رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يتابع اختبارات الدراسات العليا ويشيد بسير العملية الإمتحانية    «برج العرب التكنولوجية» تفتتح ثالث فروع جامعة الطفل بالشراكة مع نادي سموحة (صورة)    النواب يوافق على مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2025/2026    وزيرتا البيئة والتنمية المحلية تتابعان تطورات آخر مراحل إنشاء المدينة المتكاملة    توريد 597 ألف و662 طنا من القمح لصوامع وشون الشرقية    الحكومة تتقدم بقانون جديد للإيجار القديم.. الإخلاء بعد 7سنوات بدلا من 5.. ألف جنيه زيادة فى الأجرة للأماكن الراقيه و250 للاقتصادية و15% زيادة سنويا.. وغلق الوحدة لمدة عام أو امتلاك أخرى يُجيز الإخلاء الفوري    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    محافظ الدقهلية خلال جولة بالمنصورة: تكليف التموين باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه مخبز بميت حدر وتكثيف الرقابة    إنفوجراف| إسرائيل تغتال قادة الحرس الثوري الإيراني    ماركو روبيو يبحث مع نظيريه البريطاني والفرنسي تطورات الصراع الإيراني الإسرائيلي    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    موعد مباراة الأهلي وبالميراس في كأس العالم للأندية 2025    عماد النحاس عن أزمة ضربة الجزاء أمام إنتر ميامي: تريزيجيه خالف الترتيب    النحاس يكشف أسباب استبعاد بن شرقي أمام إنتر ميامي: إصابة إمام عاشور غيرت الحسابات    شوبير ينقل شعور إمام عاشور بعد إصابته: لم أشعر بذراعي.. وكنت أحلم بالتألق في كأس العالم للأندية    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    مدير تعليم المنوفية يتابع امتحانات الثانوية العامة    محافظ أسيوط يتفقد أعمال لجنة النظام والمراقبة ورصد الدرجات للشهادة الإعدادية    ارتفاع ضحايا حادث تصادم سيارة بأخرى تحمل عمالة زراعية إلى 4 وفيات في البحيرة    هدية من الوزارة.. طلاب الثانوية العامة بالمنوفية يشيدون بامتحان اللغة الأجنبية الثانية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    «كندة علوش» تتحدى مرض السرطان.. هل يحقق «ابن النصابة» نجاحًا يستحق الانتظار؟    إيرادات فيلم «المشروع X» تقفز إلى 110 ملايين جنيه (تفاصيل وأرقام)    من مؤتمر نسائي إلى أجواء حرب.. إلهام شاهين تحكي لحظات الرعب في رحلة العراق    نور عمرو دياب عن وصفها بابنة «الهضبة»: «لأ أنا بنت شيرين رضا»    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    محافظ أسيوط يستقبل سفير الهند بمصر لبحث سبل التعاون المشترك    "الغرفة" و"هذه ليلتي" في ختام عروض التجارب النوعية المسرحية بالغربية    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجامع الأزهر: حب الوطن غريزة متأصلة والدفاع عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة    الصحة: إجراء المقابلات الشخصية للمرشحين للمناصب القيادية لليوم الثاني    نصائح لطلاب الثانوية العامة لحماية انفسهم من التعرض للإجهاد الحراري    رئيس جامعة المنوفية يستقبل فريق تقييم الاعتماد المؤسسي للمستشفيات الجامعية    طريقة عمل البيتزا بعحينة هشة وطرية وسهلة التحضير    "الصحة" تواصل تقييم أداء القيادات الصحية بالمحافظات لضمان الكفاءة وتحقيق الأهداف    الحرس الثوري الإيراني: صواريخنا أصابت أهدافها بدقة داخل الأراضي المحتلة    بالأسماء.. 3 جثث و14 مصابًا في حادث مروع لسيارة عمالة زراعية بالبحيرة    «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 3 محافظات    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    أسعار النفط تقفز 1% مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    معهد تيودور بلهارس ينظم الملتقى العلمى 13 لأمراض الجهاز الهضمى والكبد    تنسيق الجامعات.. برنامج هندسة الاتصالات والمعلومات بجامعة حلوان    ورشة تدريبية متخصصة حول الإسعافات الأولية بجامعة قناة السويس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    CBS عن ترامب: لا دلائل على مساعدة روسيا أو كوريا الشمالية لإيران    تشكيل الوداد المغربي المتوقع أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    التصعيد مستمر.. إيران تضرب «حيفا» بموجة صواريخ جديدة    مسؤول أمريكي: ترامب يوجه فريقه لمحاولة ترتيب لقاء مع مسؤولين إيرانيين    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفنان في مرسمه
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 09 - 2010

المكان دار الهلال الزمان في بداية الستينات تعرفت علي عدلي رزق الله، بدأنا نحن الاثنان العمل معا في مجلات الأطفال »سمير وميكي«، وكنت التحقت بالدار قبله بشهور قليلة، ولكني لم استطعم العمل ليس لطبيعته فقد دخلته برغبة واختيار اذ كنت حينذاك شغوفة بصحافة الطفل التي لم يكن لها في ذلك الوقت مجال، كان التليفزيون حديثا والفضائيات لم تكن ظهرت فكانت ساحة ثقافة الطفل فارغة.
كان مصدر ضيقي وصدمتي انني اكتشفت ان المواد التي تقدمها المجلات اغلبها مترجمة عن مجلات اجنبية يجري تمصيرها وان علينا أن نكون ناقلين فقط. وفوق ذلك كانت قوانين الدار أشد وطأة فممنوع التحدث مع زميل وممنوع التأخير عن ساعة الوصول إلي العمل اكثر من ربع ساعة واذا زادت ولو دقيقة يخصم الربع من الراتب، ساعات العمل في الصيف 24 ساعة وفي الشتاء تمتد إلي 84 ساعة، ولما كان من الصعب بل من المستحيل تحقيق المدة يوميا فكنا نمضي في الاسبوع يوما كاملا من الصباح إلي المساء لننجز المدة المطلوبة، والحقيقة أن هذا اليوم الذي كنا نتفق عليه كان من أمتع فترات العمل قرب بيننا نحن الزملاء وخلق بيننا عشرة طيبة وذكريات جميلة لاتمحي، أسوق هذه المقدمة لأبين المناخ الذي وفد إليه عدلي رزق في بداية حياته العملية.
كان لقائي الأول به في اجتماع التحرير الاسبوعي حينما اعلنت رئيسة التحرير انه قد انضم إلينا رسام جديد اسمه عدلي رزق، كان شابا نحيلا اشقر الشعر والبشرة يلبس نظارة سميكة تحجب لون عينيه خجول قليل الكلام، لم يكن مهتما بما يدور حوله من ثرثرة، للوهلة الأولي احسست بالاشفاق عليه فكيف سيتعايش هذا الحالم مع جو العمل الخانق الذي يتنافي تماما مع طبيعة الفنان، ولعل هذا الشعور ما جعلني اقترب منه ونرتبط معا بصداقة حميمة.
كان العمل الفني في مجلتي »سمير وميكي« لايحتاج إلي فنانين بل كان المطلوب محبرون للصور الاجنبية وناقلون عنها ومقلدون لها. اصطدم عدلي بهذا الواقع لأنه اولا يرفض ان يكون رساما مقلدا وثانيا ان الصور كانت تعتمد علي الالوان الصاخبة والخطوط الحادة في حين كان هو يعشق الالوان الهادئة والخطوط الناعمة، فتنافر الطرفان المسئولون عن المجلة والفنان.
عدلي شخصية هادئة قليل الكلام يميل إلي العزلة رغم صداقاته المتعددة، كتوم شديد الحساسية يتمتع بذاكرة قوية لاتنسي ابسط الاشياء يختزن احداث طفولته بحلوها ومرها تحز في نفسه احيانا ويرويها بسخرية احيانا أخري. دائما غارق في عالم رسوماته ينكب علي لوحته بالساعات الطوال يهدهدها ويحتمي بها مما يحيط به من صخب، يعشق الرسم بالالوان المائية يبدع في مزجها وتدرج درجاتها وانسيابها، شخصيته شخصية المشاهد المراقب المتأمل. ومع ذلك هو واقعي سلوكا ومعايشة. كنت استمتع بالجلوس اراقب خطوطه الناعمة وفرشاته وهي تمزج الالوان ودموعه وهي تنساب من تحت نظارته من شدة التدقيق والاجهاد، لم يكن يتكلم ابدا اثناء شغله مهما استثير فهو في محراب لوحته.
تركت العمل في دار الهلال وانتقلت إلي الاتحاد الدولي للعمال العرب اشرف علي اصدار مجلته الشهرية ونشرته اليومية، كان الاتحاد وقتها - في منتصف الستينات - يقوم بدور سياسي عربي كبير مقدر، وتحت ستار النشاط العمالي كان الرئيس عبدالناصر ينفذ منه إلي حركة الجماهير العربية والقوي الشعبية العربية الناهضة، لذلك كانت مجلته مجلة عربية سياسية ذات توجه عمالي.
لم تنقطع صلتي بعدلي رزق الله بتركي دار الهلال بل بالعكس توطدت وتوثقت صلاتنا اكثر ساعد في ذلك ان مقر الاتحاد كان في ميدان باب الحديد (ميدان رمسيس حاليا) وكان طريق عدلي ذهابا وايابا فكان دائما ما يأتي لزيارتي اما متبرما غاضبا أو لشرب فنجان من القهوة في هدوء قبل ان يصل إلي »دار الهلاك« كما كنا نطلق عليه بدلا من دار الهلال.
ان جيلنا هو جيل شباب الستينات، كنا جميعا محدودو الدخل ولانسعي وراء المال، عرفني عدلي بعدد من اصدقائه كتابا وفنانين وكان مكتبي ملتقي هؤلاء، كانوا كتابا شرفاء لاينتظرون عائداً مادياً كبيرا من كتاباتهم، وقد استطعت بفضل هؤلاء ان اصدر المجلة بشكل جيد بقليل من الأعباء المالية، في يوم زارني عدلي ومعه شاب هاديء من حديثه ادركت انه شديد الايمان بالحركة العربية والوحدة العربية التي كانت حلم جيلنا، واتفقت افكاره مع اهداف المجلة وأصبح من الكتاب الدائمين تناقشنا كثيرا اتفقنا واختلفنا ولكن في نهاية المناقشة كنا نصل إلي وفاق، في يوم دق تليفون مكتبي كان المتحدث عدلي واخبرني انه قادم لزيارتي تصورت انه يريد شيئا فاخبرته باني مشغولة الآن فهل هناك شيء مهم فضحك واجابني بنعم.. جاء عدلي وقال لي باقتضاب وبشكل تلغرافي سريع انه يرشح طارق زوجا وانه قال له نفس الكلام، وقد كان..
سافر عدلي إلي باريس، لم يكن دافعه بحث عن شهرة أو جمع لمال وانما رغبة في المشاهدة والتعليم والانفتاح علي الفن العالمي، لذلك رجع إلي مصر حين بدأ يحصد ثمار نجاحاته، فاعماله تعرض في قاعات الفن بباريس ويقوم بتدريس الفن في جامعات فرنسية، أي انه اوشك ان يعد فنانا داخل اطار حركة الفن الغربي، وهنا وقف عدلي وقفة مع نفسه، ادرك انه يثبت ذاته في أرض غير أرضه وبلد غير بلده وناس غير ناسه فقرر العودة وأدار ظهره لكل المغريات.
عرفت عن عدلي الكثير، فكثيرا ما حدثني عن طفولته وأسرته وهموما وطموحاته، ولكن الذي حجبه عني انه كان يتعاطي الأدب ويمارس الكتابة سرا لذلك كانت المفاجأة التي اذهلتني عندما قرأت كتابه »الوصول إلي البداية« وهو عن سيرته الذاتية، ان عدلي ليس رساما فحسب بل له قلم مبدع، فهو يقول علي سبيل الاستشهاد: »لوحتي هي اللون وانعدام اللون/ الصلابة والأثيرية/ الجسدانية الحسية والطهر أيضا/ الانتشار والكمون/ التفتح والالتمام/ التدفق والانحباس/ الصلابة والسيولة/ النور والقتامة/ الهمس والصخب/ الصمت والايقاع العالي/ البهجة والحزن/ اللذة والألم/ صدقوني اذا قلت الاحادية تقتل/ الاحادية موقف رومانسي ساذج من الحياة وفي الفن أيضا/ اكره الموقف الأحادي في الفن وفي الحياة«.
هذا هو الفنان عدلي رزق الله كما عرفته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.