من اجواء الحريق حريق الكرمل لم يكن مجرد حريق، ولم يكن مجرد فقط "أكبر حريق" في تاريخ دولة إسرائيل، لقد كان مناسبة لعرض صورة حقيقية للمجتمع الإسرائيلي من الداخل، تلك الصور التي لا تنقلها الصحافة الإسرائيلية ولا العربية عامة، ولا الصور التي تنقلها نشاطات الأدباء والفنانين من اليمين واليسار. قام الشاعر روعي "تشيكي" إراد مؤخراً بجولة صحفية في قرية عسافيا ودالية الكرمل، تلك التي اندلع منها الحريق، أجري حوارات مع سكان القرية، التي تقطنها أغلبية درزية. واستطلع آراء رجل الشارع في إسرائيل، من عرب دروز وعرب غير دروز ويهود. تم نشر تحقيقه هذا في صحيفة هاآرتس، برغم طرافته، وبرغم الخطوط الحمراء التي لاتسمح هذه الجريدة بتجاوزها. في البداية أكد إراد أن الإعلام قد بالغ في الصورة، بسبب المنافسة الصعبة بين القنوات التليفزيونية، والتي تسعي كل منها لسبق صحفي، حتي إن لم يكن صحيحاً: "الكثير من التقارير التي ترونها في التليفزيون ليست ذات مصداقية، وهي تخلق حالة من الجزع. وعلي نقيص الهستريا، ففي كل مكان رأيته كان ثمة أشخاص يضحكون ويتعانقون ويأكلون الفطائر بهدوء". ولكن هذا لم يكن هو كل شيء. كان هناك جنون عنصري من الدولة والأفراد ضد العرب والدروز. الاتهام الأكثر جنوناً الذي قدمته الدولة كان تدخين الأرجيلة، والتي بسببها اشتعل جبل الكرمل. سمير أبو فارس، وهو مدير وحدة البيئة في قرية دالية الكرمل وعسافيا، قال للصحفي: "لقد قبضوا علي طفلين يبلغان 16 عاماً، وسيطلقون سراحهما في النهاية. لم يكونا هنا في وقت الحريق. ولكن تعال نفترض أنهما قد دخنا الأرجيلة. إذن عليك أن تشرح لي كيف أن الدولة لا تكون مستعدة في ربع ساعة للوصول وإطفاء النار وتلقي بالاتهامات علي طفلين. كان علي رئيس الوزراء في دولة متقدمة أن يقدم استقالته. أشعر أن الجميع يريدون التحلل من الذنب عن طريق الأطفال." أمين مجلس عسافيا، اللواء أبو فارس، قال له إن الأمر استغرق ساعتين حتي تصل عربة الإطفاء الأولي, ولو كانت قد وصلت بسرعة أكثر: "لم نكل نصل لهذه الحالة. لماذا يتهمون أهالي عسافيا؟ قالوا إن هناك من دخن الأرجيلة، وحرق مقالب القمامة، وإن شخصاً من عسافيا أشعل النار في أغراضه. هل لديهم إثباتات علي صحة هذا فعلا؟ لماذا يقولون الترهات قبل أن يدرسوها. ألا يكفي أننا خائفون وخرجنا خارج بيوتنا، حتي تأتي الشرطة وتتهمنا. هذا محبط". ولكن الموضوع مهم أيضاً بسبب علاقة أخري معقدة، هي علاقة بعض الدروز بدولة إسرائيل. الكثير من الدروز كانوا يخدمون في الجيش الإسرائيلي، برغم كونهم عرباً، ودوماً ما شعروا بنفسهم جزءاً من دولة إسرائيل، وهو الشعور الذي لم يكن متبادلاً علي أي حال، فهذا لم يحمهم من الاتهامات الإسرائيلية العنصرية ضدهم. يضيف أبو فارس: "لقد درست في الجامعة بالماجستير والدكتوراة دراسات عن أرض إسرائيل، وكتبت عن العلاقة الدرزية اليهودية. لا يعلم الناس أنه في الثلاثينيات بدأ الحلف اليهودي الدرزي في عسافيا، بينما كان جميع العرب متحدين ضد اليهود والبريطانيين، فإن الدروز في عسافيا قد ساروا عكس التيار. ولكن ثمة عنصرية في كل مكان. اذهب للمدافن العسكرية هنا. ثمة هنا نُصُب عسكرية منذ عام 1938 لدروز خدموا مع الهاجاناه كتفاً بكتف. ثم أجدني أقرأ في التعليقات علي الإنترنت هذا، أقرأ واشتعل في داخلي.": يسأل إراد زوجة أبو فارس: "الكثير من الأشخاص الذين تحدثت معهم يتهمون العرب، وبعضهم يتهم الدروز كذلك". فترد: "من يتهم العرب يتهمنا. نحن عرب أيضاً." أما رئيس المجلس، راجي كيوف، فلقد سخر من الاتهامات ضد الدروز وقال: "يقال أنه كانت هنا عائلة تأكل في المزابل. ألم يجدوا أي مكان في جبل الكرمل للأكل فيه إلا المزابل." في يوم تال يحاور الصحفي درزيين اثنين، من دالية الكرمل ومن عسافيا، أحدهما اسمه آيال، والآخر اسمه باروخ. يسألهما عن سبب هذين الاسمين اليهوديين، بينهما هما درزيان، فيقول أيال: "من قال لك أن الأسماء اليهودية لا يسمي بها إلا اليهود؟" هذه التفصيلة ستتضح أهميتهما في حوار آخر يقوم به الصحفي مع ثلاثة مصورين دروز بالتليفزيون، ماجد وكمال أبو سعدة وصالح دكسه. - سمعت بالأمس دعوات عنصرية ضد الدروز والعرب، هم متهمون بإشعال الحريق. - يمكنني القول لك بالتأكيد وبشكل واضح إن الحريق لم يندلع من هنا. وإذا كان قد اندلع من هنا، فليتم الحكم بالموت علي من أشعله. كامل: سنواصل إعطاء هذه الدولة روحنا، وليقولوا ما يقولون. يؤسفني أن يتهم الناس الدروز. لقد فتحت جهاز الكمبيوتر وقرأت التعليقات علي الإنترنت. يؤلمني أنه في الوقت الذي تحترق فيه بيوتنا، فإننا نسمع اتهامات كتلك". يوجه الصحفي سؤالاً لكمال: "هل تسير بقبعة اللجنة المدافعة عن الجنود بنفس الفخر كما كنت تفعل سابقاً؟" - لا يهمني من يتحدثون ضدنا. أخي ضابط في المخابرات. وأنا أشجعه علي الانضمام للجيش". ماجد: "أنا مضطر للقول أنه بعد الحريق، فإن ثقتي في الدولة لم تعد هي نفسها". ويوجه الصحفي سؤالاً آخر: "تحدثت بالأمس مع دروز بدلوا أسماءهم بأسماء عبرية مثل باروخ وأيال. هل الناس خائفون من الاعتراف بأنهم دروز اليوم؟" ماجد: "يحزنني أن الناس يخجلون من قوميتهم. هذا مؤلم". عندما يحكي له الصحفي عن الاقتراح المقدم بإقامة جدار (ذي صبغة عنصرية) بين حيفا وبين عسافيا ودالية الكرمل، يثور الثلاثة: "ليقيموا جداراً. لماذا يأتوننا كل سبت هنا؟ يجب تذكر أنه في أوتوبيس السجانين كان هناك خمسة دروز." وذلك في الإشارة إلي الأوتوبيس الذي سقطت عليه شجرة محترقة فقتلت جميع ركابه، ومنهم السجانون الدروز. يذهب الصحفي لكافيه كافهانتو، وهو أحد الأماكن القليلة التي تكتظ بالناس نهاراً. سائر الكافيهات خاوية. الجميع في بيوتهم يشاهدون التليفزيون. بينما يتحدث الناس في الكافيه عن الحريق. يضيف الصحفي: "لقد أخرج الحريق العنصرية من الجميع، إن كانت ضد العرب والدروز، وإن كانت ضد الحريديم (اليهود المتدينين), لأن وزير الداخلية إيلي يشاي، وهو منهم، يدعم طائفته ولا يقدم الدعم الكافي لقوات المطافئ." تقول واحدة في الكافيه: "الحريق مؤامرة. لم يكن صدفة ما حدث. إنه حريق متعمد. نحن واثقون." - من أشعله؟ "أنت تعرف. أنت من صحيفة هاآرتس. أنت وحدك تفهم. يبدو لي أنه من المفيد ألا نتحدث." الشابة 2: "قوموا بتوجيه الاتهام لإيلي يشاي. قولوا أن يجب أن يستقيل بأسرع ما يمكن". - لماذا يشاي وحده. وزارة الخزانة أيضا لم تدعم قوات المطافئ؟ - لكل وزير ثمة مسئولياته. ولكن شاباً يرتدي نظارة لا يستطيع كبح جماح نفسه. يقول: "أنا أصبحت معادياً لهذه الدولة. إنهم يتحدثون كثيراً ولا يفعلون شيئا. يعطون المال للحريديم، للزبالين، وليس لطائرات الإطفاء. إيلي يشاي أراد الخروج من الحكومة بسبب تخفيض ميزانيته، ولكن أن يتم رفض الدعم المقدم لرجال المطافئ، فهذا شيء جيد من وجهة نظره. لو أننا في دولة طبيعية كان عليه أن يستقيل. إنها دولة الواق واق. من العبثي أن يضطر الفلسطينيون لمساعدتنا. من العبث أن تصلنا طائرات إطفاء من جنين". يقول آخر: "نحن دولة من العالم الثالث، وتعتقد أنها دولة غربية." ويشكو من شيء آخر، يضفي حس الفكاهة علي القصة كلها، فأبواه اللذان يسكنان في دانيا، قررا الإقامة عنده في البيت بسبب الحريق: "كان هذا صادماً. هذه المرة الثانية التي ينامان فيها عندي. المرة الأول كانت في الحريق الكبير عام 1998. لقد جاءا ومعهما كلاب، وكلبتهم تبولت علي وسادتي." رجل من أصل روماني يتحدث عن الشخص الذي يفترض أنه المتسبب في الحريق: "لو كنا في رومانيا كانوا سيقبضون عليه، ويشنقونه. ولكن من المهم أن نقدم الاحترام للأتراك الذين أرسلوا طواقم مساعدة هنا". أما المساعدة التي قدمها الفلسطينيون لهم فهو يصفها بكلمة واحدة: "هذه دعارة"، ويضيف: "لا تعرف، إذا جاء هنا فلسطيني لتقديم المساعدة، فهو لا يصور. هل تعلم أية آلة يأتي بها معه؟ أقول دائما لأطفالي: "أنتم محاطون بالكراهية. حافظوا علي أرضكم." يقف أمام الصحفي اثنان يصفان نفسهما ب"المتحدثين باسم حي دانيا". يقولان للصحفي أن شابين عربيين من دالية الكرمل تم القبض عليهما بتهمة إشعال الحريق، فيرد عليهما بأنه قد ثبت عدم تورطهما فيجيبان بإحباط الطفل الذي أُخذت منه لعبته: "طيب. ولكننا نوافق علي أن من أشعل الحريق هم عرب". ويضيفان: "بالتأكيد كان ثمة هدف هنا. لا يمكن أن تحدث نار في كل هذه المراكز. علي الحكومة أن تجد المتهمين وأن تقوم بإعدامهم... لقد دمروا طبيعتنا".