دعتني «أخبار الأدب» للمشاركة في الكتابة في هذا الملف وكانت المدة المتاحة 48 ساعة فقط لتسليم مشاركتي.. «دعوة للتخيل» هكذا قالت الدعوة. أن أتخيل أنني في السجن بسبب قصة كتبتها. أسئلة كثيرة ووقت محدود، ماذا أعرف عن السجن؟ كيف سأقضي وقتي فيه وكيف سأتعامل مع من حولي، وقبل أن أذهب لجمع المعلومات وتخيل المشهد، أصابني شلل في التفكير.. سجن الكاتب أحمد ناجي و قبله الباحث إسلام البحيري، أمر لم أكن لأتخيله يحدث من الأساس. والأسباب كلها غير منطقية لا بالنسبة للزمن ولا لتاريخ الثقافة المصرية الحديثة أو التراث العربي في المجمل. لم أستطع التخيل. طه حسين في كتابه «في الشعر الجاهلي» ناقش ثوابت في النص القرآني ولم يسجن بل أصبح وزيراً للمعارف والإمام السيوطي تناول الجنس في كتاب يصنف من كتب التراث «نواضر الأيك» والنفري، وألف ليلة وليلة، وغيره وغيرهم.. علينا الآن في 2016 أن نبرر الكتابة!! علينا قبل أن نعكس صورة المجتمع أو قبل أن نجلس للتأليف و التخييل، أن نفكر في أهلنا و بيتنا و سلامتنا الشخصية وحريتنا وذوائق وتفضيلات الجميع فلا نخدش حياء أحداً أو نزعج أحداً؟! علينا قبل أن نكتب أن نتخيل «السجن»! اعتقدت أن هذا ممكن الحدوث في ظل سلطة دينية متشددة و لذلك السبب وحده عارضت حكم الإخوان. لكننا حتي لا نعود للخلف، نحن فقط نتدهور ونتردي. لا أعرف أحمد ناجي بشكل شخصي وربما لم تعجبني الرواية لكنه بكل تأكيد ليس كاتباً آمناً ولهذا أحترمه. الكاتب المؤثر لا يتحري الأمان والسلامة في الفكرة، لا يقدم فناً مسالماً لا يخربش ويكسر ويشرح ويحلل و يتعارك علي الورق، يطرح تساؤلاً ويظهر المجتمع بصورة واعية ولا يمر مرور الكرام. الجنس والسياسة والدين، علينا قبل أن نكتب أن نشرح و نطيل الشرح انها مفاهيم موجودة بالفعل في المجتمع و يمكننا تناولها في الفن؟! علينا أن نبرر اللغة؟! فنشرح أن ال «...» كلمة عربية، اسم من أسماء فرج المرأة و يقرن بالشتائم في العصر الحديث لإهانة الرجل ونسمعه كل يوم في الشارع وعلي المقاهي؟! علينا أن نخبر الناس قبل كتابة مشهد جنسي أن الجنس هي العملية البيولوجية المسئولة عن وجودهم بشكل أساسي؟! وأن البحث والتفكر في الديانات أمر وتدنيسها أمر أخر؟! علينا إذاً أن نعرف بديهيات قبل الكتابة؟! «التابوه» لو حصرنا كم الندوات الثقافية التي تناولت فكرة كسر التابوه في العشرين سنة المنصرمة فقط، سواء في قصور الثقافة أو مراكز الثقافة المستقلة و المكتبات، لن نستطيع. منذ أن بدأت الكتابة والجميع يقول «اكسر التابوه والرقابة المجتمعية والرقابة الذاتية» حتي تكون كاتباً حراً مخلصاً لخيالك ولفنك، اكسر الخوف من الحكم، أكسر الخوف. هذا ما تربيت عليه وهذا هو الأقرب لروحي وهذا ما أفهم. وهذه الحرية في الفنون هي الميزة الأساسية لكل فن أثر فيّ وفي تكوين وعيي ومعرفتي لنفسي ولمن حولي وهي الميزة الأصدق والتي يمكنني أن أميز بها الأدب الجيد والفن الجيد، العالم كله لا يحاكم الأدب في المحاكم، العالم كله يعلم أن الفن ينقد ويرد عليه بالكلمات لا بالأحكام القضائية ولا بالسجن. أعلم أن أحمد ناجي سيخرج، بفضل تضامن أصدقائه معه، ولأنه لا قضية هنا ولا منطق، لكنه لن ينسي ما حدث ولن ينسي أحد منا التهديد الدائم والمستمر لكل كاتب وفنان ومفكر أو باحث جاد يحترم نفسه ويحترم ما يقدم، شبح من قلة راحة في الأجواء لتذكيرنا أنه يجب أن نخاف وأنه لا حرية ولا قيمة للكتابة والفن هنا. لن أتخيل أنني في السجن ولو ليوم واحد أو لساعة واحدة، بل أرفض أن أتخيل ما أصبح تهديدا واضحا وقائما مع الأسف. سأتخيل بدلاً من ذلك أنني في بلد لم يصل فيه الجهل لمداه، سأتخيل واقعاً ثقافياً واجتماعياً مغايراً وأحلم بالحرية لأحمد ناجي ولإسلام البحيري ولنا جميعاً.