غراب الأنبا بولا .. كان الأنبا بولا ىعىش فى الصحراء متعبدا لسنوات طوىلة وكان ىلبس ثوبا من لىف، وكان الرب ىرسل إلىه غرابا بنصف خبزة فى كل ىوم، وفى ىوم من الأىام التقى القدىس أنبا أنطونىوس بالأنبا بولا بهد الذى ظل ىبحث عنه بإرشاد من الرب ، ولما صار المساء أتى الغراب ومعه خبزة كاملة . (أقلام ملونةوألوان مائىة على خشب) لقد بدأت زياراتي للأديرة المصرية في رحلة متأخرة نسبيا من حياتي، ولعل هذا سبب وجيه لحالة الدهشة التي تملكتني خلال رحلاتي المتكررة في صحراوات مصر بحثا عن دررها المتناثرة .."الأديرة" .. كانت الزيارة الأولي دير الأنبا أنطونيوسفي الصحراء الشرقية.. وربما كون أكثر الأديرة بعزلة وبعيدا عن العمران، وفي الليل تتألق آلاف النجوم في سمائه الصافية .. بينما يهرع الرهبان لصلاة التسبيحة في الثالثة صباحا .. في الصباح الباكر جلست في مكان مرتفع لأرسم الحصن والكنيسة الأثرية ، قباب وأبراج شديدة النصاعة تبعث في حالة من السكينة بينما أتخير درجات شديدة الشفافية في بالتة الألوان المائية.. فعلا شعرت هناك بسلام الله الذي يفوق كل عقل . علي الرغم من القرب الجغرافي بين دير الأنبا أنطونيوس ودير الأنبا بولا إلا أن الخط المستقيم بينهما يمر فوق جبل الجلالة (أو القلالي) لذا فالرحلة بالسيارة تستغرق حوالي ساعة لنلف حول الجبل .. وإذا ما تغاضينا عن الكاتدرائية الحديثة في حضن الجبل فدير الأنبا بولا يعكس حالة صاحبه من البساطة في المعمار وفي فريسكات الكنيسة الأُرية . جلست قرب السور ساعة العصاري وهمت برسم القباب والنخيل تداعبها أشعة الشمس الذهبية قبيل الغروب ، وما أن يأتي المساء ويذهب الزوار حتي تلف المكان رهبة جليلة من التقشف والتعبد الخالص. أما أديرة وادي النطرون فلها مذاق خاص بدأتها بزيارة دير السريان وأسواره مبنية مثل سفينة كبيرة وكنائسه وقلاليه متقاربة، تتعاطف علي بعضها في إشفاق كثير ، ولكن ما حفزني أكثر علي الرسم هو العمارة العضوية لقباب دير الأنبا بيشوي الملاصقة لدير السريان. إن تعاطف القباب البيضاء علي الأبنية التي تحملها تداعب خيال الفنان ونكاد نسمع إيقاع الشبابيك التي تظهر علي استحياء هنا وهناك لتكمل سيمفونية الإبداع المعماري السهل الممتنع. أما دير البراموس فهو أبعد قليلا من الديرين المتلاصقين ولكنه عامر بالحياة وأكثر انفتاحا علي الشعب وأول ما يطالعك به بعد المكتبة هي تماثيل حياة القديس موسي الأسود، ولا تكتمل زيارة أديرة وادي النطرون دون دير " أبو مقار" وهو منعزل عن البقية وتحوطه المزارع والأشجار وسط الصحراء وله شبه اكتفاء ذاتي ولا يعتمد علي التبرعات بل علي عمل ابنائه الدؤوب لكي يقدموا خدمة روحية وإنسانية للمجتمع بأسره .. وأتذكر أنني رسمت قباب الكنيسة الأثرية من مكان مرتفع في الصباح الباكر وأشعة الشمس تداعب شواشي النخيل ثم تربت بحنان علي الأقبية الثلاثة التي تزين سقف الكنيسة. إن الولع بالأديرة دفعني لاكتشافات أخري في أماكن نائية مثل أديرة نقادة بمحافظة قنا وأديرة أخميم بسوهاج وهي صغيرة نسبيا وبعضها لا يسكنه سوي راهب وحيد فتصير أقرب إلي كنيسة تخدم الشعب المحيط بها .. من هذه الأديرة النائية أتذكر دير السيدة العذراء بالحمام بين بني سويف والفيوم وله خاصية عجيبة فالحائط الخارجي للمباني مغطي تماما بأعشاش الدبابير والتي يعتقد البعض أنها دعمت من صلابة الحوائط وأنقذتها من بطش الطغاة ومغبة الزمن . وأتذكر أننا لم نتمكن من الرجوع إلي بني سويف لإغلاق الطريق .. فسلكنا طريق بحر يوسف باتجاه أهناسيا ومن بعيد وعلي تلة مرتفعة بدا صليب يدل علي وجود دير في الأفق وكان دير "مار جرجس سدمنت الجبل" وكانت الرلهبة رئيسة الدير مهندسة ذرة وتقود سيارة نصف نقل! وشغفت أيما شغف بموقع الدير علي البحر اليوسفي والفلاحات يصطحبن المواشي في اتجاه القرية في مشهد لم يتغير منذ آلاف السنين . أما دير المحرق بالقوصية (أسيوط) فأسواره الخارجية تشبه أسوار أوروشليم وبه الكنيسة التي أسسها الطفل يسوع كمذبح في وسط أرض مصر أثناء زيارة العائلة المقدسة إلي الصعيد ..ودير المحرق له مكانة خاصة في قلبي ربما لأنني من مواليد مدينة أسيوط. أشعر أن حالة النسك والزهد في الأديرة تنعكس علي اختيارات الفنان فيقوم بدوره بتبسيط الأشكال واختزال الألوان وتنقية الخط كما تؤثر نفس الحالة الروحية علي التكوين والإضاءة الداخلية للشكل مع تأكيد التواصل اللامرئي بين الإنسان والمكان ، فقد ترك الراهب العالم بأسره ليتعبد في الصحراء ويعيش عيشة الكفاف ويهزم رغبات الجسد وشهواته ويتسامي بأفكاره ومشاعره ليهيم في محبة الله ويمتلئ من الروح القدس. الفنان فريد فاضل فنان تشكيلي حقق شهرة عالمية ، جمع بين صنوف مختلفة من الفن وأتقنها ، لدرجة أن الموسوعة العالمية نشرت نبذة عن حياته عام 1987 واصفة إياه برجل عصر النهضة لجمعه بين الطب والفن التشكيلي والموسيقي. فريد فاضل طبيب العيون يمارس الطب والفن التشكيلي والموسيقي ويبرع فيها جميعا، وقد ولد الفنان فريد فاضل بمدينة أسيوط عام 1958 لعائلة تعشق الموسيقي الكلاسيكية وتمتهن الطب والمحاماة. وقد التحق بمعهد الكونسيرفتوار عام 1965، وتتلمذ علي يد الأستاذ "أدولف منشة" ليعزف الكمان بالإضافة إلي آلة البيانو والغناء. وهو يمارس البيانو والكمان والغناء الكلاسيكي من طبقة البارتيون، وقد اشترك في عدة حفلات كونسير جماعية مع جماعة كورال القاهرة، بالإضافة إلي حفلات ريستال فردي وزوجي، وهو متخصص في أعمال الكلاسيكيين والرومانسيين أمثال موزارت، وبيتهوفن، وبرامز، وشوبان، وماسينييه. وقد حصل فريد فاضل علي بكالوريوس كلية الطب والجراحة من جامعة القاهرة 1981، و ماجستير طب وجراحة العيون جامعة القاهرة 1987 ، و دكتوراه بعنوان ( الكيمياء المناعية لرقعة القرنية المرفوضة ) جامعة القاهرة 1998 . وبالرغم من ذلك، فشهرة فريد فاضل في الفن التشكيلي تفوق براعته في الموسيقي، فهو أحد أبرز الفنانين التشكيليين ، برع في تصوير الطبيعة والبشر، وأقام خلال مشواره الفني ما يقرب من أربعين معرضا فرديا للتصوير بمصر وإنجلترا وأمريكا ، بخلاف عشرات المعارض الجماعية التي شارك فيها. قدم الفنان فريد فاضل عبر رحلته الفنية العديد من الأعمال المستوحاة من الكتاب المقدس وكذلك من زياراته المتعددة لأديرة مصر المختلفة ، وقد شارك في عدد من المعارض المعنية بالفن القبطي ومنها معرض محبي الثراث القبطي بجريدة الأهرام 2004، ومعرض ( رحلة العائلة المقدسة ) بقاعة بيكاسو بالزمالك يونيو 2012، وكذلك معرض رحلة العائلة المقدسة بالمركز المصري للتعاون الثقافي الدولي، وقد كلف بتنفيذ رسوم توضيحية للكتاب المقدس من هيئة ` International Bible Society `، تصوير قصص الكتاب المقدس ، وطبع ثلاثة أجزاء من هذا الكتاب . ويري الفنان فريد فاضل أن الفن القبطي هو نوع من الامتداد للفن الفرعوني مع التبسيط وعدم التقيد بتلك النسب التي ظلت تحكم الفن الفرعوني لمدة 3000 سنة ، ويضيف الفنان أن الفنان القبطي لم يكن لديه الكثير من الإمكانيات ، وكان في كثير من الأحيان مضطهدا ، فلجأ إلي الرمزية في كثير من أعماله .