من يتابع الحوار الذي يدور حول هذين المصطلحين، يلحظ كثيرا من الخلط بينهما، والمؤسف أننا نستخدم كثيرا من المصطلحات دون تحديد واضح لمفهومها، ومن ثم تأتي النتيجة وفقا لأهواء المحاور، فيستخلص من مقدماته المغلوطة النتائج التي يسعي للوصول إليها، وقد ازداد الخلط في المرحلة الاخيرة حتي يمكن القول إن المصطلحات دخلت دائرة الضبابية إذ لا مرجعية لها في المعقول، أو المنقول، وهذا ماجعل الحوار حولها أشبه (بالصراخ في البادية) والمصطلح الأول (العلمانية) بفتح العين، نسبة الي العالم، أما الثاني بكسرها، فهو نسبة إلي العلم، والمشابهة الصياغية بينهما، لا تقتضي تشابه المفهوم، ذلك أن (العلمانية) تعني أن العالم هوالمرجعية الوحيدة لهذا المصطلح، فهوالبداية والنهاية، وهو موجد نفسه، ومن ثم فإن فكرة (الله خالق العالم) من الاباطيل الخرافية، معني هذا أن (العلمانية) تسعي لإقامة دنيا بلا دين، وحضارة ومدنية بلا دين، فلا سلطة للدين علي شيء من أمور الحياة العلمية والتعليمية والاخلاقية والثقافية، فالذي يحكم العالم (العقل اللاديني) وهذا العقل، يفسر الكون تفسيرا ماديا خالصا، ويفسر ساكن الكون (الانسان) تفسيرا ماديا أيضا، فهو بطبعه كائن متغير في بيئته وثقافته وحضارته، ثم تفكيره، ومثل هذا الكائن المتغير، لايصلح له النظام الديني بكل ثباته، ومحاولة قهره لتقبل هذا النظام، حكم عليه بالتحجر والجمود، وهما يقودانه الي الفناء. والحق أن هذا الفكر ليس جديدا علي الثقافة العربية، فقد ظهرت قديما فئة تعتنق مثل هذا الفكر، أطلق عليهم (الدهريون) نسبة إلي (الدهر)، وهؤلاء - أيضا - ينكرون فكرة (الخلق الإلهي)، ويقولون إن الكون أوجد نفسه بنفسه، وأنه دائم لم يزل، ولن يزول، وقد ذكرهم القرآن في قوله تعالي: »وقالوا ماهي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومايهلكنا إلا الدهر« (الجاثية42). والملاحظ أن بعض من يتبنون (العلمانية) يسعون إلي إدخال بعض التعديل علي مفهومها، لتكتسب بعض الصلاحية للمجتمع العربي بكل دياناته، فيقولون: إنها (فصل الدولة عن الدين) والصحيح أنها (إلغاء الدين من الدولة) وهذا التعديل قد ساعد علي تداخل مصطلح العلمانية، والعلمانية، وهو الأمر الذي سوف نعرض له في المقال القادم.