أسعار الدولار اليوم الأحد 18 مايو 2025    أسعار الفاكهة اليوم الأحد 18 مايو في سوق العبور للجملة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 18 مايو    بمقدم 200 ألف جنيه.. "الإسكان" تطرح شقق في العلمين الجديدة    صحيفة عبرية: 9000 جندي إسرائيلي يتلقون العلاج من أمراض نفسية منذ بدء الحرب    عماد الدين حسين: بيان قمة بغداد يؤكد ثبات الموقف العربي تجاه عدوان إسرائيل    مقتل شخصين إثر اصطدام سفينة مكسيكية بجسر في نيويورك    القنصل المصرى بأمريكا ورئيس اتحاد الاسكواش يحضران مراسم تتويج الفراعنة ببطولة العالم    أهداف السبت.. رباعية البايرن وثلاثية باريس سان جيرمان وانتصار الأهلى وبيراميدز في الدوري المصري    انتقامًا من والدته l تذبح طفل جارتها وتلقى بجثته وسط الشارع    اليوم.. نظر محاكمة راندا البحيرى بتهمة سب وقذف طليقها    محمد كمال يكتب : الزعيم بعيدًا عن ملاعب الكوميديا    يمتلكون قدرة سحرية على إدراك الأمور.. 5 أبراج تجيد اتخاذ القرارات    مهرجان المسرح العالمى فى دورته ال40: يرد الجميل ل « الأساتذة »    أخبار مصر: سفر أول أفواج حج الجمعيات، أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي، بشرى سارة عن حالة الطقس، مرتضى منصور وفايق أمام المحكمة    انطلاق عرض مسلسل حرب الجبالي اليوم    الصحة تنصح الأهالي بقياس معدلات نمو الأطفال لمنع الإصابة بالتقزم    المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" ترسم مستقبلًا جديدًا لقرى سوهاج    استشهاد طفل فلسطيني وإصابة اثنين بجروح برصاص إسرائيلي شمال الضفة الغربية    اليوم.. افتتاح المتاحف على مستوى الجمهورية مجانا للجمهور    سعر الموز البلدي والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 18 مايو 2025    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    رئيسة الوزراء الإيطالية: لا تنظروا إلي للحصول على نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية    برلماني روسي يقدم اقتراحا لترامب من بند واحد لتحقيق السلام في أوكرانيا    إصابة شخص في حريق شقة سكنية بالعبور | صور    جدول البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية بنظام البوكليت 2025 بالقاهرة    "بنظام البوكليت" نماذج استرشادية للشهادة الإعدادية 2025.. «تعليم القاهرة» تنشر نموذج امتحان الهندسة    منتخب مصر يواجه اليوم نيجيريا لتحديد صاحب برونزية أمم أفريقيا للشباب    لمدة يومين، المحامون يمتنعون عن الحضور أمام محاكم الجنايات    بن غفير: علينا الدخول بكل قوة إلى غزة ونسحق عدونا ونحرر أسرانا بالقوة    السفارة الأمريكية في ليبيا تنفي وجود خطط لنقل سكان غزة إلى ليبيا    البابا يترأس القداس المشترك مع بطريرك السريان وكاثوليكوس الأرمن    الدولار ب50.41 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 18-5-2025    سيراميكا كليوباترا يقترب من التعاقد مع كريم نيدفيد    يوسف حمدي: جماهير الزمالك تشعر بالظلم بسبب ما يحدث    الغرف التجارية تنفي نفوق 30% من الثروة الداجنة وتحذر: خلال الصيف سنواجه مشكلة حقيقية    أمن بني سويف يكشف لغز جثة رجل مكبل اليدين والقدمين داخل سيارة    ب 20 مليون.. جهود مكثفة لضبط تشكيل عصابي سرق مشغولات ذهبية في قنا    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا الودية قبل كأس العالم للأندية 2025    ما بين الحلويات.. و«الثقة العمومية»!    استمرار قوافل «عمار الخير» بشربين للكشف المجاني على المواطنين بالدقهلية    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    أمطار لمدة 24 ساعة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس: «تغير مفاجئ»    هزيمة 67 وعمرو موسى    للحفاظ على سلامة الطعام وتجنب الروائح الكريهة.. نصائح لتنظيف الثلاجة في خطوات بسيطة    للحفاظ عليها من التلف.. 5 خطوات لتنظيف غسالة الأطباق    حدث بالفن| نجوم الفن يحتفلون بعيد ميلاد الزعيم وحقيقة خلاف تامر مرسي وتركي آل الشيخ    كالعروس.. مي عمر تتألق بفستان أبيض في خامس أيام مهرجان كان    خبير لإكسترا نيوز: إسرائيل لن تسمح بحل الدولتين لتعارضه مع حلمها الإمبراطوري    تعاون بين «التأمين الشامل» و«غرفة مقدمي الرعاية الصحية»    وزير الشباب والرياضة: نتحرك بدعم وتوجيهات الرئيس السيسي    "الجبهة الوطنية" يعلن تشكيل أمانة الرياضة برئاسة طاهر أبوزيد    تفاصيل لقاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بالشرق الأوسط في مركز لوجوس بوادي النطرون    رئيس جامعة الأزهر يكشف الحكمة من تغير أطوار القمر كما ورد في القرآن    أمين الفتوى يوضح أهمية قراءة سورة البقرة    افتتاح ورشة عمل بكلية دار العلوم ضمن مبادرة «أسرتي قوتي»    عالم أزهري: «ما ينفعش تزور مريض وتفضل تقوله إن كل اللي جالهم المرض ده ماتوا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبدأ الديمقراطية دراسة حول الأشكال الجديدة لل »سياسي«
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 06 - 2016


الديمقراطية كأسلوب حياة
مرت سنوات قليلة، دخل العالم خلالها في حلقة من الفوران السياسي لا يبدو لها إلي الآن نهاية قريبة. تجمعات واحتلال لساحات، حركات احتجاجية ضد السلطات، عصيان مدني، حشد عابر للقوميات، نشاط سيبرناطيقي، تكوين أحزاب جديدة، دعوات للتمرد : تبدو أركان كوكب الأرض الأربعة وكأنها تحف بتظاهرات تُعَبِر جميعها عن إرادة المواطنين ورغبتهم في التحكم مباشرة في قرارات وأفعال من يحكمونهم ويمثلونهم.
انطلقت هذه الموجه العالمية من تحدي السلطة في يناير 2011 من تونس، قبل أن تنتقل للقاهرة وتنجح في الوصول إلي: مدريد، أثينا، نيويورك، لندن، موسكو، كيبيك، صنعاء، تل أبيب، داكار، باريس، اسطنبول، ريو دي جينيرو، كييف، كاراكاس، بانكوك وبنوم بنه.
أدخلت تلك الحركات التعبوية غير المتوقعة - والمسترسلة علي ما يبدو كمعين لاينضب- فجأةً في طي النسيان ذلك الخطاب الذي ظل يؤكد علي أن العالم دخل قطعاً في حقبة عدم التسييس، كما حَوَلَت لكمٍ مُهمَل تلك التحليلات العلمية التي أرجعت عزوف الشعوب المعاصرة عن الاهتمام بالقضايا المشتركة، لصعود الفردية فيما يتعلق بالنظم الديمقراطية، وللخضوع الأبدي لفكرة المصير والأعراف فيما يتعلق بالنظم الاستبدادية.
كان هذا الانبعاث لروح الاعتراض بمثابة تذكرة لخبراء السياسة بأمر يميلون لنسيانه، وهو أن المحكومين لا يتخلون أبداً عن فكرة المطالبة بالحق والحرية في متابعة كيفية قيام المسئولين بمعالجة قضايا الصالح العام، حتي وإن اتخذت تلك اليقظة أشكالاً شديدة التنوع وليست قابلة دوماً للتعبير عنها.
لقد غيرت "سياسة الشارع" معطيات المشهد، فقد تبين فجأة أن المجتمعات لا تحيا فقط وفقاً للنسق الذي يرسمه لها الممسكون بالسلطة، كما أنها لا تتطور باتباع الخطوط المحددة للعقلانية الاقتصادية.
لقد اكتشفنا أن المجتمعات تمتلك إيقاعها الخاص المتعلق بالتغيير الاجتماعي وارتقاء العقليات. فعبر ذلك الحراك الطويل للمجتمعات، تتشكل وراء ستار الاستقرار الظاهري للمؤسسات، مخاوف سياسية تخرج في لحظة مباغتة لتتبلور وتعبر عن نفسها خارج الأُطُر النمطية الموضوعة مسبقاً بفعل العادات والأفكار والكيانات السياسية الراسخة.
في مؤلفنا السابق " لماذا العصيان في إطار الديمقراطية؟ "، قمنا بتحليل التجليات الأولي لهذه الظاهرة والتي اتخذت شكل العصيان المدني، وأعطينا لها مبرراً أخلاقياً وسياسياً. وفي هذا الإصدار، نأمل أن نصل لنتائج الاتساع الحالي لمجال ومعني العصيان عبر حركات احتجاجية أكثر أهمية وهي: الاحتشادات والاعتصامات في الميادين والتي تتداخل أصداؤها مع بعضها البعض من خلال المعلومات المتداولة عبر شبكات التواصل، أو بالاتصال المباشر بين بعض القائمين عليها.
يبدو لنا أن الطريقة التي تولَد وتنتظم وتتطور بها هذه الحركات، تُنبيء بالأشكال الجديدة التي سيتخذها النشاط السياسي مستقبلاً. تخرج هذه الأشكال للحياة خطوة بخطوة في سياق هذه الأفعال الجماعية العادية وغير العادية التي ينخرط فيها المواطنون، آملين أن ينسجون مؤقتاً نظاماً للعلاقات الاجتماعية يتبع - ويجدد أيضاً- المباديء التي تشكل أساساً لفكرة الديمقراطية ذاتها، كالمساواة في الحقوق والتعبير عن الرأي، فضلاً عن المساواة في تحمل المسئولية بين الأفراد، واحترام كرامة الإنسان، وتنمية استقلالية الفرد، والدفاع عن تعددية أنماط العيش.
يسعي إسهامنا الثاني إذن لاستلهام العناصر الرئيسة للتغيير الواقع تحت أعيننا عبر حركات الاحتجاج السياسي المتجاوزة للمؤسسية التي يتشكل بها حاضرنا، فضلاً عن رصد التغيير الذي تشهده أيضاً بعض التأملات والتيارات الفكرية الحديثة المصاحبة لها. نسعي لإزالة الغموض عن أسلوب الحياة الذي تخلقه أو تدعو له تلك الأفعال والذي يتخذ من الديمقراطية مبدأً وإسماً له.
فذلك التَظَاهُر العام للحشود المحتجة والذي يكاد يتزامن في أكثر من موضع حول العالم، إنما يعبر عن ظاهرة يشوبها الغموض، تحفز الخيال وتثير الرغبة في التفسير. فالبعض يلجأ علي الفور لاستبعاد أي إمكانية للتفسير العام لتلك الأحداث، فيستدعي الحظ أو الصدفة البحتة أو قانون تسلسل الأحداث كمفسرات لها. والبعض الآخر يسعي للكشف عن السبب الخفي في بطون الأزمة التي سببتها "الأمولة" "Financiarisation" وعولمة الاقتصاد. وهناك مجموعة أخيرة تحيل تفسير ذلك التزامن لنوع من العدوي يقوم - متأثراً بوضع تلك المدن الواقفة علي حافة الغليان- بتحفيز الناس للنزول بدورهم إلي الشارع.
يحمل كل اقتراب من هذه الاقترابات الثلاثة بلا شك جانباً من الحقيقة. فكيف لنا أن نفكر في وجود صلة بين هذه الحركات وبعضها البعض مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات الضخمة القائمة بين السياقات التي برزت فيها، ومحتوي المطالبة التي تحملها كل حركة منها ؟
والعكس صحيح، كيف لنا ألا نلمح في ذلك التزامن بين تلك الحركات الأثر المباشر أو غير المباشر للوضع الاقتصادي العالمي؟ حقاً، يبدو من الصعوبة بمكان أن نفصل بين هذه النماذج من التعبير العام عن عدم الرضا والغضب، وبين استشراء البطالة وصرامة الطابع المصاحب لسياسات إعادة التوطين، واتساع دائرة الفقر والبؤس الاجتماعي، فضلاً عن المكوث المستمر في حالة من الشقاء، واستغلال اليد العاملة وخضوعها للسخرة، والاستعراض الواضح للثروة، وأضرار الفساد.
من الصعوبة الشديدة أيضاً ألا ننظر لهذه الأحداث باعتبارها عَرَضاً من أعراض اختلال التوازنات التي استقرت في محيط العلاقات الدولية منذ عام 1945. نعلم جيداً أن الربع الأخير من القرن العشرين شهد تحولاً عميقاً للنظام العالمي من حيث التحول من إدارة اقتصاد الدولة إلي اتباع سياسات الخصخصة، وتراجع دولة الرفاهه، ونشأة الشركات الكبري متعددة الجنسيات، وتطور الرأسمالية المالية، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وعولمة الحركة الحرة للبضائع ورؤوس الأموال، وصعود القوي الجديدة.
وتستمر آثار ذلك التحول في الضغط بقوة، مسفرةً عن المزيد من التغيرات كعولمة الاقتصاد وتصاعد ظاهرة "عدم المساواة" وإنقلاب موازين العلاقة بين رأس المال والعمل، وإعادة توزيع أقطاب القوة.
كيف يمكن لتلك التطورات التاريخية ألا تتسبب في بلبلة للعلاقات بين البلاد وبعضها وبين الطبقات الاجتماعية داخل كل بلد علي حده ؟
في الواقع، يمكن دون أدني تخوف إرجاع حالة عدم الاستقرار السياسي التي نشهدها حالياً، لأثر العيوب والتصدعات التي كشفت عنها فجأة بدايات القرن الحادي والعشرين. وسيري البعض تلك الحالة من عدم الاستقرار السياسي سبباً في بلوغ ذلك " الصبر الطويل للشعوب " - أو ذلك " الصمود المزعوم " للمجتمعات- مداه من جديد.
في إصدارنا " لماذا التمرد في إطار الديمقراطية ؟ نؤكد أن العصيان المدني لم يشكل تهديداً للديمقراطية ولم يكن حداً من حدودها، بل ننظر لحيوية وطبيعة أي نقاش مفتوح يدور بين أعضاء مجتمع واحد وأي نقد ينمو بشكل مستمر حول كيفية احترام مبدأ الديمقراطية في صورته المُثلي. إن المصلحة التي نراها حاضرة في كل تلك الحركات الاحتجاجية التي يتم تنظيمها بمعزل عن المؤسسات السياسية، تندرج أيضاً تحت ذلك التصور.
بتتبع السبل التي تنتهجها تلك الحركات الجماعية - والمعولمة في كثير من جوانبها- حيث تشهد حقوق المواطنة وطبيعة النشاط السياسي ميلاً لإعادة التشكل من جديد في إطارها، يسعي هذا الكتاب لتعريف ملامح مبدأ الديمقراطية. لا يبدو الأمر بالنسبة لنا كتسكين للديمقراطية علي مستوي المبدأ أو إحاطتها بهالة من القداسة، ولكنه ببساطة تناولاً يتخطي الاختلافات التي تميز كل حركة من تلك الحركات الاحتجاجية، للوقوف علي ما يمكن أن يذهب إليه المواطنون في تعاملهم مع مفهوم الديمقراطية عندما يشرعون في التشكيك في شرعية الأنظمة التي تحكمهم.
النداء ومبدأ الديمقراطية
يتبدي أول العوامل المشتركة بين كل تلك الحركات وأكثرها إثارة للدهشة دون شك، في أن جميعها يلتف حول دافع واحد، وهو الديمقراطية. فقد تحولت الكلمة لشكل من أشكال الصيغ الجامعة التي إذا تمكنت بالطبع من المطالبة بإقامة دولة القانون ( كما هو الحال عند مواجهة نظام مستبد أو المطالبة باقتراع حر وغير مزور في إطار نظام يتحكم أو يتلاعب باجراءات الانتخاب) فإنها تؤدي إلي المناداة ب: كرامة الفرد، نزاهة الحكام، شفافية العمل العام، رفع الحصانة عن القادة الفاسدين، إلغاء الامتيازات الباهظة لحفنة من الملاك، استقلال الصحافة ووسائل الإعلام، تأمين مستوي معيشة لائق للجميع، ضمان تحمل مسئولية حالات المرض والبطالة والشيخوخة، إتاحة الحصول علي التعليم، حدوث التنمية الفردية.
كل ذلك لا يخلو من التباس لا يتواني البعض عن استغلاله. فهكذا ودون خوف من التناقض، نلاحظ اليوم أناساً يستطيعون التحدث باسم الديمقراطية عن ضرورة العودة للعُرف والمطالبة بسلطة قوية، وطرح مبدأ المساواة جانباً أو الحد من حقوق الأفراد.
يتبين إذن أن أي سلطة يُشتبه اليوم في استهزائها بقيمة من قيم العدالة أو الحياة السياسية أو الحرية الشخصية أو الوضع الإنساني، تصير عُرضة للمساءلة علناً لتعديها علي الديمقراطية وإنكارها لها.
في حالة النظم الاستبدادية، تبقي المطالبة بالديمقراطية ذات ارتباط وثيق بالمظاهر الأكثر عنفاً للقمع والتقييد مثل : تعسف حكومة متسلطة، العوائق اليومية الناتجة عن وجود منظومة فساد معممة، غياب المؤسسات الضامنة لحرية التعبير والحامية للحقوق والحريات، عنف الأجهزة الأمنية، تزوير الانتخابات.
في حالة النظم الديمقراطية، ترتبط هذه المطالبة في المقام الأول بتآكل شرعية النظام التمثيلي وتلك الفجوة التي تفصل المواطنين عن تلك الدائرة الضيقة للساسة الذين يحكمونهم، يثقفونهم، يعلمونهم ويوبخونهم.
يمكن القول من خلال ما رأيناه وقرأناه، أن حالات الحشد التي نمت في المجال العام الديمقراطي، قوبلت سواء بالتعاقب أو في الوقت ذاته- بنقد ذو سمة بعيدة ومختلفة تماماً مقارنةً بالهجمات التي شنها المواطنون علي نشاط الحكومة واستنكارهم للقوة المفرطة للبنوك والأغنياء، وإدانتهم للخسائر التي لحقت بالبيئة وسكانها بسبب تنمية اقتصادية لا تكترث سوي بالربح، ومطالبتهم باستعادة الشعب لسلطته المستلبة، أو رفضهم لنظام إعلامي يتلاعب برسالته التي يتم دوماً تقديمها باعتبارها عنصراً رئيساً لميلاد رأي عام مستنير.
باختصار، نحن نحيا في زمان يشهد فيه الاتساع الدلالي لكلمة "ديمقراطية" زيادة مفرطة من علاماتها الاستخدام الذي صار شائعاً في حين أنه ليس شعائرياً بشكل بحت- لصفات مثل " مواطن" أو " جمهوري" لوصف كل تصرف يحترم حقا أساسيا (أو غير أساسي) للشعب أو الإنسانية أو الطبيعة أو المحيط الحيوي.
تملك تلك الظاهرة أثراً آخراً يتمثل في استطاعة مفهوم الديمقراطية أن يغطي كل المفاهيم التي بررت الصراعات والمعارك السياسية خلال القرن العشرين. سيكون من المفضل مثلاً استخدام كلمة "ديمقراطية" بدلاً من "الاستغلال" لإدانة الظلم الناتج عن الرأسمالية والإمبريالية، أو بدلاً من" الاضطهاد" لمكافحة رفض النظم الاستعمارية والاستبدادية للحرية، أو بدلاً من "عدم المساواة " لوضع حد لسياسات الإقصاء والتمييز بحق الأقليات، أو "الاستعباد" لمواجهة الحيل التي يتبعها الحكام وذوو النفوذ للاستيلاء علي السلطة وإخفاء أفعالهم أو لخداع الشعوب.
ننتقل الآن للعامل الثاني المشترك بين الحركات الاحتجاجية التي اندلعت في السنوات الأخيرة، والذي يتبدي في الخلاف حول شرعيتها وقيمتها نظراً لولادتها جميعاً خارج أي إطار رسمي لأحزاب سياسية أو نقابات.
فكل من شجع ومنح الحياة لهذا الحراك في كل مكان كان مدعواً للإجابة علي هذا السؤال: ما الذي يجعل احتجاجاتكم ذات طبيعة سياسية؟ في حالة النظم الاستبدادية، تمثلت الإجابة علي هذا التساؤل في الآتي: إذا تم إسقاط النظام المستبد أو الديكتاتور في نهاية الأمر، كان الفعل المؤدي لتلك النتيجة إذن فعل ذو طبيعة سياسية. وكانت هذه هي الإجابة المقدمة في تونس ومصر عام 2011. حيث أدي تتابع الأحداث إلي إعادة توصيف العصيان المدني ليصبح عملية ثورية ( وهي عملية أفرزت العديد من الانتفاضات التي غَذَت هذه الفترة).
وفيما يتعلق بما حدث في أوكرانيا عام 2014 ، يمكن القول أن وجود رئيس منتخب انتهي الأمر بنفيه- رفض الاستقاله واستفاد من عنف الدولة من أجل استمرار بقائه بقمعه للأشخاص الذين احتشدوا في الميدان لثلاثة أشهر، قد أفضي في نهاية الأمر إلي عصيان مدني متنامي وتداعيات غير متوقعة.
في حالة النظم الديمقراطية، تزداد صعوبة تحديد المعايير التي يمكنها تبرير أي مطالبة بالديمقراطية وإثبات أنها مطالبة وافية، وذلك هو الحال في بعض الأحيان عندما يكون مبعث المناداة بالديمقراطية قانون أو تشريع أو إجراء مستبد يسعي للإخلال بها، علي الرغم من إنه في بعض الأحيان يكون الوقوف علي حقيقة هذا الإخلال أمراً حساساً مثلما يحدث عندما يتم التصويت علي نص تشريعي أو قانوني بشفافية عبر أغلبية ذات كفاءة، أو يتم مراجعته جيداً وفقاً لضوابط الشرعية.
لفهم هذا الأمر جيداً، يكفي دون شك المقارنة بين شرعية صياغة مطالبات الديمقراطية (وأشكال الفعل السياسي التي صاحبتها) عند المناداة بضرورة سحب مشروع مطار" نوتردام دي لاند" بفرنسا، وعند قيام المظاهرات اعتراضاً علي مشروع قانون زواج المثليين الذي دخل حيز التنفيذ فور تصديق البرلمان عليه.
إن تحديد مدي اكتمال المطالبة بالديمقراطية يصير أكثر تعقيداً عندما تعكس مطلباً أكثر عمومية مثل: " "عالم آخر ممكن" أو "ديمقراطية حقيقية". فالأمر هنا لم يعد إذن متعلقاً بمسعي مبني علي أساس الاعتراض علي تصرف للحكومة أو علي قرار سياسي أو اقتصادي أو عمراني أو إداري يمكن تحديده بوضوح، لكنه بالأحري يتعلق بدعوة لمشروع ذي ملامح ضبابية تبقي سبل تحويله لأمر ملموس محل شك مثل: تغيير الحياة، إلغاء التمويل، إسقاط الديون، جعل الكوكب صالحاً للعيش مرة أخري، التخلص من النزعة الإنتاجية (( Productivism، إعادة السلطة للمواطنين، التنازل عن النزعة الاستهلاكية ((Consumerism، السماح بحرية تنقل الأفراد، إلغاء التمييز العرقي أو النوعي.
كيف يمكن إصدار حكم علي مدي نجاح أهداف يبدو بوضوح أنها صعبة المنال؟ ذلك دون الحديث عن أولئك الذين يُنَظِرون لها في العديد من البيانات الفكرية التي تعقب الحركات الاحتجاجية، والتي لم يستطيعوا الصمود لدعمها أو صياغة توصيات تضمن نجاحها، دون البدء في صرف الاهتمام نحو توفير أقل كيفية ممكنة لتحقيق تلك الأهداف علي أرض الواقع.
هناك أسلوب مريح لتقييم مدي جدية هذه الحركات وهو الأسلوب الذي ينتهجه معظم محللي وخبراء السياسة يتمثل في تناول الشعارات التي ترفعها تلك الحركات، وكذلك وهو أمر غير محتمل الحدوث كما قد يبدو - قياس مستوي نجاحها بالنظر إلي مدي التغييرات التي استطاعت إحداثها في ضوء التصريحات المعلنة ذات الطابع الطوباوي علي الأغلب.
بالتالي يصير التيقن من سقوط استنتاجاتهم سريعاً أمراً لا يدعو للدهشة : فلاشيء تغير! طالما النظام العالمي المتمحور حول حكومات تقود دولاً قومية تدافع عن مصالحها لم يتغير فيه شيء. ما يدلل بالنسبة لهم علي الطابع العبثي غير المجدي لعمليات الحشد.
لكن هذا النوع من التقييم يعد غير مناسب علي الإطلاق. فلم يتمكن مناهضي العولمة (Les antimondialistes) من منع انعقاد منتدي مجموعة الدول الثماني G8) ) أو مجموعة الدول العشرين ((G20، ولم ينجح مناهضو الطاقة النووية
( Les antinucleaires ) في إلزام الدول الأوروبية - حتي بعد وقوع حادث يعد أكثر جسامة من حادث محطة فوكوشيما دايتشي - بالعدول عن أو تقليل استخدام الطاقة النووية، أو حتي وقف حركة ناقلات النفايات عبر أوروبا.
أيضاً، لم يستطع محتلوا "وول ستريت" تقويض نظام التمويل العالمي، كما لم تتمكن الجموع المحتشدة في ميدان "بورتا ديل سول" في مدريد أو "سينتاجما" في اليونان من إسقاط الحكومات الفارضة لسياسات التقشف، ولكن هل يجب حقاً أن يتم الحكم علي هذه الحركات وفقاً لتلك المعايير؟
في الواقع، هناك مسلك أقل كفايةً في هذا الإطار يتمثل في الاستماع لما يقوله أولئك المشاركون في هذه الحركات عما قاموا به وما يتوقعونه. هنا يصبح المشهد علي الفور أقل إثارةً، مما يمكن أن يكون أحد الأسباب التي تدفع بعض المفسرين لتسليط الضوء علي الأهداف الأكثر راديكالية أو الأكثر غرابةً أو عدم تناسق.
لأنه بمجرد أن ننظر للمقاصد التي يضعها المناضلون والنشطاء لمشاركتهم تلك، ولنوعية النجاح الذي يتوقعون تحقيقه، سنكتشف أنهم يقدرون نجاحهم علي مستوي ثانوي مثل :
- تقدير تمكنهم من الاحتشاد علي الرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطات الرسمية لمنعهم.
- نجاحهم في إعاقة بعض التدابير المقررة من قبل السلطات العامة أو تأخير دخولها حيز التنفيذ ( مثلما حدث في مشروع مطار نوتردام ديلاند، أو البلبلة التي أُثيرت حول موقع مشروع مركز سيجيو لدفن النفايات النووية في منطقة الميز"géologique Cigeo- Centre industriel de stockage، أو معارضة إقامة نفق بين مدينة ليون وتورين....).
- استطاعتهم الإبقاء علي الاحتشاد بالميادين بأسلوب منظم ومبهج لأطول فترة ممكنة (مثلما كان الحال في مدريد أو مختلف الميادين والساحات التي تم احتلالها من قبل المتظاهرين علي سطح هذا الكوكب).
- إنشاؤهم لمنظمات جماعية تقوم علي أساس قيم التضامن واللانفعية والاستقلال، أو تشكيل أنماط عيش بعيدة عن النزعة الإنتاجية والهيراركية (شركات أو مجتمعات بديلة) وعدم المساواة في علاقات النوع.
ويري الأكثر تفاؤلاً من بين نشطاء هذه الحركات أنه يمكن النظر لهذه النجاحات الصغيرة باعتبارها خطوات علي الطريق نحو عالم يحيا فيه البشر بشكل أكثر استقلالية وتفتحاً، وتصير فيه المجتمعات أكثر ديمقراطية، لا سيما أنه أحياناً ما نجد أكثر الصراعات عدم تكافؤاً تفضي لانتصارات، ما يعضد الفكرة القائلة بأن المقاومة لا تذهب سُدي أبداً.
في الوقت ذاته، يذهب نشطاء آخرون لخيار مختلف يتمثل في: التراجع للمستوي المحلي دون المطالبة أو التبشير بشيء، يحافظون علي تواجد يتفق تماماً مع التطلعات المنهاضة للنزعة الانتاجية Antiproductivistes) ) والتي تنبعث من رحم حالة معيارية بديلة. وطالما لا يقوم نظام سياسي بمنعهم أو قمعهم، فإنهم يظلون بمعزل عن النظام السياسي العالمي حيث يعتبرونه خارجاً عن نطاق اهتمامهم.
نأتي لثالث العناصر المشتركة بين حركات الاحتجاج المعاصرة وهو الانشغال بالحفاظ علي الصيغة الجماعية للمطالب التي ينادون بها. فهناك شعار "إرحل" الذي صاحب شعار " الشعب يريد" وتردد في تونس ومصر وأماكن أخري بالعالم العربي، محدثاً صداً في داكار مع ظهور حركة "طفح الكيل" و شعارات "أنتم لا تمثلوننا" أو "نحن ال99٪" التي انطلقت من الميادين الأوروبية والأمريكية، أو "الشعب يريد العدالة الاجتماعية" الذي تردد في تل أبيب، أو الشعار الروسي "نحن هنا" في مواجهة عمليات التزوير واسعة النطاق التي شابت الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2011 ( وقد استمر ترديد هذا الشعار خلال سلسلة التظاهرات التي سبقت وتلت عملية الانتخاب المخططة لفلاديمير بوتين لرئاسة روسيا في مارس 2012)، أو شعار" كلنا بطاريق" الذي استخدمه بعض النشطاء في تركيا (*كرد فعل ساخر علي قيام قناة سي ان ان تركيا ببث فيلم وثائقي عن حياة البطاريق بدلاً من تغطية تظاهرات ميدان تقسيم بإسطنبول) في ربيع 2013.
تعكس هذه الشعارات رغبة مماثلة لصياغة مطلب يلتف حوله أكبر عدد ممكن من المواطنين. تأتي هذه الرغبة في الوصول إلي الإجماع مصحوبة بضرورتان هما: إظهار الحقيقة القائلة بقيام هذه الحركات خارج الأطر السياسية المؤسسية ( كالأحزاب والاتحادات والنقابات وخلايا التفكير Think tanks....)، واحترام ضرورة ثلاثية تتمثل في عدم وجود قائد أو برنامج أو انتماء حزبي، ما يطرح بدوره السؤال: هل يمكن حقاً القيام بعمل سياسي ناجح باتباع تلك التعليمات؟
ما نعرفه عن السياسة يجعلنا علي الفور نستشعر أن عجز التنظيم المركزي والعمومية الشديدة للقضية التي يتم التصدي لها يجعل من الصعب بمكان مباشرة عمل محدد، كما أنه يمنع من الحفاظ علي استمرارية الحركة بما يكفي لتحقيق أدني قدر من التأثير علي قرار أي حكومة. ولكن ها نحن نري مخاطبة "الشعب" أو ال"99٪" من السكان - دون فرض الالتفاف حول هدف حصري ودون الخضوع لأوامر توجه ما- يبعث برسالة يستطيع كل فرد أن يجدها معبره عن صوته. وهكذا علي سبيل المثال يمكننا أن نجد علي موقع حركة عرفت نفسها كحركة عالمية، رسالة كهذه :
"احتلوا وول ستريت هي حركة مقاومة بلا قائد تجمع أناس من مختلف الألوان والأنواع والآراء السياسية. الشيء الوحيد المشترك بيننا هو أننا ال99٪ الذين لا يقبلون أبداً جشع وفساد ال1٪. نعمل علي استخدام التكتيك الثوري للربيع العربي للوصول إلي غاياتنا ونفضل اللجوء إلي اللاعنف لضمان أقصي درجات الأمان لكل المشاركين. الثورة العالمية هي الحل الوحيد."
بمراقبة المشهد، يتبين كما سنري لاحقاً - أن كل من أخذوا بزمام المبادرة ودعوا لهذه الاحتشادات التي تحولت إلي احتلال للميادين، لم يكونوا جميعهم من المُستَجَدين حديثي العهد بذلك الأمر. فالعديد من المشاركين في هذه الحركات كانوا في الأساس نشطاء ومعارضين ذوي باع في النضال من أجل العدالة الاجتماعية، أو الدفاع عن المهاجرين غير الشرعيين وحقوق المهاجرين، أو مكافحة النشاط النووي أو السياسات النيوليبرالية وعمليات التعديل الوراثي (OGM)والنزعة الاستهلاكية. منهم أيضاً من ينتمي لعالم الاتحادات والنقابات، ومنهم المتمرسون في إنعاش وقيادة الجماعات أو الأحياء والمناطق.
وبشكل عام، نجد أن كل هذه الحركات قد جمعت عن طريق الحظ وأحياناً بتنسيق ضعيف فيما بينها، سلسلة من النشطاء، والمتعاطفين والمواطنين المطلعين والشباب العاطل والمتطفلين وأحياناً اللصوص والمجرمين، اجتذبتهم فكرة المشاركة في تظاهرة احتجاجية ذات طابع احتفالي وغير مقيد.
لا يبدو الأمر إذن ك"سديم" من المحتجين أو كائتلاف من النشطاء تحالفوا معاً طواعيةً لمواجهة السلطات القائمة. لا يعدو الأمر أكثر من اجتماع أفراد معزولين حريصين علي المحافظة علي استقلالهم وموحدين وجهتم بطريقة عفوية صوب مكان التقاء تم الإعلان عنه عبر إحدي شبكات التواصل الإجتماعي.
نجد أنفسنا بالأحري أمام مجموعة من الظروف يصير فيها تتابع الأحداث غير المتوقع وخاصة طبيعة رد الفعل الذي ستتخذه السلطات لاحتواء أو توجيه أو منع الحركة هو المُشَكِل للمصير. لكن في كل مكان، نري النشطاء "الحقيقيين" الذين انضموا للاحتجاج وغذوه بخبرتهم في تنظيم الحشود، فعلوا ذلك وقد قبلوا بإخفاء انتمائهم لحزب أو نقابة، وامتنعوا طواعيةً عن القيام بأدني محاولة للتلاعب، وانصهروا في جمهور العامة الذين احتشدوا للتعبير عن استيائهم أو رفضهم.
كان الطابع "اللاحزبي" للاحتجاج محفوظاً في كل مكان، وكل النشطاء الذين حاولوا الخروج عنه تم إقصائهم أو التبرأ منهم، وهو ما حدث مع المنظمات التي حاولت استغلال هذه الحركات كأداة لخدمة مصالحها.
إذن، كان هناك محرك واحد كافي للانضمام لهذه الحركات الاحتجاجية التي فرضت نفسها كنموذج جديد للعمل السياسي وهو: أن يكون هناك مواطن غاضب من الأسلوب الذي يتبعه الحكام والنواب الذين يساندونهم في إدارة الشئون التي تهمه.
أما العامل الرابع المشترك بين هذه الحركات، فقد تمثل في الخيار الاستراتيجي لللاعنف، ما يعني الإصرار علي الاجتناب المنظم دون النجاح دوماً في تحقيق ذلك بشكل كامل للمواجهات المباشرة مع الشرطة والشعب. يمكننا بدلاً من أن نري في هذا الخيار إشارة للضعف أو للخواء السياسي لهذه الحركات، أن نزعم أنه علي العكس يعد خياراً موفقاً تماماً.
في الواقع، وحيث إن المطالبة بالديمقراطية لا تكون مصحوبة بأي برنامج محدد يمكن تنفيذ نقاطه الواحدة تلو الأخري لإرضاء من أثنوا عليه، أو بمشروع انتقالي لنموذج من الحكم جاهز للتطبيق والإحلال الفوري محل نظيره القديم، يمكننا أن نفكر في أن الجانب السياسي الصميم في هذه الحركات لا يتمثل في قوة الوسائل المتبعة لإخضاع عدو محدد بوضوح، ولكن هو حزمها في الالتزام بالتأكيد علي قوة الوعد المزدوج للديمقراطية وذلك بالرغم من مقتضيات الواقع والتسويات الضرورية : هذا الوعد بإقامة شكل تنظيمي للحياة المشتركة يعضد استقلال وسيادة المواطن، ويسرع بوضع نظام سياسي يمتلك الشعب من خلاله وسائل تمكنه من ممارسة رقابة حقيقية علي قرارات حكومة من المفترض أنها انبثقت عن إرادته.
باختصار، هناك حاجة لأن نطرح علي الملأ سؤالاً لا توجد له إجابة حاسمة، ولكن في لحظات معينة يبدو من الضروري لمجتمع ما أن يعكف علي التفكير فيه بشكل جماعي وهو: ما هي الديمقراطية ؟ وهل نعيش حقاً في ديمقراطية؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.