في الأيام السابقة كتب العديد من الإسرائيليين عن الثورة المصرية. الأغلبية كالعادة كانت قلقة، من احتمالات عديدة، تأسلم الثورة، ومحاولة نقض اتفاقية السلام، وسيطرة الجيش علي الحكم. والقلائل هم من كانوا يشجعون ويحترمون قدرة الشعب المصري علي التعبير عن رأيه. تسود الآن نبرة احترام مصر، التي لم تعد مجرد فراعنة وآثار ونيل، وإنما حاضر يصنعه الشباب أيضاً. ننقل هنا نص مقالين، الأول للمحلل السياسي جدعون ليفي، والثاني للشاعر روعي تشيكي إراد. كتب جدعون ليفي بصحيفة هاآرتس قائلاً: "في السادسة صباحا بالأمس، قبل الفجر في القاهرة بقليل، وصفت مراسلة الجزيرة الإنجليزية، جاكي رولاند، ما يحدث في احتفالات الشوارع الضخمة من حولها بأنها "هانج أوفر الثورة". تم سحب الكلمات الكبري الآن من المخزن. لا تزال مغطاة بحزمة من المخاوف والتحفظات، ولكن من السهل القول بأن العالم لم يشرق بيوم جديد كهذا علي مصر، باستثناء صبيحة ثورة ضباط جمال عبد الناصر، والي حدثت قبل ما يزيد علي خمسين عاماً. عندئذ تم طرد الملكية، في ليلة سبت تم طرد الطاغية. بين هذا وذاك، اهتزت أرض النيل بين الأفواه الجائعة والأفواه المكممة." "أخبار مصر هي أخبار جيدة ليس فقط لها ولا للعالم العربي، وإنما للعالم بأجمعه، و من ضمنه إسرائيل. لذا، فهذا وقت تدلل الشعب المصري. هذا وقت الأمل بألا ترتبك هذه الثورة الرائعة. تعالوا نضع المخاوف كلها جانباً "الفوضي"، "الإخوان المسلمين"، أو "الحكم العسكري"، ونتيح الآن للفرصة الكبري أن تقول كلمتها. دعونا لا نسمح للهواجس بأن تغزونا. هذا زمن التعطر بالنور الذي اندلع بعد 18 يوماً من الصراع الشعبي والديمقراطي. مصر اليوم من بين جميع الدول أثبتت أنها قادرة. أن هذا ممكن، من الممكن إسقاط الطغيان وبالطرق السلمية حتي. " "تعالوا ننظر إلي نصف الكأس الملآن. عدد غير قليل من المخاوف السابقة قد تبدد الواحد في إثر الآخر. تحطمت الصور النمطية القديمة والسيئة لدي الغرب وإسرائيل بخصوص مصر، باستثناء يوم عنيف واحد، فهذه الثورة لم تكن عنيفة أبداً. لقد أثبت الشعب المصري أنه ليس شعباً عنيفاً في جذوره ولا مسلحاً. القاهرة ليست بغداد، ولا نابلس. من الأخبار الطيبة أيضاً أن الجيش المصري يعرف حدود القوة وأن يده ليست سهلة الوصول للزناد، مثل الجيوش الأخري في محيط مصر. أثبت هذا الجيش حتي الآن _ امسكوا الخشب - الحكمة والصلابة والحساسية." "آلاف المصريين الشباب الذين ظهروا علي شاشات العالم أثبتوا أيضاً أن لمصر وجهاً مختلفاً عن ذلك الذي تعودنا علي التفكير فيه. مصر ليست فقط فولاً وفلافل، ولا أفلاماً مصرية تعرض ليلة السبت ولا بقشيشاً، وإنما أيضاً وعي اجتماعي وسياسي عميق، وحتي بالإنجليزية. أثبتوا أيضاً أنه علي نقيض ما يحكونه لنا نهاراً ومساء، فإن كراهية إسرائيل غير موجودة علي رأس أولوياتهم. وحتي كل النبوءات الغاضبة بأن التغيير الديمقراطي سوف يؤدي إلي صعود الإسلام هي بعيدة عن التحقق الآن. تطلعنا إلي صور الثورة من ميدان التحرير: بدا فيها القليل نسبياً من الصور الدينية. هؤلاء كانوا يصلون في هدوء، ومن حولهم حزام كبير من المتظاهرين العلمانيين. حتي المرأة المصرية قالت كلمتها: في الميدان ظهر عدد غير قليل من النساء، حتي إن كن مازلن إلي الآن أقلية. مصر هي ليست تلك التي فكرنا فيها." "أجابت أغلبية العالم بشكل ملائم علي ما حدث. خطاب باراك أوباما، أعطي العالم، علي غير العادة، روحا شجاعة وذات معني لمحاربي الحرية في ميدان التحرير. وهؤلاء سوف يذكرون هذا للدنيا، وربما يشرق فجر جديد علي علاقات الولاياتالمتحدة بالعالم العربي، كما وعد أوباما في "خطاب القاهرة". وماذا عن إسرائيل؟ هي تتصرف مثل عادتها. رئيس الوزراء فرض الخرس علي وزرائه، ولكنه لم يضيع فرصة لإضاعة الفرص: مرة وجه لمصر كلاماً بنبرة عدوانية وسيادية، كي لا نقول تهديدية، حتي تحرص علي حفظ اتفاق السلام، ومرة أخري حذر من تحول مصر إلي إيران. سوف يتذكرون هذا في التحرير. وإن لم يكن الوقت متأخرا جداً: فعلي إسرائيل الرسمية الآن الانضمام للغرب وإرسال كلمة طيبة وشجاعة من القدس إلي القاهرة. وإن لم تفعل إسرائيل الرسمية هذا، فعلي الأقل نقولها نحن الصغار من هنا: مبروك يا مصر." كان هذا نص مقال ليفي، أما الشاعر روعي تشيكي إراد فقد كتب في مدونته الشخصية تحية إلي الشعب المصري. قال فيها: إلي الشعب المصري. "أردت القول أنكم ملأتم بالفخر جميع المواطنين الباحثين عن الحرية في العالم ، بسلوككم المذهل، شجاعتكم، وباستمراركم في صراع غير عنيف أمام نيران الشرطة، وبعدم هروبكم عندما قاموا بتهديدكم. رداً علي بطولتكم التي أبديتموها أقول: أنا فخور بانتمائي إلي الشرق الأوسط، فخور كإسرائيلي بعيشي إلي جانب جيران مثلكم، اليوم كلنا مصريون." "نضالكم يمثل إلهاماً لكل المحاربين من أجل حريتهم. بوصفي يهودياً، ذكرتني بطولتكم بالقصة التوراتية حول محاربة الفرعون. يقولون لنا أن الرب قد قسّي قلب فرعون أمام موسي، ولم يستسلم إلا في النهاية. هذا حدث أيضاً مع مبارك. كانت هذه ثورة للعبيد أمام الطاغية الذي مرر حياتهم." "علي طول أيام الثورة، منذ بدايتها، كتبتُ مقالات كثيرة في صحيفة هاآرتس عن شجاعتكم. حكيت كيف بكيت عندما رأيت حوار وائل غنيم في قناة دريم تي في. من حولي، كان هناك الكثير من الأشخاص الخائفين. ليس هناك ما هو أسهل من أن تخيف شخصاً، وليس هناك أبسط من أن تخاف. في إسرائيل، مثلما في مصر، هناك الكثير من الناس الذين يحاولون تسميم وتخويف جماهير لا تريد إلا العيش وكسب الرزق والاستمتاع، حتي يسهل عليهم التحكم بهم. صحيح أن الحكومة الإسرائيلية شعرت بالتعاطف مع مبارك بالتحديد، ولكن كثيرين في إسرائيل كانوا طول اليوم أمام الإعلام والتويتر يصلون داعين لسلامة المتظاهرين. كنت مشاركا ً في مظاهرات الدعم المصرية في ميدان ماجين دافيد الذي حولناه في أحد الأيام إلي ميدان التحرير، قرأت قصيدة علي نمط الهايكو كتبتها ساعتها عن الفقر في مصر: "علي قدر ما تلمع الأحذية في فتارين طلعت حرب/ علي قدر ما يسير مصريون أكثر حفاة". كان مؤثراً أن تقرأ أسماء إغبارية، وهي نشطة اجتماعية مرتبطة باتحاد عمال "مَعَن"، ونافست في الانتخابات للوصول إلي البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، وإلي رئاسة بلدية تل أبيب، قرأت في الميجافون قصائد للشاعر الشجاع أحمد فؤاد نجم بالعربية، علي مسمع من أناس جاءوا للتسوق في السوق. لديكم أناس تعرضوا لخطر الحبس والموت، ولدينا فرضت الشرطة علينا غرامة 150 شيكلاً." "أعرف أن إسرائيل قد ملأتكم بالإحباط في أحيان كثيرة، وسوف تملأكم بالإحباط في المستقبل القريب. سيحدث هذا طالما هناك احتلال إسرائيلي، وطالما أن إسرائيل لا تري ما حولها إلا عبر نظارات الجنرالات السوداء. ولكن لتعلموا كيف لمستم قلوب أناس كثيرين هنا، وكسرتم حجراً من الجدار. وأنا واثق أنه مثلما أن سلطة مبارك قد سقطت بعد ثلاثين عاماً، فسوف تسقط أيضاً جدران الكراهية والخوف بين الشعوب الإسرائيلية، الفلسطينية، وشعوب الدول المجاورة، وسوف نستطيع عقد أيدينا لبناء شرق أوسط بدون استغلال ولا خوف ولا حروب." "أعتقد أن الأمر المهم هو أنكم علمت العالم وعلمتموني التمسك بالتفاؤل، حتي عندما توجد سحب سوداء، فإن الخير يمكنه الانتصار، وليس لدينا خيار إلا الانتصار. مبروك يا مصر."