أندريه زكي يهنئ السيسي والشعب المصري وقيادات الدولة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    تشغيل عيادات التأمين الصحي بالدقهلية خلال عيد الأضحى المبارك.. تعرف على الأماكن والمواعيد    وزير النقل يشرح آلية عمل الأتوبيس الترددي ويهنئ المواطنين ببدء تشغيله: الحلم من حق المصريين    الإسماعيلية: إنارة ونظافة ومتابعة ميدانية.. القنطرتان شرق وغرب ترفعان درجة الاستعداد القصوى لعيد الأضحى    البورصات الأوروبية تغلق على ارتفاع جماعي بعد بيانات التضخم بمنطقة اليورو    السيسي يتلقى اتصالا من رئيس المجلس الأوروبي لبحث التعاون الإقليمي ودعم جهود وقف الحرب في غزة    لي جاي ميونج يفوز برئاسة كوريا الجنوبية وسط مشاركة انتخابية غير مسبوقة منذ عقود    الرمادي: لاعبو الزمالك في حالة رائعة قبل مواجهة بيراميدز.. وأشكر شيكابالا والسعيد    الأهلي يطيح بربيع ياسين من دلفي.. ورد غاضب من المدرب    4 مصريين يتأهلون لربع نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش    تظهر خلال أسبوع.. نتيجة الصف الأول الإعدادي الأزهري الفصل الدراسي الثاني 2025    المايسترو تامر غنيم مديرا للدورة 33 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    الخميس.. عزاء سميحة أيوب بمسجد عمر مكرم    ما فضل صيام يوم عرفة والأعمال المستحبة فيه؟.. فرع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر يجيب    خالد الجندي يكشف الشروط الواجبة قبل الحج وأثنائه    فلسطين تدعو كافة أعضاء مجلس الأمن لزيارة غزة وتوثيق الجرائم الإسرائيلية في القطاع    «الأرصاد» تحذر من موجة حارة خلال عيد الأضحى    شاطئ البوريڤاچ: حكاية أشهر شواطئ الإسكندرية.. مقصد النجوم وشاهد على أفلام الزمن الجميل    الصين ترفض تصريحات وزير الدفاع الهولندي: محاولة لتشويه صورتنا    قطاع البترول يزود مستشفيات وزارة الصحة بحضانات وأجهزة تنفس لحديثى الولادة    قبل رحيلها.. سميحة أيوب: "تعرضت للخيانة من قبل أزواجي"    محافظ بني سويف يكرم الأمهات المثاليات بمسابقتي التنمية المحلية والتضامن    تحالف الطريق الديمقراطي يرحب بالإفراج عن سجناء الرأي والتعبير    "جبران" يلتقي مديرة مكتب الأنشطة العمالية لمنظمة العمل الدولية    حكم اشتراك الولد مع والده في الأضحية بشاة واحدة    مستشفى الهرم ينقذ شابا تعرض لجرح نافذ بالرقبة جراء اختراق "صاروخ" معدني    وافدان جديدان يستعدان لتمثيل إنتر في كأس العالم للأندية    استعدادا لقيادة الهلال.. إنتر ميلان يعلن رحيل إنزاجي رسميًا    الرئيس السيسى يحذر من أزمة ديون عالمية جديدة تعصف باقتصادات الدول النامية    الجباس: الحديث عن تواجدي في بيراميدز بسبب علاقتي مع ممدوح عيد "عبث"    جامعة سوهاج تطلق قافلة طبية توعوية مجانية بقرية الشواولة بالتعاون مع "حياة كريمة"    ما حكم الأكل بعد فجر أول أيام عيد الأضحى حتى الصلاة؟ عالم أزهرى يجيب    "محلية النواب" تطالب بسرعة الموافقة على إنشاء مستشفى بنها    حملات تفتيشية لمتابعة انضباط سيارات السرفيس والتاكسي بنطاق مدينة الفيوم.. صور    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد جاهزية مستشفى نخل المركزي لاستقبال عيد الأضحى    المشدد 10 سنوات لعاطل لاتجاره في المخدرات بشبرا الخيمة    بيطري القليوبية: ضبط 25.5 طن لحوم ودواجن غير صالحة للاستهلاك خلال شهر    منظمة التحرير الفلسطينية: غزة تتعرض لإبادة برعاية أمريكية وصمت دولى    مانشستر يونايتد مستعد لتلقي عروض لبيع سانشو    بعد اتصال السيسي وماكرون.. إشادة برلمانية بجهود مصر لإنهاء حرب غزة    الاتحاد السكندري: عبدالعاطي استقال على «الفيسبوك».. والمغادرة غير مقبولة    فيفي عبده تنعي الفنانة سميحة أيوب    تطهير وتعقيم ونظافة الأماكن المعدة لصلاة عيد الأضحي المبارك بالقاهرة    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو قيام شخص بالتعدى على ابنته بالجيزة    عدم الإعلان عن موعد فتح التحويلات ونتيجة تنسيق القبول للمدارس.. لهذا السبب    وزير المالية: 50% من مستحقات الشركات في برنامج دعم الصادرات سيتم تسويتها من الضرائب أو الكهرباء    محافظ القليوبية يوجه باستمرار صرف الألبان خلال عطلة عيد الأضحى    أخبار سارة على صعيد العمل.. توقعات برج الجدي في يونيو 2025    بلدية غزة تطلق نداءً عاجلا لتوفير الآليات والوقود    مهرجان إيزيس الدولي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    موعد ومكان جنازة الفنانة سميحة أيوب    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    ضبط أصحاب شركة المقاولات المتورطة في التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر    "المطاعم السياحية": بحث ضرائب الملاهي الليلة وإطلاق شعار موحد للمنشأت    درجات الحرارة اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025 فى القاهرة والمحافظات    من الصفائح التكتونية إلى الكوارث.. كيف تحدث الزلازل ؟    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    «كل حاجة هتبان».. هاني سعيد يرد على رحيل إدارة بيراميدز والدمج مع مانشستر سيتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دون ديليلو في روايته الجديدة زيرو ك: الاحتيال علي الموت

يُطارد الموت شخصيات دون ديليلّو- سواء في هيئة الإرهاب، القنبلة الذّريَّة، الاغتيالات، الانتحار، الحروب، الزلازل، الطوائف القاتلة أو: سموم محمولة جوّاً، تُحلّق فوق صفحة الأرض، مثل قارب موت في أسطورة إسكندنافيَّة قديمة. وفي مسعاهم لدرء مخاوفهم من الموت، يُضطر مواطنوه لبلوغ نظم عَقَديَّة، مُخدرات، هوايات، مبادئ مُنظِّمَة (بدءً مِن كُرة القدم، إلي المعادلات الرياضياتيَّة، وصولاً إلي القصص)، طقوس التدبير المنزلي- أي شيء مِن شأنه إبعاد حقيقة الفناء، ولو مؤقّتاً.
يكاشفنا الراوي في ضجيج أبيض- رواية ديليلو السّابقة- أنّ: كافّة الحبكات تميل للحركة في اتجاه الموت، هكذا طبيعة الحبكات والمكائد، سياسيَّة أو إرهابيَّة أو سرديَّة، مكائد عشّاق أو المكائد التي تمثّل جزءً من ألعاب الأطفال. ندنو أكثر من شفير الموت بكل مرّة نُخطط ونتواطأ فيها. الأمر أشبه بعقد لابد أن يوقّعه الجميع، المتآمرون والمُتآمر عليهم، سواءٌ بسواء.
تُشبه رواية السّيد ديليلّو الآسرة الجديدة، زيرو ك- الأكثر اقناعاً منذُ رائعته المدهشة، عالم سفلي (1997)- مسنداً لروايته الأخري، ضجيج أبيض (1985): بائسة وباردة في استشرافها للمستقبل، في حين كانت تلك الرّواية السّالفة ساخرة قاتمة في هزليتها. في زيرو ك، تسعي شخصيتان مركزيتان لهزيمة الموت، لا بتخطّيه، بل بالخضوع إليه: يُخططان لأن يصيرا، مُحفزين كيميائيَّاً للفظ روحيهما، وتجميد جسديهما داخل مجمّع تجميد فائق السريَّة؛ كي يتمكنا يوماً مِن العودة إلي الحياة- مِن خلال تقانة علمية متقنة تشمل تجديد الخلايا وتقانة النانو. في يوم مِن الأيام، سيتاح للبشر (الأثرياء منهم علي الأقل) خيار الولادة من جديد، كائنات طازجة، مشذّبة، غُرست داخلها ذكريات اختاروها بأنفسهم- موسيقي، صور عائليَّة، كتابات فلسفيَّة: روايات فلسفيَّة، أفلام برجمان وكوبريك وكيروساوا وتاركوفسكي.
تُقلع رواية زيرو ك، وقد أضفت عليها روايات السيد ديليلّو الأخيرة، بوينت أوميجا(2010)، رجل ساقط(2007)، والمدينة الكونيَّة(2003)، بعضاً من صداها المؤسف حين استبدل إحساسه الصّاخب الملموس بالحياة المعاصرة، بتأملات نسقيَّة غريبة، مُجرّدة في أغلبها بشأن الهوية والمصير،ولا يهبّ السيد ديليلّو لاستعمال راداره للكشف عن متناقضات وأوهام الحياة الحديثة، إلا بعد مضي نحو ثلث الكتاب.
تبدأ روايته تدريجيَّاً بالتكشّف؛ إذْ تختبر الوسائل التي يتقارب من خلالها العلم والدّين في عالم يملؤه الخوف من الإرهاب والحرب، والتلهّف لأجل حلول، وربّما خلاص، تسفر عنه التقانة. في الوقت ذاته، تنفتح الرواية داخليَّاً، إذْ ترسم لوحة لعلاقة جيفري، الرّاوي، العاطفيَّة المشحونة بأبيه اللامبال المتسلِّط- في تذكير بعلاقة بنوّة نيك شاي في رواية عالم سفلي، إحدي روايات ديليلّو القليلة التي يستبطن فيها ما تحت قشرة حيوات شخصياته الهشّة.
في بداية زيرو ك، يُنقل جيفري إلي مُجمّع بعيد بمكان ما غامض بالقرب من كازاخستان، حيثُ موّل أبوه البليونير، روسّ، مشروع التقارب حيثُ يجري تجميد وحفظ الموتي تحسباً لليوم الّذي يُمكن فيه استعادة العقل والجسد معاً. ثمّة وحدة خاصّة اسمها زيرو ك، مُخصصة للمرضي الّذين يتخذون قراراً واعياً: بالانتقال للمستوي التالي، قبل ميتاتهم الطبيعيَّة. كانت زوجة روسّ الحبيبة، آرتس، والتي عانت العديد من الأمراض المسببة للعجز، قد اختارت هذا الشّكل من المساعدة علي الإنتحار، ما يدفع روسّ الّذي يحظي بصحّة جيدة، إلي الإعلان عن عزمه رفقة آرتس في رحلتها بحياتها الأخروية.
يسقط جيفري فريسة ارتباك مُبرر؛ إذْ يتساءل إذا كان أبوه قد تعرّض لغسيل عقل علي يدّ واحدة من الطوائف الخطيرة، أو أنّ قراره ليس إلا مظهراً منحرفاً، بوصفه رجلاً هائل الثراء، للرغبة في بسط السيطرة علي حياته- في هذه الحالة، من خلال اختيار وضع حدّ لها. يُدرك أنّ تعقيدات ردّ فعله ترجع لإنطوائه علي مشاعره المترددة إزاء أبيه الّذي، منذُ عقود مضت، هجره هو وأمّه، وأنّ اغترابه (وهي حالة عقليَّة تسم الكثير ين من أبطال روايات ديليلّو) تعود جذوره إلي هذا الصراع الأوديبي.
سيشحذ وصف السيد ديليلّو لمجمّع التقارب كافّة تصورات القارئ عن الجمعيات السريَّة. ثمّة ممرات تيه ذات غرف لا يُمكن دخولها وراء أبواب غامضة، تذكير بتلك البوابات التي واجهت أليس بطلة لويس كارول صعوبة بالغة في عبورها داخل أرض العجائب. ثمّة أيضاً أحاديث متبادلة غريبة، وكافكاويَّة، مع حُرّاس المجمّع الّذين يتكلّمون لغة عصر بيروقراطي جديد تغطّي عملهم الشرير، ولمحات أشبه بالخيال العلمي لآرتس ومرضي آخرين يتم تحضيرهم للمرحلة التالية في رحلاتهم، حيث ستوضع أجسادهم داخل حجيرات فائقة العزل( إذْ قُطِفّت أمخاخهم وسائر أعضائهم الحيويَّة الأخري للحفظ بأماكن أخري، كما هو الحال مع المومياوات المصريَّة).
لو أنّ ثمّة أصداء في تلك الصفحات لفيلم ستانلي كوبريك الكلاسيكي 1968: 2001، أوديسا الفضاء، فإنّ رؤية السيد ديليلّو تكشف عن جانب أكثر إظلاماً. ذلك أنّه يتشكك في هؤلاء الّذين يعتبرون الحياة البشريَّة محض خطوة علي سلّم التطوّر بين القرود وسلالة مستقبليَّة مِن أطفال النجوم. في الحقيقة، تطرح زيرو ك، قضيَّة أنّ الأمل في توفير التقانة حلاً لمسألة الفناء(كما فعل الدّين من قبل) إلهاء ووهم خطيرين منذ اللحظة الرّاهنة. كما تتراءي لقطات الأفلام التي تعرض الكوارث الطبيعيَّة والتي صنعها الإنسان علي شاشات مجمّع التقارب، والموظفين الشبيهين بالروبوتات، كأنّها ترحِّب بنهاية الزمان الوشيكة باعتبارها بداية جديدة.
إنّ كافة الثيمات التي نفخت الحياة بروايات السيد ديليلّو علي مدي السنين الفائتة، حاضرة بقوّة في زيرو ك- مِن غواية التقانة ووسائط الإعلام الجماهيريَّة، إلي قوّة المال والخوف من الفوضي. لا تمتلك هذه الرّواية- أو تطمح لامتلاك- محواً سيمفونيَّاً للعالم السفلي، بل هي أشبه بمقطوعة من موسيقي الحجرة. لكن بمجرّد أن تنفض الرّواية عن نفسها بدايتها المتكلّفة، تذكّرنا زيرو ك، بأيام زهو السّيد ديليلّو ككاتب ووعيه بالأشكال الغريبة المتلويَّة التي يُمكن للمخاوف البشريَّة السرمديَّة أن تتخذها في الألفيَّة الجديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.