدثت بعد انهيار حائط برلين. وهناك ضرورة ألا تنشق القوي الحية التي قامت بالثورة علي نفسها، وللأسف هناك بوادر هذا الانشقاق، تحديداً من جماعة "الأخوان المسلمين". طريقتها يُفهم منها أن الحرب خدعة وأن السياسة حرب، إنها تلعب أحياناً لمصلحتها، ففي الوقت الذي أرادت فيه أن تتحدث مع ممثلي الدولة المدنية تريد أن تسيطر علي كتلة التصويت الواسعة التي يستحوذ عليها السلفيون، ولهذا في الاستفتاء علي الدستور تطابق خطاب الأخوان مع السلفيين ومع الحزب الوطني ، ولم يشعروا هم بأي خطأ في هذا. لا يزالون مستمرين. ستجد عصام العريان ينادي بالدولة المدنية وفي الوقت ذاته يطالب قيادي آخر بتطبيق الشريعة وإعداد الأرض والتمكين. اللاعبون كثر، وهذا يعني وجود خطر من وراء انشقاق القوي التي شاركت في الثورة، وإذا حدث هذا وتحوّلت تلك القوي إلي مجموعات صغيرة متناثرة لن تنجح الثورة في تحقيق كامل أهدافها..
دعنا نقول إننا إزاء شبه توافق من قوي كثيرة علي دولة تسود فيها الديمقراطية السياسية.. لكنها لا تصل إلي المفهوم العميق للحرية بمعني أن الحرية تكفل لمسلم التحوّل إلي المسيحية أو إلي البوذية وإعلان هذا، وغيرها من القضايا ذات الحساسية، هذا هو معني الحرية غير السياسي. معني الحرية السياسي هو الديمقراطية وصناديق الاقتراع والأخيرة تعني لعبة لها قواعد. لا ينبغي أن تقول إنني ديمقراطي وسألعب معك مباراة لكرة القدم ثم تستخدم قوانين البوكس. حينما تقول لي إنني لن أرشِّح قبطياً أو امرأة فهذا معناه أن الدولة ليست مدنية لأن أول شرط من شروط الدولة المدنية ألا يتمايز مواطن عن آخر. أنت صعيدي وأنا سكندري لا تمايز بيننا، وهكذا بين المسلم والمسيحي والأبيض والأسود والرجل والمرأة.
ما أسباب التخبط الذي نحياه إذن؟!
المصريون أخذوا صورتين في ذهني، قبل الثورة أخذوا صورة الثعلب الماكر الذي يدّعي الموت ليخدع صائده ثم فاجأه وتحوّل الثعلب إلي نمر. الصورة الأخري أن المصريين يشبهون رجالاً ظلوا في الكهف المغلق لمدة طويلة. إنهم أشبه بعجوز تتعلم المشي، أو رجال كانوا في كهف ثم فاجأهم القدر أو صنعوا هم ثقباً في الجدار فضربت الشمس في أعينهم فأعشتها فهم يتخبطون، وأنا أري أنّ كثيراً مما يجري الآن ويتخذه البعض بجدية مفرطة في التحليل ليس صحيحاً. هو ناتج فقط عن حالة الخروج من الكهف!
لإخوان المسلمون خارجون من العمل تحت الأرض لمدة ثمانين عاماً، الليبراليون ممنوعون من العمل منذ ما يزيد علي الستين عاماً إلا في معية الدولة ومن لعبوا مع الدولة فقدوا شعبيتهم. المسيحيون منذ قرون لم يخرجوا من الكنيسة. السلفيون ينطبق عليهم الأمر نفسه. نحن باختصار لا نملك خبرة أو تجربة، نحن نتخبط أحياناً. لو كنا نملك تصوراً أكثر عمقاً لدي الطبقة الوسطي المصرية لاختصرنا الطريق، علي سبيل المثال.. المجال الحيوي للإخوان المسلمين هو الطبقة الوسطي، الأطباء والمهندسون والمدرسون، حينما فوجئتْ الجماعة بالسلفيين يسيطرون علي مجموعات كبيرة جداً من هذا الجمهور أرادت أن تحصل عليه لنفسها فبدأت في فقدان مدنيتها وبالتالي ابتعدت عن زملاء الميدان، وفي الوقت ذاته تطابق خطابها مع السلفيين.
ما معني هذا؟ الشعب المصري منذ مائة يوم لا أب له، هذا الشعب الذي كان رغم كل جرائم حسني مبارك يعتبره أباً، حتي هو في خطاباته التي كان يستدر فيها عطف الناس كان يستخدم الأبوة والبطريركية. نحن الآن بلا أب بالمعني السياسي والنفسي والمجلس العسكري هو تعبير عن خلاصة مؤسسة الجيش، بالتالي لا يمكنه أن يقوم بدور الأب..
هل تري أن حالة الخلاص من الأب صحية؟!
نعم صحية ولكن ثمنها غال وقد يكون أحياناً باهظ التكلفة، ولا يمكن أن نقول بما أن الحالة سائلة والناس مختلفون ولا يملكون الوعي الكافي ولم يعملوا منذ زمن بالديمقراطية أن نعود إلي ما كنا فيه. ليس أمامنا سوي ابتكار طرائق نتوافق بها جميعاً لكي نصل إلي المستقبل، لماذا؟ لأن ما حدث يقول لك ببساطة إن مصر "لُقمة" كبيرة جداً لا تستطيع قوة بمفردها أو طائفة أو حزب أو أيديولوجيا ابتلاعها.. ستقف في "زور" أي أحد، وقد كان حسني مبارك يتصوّر أنه قادر علي ذلك ولكنه فشل، الأخوان أيضاً إذا تصوَّروا ذلك هم أو الليبراليون أو الشيوعيون فإنهم سيفشلون. المشكلة أن القوة الأساسية التي صنعت الثورة مختلفة بعد أن كانت في صف واحد لحظات الخطر، وحينما تصوَّرت وَهماً أنّ الخطر انزاح بدأ كل منها يبحث عن مصلحته، وهذا هو الخطر!
"الإخوان المسلمين" أعلنت عزمها إنشاء ناد لكرة القدم كما قررت الاتجاه إلي الدراما والسينما.. هل هذا نوع من محاولة التغلغل داخل المجتمع عبر القوة الناعمة للثقافة؟
الفكرة التي أسس بها حسن البنا جماعة "الأخوان المسلمين" تؤكد علي أنها حزب سياسي وجمعية ثقافية ومشروع اقتصادي ولجنة رياضية. نعم هذا مثبت في الأوراق الرسمية الأولي للتأسيس، هذا جزء من خطتهم، هم يتصوّرون أنهم يمتلكون استراتيجية تستطيع أن تبتلع هذه "اللقمة الكبيرة" -أو إذا أحسنا النوايا- أن تدلي بدلوها في كل شيء، من حق أي مواطن أن يقوم بما يريد به طالما أنه لا يخالف القانون لكن هنا سننشدّ مرة أخري إلي ما أضعنا فيه وقتاً طويلاً وهو ما سميته أنا من قبل ب"تديين المجتمع" بمعني أنك تقوم بعملية تشغيل للنص المقدس في أمور هو بطبيعته بعيد عنها، لو أردت مثلاً أن تصنع فناً وأدباً من وجهة نظر إسلامية، تماماً كمحاولتي الساذجة للكتابة كشيوعي أو كمحرر للمرأة.. فإنني سأقول لك إنّ طبيعة الأدب والفن مختلفة ولا يمكن إخضاعها لأفكار مسبقة، ومنذ جمهورية أفلاطون حتي آخر بيان للإخوان المسلمين قالت فيه إنها ستنشئ نادياً وستدخلُ مجال الفن فإنّ هذه المشكلة موجودة، في الجمهورية يحدد أفلاطون مهام الشعراء، نشر الفضيلة ومدح الفروسية والبطولة والنبل، وقال إنهم لو ابتعدوا عنها فيجب نفيهم. الفروسية والبطولة والنبل متغيرة لذلك فإنّ الشاعر ليس بوقاً لآخر، مستحيل أن يقبل الفنان فكرة أن يضع له أحد الأسس والمفاهيم وهو يطبِّق. هذا قصور في فهم إنتاج الثقافة.
هناك إمكانية لوجود جماعة للعلماء المسلمين، تجمع للمشايخ من مذهب سني أو شيعي أو علوي أو درزي ليتصلوا روحياً بمواطنيهم لكن لا يمكن إنشاء جمعية للأدب الإسلامي العالمي لأنك في النهاية ستحوّل الأدب إلي مجرد تقريظ، ومن يقول هذا الكلام الساذج رجل فقير فكرياً..
الفقيه الكبير ابن قتيبة يقول "إنّ الشعر نكد بابه الشرّ" كان يريد أن يفسِّر لماذا ضعف الشعر في صدر الإسلام؟ كان الشعر الجاهلي في قمة الإنسانية ثم ضعف جداً أيام الرسالة. ويضرب ابن قتيبة مثالاً بحسّان بن ثابت الذي علا في الجاهلية، ولما دخل الإسلام وقال شعراً دينياً ضعف ولان(!!) الدينوري بطريقة ما لمس شيئاً مهماً، دعك من اللغة. لمس أن ما يحتويه الفن ينبع من رؤية مصدرها ذاتي.
الفن يحتاج إلي الشر، ورجل الأخلاق مكانه بعيد عنه!
رجل الأخلاق يمكن أن يكون معلماً أو واعظاً أو شيخاً أو قسيساً أو راعياً لكنيسة، حتي الفلاسفة الذين حاولوا أن يوائموا بين ما يقولونه وما يقوله مذهب ديني بعينه فشلوا. هيجل يقول إن فلسفتي هي فلسفة للدين المسيحي في صورته التي قال بها الإصلاحي الديني لوثر كينج. إذا سألت أي إنجيلي أو مسيحي -من أي مذهب- هل ما يقوله هيجل هو ما تقوله المسيحية سيؤكد لك أن كلام هيجل بعيد تماماً، هيجل قد يكون لديه حرص علي أن يعضد الدعوة المسيحية.. لكن في نهاية الأمر وصل الأمر من بعض دارسيه إلي القول بأنه لا يؤمن أصلاً بوجود إله، لأننا حينما نمدُّ التأليه إلي آخره يحدث هذا، وهو الأمر الذي حدث أيضاً مع كثير من المتصوفة المسلمين الذين قالوا بوحدة الوجود. الأمر كله أن الفيلسوف أو الشاعر أو الرَّسام أو الصحفي لا يريد أن يكون صوتاً لأيديولوجيا!
لماذا يمثل الملف الثقافي الأهمية القصوي بالنسبة للإخوان طوال الوقت؟
في المرحلة السابقة كان النظام يسدّ عليهم أي باب للعمل السياسي، لم يكن مطلوباً منهم أن يناقشوا إلا أضعف المناطق وهي الثقافة..
قانون الفن الأساسي المحاكاة والتمثيل، فما أن آتي بشخصية لأجعلها حقيقية وواقعية ومقنعة لا بد أن أجعلها تدخن، وبها بعض العيوب.. لو أنني رسمت الشخصية خالية من العيوب سيكون ذلك غريباً تماماً، أنا لا أريد قول فكرة، وإنما أريد أن أفهم واقعاً من خلال محاكاته وتمثيله. ما أن أحاكي حتي أجد نفسي مضطراً أن أحوِّله إلي شخص من لحم ودم وإلا لن يقتنع القارئ.. وما أن يتحول إلي شخص من لحم ودم يتحرّك من شخص إلي "كاركتر"، نحن حينما نشاهد شخصاً غريباً نقول عنه "كاركتر" بمعني أنه يصعب وجوده في الواقع، هو يشبه الواقع لكن يصعب وجوده فيه، بالتالي حينما تأتي لإنتاج فن أو أدب ستجد نفسك تنتج واقعاً وتختلف عنه، الرجل الأخلاقي يتصوّر أنه مسئول عن "حراسة الدين" وهو مصطلح للماوردي. الإخوان يتصوّرون أنهم حرّاس علي النص المقدس، والخلاف بينهم وبين دولة حسني مبارك كان كبيراً جداً، ولكن أكبر مستوياته حول من يملك حق حراسة التراث، من يملك حق تأويل النص المقدس، كانوا يقولون هذا فتقول لهم الدولة: لا، أنا، وعندي الأزهر العظيم، الأخوان دائماً يدخلون من باب الأخلاق، والفن لا يخضع لمعيار الصدق والكذب بالمعني الأخلاقي. الكذب في الفن ميزة، الكذب بمعني التخيل، القدرة علي إنشاء عوالم تشبه الواقع ولكنها ليست واقعية، لذلك سيجد الأخوان أنفسهم في كل مرة يصطدمون بالفنانين، وكلما ارتقي المجتمع وسلّم بحق الفنان في طرح الأسئلة الجوهرية عن كل شيء فهذا معناه أن المجتمع قطع خطوات أكبر نحو الحداثة.
أنت تقول دائماً إن الكنيسة تتحمل جزءاً من مشاكل الأقباط لأنها تقوم بعدة أدوار ومنها الدور السياسي.. كيف يمكن إقناع الكنيسة بالتخلي عن هذا الدور؟
بأن تقنع نفسها بالعودة إلي الإنجيل، اتركوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
المشكلة في منطقتنا العربية الإسلامية أنّ الأغلبيات تتصوّر أن كلمة أغلبية تعني الهيمنة، وتعني أن يخضع الآخر إلي رؤيته للعالم، وبذلك يتحوّل هذا الآخر إلي متشدد، المسلمون يتشددون فيتحرّك المسيحيون بمنطق أنهم ليسوا أقل إيماناً ولهذا يتشددون. النموذج لهذا ما صنعه قداسة البابا منذ تولّي، أنه قام بإزاحة وإبطال عمل القانون المصري المشهور ب"لائحة 1938 لتنظيم زواج الأقباط" الذي حدد أسباباً كثيرة للطلاق، وقد فعل هذا لسبب واحد، لأنه يري أنّ المسيحيين إن لم يكونوا مضطهدين فثمة تمييز ضدهم، وأن واجبه كقبطي مؤمن مصري أن يحمي شعبه، وحينما فصله أنور السادات من الكنيسة وهذه فضيحة اعتكف بالدير ولم يعد إلا باتفاق مع دولة حسني مبارك، سنترك لك شعب الكنيسة تحلّ مشاكله مقابل ما تقدمه لنا من خدمات، أي أننا بإزاء عقد بين طرفين، بناء عليه لو حدثت مشكلة لا يتوجه القبطي للشرطة أو المحكمة وإنما إلي الكنيسة، أما المشاكل الأخري فتحلها الكنيسة، بالحرمان الديني، هناك رجل ألَّف كتاباً بعنوان "الصوم القاسي" هو إبراهيم عبد السيد حُرم رغم أنه قسيس، هاني فوزي حينما عمل "بحب السيما" رفعت إحدي منظمات حقوق الإنسان التابعة للكنيسة دعوي ضده.
حين يري القبطي التمييز الذي يُمارس بحقه، النظر إليه بوصفه تابعاً سيرتمي في أحضان الكنيسة، والحرب سجال. الكنيسة تلعب قليلاً مع الدولة فترد الأخيرة، وأذكر هنا حادثة الراهب المشلوح التي جاءت رداً علي عدم الاستقبال الجيد لحسني مبارك من أقباط المهجر الأمريكيين.
وبعد الثورة؟
شعر كثير من المواطنين الأقباط بضرورة العودة إلي الدولة والشعب والوطن ولذلك قدموا عدداَ من الشهداء كان البابا يعتبرهم من الخراف الضالة، ولكنهم أثبتوا خطأ ذلك، وأنهم أكثر وعياً وحكمة ممن يعتبرهم كذلك، أو من راعيهم، والحل كما قلت في مفهوم المواطنة، الدولة المدنية التي لا يتمايز فيها مواطن عن آخر لا في المناصب ولا في أي شيء.
وهل ستتراجع الكنيسة في هذه الحالة عن مواقفها المتشددة؟ هناك بعض من يشك في هذا!
سيكون البطرك علمانياً جداً.. وفي تاريخ مصر الواسع هناك أزمان لم تكن هذه المشكلة موجودة، وأسألُ: كيف تمت صياغة لائحة 38؟ إنها متخذة من التراث المصري القبطي من حبر اسمه الصفي أبو الفضائل بن العسال (القرن الثالث عشر) تحديدا من كتابه (المجمع الصفوي) ولكن في مرحلة التشدد الديني ظهر متشددون، واعتلوا المنصة، وسيطروا علي الجمهور، يجب أن نعيش وفق: لكم دينكم ولي دين. البابا شنودة تصور أن أي كائن لا يعبد الله حسب خطة الرب -والمقصود بهذه الخطة هو كلام الكنيسة فقط- لن يحصل علي الخلاص، وهذا ترجمة حرفية لما يقوله السلفيون، من لا يكون مسلماً مؤمناً يدعو للخلافة ويقاتل المختلفين معه دينياً ليس مسلماً علي الإطلاق. إنها نظرية إقصاء الآخر ونفيه من الدنيا وتدميره.
ثمة ما يمكن وصفه بمداهنة الشباب في أعقاب الثورة، وهناك عدد كبير من المثقفين اعترضوا علي تخصيص لجنة للشباب داخل المجلس الأعلي للثقافة بحجة أنّ الشباب يجب تمثيلهم في جميع اللجان.. كيف تري ذلك؟
الشباب أصلاً له سحر علي جميع المستويات جسدياً وعقلياً وغيرهما، وعلي جميع المستويات، فالشباب إشارة إلي كل ما هو متغير وجديد. الشباب في ثورة يناير كانوا أبناء متغيرات اللحظة، بمعني أنهم أجيال جديدة تنتمي للطبقة الوسطي المصرية. استطاعت هذه الأجيال أن تنخرط في تدريبات علي التكنولوجيا والصناعات الثقافية مثل إدارة الأعمال والاتصالات والفيسبوك وغيرها، ولذلك استطاعوا أن يحققوا شيئاً مختلفاً عن الأجيال السابقة. لا يعني هذا قط أننا إزاء ثورة شباب، إنما ثورة شعب.. الشباب فيها هم الجزء المتقدّم الأكثر نضجاً ووعياً وقدرة علي التعامل مع المتغيرات في العصر الحديث..
مشاركة الشباب في الثورة أمر يختلف تماماً عن موضوع لجنة الشباب التي أعتقد أنّها من العهد البائد، فقد تم التفكير فيها قبل تنحي حسني مبارك. كان أحد المسئولين الثقافيين قد تولّي المسئولية واقترح لجنة للشباب علي أساس أنه يمكن استيعابهم في جهاز الدولة القديمة. بدأ الكلام عن الشباب والثورة، ومتغيرات اللحظة والفيسبوك والمدوّنات فكانت الفكرة "العبقرية" (يقولها بسخرية) إنشاء لجنة في المجلس الأعلي للثقافة تختص بالشباب وتقوم باحتوائهم أو تشتبك معهم وتحاورهم أو تدحضهم حتي، ولا أدري لماذا استمرت هذه اللجنة بعد الثورة؟
يجب ألا يجبرنا الاعتراف الثقيل بدور الشباب في الثورة علي الانتقال إلي النقيض تماماً وهو ما سميته بالمداهنة أو النفاق لأن هذا غير صحيح.
وما رأيك في مطالب المثقفين بضرورة استقلال المجلس عن وزارة الثقافة؟
مبادرة متميزة لكن صعبة التحقيق في ظل البيروقراطية الموجودة في مصر، وكنت قد اقترحت علي أصدقائي المهمومين بهذا الأمر ومنهم الفنان عادل السيوي أن نلجأ إلي دراسة فكرة المجمع اللغوي المصري لأنه المؤسسة الثقافية الوحيدة خارج وزارات الثقافة والتعليم والإعلام.
وما الذي سيضمنه الاستقلال الكامل للمثقفين؟ وهل هناك إمكانية حقيقية لتحقيقه؟
نحن لا نتحدث عن استقلال كامل، وإنما سيكون المجلس تابعاً لإدارة الدولة طبعاً وبعيداً عن وزارة الثقافة قليلاً، ثم ينشأ شكل من أشكال إعادة الهيكلة ذات الطابع الديموقراطي بموجبها يتم اختيار رئيس المجلس وأمينه وأعضاء اللجان من الجماعة الثقافية المعاصرة الموجودة من الإسكندرية إلي أسوان، وبالتالي يستطيع هذا المجلس أن يرسم الخطوط العريضة للثقافة في المستقبل، بمعني أن يحدد استراتيجيات عامة وأهدافاً يظن المثقفون أنها ملقاة علي عاتقهم أو أن عليهم أداءها، وفي هذه الحالة يمتلك المجلس صفة طرح الأفكار والمبادرات الثقافية الجديدة وفي الوقت نفسه مراقبة تنفيذها من بقية أجهزة وزارة الثقافة، وبهذا يصبح نوعاً من البرلمان الثقافي المبتكر.. لكن لا أعتقد أنه في اللحظة التي نعيشها الآن يسهل تنفيذ ذلك. هذا قرار شجاع جداً وعنيف ويحتاج إلي شخصية قوية وظروف مختلفة. لو كان الوزير الموجود هو طه حسين الذي قام بمجانية التعليم قبل 52 في المدارس لكان الأمر ممكناً. وزير وصل للوزارة عبر انتمائه لموقف سياسي وليس مجرد موظف في بيروقراطية الدولة!
الثورة نجحت في شقها الأول وهو إسقاط الديكتاتور ولم نبدأ بعد في تنفيذ الشق الثاني وهو وجود توافق وطني علي تصوّر ما لمصر المستقبلية.. ما رأيك؟
نعم.. حين نقول نجحت الثورة، نقول ذلك بمعني مجازي، لأن الثورة لا تزال تُصنع، لا تزال في الصيرورة ولن تنجح إلا بوجود توافق وطني علي صورة لمصر المستقبلية. يتضمن ذلك مدنية الدولة وموادها الدستورية وتصوّر للتنمية المستدامة علي جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. إذا حدث هذا الأمر يمكن أن يأتي وزير خارج بيروقراطية الدولة، لكن معظم الوزراء الآن ينتمون إلي البيروقراطية. إنهم لا يرغبون في الشخصيات غير البيروقراطية، وكمثال هناك عبد الجليل مصطفي أحد مؤسسي "9 مارس" الذي رفع قضية استقلال الجامعة وطرد الحرس، وهو أستاذ جامعي كبير وقدير وقامة في كلية الطب. حينما يختارون وزيراً للتعليم العالي فإنهم لا يلتفتون إليه..
لماذا؟!
لأنهم غير واثقين في إدارة الدولة إلي هؤلاء الذين شاركوا وأسهموا فعلاً في الثورة سواء كانوا في الميدان أو في جمعيات نقدية ومستقلة قبل الثورة مثل "9 مارس" و"أدباء وفنانون من أجل التغيير" ومؤسسات المجتمع المدني الثقافية ولهذا الأضمن اللجوء إلي بيروقراطية الدولة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.