اعتدتُ التجوال بعد أدائي صلاة الفجر في مسجد مشايخ عطية، وأن أُسلِمَ روحي للنسيم الذي تسكَّع في الحقول كم أسلمتُ له روحي ووهبتني لهذا النقي القادم من بعيد ذاك الذي لم يكدِّر صفوَه دُخان، ولم يعبث به صخبُ النهار بعد. اعتدتُ علي هذا أ يامًا طوالا أمضي نحو أُمنية بعيدة، أُردد أذكاري حينًا، وأُدندن أُغنياتٍ أُحبها، أحايين أُخَر. أُسابق الوقت كي أحظي بهذي البرتقالة التي ما تزال طي الغموض. هذي الطر يق الطو يلة التي كنتُ أجتازها علي مقعدي المتحرك، من بيتنا في شرق المزلقان إلي منشاة العمَّاري، فجرًا، أتحرَّي الدروب الوحيدة ، تلك التي يلفُها الغموض ، آوي تارةً إلي نخلةٍ وحيدة أو شجرةٍ تُغازلها العصافير ، وكم سعدتُ آن اكتشفتُ طر يقًا جديدة أخذتني بعد لأيٍ إلي حيث يتمخض الغموض الذي يحتو يها، عن برتقالة تتسلق الأُفق ، سرعان ما تصير هالةً تبعث في النفس السرور. أذكر ذاك الصبي الذي اعتدت أن ألقاه في وسط الطر يق ، كان يمتطي حماره، بينا ملامح الصبي تنم عن روحٍ صبوح ، وهو يبَكِّر نحو حقله بادرته التحية ،أو ربما هو الذي بادرني ، تكررت لقاءاتُنا في أحضان الفجر ودعاني الفضولُ مرةً حين تهيأتُ لكتابة قصة عن ذلك الولد، دعاني الفضول لأن أستوقفه فربما سرَّه أن أكتب عنه قصةً وأُهد يها إليه ، استوقفته وسألتُه عن اسمه أذكر أنه محمود ، لكنني استحييتُ أن أذكر له أمر قصتي التي عزمت علي كتابتها. وحيَّرني أمر حمَّال القصب. ذاك الذي كنت ألقاه قبيل الشروق علي طر يق المطار قربَ مزارع القصب. بادرتُه التحيةَ فبادرني الابتسام ، وأهداني عودًا يانعًا من القصب. شكرتُه ومضيت. في اليوم التالي ذات المشهد تكرَّر. وفي الثالث والرابع و... وذات يومٍ.. تأخرتُ عن موعدي الذي كنتُ ألقاه فيه ، فلما بلغتُ حقولَ القصب ، وجدتُ عودًا رائعًا ممدَّدًا إلي الرصيف، وليس ثمة أحد! تُري تركه لي؟ أما عن قصتي عن الفتي محمود فموعدها مقامٌ آخر. لشدَّ ما تعجبتُ من أمر ي! فذات مرةٍ خرجتُ من المسجد بعد صلاة الفجر، تلك التي تُطيِّبُ النفس ،وبيمنا أنا بين دروبٍ تُفضي إلي كنيسة، سمعت ترنيمًا رائقًا وجميلًا. لم أفهم بالطبع معاني هذه الترانيم لكنها تسللت إلي روحي ، وودتُ لو اقتربتُ حتي أتيقن مما أسمع ، كان باب الكنيسة مفتوحًا وجند الحراسة نائمون هممتُ بالدخول رأ يت شموعًا تسطع وسمعت ترانيم تُتلي، لكني توقفت. لا أدري لماذا تخيلتُ أن أحدهم يسير خلفي ،وقد رآني أُصلي في المسجد ، وتبعني وأنا أُردد وِردي ما بين نفسي ونفسي. ولمحني أهِمُ بالدخول إلي الكنيسة. أُصغي إلي هذه الترانيم الجميلة، وأُحدِّق في هذي الشموع. قطعًا سيكون سؤاله: " يا أخينا إنت مع مين؟!" ضحكتُ في نفسي وعَدَلتُ عن الدخولِ إلي الكنيسة، ومضيت إلي حيث البرتقالة.