تعامل الكاتب اليمني أحمد زين في روايته الجديدة"حرب تحت الجلد"الصادرة مؤخراً عن دار الآداب مع التاريخ اليمني الحديث علي أنه كتاب مفتوح، يمكنه الرجوع إليه متي شاء، أو تركه للتحديق في الواقع الراهن متي أراد، لكنه لم يتوقف أمام أي من التاريخ أو الواقع لا بالتحليل ولا بتفسير ما الذي أدي بأمر الوحدة بين شطري اليمن إلي هذه الهشاشة وذلك المستقبل الغامض، ربما لاعتماده علي تقنيات غير معنية في مقامها الأول بشأن التحليل والتفسير بقدر اعتنائها برصد ما كان وما هو كائن بالفعل، فضلاً عن تشتت السرد بين حيل هذه التقنيات المتعددة وشخوصها الذين لا يمكننا القول أنهم أبطال العمل الروائي بقدر كونهم خيالات منبثقة من ذهن الكاتب، هذا الذهن الراغب في رصد الكثير من الأفكار المتضاربة والمتعارضة عبر توثيق حي لنماذجها أو ممثليها في الواقع، انطلاقاً من أن المواطن اليمني يعيش تحت سطوة الإعلام صاحب المصالح الخفية والمقولات التي تخدم أصحاب المصالح، ومن ثم فما تقوله المعارضة يمثل نوعاً من تزييف الواقع المماثل لذلك التزييف الذي تقدمه صحف الحزب الحاكم، والمحصلة أن كل ما هو معلن غير معبر عن الواقع، ذلك الذي يحتاج تحقيقاً يتمتع بدرجة من التوثيق والعلمية للكشف عن مدي مأساويته. ربما كانت فكرة التحقيق هي المدخل السردي الأول للرواية، لكننا سرعان ما نجد أنفسنا أيضاً أمام رواية يكتبها "قيس" الصحفي بجريدة قومية والمكلف من الجريدة الغربية أيضاً بعمل التحقيق، وسرعان ما يتضمن نص "حرب تحت الجلد" ما يمكننا القول أنه سيناريو فيلم تسجيلي عن المهمشين واستخدامهم في الأعمال الخدمية، وإبراز ما يشاع عن حياتهم الجنسية التي تتمتع بدرجة من الابتذال تصل إلي حد زني المحارم، وهو ما ألمح إليه زين في بعض تفاصيل الرواية، وفي الإطار الكلي للنص البالغ مائة وتسعين صفحة من القطع المتوسط تتشابك خيوط التقنيات الثلاث مع الشخوص الذين يلتقيهم قيس ليتعرف من خلالهم علي هؤلاء الذين لا يعرفون أين تدفن موتاهم، رغم وجود تلك المقبرة التي تعج بآلاف الجثث، ويختلط فيها مشيعو كل جثة بمعزيي غيرها، وهو تعبير غامض استخدمه زين للتعبير عن أن حياة المهمشين وموتهم الذي لا يهم أحدا، لكنه لم يكن بهذا الوضوح الذي نتحدث عنه. ترتكز"حرب تحت الجلد" علي جانبين أولهما الدخول إلي عالم الطبقة الدنيا في المجتمع اليمني والتعرف علي أفكاره وأحلامه وواقعه، وينتهي هذا الاتجاه بأن المجتمع ككل أصبح خارج اهتمام الطبقة الحاكمة، ولم يعد أمر التهميش والتجاهل حكراً فقط الطبقة الدنيا، أما الجانب الآخر فيقوم علي فضح زيف المتلاعبين بالعقول أو ما يمك الحزب الحاكم، ومهمتهم إبراز الوضع القائم علي أنه الفردوس، مهولين من مخاطر الإقدام علي تغييره، ومتهمين المعارضة بالعمالة للخارج والرغبة في تدمير وحدة البلاد وأمنها، أما القسم الثاني فهم كتاب المعارضة الذين يصورون الوضع القائم علي أنه الجحيم، ولا بد من تحين الفرصة لتغييره، داعين الجنوبيين إلي التحرر من احتلال الشمال، وكل من أصحاب الاتجاهين يقدم صورة مبالغا فيها، سواء بنفاق السلطة ومديح صنائعها أو بالهجوم عليها وإبراز مفاسدها وأخطائها، مما جعل اليمن ككل في حالة"حرب تحت الجلد"، لكنها قد تعلن عن نفسها في أي وقت كطفح جلدي مباغت، ومن ثم فحاضر ومستقبل الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه هو حجر الزاوية الذي تدور حوله رحي الحرب، سواء بين الحكومة والمعارضة أو بين الوطنيين الذين خاضوا حروباً طويلة من أجل انقاذ هذا البلد من السماسرة الراغبين في تجهيز المائدة كما يراها سادتهم، سواء السلطة في الداخل أو الغرب في الخارج.
تتباين شخوص زين ما بين طلال المصور الذي رغب في تقديم الواقع دون تزييف أو تجميل أو تعليق، وشاهر الذي أنشأ جريدة مستقلة نشر فيها بعضاً من صور طلال، فكانت النتيجة إغلاق الجريدة ومحاكمتهما وتعذيبهما، ويأتي في سياق التحقيق الصحفي الذي يجريه قيس حضور"شمال"عاشق السينما الذي اختفي دون تحديد لمصيره، والسيدة الأجنبية التي كلفت قيس بعمل التحقيق عن الأوضاع الاقتصادية للمهمشين، و"زهراء"التي مثلت الطبقة الدنيا في فيلم تسجيلي عن المهمشين، ورجل عسكري متقاعد شهد أيام الثورة علي الإمام والوحدة مع الجنوب لكنه الآن خارج عن دائرة الاهتمام، دون أن نعلم إن كان ذلك باختياره أم رغماً عنه، و"عليا"التي أحبت شاهر وعملت معه في جريدته المستقلة لكنها مع إغلاق الجريدة غيرت قبلتها تجاه"قيس"المقرب من رئيس تحرير الجريدة القومية، كانت هذه أدوات زين لكشف الواقع اليمني المتخبط. لا شك أن زين قدم رواية مهمة، سرد من خلالها تفاصيل معاناة اليمن إبان حروبه المتوالية، وكأنه كتب عليه الخروج من إحداها للدخول في التي تليها، بدءاً من حرب التحرير وليس انتهاء بتلك الوحدة التي باتت علي صفيح ساخن، رواية مليئة بالتفاصيل، وربما الهذيانات والخيالات التي يتشابك فيها الواقعي مع التاريخي، ويزيد من صعوبتها رغبة الكاتب في تضفير أكثر من تقنية وأكثر من شاهد عيان، مع غياب فكرة الحدث العام وتناميه، مما يجعل القارئ في حاجة إلي مزيد من التدقيق كي لا تلتبس عليه الأفكار والخيوط المتشابكة، ولا يفقد الصبر في التعامل مع نص يجنح إلي أجواء رواية اللا رواية. ن تسميتهم بصنّاع الرأي العام، وهؤلاء ينقسمون إلي قسمين الأول كتاب الجرائد القومية الذين يمثلون لسان حال