دوما ستظل بورسعيد أغنيتي المفضلة المترسخة في وجداني منذ سنوات الصبا وأنا أرتاد حلقات "الضمة" وأردد وراء "الصحبجية" أغنية بحروف من نور بحروف من نار: "اكتب يا تاريخ مجد الأحرار وبورسعيد بركان فوار مقدِرش عليها الاستعمار". ستظل خالدة في نفسي بعد أن ألهبت حماسي وأشعلت وأججت نار حب هذه المدينة في قلبي.. بورسعيد تعلمت حبها من المواويل و الأغاني و القصص وحكايات البطولة.. عشت بين دراويشها وعشاقها ورجالاتها وسمعت ما لا يمكن نسيانه، سماء معروفة وأخري مجهولة وغيرها تبحث عمن يميط اللثام عنها.. بورسعيد الحرية والثورة والنجوم الساحرة في كل ميدان، بورسعيد البسالة والنخوة والرجولة والعشاق الصغار.. بورسعيد التي وقف لها التاريخ إجلالاً وباهي بها جبين كل المدن، مدينة آسرة ساحرة ساخرة خلابة، مناضلة ضربت للبشرية أروع أمثلة الفداء، أليست جديرة بحبنا؟ قال عنها الشاعر الفلسطيني معين بسيسو: زنبقة خضراء لم تنم علي سرير فاتح ولم تصب الزيت في مصباح خائن. بورسعيد صلابة ومقاومة، تاريخ نجيب لمدينة تستلقي بكل ثقة علي ذراع المتوسط يهدهدها في الصباح وفي المساء، وعند الظهيرة تصطخب أمواجه، يناديها لتقتحم لجاجه، ويشرع العشاق في ملاعبته ومداعبته ويسرح البشر الكرام من أهلها بقواربهم بحثا عن الرزق بينما مراكب الصيد تمرح وهي تلقي الشباك وصوت محمد قنديل يناغيها "يا حلو صبح يا حلو طل".. رائع أن تعيش هنا في بورسعيد، وأن تمضي سني عمرك بين أهلها الذين لا هم لهم سوي الحلم بغد أجمل. بورسعيد أحد ثغور مصر التي استبسلت في الدفاع عن ترابها.. مدينة لم تحن جبهتها ذات يوم لأحد. مدينة تبعث من رقدتها كطائر "الفينيق" معاندة أبية ترفض الظلم والخنوع "وتحلم ببكرة واللي ها يجيبه معاه، تصحي له من قبل الأدان"..كانت بورسعيد في الثالث والعشرين من ديسمبر من كل عام تخرج عن بكرة أبيها لاستقبال زعيمها جمال عبد الناصر لتحمله بسيارته علي الأعناق وهي تحتفل بعيد النصر.