مما لاشك أن الأستاذ طارق الطاهر عندما فتح ملف الثقافة في أسيوط ، أصاب الحقيقة التي لا يريد أحد أن يتحدث فيها أو عنها .وقد تناول جانبا منها ، أما الجانب الآخر فقد تناوله التحقيق المنشور في أخبار الأدب الأسبوع الماضي الذي أجراه الأستاذ أسامة فاروق، بعنوان "ثقافة أسيوط في مأزق". ما ذكره السادة الأدباء ياسر النجدي ومحمود فرغلي وأحمد عبد المتجلي وزكريا عبد الغني وعبد الراضي أبو دوح ومصطفي البلكي وحمدي سعيد صحيح تماما .. غير أن هناك جانباً آخر غفل عنه السادة الأدباء ، وربما لم يحاول أحد منهم أن يضغط علي مكان الألم ، لأدبهم المفرط أو حيائهم من ذكر العيوب ، وهي عادة صعيدية متأصلة . فقد غفلوا عن ذكر مشكلة إدارة العمل الثقافي ، ومشكلة التناحر الوظيفي ، وعدم تقدير المسئولين الكبار لقيمة العمل الثقافي الذي يقومون به، وتركيزهم علي الضجيج الإعلامي ، والذي كان ولا يزال المبدأ السائد لسياسة الوزارة التي دعمها الوزير فاروق حسني علي مدي ثلاثة وعشرين عاما ، والتي استقرت لتصبح منهجا ثابتا في سياسة الوزارة كلها . وليكن كلامنا علي الهيئة التي تتولي الشأن الثقافي في الصعيد ، وأسيوط علي وجه الخصوص ، وهي الهيئة العامة لقصور الثقافة ، فهي تنفق علي ليالي رمضان العشر عشرين ضعفا علي ما ينفق علي النشر في أسيوط ، وعشرة أضعاف ما ينفق علي النشر في الصعيد كله ، وبالرغم من أن أسيوط بها أكبر عدد من الشعراء والكتاب والمسرحيين فإن ميزانية نوادي الأدب تتساوي مع أفقر نادي أدب بالأدباء في محافظة أخري . يعود تراجع الثقافة في أسيوط في الأساس إلي وقوع نوع من سوء التفاهم بين محافظ الإقليم وقيادة الثقافة، ووجود قطيعة غير مبررة بين المحافظ والمثقفين، ساهم كل هذا الي حد بعيد في وجود هذا القصور والتردي الثقافي ، وهو ما دفع ثمنه الأدباء غالياً، فقد تم حرمان نوادي الأدب من ميزانية استضافة الأدباء من خارج المحافظة نتيجة لسوء التفاهم. وربما يري بعض المسئولين أن تلك الميزانية لا فائدة منها ، ولكن الواقع يقول إن تلك الميزانية تعد المحرك الثقافي لكل أنشطة الثقافة ، فلا يعقل أن تنشأ حركة ثقافية بدون استضافة كبار الكتاب والنقاد والشعراء والصحفيين ، وهو ما يثري العمل الثقافي ويفتح قنوات اتصال بين المثقفين في أسيوط والحركة الثقافية في جميع أنحاء الجمهورية ، ويخلق نوعا من التواصل الإبداعي ، وتبادل الخبرات وتنوع الإبداعات ، ولا يمكن لأي محافظة أن تنهض ثقافيا دون تواصل مع جيرانها او المحافظة الأم وهي القاهرة مركز الإشعاع الثقافي دوما . كما أن هناك نوعاً من الصراع المهني بين مسئولي الثقافة أنفسهم ، كان من نتيجته أن رئيس الفرع الثقافي السابق كان يرفض مقابلة رئيس الإقليم ، ورئيس الإقليم يندد بمدير الفرع ، والواقع أن رئيس الفرع السابق كان متفهما للعمل الثقافي ، وقد حاولنا من جانبنا كمثقفين أن نتدخل في هذا الأمر لرأب الصدع بين القيادتين ، وكدنا أن ننجح في إزالة أسباب التفاهم ، إلا أن صدر حكم المحكمة التأديبية في فاجعة الثقافة المروعة في بني سويف ، وعصف الحكم بالمستقبل الوظيفي لمدير الفرع . وأبعد الرجل عن وظيفته ، وظل الفرع الثقافي بدون مدير فعلي حتي الشهور الماضية ، وعندما جاء المدير الجديد كانت مقرات الثقافة التي سيعمل بها مشتتة في انتظار التجديد ، وهو ما جعل الرجل ينتظر حتي يجد لنفسه مقراً يزاول نشاطه منه . ثمة أمر آخر أسهم في تردي الثقافة ، وهو العلاقة بين المثقفين وموظفي قصور الثقافة ، وهي علاقة ملتبسة ، فتردي الأوضاع المالية للموظفين في قصور الثقافة ، ونظرتهم الي قياداتهم بأنهم لا يعدلون بينهم فيما يتعلق بالحوافز ، وقلة حظهم من المكافآت التي تغدقها الوزارة علي كبار موظفيها ، كل هذا جعل بعض الموظفين ينظرون بنوع من الحقد الي الأدباء إننا نتمني نحن مثقفي أسيوط تدخل السيدة سوزان مبارك ، والسيد فاروق حسني وزير الثقافة ، والدكتور أحمد مجاهد ، لإنقاذ الثقافة من براثن الانحطاط والتردي ، وأنا واثق من أن تدخلهم ، سيعيد للثقافة في أسيوط الي سابق توهجها وتألقها .