منذ سنوات قليلة دعت مكتبة الإسكندرية عشرات المثقفين العرب من أجل صياغة "وثيقة الإصلاح"، اجتمع المثقفون وتناقشوا طويلا وخرجوا بالوثيقة التي تمت طباعة آلاف النسخ منها، وتوزيعها علي الإعلاميين والكتّاب والسفارات الأجنبية، والمراكز الثقافية.. وغيرها من مؤسسات. كان الاجتماع أشبه بمحاولة "إبراء ذمة" أكثر منه رغبة حقيقية في الفعل، أو علي الأقل "رسالة مُوجّهة" إلي من يهمّهم الأمر في الخارج. وهكذا صدرت الوثيقة وهي لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به! هل يمكن أن يتحول "مؤتمر المثقفين" الذي سيعقد في يناير القادم إلي مؤتمر دعائي أيضا.. وتصبح توصياته مجرد "حبر علي ورق" كما حدث في مؤتمرات عديدة سابقة؟ لم يكن مُخططا إقامة هذا الاجتماع، بدأ كأنه "رد فعل" علي توقيع 100 مثقف علي بيان يطالبون فيه بإقالة الوزير في أعقاب سرقة لوحة "زهرة الخشخاش"، كان لابد أن يكون هناك رد. 500 مثقف من أعضاء اللجان في مواجهة "100" يطالبون بالإقالة ..هكذا بدا الأمر خاصة أنه كان يمكن اختصار الاجتماع بأن يرسل أعضاء كل لجنة مطالبهم .. إلي "اللجنة التحضيرية".. أو "أمانة المجلس" ولكن لا بد من الحشد. ولكن إذا تم اعتبار الاجتماع بمثابة "بروفة" أولي لمؤتمر المثقفين، فمن الأفضل ألا يتم عقده من الأساس لأن الاجتماع بدا و كأنه "مكلمة" اهتمّت بالتنظر بعيدا عن اقتراح خطوات تنفيذية، بل بدا أن معظم المشاركين لا يعرفون الغرض من المؤتمر ولا الهدف منه. كان هناك خلط واضح بين مؤتمر ينبغي أن يخرج بخطوات عملية يمكن تنفيذها وبين "مشروع قومي" يحتاج إلي زعيم مثل محمد علي أو جمال عبد الناصر كما أشار صلاح عيسي. كما أن مداخلات المثقفين الذين حضروا الاجتماع عبّروا فيها عن مطالب "مشتتة" ، مطالب تحتاج إلي سنوات من التنفيذ، بل وفوق طاقة وقدرة "وزارات" ثقافة لا وزارة واحدة، بل وتحتاج إلي "سوبر مان" للتنفيذ!
الاجتماع تشاوري حسب تعبير الدكتور عماد أبو غازي، يحاول أن "يضع خطة استراتيجية لمدة 5 سنوات للثقافة المصرية" كما قال حسام نصار . أما سيد يس فيري أن "فكرة المؤتمر تأتي في لحظة تاريخية فارقة في المجتمع العالمي".. "حيث الانتقال من المجتمع المعرفي إلي الفضاء المعلوماتي" ، ومع "ظهور قيم جديدة في العالم حيث الانتقال من القيم المادية إلي القيم اللامادية".." لذا يجب أن يركز رسم خريطة معرفية للتحولات الاجتماعية والثقافية، خاصة مع انتشار الفضاء المعلوماتي وعدم قدرة الحكومة علي السيطرة علي هذا الفضاء، ولا فرض قيود عليه". الدكتور حازم حسني انتقد اختيار كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر عنوانا للمؤتمر" الكتاب صدر في أعقاب معاهدة 36 ومع اعتلاء ملك جديدة عرش مصر.. فهل نناقش مستقبل الأشياء في بدايات العهود لا في نهاياتها أم أننا أمام بداية متجددة لعهد لا ينتهي؟" حازم حسني أضاف: "الحالمون يلجأون إلي رسم سياسات جديدة بينما يلجأ الحكماء إلي وضع اللمسات الأخيرة في المستقبل .ونحن لا ننظر إلي المستقبل بل ينبغي أن "نرمم" الحاضر.. ويمكن أن يكون المؤتمر محاولة للإجابة عن السؤال: "أين كنا؟ أين أصبحنا وكيف؟". الدكتور أحمد أبو زيد سأل: "إذا كنّا نحن صنّاع الثقافة فأين مستهلكو الثقافة من المشروع؟" الدكتور هيثم الحاج علي أكد علي ضرورة أن تصدر توصيات قابلة للتنفيذ علي أرض الواقع..وطالب بتمويل "التجمعات الثقافية المستقلة بدون أن يؤثر ذلك علي استقلاليتها". سمير الفيل اقترح رسم "خريطة ثقافية لمصر" والاهتمام "بقضايا العمل الثقافي في أقاليم مصر"، محمد نور فرحات اقترح إضافة "حقوق الملكية الفكرية" للمناقشات . صبحي عطية اقترح "استيعاب" شباب الفيسبوك والتويتر داخل وزارة الثقافة حتي يصبحوا "أداة" مساعدة تعبّر عن الواقع! المخرج سيد سعيد تحدث عن ضرورة وجود "مشروع ثقافي قومي نهضوي" ولكن يجب أن "يلقي ترحيبا عاما من كل المجتمع حتي يسهل تنفيذه. حسام عطا تحدث عن "ضرورة الحفاظ علي الهوية الوطنية كمكوّن أساسي في الثقافة المصرية". أحمد درويش رأي أنه لا بد من المصارحة والاعتراف بأن "كل شيء ليس تماما ودعا إلي ضرورة التنسيق مع الإعلام". صلاح عيسي تحدث عن أن المؤتمر "لهيئات العمل الأهلي والشعبي والحكومي لمناقشة مجموعة مشكلات عملية وليس لصياغة مشروع قومي يحتاج إلي جمال عبد الناصر ومحمد علي". وأضاف عيسي أن المشكلات الثقافية ليس لها أول ولا آخر، لذا يجب أن يتم تحديد هذه المشكلات، ومناقشتها بشكل معمّق في هذا المؤتمر، والبحث في كل ما يتعلق بالثقافة وأزمتها في مصر، وطرح مجموعة من المقترحات والبدائل، ليتم دراستها، مضيفا أن الدولة أصبحت رأسمالية في كل شيء، فيما عدا الثقافة التي ما يزال وضعها غير واضح تماما، فهل ستترك الدولة العمل الثقافي أم ستظل متمسكة بحقها في إدارته؟ عيسي أشار إلي أن ما يُطرح الآن مجرد مجموعة قضايا نظرية لا علاقة لها بالمؤتمر، لذا ينبغي أن نطرح مجموعة مشاكل عملية ثم نقدم بدائل لها ثم نتابع التنفيذ" وقدم عيسي مثالين أحدهما: "تنقية القوانين المقيدة للحريات وتقديمها إلي الجهات المسئولة". الدكتور محمد أبو الفضل بدران رأي ضرورة مناقشة مستقبل الريادة الثقافية المصرية لأن دورها في حاجة إلي "إيقاظ".. وتحدث عن مستقبل الثقافة في أقاليم مصر التي هي في حاجة إلي "انتشال". المخرجة هالة جلال تحدثت عن ضرورة "تحديد الأدوار" خاصة دور الوزارة بالمثقفين المستقلين وضرورة أن تدعم الوزارة المشروعات التي لا تجد إقبالا من القطاع الخاص وخاصة في الجانب السينمائي".
القاص سعيد الكفراوي قال إنّ سبب المشكلات الثقافية التي يُعاني منها المجتمع المصري هو وجود إعلام مغيب للوعي الثقافي، في حين أنه يهتم بكل ما هو مفسد للذوق العام ومغيب للوعي، ويتعمد تهميش الثقافة الجادة للمواطن ودورها في المجتمع. الدكتور صلاح فضل رأي أن هناك غياباً لثقافة الديمقراطية التي تعزز التحوّل الديمقراطي في مصر، وإذا لم يُناقش المثقفون هذه القضية فمن الذي سيناقشها؟" واقترح فضل علي ضرورة سيادة التفكير العقلاني بدلا من التفكير الغيبي.. وضرورة وجود قناة ثقافية لتكون نافذة للوزارة وتصبح هذه القناة بمثابة عصا موسي التي تلقف كل الأفاعي". الدكتور جابر عصفور قال في نهاية الاجتماع: "مصر تعاني من كارثة ثقافية، ليس لدينا ثقافة ديمقراطية ولا حقوق إنسان ولا ثقافة تسامح " وأضاف عصفور: "أتصور أن هدف المؤتمر أن يكون اجتماعاً للمثقفين، وذلك لتشكيل ما يُسمي بجبهة إنقاذ وطني للثقافة المصرية تضم جميع التيارات الفكرية حتي لو من بينها المتحدثون باسم الدولة الدينية، لأن الثقافة المصرية ليست حكراً علي حزب أو فئة بعينها، ولا ينقذ ثقافة مصر سوي مثل هذه الجبهة الوطنية التي تضم تيارات تؤمن بأن الثقافة المصرية قادرة علي التخطيط للمستقبل".