اختارت د. زبيدة عطا عنوانا يؤكد مدي نفوذ إسرائيل في أفريقيا وتغلغلها في دول مصب النيل، ووجود علاقات بينها وبين هذه الدول، تسمح لإسرائيل بتنفيذ مخططاتها تجاه مصر، العنوان (إسرائيل في النيل)، ويرتكن إلي أراء المتخصصين والخبراء، ويدحض من تهوين المسؤولين الرسميين لهذا النفوذ. لقد انحازت د. زبيدة إلي أراء المتخصصين، وتعرضت في كتابها لتحليل وجهة نظرهم، التي ترسخ لوجود أهداف مصيرية إسرائيلية في أفريقيا وأنعكاس ذلك علي أمن مصر المائي، وهو ما أعلنه د. أحمد فوزي خبير المياه بالأمم المتحدة، حينما أشار إلي أن إسرائيل حاضرة بقوة في دول حوض النيل، ولها دورها المؤثر في هذه الدول، وأنها تستخدم هذا الدور كورقة ضغط لتحقيق مطالبها، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وأن الدور الإسرائيلي في دول الحوض يؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل، خاصة أن إسرائيل تدعم دول حوض النيل من خلال الخبراء المتخصصين في مجال المياه، ودعم هذه الدول في مجال تطوير المناطق الزراعية من ري الأمطار إلي الري الدائم عن طريق مياه النيل. ويكشف الكتاب عن الخطوات التنفيذية التي قامت بها إسرائيل لإحكام قبضتها علي دول المنبع، فيشير إلي الدراسات التفصيلية التي قدمتها ل: في زائير ورواندا لبناء ثلاثة سدود، حيث يتوجه الاهتمام الإسرائيلي _ خاصة إلي نهر كاجيرا- الذي يمثل حدود رواندا مع بروندي في الشمال الشرقي، وقد وقعت أوغندا وإسرائيل علي اتفاق في مارس 2000، كما يعمل حوالي 800 خبير إسرائيلي في منطقة منابع النيل، وتعمدها كذلك علي أن يكون لها دورا سياسيا في المنطقة، وهو ما يبدو جليا في تدعيم الحركات الانفصالية والإثنية، حيث دعموا جيش تحرير جنوب السودان، وتربطهم علاقات قوية مع النظام الحاكم الآن في ارتيريا. ولا يقتصر التغلغل الإسرائيلي في الشأن الأفريقي علي لعب دور بعينه، بل يمتد إلي الرغبة في لعب كل الأدوار، فمع النفوذ السياسي والاقتصادي، لا تنسي إسرائيل التي تخطط لإحكام سيطرتها علي دول المنبع الدور الإعلامي، لذا نجدها تنظم دورات تدريبية للأفارقة في مجال الإذاعة والتليفزيون، كذلك سجلت مئات البرامج الإذاعية للإذاعات الأفريقية التي لا تصلها البرامج البرامج الإسرائيلية الموجهة التي تبثها باللغات الأفريقية، وتوالي إسرائيل إمداد الإذاعات الأفريقية دوريا باحتياجاتها من المواد الدعائية التي تبرز الإنجازات السياسية، وتتميز النشرات بالأسلوب العصري في إخراجها الصحفي وعرض مادتها الدعائية، كذلك تقوم هذه السفارات بتوطيد علاقاتها مع أهم المؤسسات الصحفية ودور النشر الأفريقية، وتعمل علي تجنيد بعض الصحفيين الأفارقة للكتابة عنها، وينطبق هذا القول علي عدد من الصحف الأفريقية وخاصة في كينيا ونيجيريا والسنغال وليبريا وزامبيا، حيث تتولي الصحف الدفاع عن المصالح الإسرائيلية، وتعمل علي إبراز إيجابيات الدولة العبرية، كما تتميز بانحيازها الكامل لوجهة النظر الإسرائلية فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض المسؤلين التقليل من خطورة التحركات الإسرائيلية في أفريقيا، نجد صحيفة لوفيجارو الفرنسية كشفت في تقرير لها تفاصيل مخطط إسرائيلي للسيطرة علي مياه النيل، وذلك في إطار تحليلها للجولة التي قام بها وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان في بعض الدول الأفريقية في 2 سبتمبر 2009، والتي أعتبرتها الصحيفة تهديدا خطيرا لمستقبل مصر، موضحة أن هذا التحرك هو الأول منذ 25 عاما، ويعتبر تمهيدا لحرب المياه في الشرق الأوسط، التي تبدأ في قلب القارة الإفريقية، وأن زيارته تشير إلي إجراء المزيد من التشاور والضغوط، وبالأخص علي إثيوبيا لبناء سدود علي نهر النيل، خاصة أن 85٪ من المياه التي تجري في مصر تأتي من النيل الأزرق من إثيوبيا، وأضاف التقرير إلي أن مصر تمول حفر آبار في كينيا وتنظيف البحيرات الأوغندية، ولكن إسرائيل تسهم في الوقت ذاته في بناء السدود في إثيوبيا، بالإضافة إلي إقامة ثلاثة مشاريع جديدة في أوغندا، وتمارس إغراءات لتتجاوز حدود المنافسة الديبلوماسية مع مصر في القرن الأفريقي، لأن هدف إسرائيل هو الوصول إلي مياه النيل. وإذا كان رأي خبراء المياه والمتخصصين في الشأن الأفريقي يؤكد خطورة الوضع الحالي علي مصر، فقد تنبه ونبه منذ سنوات طوال الكاتب الكبير كامل زهيري إلي هذا الوضع، فجاء كتابه (النيل في خطر) مستعرضا الأطماع الإسرائيلية في النيل، وتشير د. زبيدة إلي هذا الكتاب الهام، الذي أعتمد علي دراسة وثائقية كشفت أطماع إسرائيل في مياه النيل منذ عهد هرتزل في 1903، وسعيه لإقامة وطن قومي في سيناء، وكذلك مشروع إليشع كيلي "مياه السلام" وهو بعث لمشروع هرتزل القديم، الذي يري أن علي مصر أن تبيع المياه لإسرائيل، وأن هناك دولا كثيرة مستعدة للمتاجرة مع دول معادية، وأن المشروع يتم عن طريق نقل المياه بأنابيب تحت قناة السويس حتي خان يونس والنقب، ويري زهيري أن أخطر ما في الأمر اقتناع السادات بهذه الفكرة، وأنه في 4 سبتمبر 1979 أعلن فكرته عن تحويل مياه النيل للقدس والنقب، وأنه أشار إليها أيضا في 27 نوفمبر 1979 حين بدأ في الحفر في ترعة السلام بين فارسكور والتينة عند الكيلو 25 طريق الإسماعيلية، ويضيف زهيري أن فكرة كيلي رئيس هيئة تخطيط المياه الإسرائيلي عام 1974، تعتمد علي فكرة هرتزل عام 1903، وأن هذه الفكرة الإسرائيلية الجديدة عام 1974 تستند إلي أفكار قديمة، وأن السادات حاول إحياءها عام 1979، ولكن قوبل ذلك بمعارضة شديدة من مختلف الفئات فتوقف المشروع. وتشير د. زبيدة أيضا إلي تراجع دور مصر الأفريقي بعد عهد الرئيس جمال عبد الناصر في مقابل تزايد الدور الإسرائيلي، فقد كانت مصر في عهد عبد الناصر صاحبة تأثير واضح في أفريقيا ودول حوض النيل، حيث قامت بدعم حركات التحرر الأفريقي، ورغم قيام الدول الأفريقية بقطع علاقاتها مع إسرائيل في أعقاب حرب 1973، فلم تحاول مصر توطيد علاقاتها بدول حوض النيل أو توثيق التعاون، بل لقد استعادت إسرائيل علاقاتها تدريجيا بالدول الأفريقية بعد اتفاقية السلام، وإن كان بعضها _ رغم المقاطعة السياسية- ظل له علاقات اقتصادية قائمة، وقد كان من السياسات الأولي التي أعلنتها إسرائيل علي لسان بن جوريون الحرص علي الاتجاه نحو أفريقيا، وأكد بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" أن أفريقيا لن تنهض وتحل مشكلة المياه إلا بالتكنولوجيا الإسرائيلية، حينما عرض مشروعه لتوصيل مياه النيل لإسرائيل عن طريق مصر، وهو ما تكرر علي لسان المسؤولين الإسرائيليين الذين زاروا أفريقيا، أو استضافوا وفودها أو مسؤوليها في إسرائيل. واستطاعت د. زبيدة في كتابها (إسرائيل في النيل) أن تخصص فصولاً عن طبيعة العلاقة وأوجه المشاريع والاتفاقيات المبرمة وحجم التعاملات الإقتصادية بين إسرائيل ودول المنبع: إثيوبيا، كينيا، أوغندا، تنزانيا، إريتريا، رواندا وبورندي، الكونغو.