تمتليء كتب التراث بمجموعة هائلة من الأجوبة التي تفحم السائل وتسكته تماما، واليوم نتابع بعض هذه الأجوبة مع الشاعر العباسي (أبوتمام) فهو من الشعراء الذين شغلوا الناس بشعرهم الذي اخترق أنساق الموروث الشعري السابق عليه، حتي أن الأعرابي - أحد النقاد القدامي - عندما استمع لبعض شعر أبي تمام قال: إن كان هذا شعرا، فماقالته العرب باطل. ومن أجوبة أبي تمام المسكتة: أن أبا سعيد المكفوف - أحد الخبراء بفن الشعر - قال لأبي تمام: لم لا تقول من الشعر مايفهم؟ فقال له: ولم لاتفهم من الشعر مايقال؟ ومن هذه الأجوبة المسكتة: دخل عليه أحد الرجال وهو ينشد بعض شعره، وكان منه قصيدة بالغة الحسن، فقال له الرجل: هذا شعر لم أسمع بأحسن منه، لكن في الأبيات بيت واحد غير جيد فلو حذفته لكان أفضل، فقال أبوتمام: إن مثل هذا كمثل رجل له بنون كلهم جميل متقدم، وفيهم واحد قبيح متخلف، فهويعرف أمره،ويري مكانه، لكنه لايشتهي موته. أما الاجابات المسكتة شعريا، فقد روتها كتب التراث حول مديحه لأحمد بن المعتصم، حيث مدحه بقصيدة قال فيها: إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس وهؤلاء الرجال كانوا مشهورين بصفات (الشجاعة والكرم والحلم والذكاء) وكان من بين الحاضرين في المجلس (الكندي) الفيلسوف، فقال لأبي تمام: الأمير أعظم من هؤلاء العامة، فأجابة أبو تمام إجابة شعرية فورية ومسكتة: لاتنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا في الدني والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس أي لاتلوموني لأني شبهت الأمير بمن هم أقل منه في المكانة الاجتماعية، فالله - سبحانة - قد مثل نوره القدسي العظيم بنور المصباح في فتحة الحائط، يشير إلي قوله تعالي: »الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح« (النور: 52) ومثل هذه الاجابة المسكتة، ماحدث عندما قرأ أحد العرب قول أبي تمام: لاتسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي فأرسل له رسالة يطلب منه فيها (بعضا من ماء الملام، وكأنه يسخر من أبي تمام، فرد عليه برسالة يقول فيها: سوف أرسل بعضا من ماء الملام، إذا أرسلت لي بعضا من (ريش الذل) يشير بذلك قوله تعالي: »واخفض لهما جناح الذل من الرحمة« ( الإسراء42)