حكاية رئيس الدولة علي شاشة السينما، تظهر قمتها كجبل ثلج في المحيط من خلال الأفلام، بينما تكمن الحكاية كلها هناك!.. حيث مبني الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات الفنية .. وهي حكايات تصلح وحدها لنسج أساطير لا حد لها. منك لله يا عبد الناصر عالجتني في الجلد وسبت العصب فلا تمثإلي انتصب ولا اتفك زهران م الحبال هكذا شخّص الخال عبد الرحمن الأبنودي أزمة الشعب المصري مع ديمقراطية بقيت حلما بعيد المنال، وجسد خطيئة ثورة يوليو التي خلعت طبقة الإقطاع وأسست لطبقة السوبر باشوات، ولم تعالج فكرة تأليه الحاكم في مصر، وبقي الرجل عاديا حتي يصبح رئيسا، وبقي الرئيس خطا أحمر في كل مؤسسات الدولة فما بالنا برئيس الدولة (!). وحكاية رئيس الدولة علي شاشة السينما، تظهر قمتها كجبل ثلج في المحيط من خلال الأفلام، بينما تكمن الحكاية كلها هناك!.. حيث مبني الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات الفنية .. وهي حكايات تصلح وحدها لنسج أساطير لا حد لها، ولا أثر لها، سوي الملل وإليأس والإحباط فضلا عن الضحك الذي يشبه البكاء. ومن الصعب تحديد شخصية _ أي رئيس _ في سينما مصرية تعيش تحت وطأة أنواع عديدة من الرقابة، بدءا بالرقابة الرسمية، مرورا برقابة المحتسب، ومؤسسات الرئاسة، وصولا إلي إلي الأزهر، والكنيسة، وغيرها، وبالتإلي لجأت في أغلب الأحيان إلي الترميز هروبا من: المصادرة، والمنع، فضلا عن تشويه السمعة. فالرئيس هو نفسه في بعض الأحيان: رئيس العصابة الذي لا يظهر إلا في نهاية العمل، وهو مدير صحة الأمراض الصدرية، وهو ناظر المدرسة وهو عميد الكلية وهو (الرأس الكبير ) الذي يحرك دراما الفيلم كما ينبغي لها، أو كما لا ينبغي! والواقع أن هذا التصور يضعنا أمام عشرات الأفلام التي تناولت شخصية الرئيس علي الشاشة الكبيرة ولكن بشكل رمزي وهو ما يعني صراحة السينما وليس جرأتها علي المواجهة مع نظام قمعي تم توظيفه لحماية الرئيس _ الإله. الرئيس الشخص والتوابع رئيس الجمهورية السابق كان فيما مضي محبا للسينما، فهو في حقيقته كان شخصا عاديا جدا ينبهر بالأضواء وبالممثلين، ولعله تمني يوما أن يكون ممثلا، إذ ظهر في فيلم "وداع في الفجر" من خلال مشهد واحد فقط، كان الفيلم بطولة كمال الشناوي، والمدهش أنه -وبعد نحو عشرة أعوام من توليه الرئاسة- انتبه القائمون علي الأمور إلي ضرورة حذف المشهد الذي لا يسيء إلي أحد!.. لتكتمل صفات الألوهية وتناسي الشماشرجية في الرقابة التليفزيونية أن رونالد ريجان الرئيس الأمريكي الأسبق كان ممثلا متواضعا (صف ثاني ) في هوليوود لكن الأهم هنا هو دلالة حذف المشهد علي ما يراد للرجل أن يكونه، في ظل مرحلة جديدة بدأت من بداية تسعينيات القرن الماضي وبالتحديد بعد مؤتمر مدريد للسلام الذي اعتبره الكثيرون بيعة جديدة من قبل الولاياتالمتحدة لمبارك. وكان الظهور الثاني لمبارك بصفته وليس بشخصه في "موعد مع الرئيس" 1990 إخراج محمد راضي، وبطولة: فاروق الفيشاوي، وإلهام شاهين، وكمال الشناوي مع مجموعة كبيرة من الممثلين.. بدأ الفيلم ذي الإنتاج الضخم وكأنه ينتقد الأوضاع التي لا يتم إصلاحها إلا بمقابلة الرئيس، لكن رسالة الفيلم الأكثر وضوحا أن الرئيس هو: الفارس، والمصلح، ومفتاح الجنة، وميزان العدل، ويدور الفيلم حول ماجدة عضو مجلس الشعب التي تتبني مشكلة سكان إحدي مناطق دائرتها المهددين بالطرد من مساكنهم ، إذ تتمكن إحدي شركات البناء من الحصول علي تصريح إزالة . وفي جلسة ساخنة لمجلس الشعب تطرح ماجدة المشكلة علي الأعضاء ، يتصادف أن يشاهدها رئيس الجمهورية علي التليفزيون فيحدد لها موعدًا لمقابلته في أسوان ليعرف تفاصيل القضية، تحصل ماجدة علي مستندات تدين عددًا من كبار المسئولين وتورطهم في القضية منهم زميلاها بالمجلس كمال وأحمد ، الذان يحاولان مع أعوانهما سرقة المستندات ومنع ماجدة من الوصول إلي الرئيس. ولعل قصة ظهور فيلم "جواز بقرار جمهوري" وهو فيلم كوميدي للمخرج خالد يوسف وبطولة هاني رمزي وحنان ترك تصلح لأن تكون فيلما كوميديا وحدها حيث تلقت الرقابة سيناريو الفيلم الذي كتبه محسن الجلاد مقتبسا اياه عن فيلم ايطإلي فلم يسعهم إلا تحويل السيناريو إلي لجنة التظلمات ومن ثم رئاسة الجمهورية (!).. ولجأ مخرجه العنيد خالد يوسف إلي الاعلام مؤكدا أن العمل لا يحتوي إساءة للرئيس وفي تصرف عجيب عاد السيناريو من رئاسة الجمهورية إلي الرقابة حاملا الموافقة علي تصويره ورغم ذلك فقد كانت رسالة الفيلم شبيهة _ رغم الفارق الزمني بينه وبين سابقه _ بفيلم "موعد مع الرئيس" اذ يتحدي العريس أسرة عروسة بارسال دعوة لحضور حفل زفافه إلي رئيس الجمهورية، ويتصادف أن يكون الوضع في البلاد بحاجة إلي حضور حفل من هذا النوع فيتم الرد بالموافقة، وهنا تنقلب الحارة الشعبية إلي حي راق وجميل أبعد ما يكون عن قبحه المعروف.. ولكن المدهش أن آلاف الشكاوي تتراكم لدي العريس من قبل أهل الحي في رغبة لوصوله إلي يد الرئيس، في نفس الوقت الذي يحظي العريس نفسه باحترام المسئولين في الحي وأعضاء مجلس الشعب عن الدائرة الكل هنا منافق، أفاق، مهمل، وكذاب، باستثناء الرجل _ المخلص _ إليسوع _ الذي يدعي رئيس الجمهور فهو أمل الجميع. وفي "طباخ الرئيس " نحن أمام دراما منافقة وساذجة لو علم مبدعوها كم تشوه صورة الرئيس الإله _ الساذج الذي لا يدري شيئا عن شعبه الإ من خلال طباخ، لما قدموها ولو فهمها المسئولون ما وافقوا عليها، اذ أن المسئول الذي لا يعرف عن شعبه شيئا لا يستحق البقاء في مقعده، لكن النفاق الساذج حول رئيس متواضع وأب جميل يحب الكشري مثل غيره من أفراد الشعب ولعل ما فعله طلعت زكريا إبان المظاهرات من محاولات لتشويه الثورة بشكل فج ومتجاوز يستكمل صورة الرئيس وطباخه في الفيلم أما الممثلين الذين قدموا دموع التماسيح عبر الشاشات فقد خاب ظنهم حين ضاع الفارق بين البلاتوه والشارع المصري. ورغم عدم ذكر الرئيس في الفيلم يبقي "عمارة يعقوبيان" هو الأكثر جرأة رغم عدم ذكر الرئيس في الفيلم ولكنه أظهر الكثير مما يتردد بين أفراد شعب يتم سحقه إقتصاديا وإجتماعيا بفعل عصابة تبدأ بالصغار وتنتهي بالرجل الكبير الذي يحرك أفراد عصابته من خلف ستار وفي "ظاظا" يعود هاني رمزي للتحرش بمقام الرئاسة ولكنه يقولها بكل صراحة في نهاية الفيلم اذ ليس من المتوقع أن يخرج إلي النور ويجلس علي كرسي رجل من الشعب ولو حدث فلن يتم تأليهه بل سوف يرسل إلي الهه موتا. وبين السينما المصرية التي تراوح مكانها بين اللف والدوران للحصول علي قدر من الاختراق والوصول إلي الجمهور وبين هوليوود الأكثر ذكاء واحترافا للنفاق وصنع الأسطورة فان رئيس الجمهورية في احد الافلام يتورط في جريمة قتل ويتم القبض عليه في النهاية ليتأكد أن العدالة والديمقراطية وأمريكا هي الأقدس من أي شخص حتي ولو كان رئيسا منتخباً _ دون تزوير علني _ وفي الفيلم الشهير _ ايرفورس وان _ يصبح الرئيس بطلا وينقذ الجميع قبله من طائرة خطفها إرهابي دولي وهكذا تلعب السينما الجريئة التي لا يحدها سقف لعبتها في صناعة اسطورة بطل بينما تدرك سينما السقف الواطي أنه لا مساس بالرئيس بينما يتم المساس به من حيث لا يدرون.