انطلاق المسابقة الثقافية البحثية الكبرى بين التعليم والأوقاف للعام السابع على التوالي    المنشاوي يعقد اجتماعًا لمتابعة المشروعات الإنشائية بجامعة أسيوط    البورصة ترتفع 3.5% وتحقق 5 قمم تاريخية هذا الأسبوع    سعر السولار اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    العد التنازلي بدأ.. مصر على موعد مع تطبيق التوقيت الشتوي قريبًا    الشرطة البريطانية: هجوم كنيس مانشستر عمل إرهابي    روسيا وأوكرانيا تتبادلان مئات الأسرى    الأهلي يخسر من ماجديبورج ويفقد فرصة التتويج بالبرونزية في بطولة العالم لليد    الدوري الأوروبي.. التشكيل الأساسي لفريق ريال بيتيس أمام لودوجوريتس    الداخلية تضبط عاطلين سرقا حديد سلم منزل بالشرقية    هيفاء وهبي تفاجئ جمهورها بطرح 5 أغاني من ألبومها الجديد «ميجا هيفا» (فيديو)    وزير الخارجية يتوجه إلى باريس    "ماجد الكدواني يشعل رمضان 2026 بمسلسل جديد حول الزواج والحياة"    هل الأحلام السيئة تتحقق حال الإخبار بها؟.. خالد الجندي يوضح (فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2أكتوبر 2025 في المنيا.... تعرف عليها    رئيس الوزراء يوافق على رعاية النسخة التاسعة من مسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الديني    «النار دخلت في المنور».. كيف امتد حريق محل ملابس إلى عقار كامل في الهرم؟ (معايشة)    سعر الدولار ينخفض لأدنى مستوى عالميًا مع قلق الأسواق من الإغلاق الحكومي الأمريكي    نجل زيدان بقائمة منتخب الجزائر لمواجهتي الصومال وأوغندا بتصفيات المونديال    نتائج 6 مواجهات من مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    محافظ البحيرة تفتتح معرض دمنهور الثامن للكتاب بمشاركة 23 دار نشر    خبير علاقات دولية ل"اليوم": ما فعله الاحتلال ضد قافلة الصمود إرهاب دولة    وائل السرنجاوي يعلن قائمته لخوض انتخابات مجلس إدارة نادي الزهور    استشهاد 53 فلسطينيًا فى قطاع غزة منذ فجر اليوم    قرار عاجل من التعليم لطلاب الثانوية العامة 2028 (الباقين للإعادة)    محافظ الغربية يستقبل نائب وزير الصحة عقب جولة ميدانية على المستشفيات والمنشآت الطبية    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    حزب العدل ينظم تدريبًا موسعًا لمسئولي العمل الميداني والجماهيري استعدادً لانتخابات النواب    ضبط طن مخللات غير صالحة للاستخدام الآدمي بالقناطر الخيرية    تركيا.. زلزال بقوة 5 درجات يضرب بحر مرمرة    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية مكثفة على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    البلدوزر بخير.. أرقام عمرو زكى بعد شائعة تدهور حالته الصحية    المجلس القومي للمرأة يستكمل حملته الإعلامية "صوتك أمانة"    براتب 290 دينار.. العمل تعلن عن وظائف جديدة في الأردن    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ وحدات "ديارنا" بمدينة أكتوبر الجديدة    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    14 مخالفة مرورية لا يجوز التصالح فيها.. عقوبات رادعة لحماية الأرواح وضبط الشارع المصري    لهجومه على مصر بمجلس الأمن، خبير مياه يلقن وزير خارجية إثيوبيا درسًا قاسيًا ويكشف كذبه    بقيمة 500 مليار دولار.. ثروة إيلون ماسك تضاعفت مرتين ونصف خلال خمس سنوات    برناردو سيلفا: من المحبط أن نخرج من ملعب موناكو بنقطة واحدة فقط    المصري يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي والكوكي يقود من المدرجات    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    ما يعرفوش المستحيل.. 5 أبراج أكثر طموحًا من غيرهم    وزير الري يكشف تداعيات واستعدادات مواجهة فيضان النيل    الكشف على 103 حالة من كبار السن وصرف العلاج بالمجان ضمن مبادرة "لمسة وفاء"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    تفاصيل انطلاق الدورة ال7 من معرض "تراثنا" بمشاركة أكثر من 1000 عارض    استقالة 14 عضوا من مجلس الشيوخ لعزمهم الترشح في البرلمان    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    رئيس الوزراء: ذكرى نصر أكتوبر تأتى فى ظل ظروف استثنائية شديدة التعقيد    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    جامعة بنها تطلق قافلة طبية لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    انهيار سلم منزل وإصابة سيدتين فى أخميم سوهاج    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقط في برلين
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 04 - 2011

اعتدت وجودي معك وحدي، بدونك. اعتدت وجودك الخلوي الرقمي _ المقتحم لأكثر أماكني وأوقاتي خصوصية. أشتاق فقط لتنبيه هاتفي الخلوي الذي لا يتعدي ضوءا أحمر يضوي ويخفت برقة تشبه لمسة يدك علي كتفي في ذلك المساء البرليني. ينبهني لرسالة نصية تأتيني أحيانا في ساعات الصباح الأولي وأنا مستغرقة في النوم_ إلا أن بعض عقلي وبعض قلبي يبدو أنه أيضا موصول بموجات لاسلكية. أفيق من نوم عميق واقرأ في ظلام فراشي أقواساً وعلامات تعجب ونقاطاً متتالية :-!!!..... افسرها أنا كما يحلو لي، أقرأها وأعيد قراءتها. اتخيلك علي الفطور في نيويورك أو في عشاء عمل ممل في سويسرا ولا اتمني أن أكون معك. لا اتطلع إلي أن أدخل عالمك، فدخولي متغير جديد- أريدك أن تكون أنت أيضا بدوني. اضع الهاتف جانبا- وأخلد لنوم مسالم تكون أنت فيه المقصد والرفيق.
عبر الطاولة الطويلة في ذلك البار البرليني المزدحم اختلس النظر إليك بتوتر تخفيه ابتسامات سطحية وأحاديث جانبية عن الطقس والعمل والأبناء. كنت جذوري وأجنحتي في آن واحد تشدني إلي حيث انتمي وتصحبني معك لفضاءات بعيدة. اتذكر تذكرة اللوتري- يشتريها البعض فتمنحه أذنا ليحلم بالسعادة لدقائق إلي أن يشتري أخري في الأسبوع الذي يليه. وهكذا أنت. عذرا للأحلام الجميلة.
مرة أخري في غرفة فندق تشبه غرفاً أخري في برلين ولندن والإسكندرية ولا تشبه أي شيء آخر. تأملت هذا العالم المؤقت. نسبة كبيرة من حالات الانتحار تتم في الفنادق. كل شئ مرتب وبارد وكأنه في انتظار أن تدب فيه حياة أو للتو خرجت منه الحياة - عالم خالٍ من الحدود لأنه محدود، مصمم بعناية لكي يخلق حالة من عدم التواصل. فقط في غرف الفنادق كنت آذن لنفسي أن أتجرد من ملابسي وأتأمل جسدي وكأنه جسد شخص آخر، وكأن هذا الحيز مساحة يمكن لنا فيها أن نكسر التابو. فقط هنا يمكن للحب أن يكون فعلا، فقط هنا يمكن لنا أن نحتفي به كما يليق.
فراش أبيض عال- تسلقته ودفست قدمي بين أغطيته المحكمة- انزويت في ركن منه وتركت أغلبه كأنه محجوز لشخص أخر. كان خاليا من كل شئ، لا رائحة عطر ولا دفء جسد ولا بقايا حب- فقط ملاءات بيضاء ناصعة مشدودة. وضعت وجهي علي المخدة ولامست أنفي حناياها باحثة عن عبق مألوف- عندما أرقد في هذا الوضع أتذكر ميريت آمون- في أخميم رقدت بين المقابر مرتكزة بجبينها علي حجر، ميريت آمون- محبوبة آمونّ انتظرتك هي .... كما انتظرك أنا الآن..
مددت يدي باحثة عن قنينة عطري- وايت لينن، ونثرت بعضه علي المخدة.
في الصباح، بعد الدش الساخن لففت جسدي في المناشف الناعمة البيضاء- انحنيت للأمام لإحكام صدريتي ذات الإطار الحديدي، ارتديت قميصا أبيض مخصراً- وبدلة كحلية وشالاً أحمر داكناً. نزلت في المصعد وتأملت ملامح وجهي في المرآة: "تشبهين نفرتيتي..." اليوم لدي موعد معها. وعدتها منذ ذلك اليوم الذي رأيتها فيه وحيدة ومنزوية أن أزورها كل عام. تصفها الكتيبات السياحية علي "أنها أجمل نساء برلين..." وقفت أمام هذا الجدار الزجاجي الطويل الذي يفصلني عنها ومن خلال المرشد الإلكتروني تخيلتني استمع إليها: "كيف يمكن أن أكون أجمل نساء برلين .. وأين هي برلين من تل العمارنة،وأين أنتم؟." هممت بالحديث :"تل العمارنة لازالت تنتظرك يا نفرت.. هناك رياح تغيير.. وعبير حرية.. وثمة أشياء أخري.. اكتشف المصريون أخيرا أنهم من سلالتك وأنهم أحفادك. هل تصدقين أن بعضا منهم لم يعرف أين استقر بك المطاف؟"- جاءني صوتها متحشرجا علي أثر دموع مختنقة: "ألم يبحثوا عني؟" حاولت أن أجد عذرا.. "لقد كانوا مغيبين..." قاطعتني حارسة المتحف الألمانية وقالت بحزم بأن المتحف سيغلق بعد خمس دقائق وينبغي أن أترك. سالت مني بعض دموع مسحتها بحركة عفوية وشعرت ببرودة أناملي علي وجنتي. ودعتها سريعا كما أودعك، بدون نظرة ولا عناق. وداع من يتحايل علي فراق. وهكذا كانت الحياة بين فراق ولقاء، انتظاراً لحدوثها أو تكراراً سخيفاً لبعض أحداثها.
خرجت لبرلين رمادية ضبابية باردة تلاشت منها الشخوص والمعالم، لا يوجد بها إلا أنت ونفرتيتي. يفصلني عنكما انتما الإثنين جدران زجاجية عالية شفافة مؤلمة- عليها لافتة واضحة مكتوب عليها بكل لغات الأرض: "ممنوع الاقتراب أو اللمس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.