توفي في مدينة القاهرة الممثل الأسطوري عمر الشريف الحائز مرتين علي جائزة جولدن جلوب، وسبق أن رشح لجائزة الأوسكار ودخلت أدواره الهوليوودية الملحمية " لورانس العرب " و " دكتور چيفاجو " في الرصيد الذهبي للسينما. لم يستغرق الأمر سوي سويعات قليلة بعد وفاة الممثل لينتشر الخبر المأسوي في أرجاء العالم علماً. وكانت شائعات الوفاة قد ظهرت قبل ذلك وأحيطت بها وكالة .MK وكان حفيد الممثل عمر الشريف الأصغر، وهو ممثل أيضاً، قد نشر قبل ذلك في الثالث من يوليو علي صفحته علي الفيس بوك صورة و هو في أحضان جده. وقد كتب معظم أصدقاء الممثل والمخرج الشاب تعليقات استحسنوا فيها هذه اللقطة وعبروا عن اعجابهم بها. أما الصحفيون فكانوا في حالة قلق شديد. لم يكن مرض عمر الشريف في ابريل، الذي وافته المنية عن 83 عاماً، سراً: فقد صرح طارق، ابن النجم، في شهر مايو لصحيفة الموندو الأسبانية إن والده يعاني من مرض الألزهايمر علي مدي السنوات الأخيرة. وفي الثامن من يونيو راحت وسائل الإعلام تدق ناقوس الخطر و تتحدث عن وفاة الممثل ، علي أنه وفي التاسع من شهر يوليو، نفي المتحدث الرسمي للشريف الشائعات التي ترددت حول وفاته و هو ما أذاعته شركة ميديا ماس نت. إلا أن الشريف الصغير أكد علي أية حال لمراسل قناة العربية للأخبار صحة الخبر الحزين. لكن البي بي سي دوت كوم أذاعت أن سبب الوفاة هو نوبة قلبية و ليس مرض الألزهايمر ولم تذكر مكان أو تاريخ الدفن. وهل كان علي أن هناك شيئاً ما يظل غامضاً في هذا "التعتيم". من الممكن لرجل وسيم مثل عمر الشريف، نجم علي مستوي عالمي، معبود النساء وعاشق الحياة الحلوة، رجل يتحدث خمس لغات بطلاقة ، أن يغادر الدنيا علي نحو آخر، أي دون أن يترك ولو ظلاً طفيفاً لمؤامرة؟ لقد كانت حياة الرجل كلها حياة مثيرة. ولد عمر الشريف في العاشر من ابريل عام 1932 بإسم ميشيل ديمتري شلهوب في مدينة الإسكندرية في عائلة ثرية من لبنان تعتنق الديانة المسيحية وطّن نفسه علي خطي والده، وأنهي الدراسة في كلية ڤيكتوريا البريطانية وبعدها جامعة القاهرة محرزاً درجات مدهشة في علمي الفيزياء والرياضيات، و لكنه أولع في نفس الفترة بالمسرح. بعد خمس سنوات أدرك أن التمثيل و ليس التجارة ، هو رسالته، و من ثم راح يدرس حرفة التمثيل في الأكاديمية الملكية لفن الدراما في لندن في عام 1952 شارك ميشيل شلهوب في فيلم " صراع في الوادي " ليوسف شاهين، و كانت زميلته في العمل هي الممثلة المصرية ذات الشعبية الكبيرة فاتن حمامة، التي هام بها عشقاً، لم يقف الدين حائلاً بين الحبيبين ليعتنق ميشيل الإسلام من أجل الزواج . حرص ميشيل أن يكون اسمه الجديد ذا وقع محبب علي الأذن باعتباره ممثلاً ، و هكذا أصبح عمر الشريف . بهذا الاسم جري تقديمه في عام 1962 إلي مخرج هوليوود الشهير ديڤيد لين . كان لين بحاجة إلي ممثل من أصول عربية يتحدث الإنجليزية ليقوم بدور أحد الشيوخ في فيلمه الجديد " لورانس العرب "، تقدم للدور مائة شخص، لكن النصر كان حليف عمر . رشح هذا الفيلم لعشر جوائز أوسكار من أصل إحدي عشرة جائزة . ليحصد سبعة تماثيل ، لم يكن من بينها في الحقيقة تمثال لأوسكار " الشريف" علي أفضل دور ثاني رجال و الذي كان مرشحاً له ، ومن ثم فقد تم تكريمه بجائزة " جولدن جلوب ". بعد مرور ثلاث سنوات يعود ديڤيد لين مرة أخري ليبحث عن الممثل، الذي فتح العالم. و في هذه المرة اقترح لين علي عمر دوراً رئيسياً في رواية بوريس باسترناك " دكتور چيفاجو " وعلي الفور أبدي الشريف موافقته و خاصة أنه كان يكن للأدب الروسي حباً شديداً دائماً ، و قد سبق له في شبابه أن أدي أدواراً عن روايات مأخوذة عن الأدب الروسي مثل " نهر الحب " المأخوذ عن رواية "أنّا كارنينا " . وقد جلب " دكتور چيفاجو " نجاحاً كبيراً آخر للوسيم عمر الشريف: نال الفيلم خمس جوائز "أوسكار" ، علي الرغم من أن عمر لم يحصل إلا علي " جولدن جلوب ". منذ هذا التاريخ لم يتوقف عمر الشريف عن التمثيل حتي عام 2009، حيث شارك فيما يزيد عن خمسين فيلماً . بالمناسبة فقد شارك الشريف أكثر من مرة في أفلام مأخوذة عن روايات روسية : في عام 1974 علي سبيل المثال، شارك في فيلم " بذور التمر الهندي " بدور فيودور سفيردلوف و في عام 1987 شارك في فيلم مأخوذ عن رواية " الشياطين " لتيودور دستويڤسكي. لعل من المثير للاهتمام أيضاً هذا المشهد من حياة الشريف ، و نعني به الضجة التي أثيرت حول الفيلم الاستعراضي " فتاة مرحة " (1968) حيث قام عمر الشريف بالتمثيل أمام الممثلة بربارا سترايسند ، فبعد العرض الأول للفيلم منعت السلطات المصرية عرض أفلام الشريف كان الفيلم قد جري تصويره ابان حرب الأيام الستة التي دارت رحاها بين مصر واسرائيل ، وقد ظهر الشريف علي الشاشة وهو يُقّبل فتاة يهودية، بعد ذلك اضطر الشريف إلي سحب عائلته من مصر حتي أنه لم يستطع العودة إليها حتي عام 1977 علي أن فاتن حمامة لم توافق علي ترك مصر، و هنا اضطر الشريف لطلاقها ، بعد أن أدرك أنه لن يتمكن من الصمود أمام إغراءات هوليوود ، تزوجت فاتن للمرة الثانية ، أما عمر فقد ذاع صيته باعتباره بلاي بوي يقع في الحب، و من وقتها لم يتزوج مطلقاً ، يقولون إنه كانت لديه آلاف العشيقات ، لكنه في أحاديثه الأخيرة اعترف أنه لم يُحب إطلاقاً إلا فاتن . في عام 1970، انهارت شهرة الشريف كممثل ، لكن مجد الشريف المقامر جاب آفاق أندية القمار في العالم بأسره، أصبح البريدچ ، الذي تلقي دروسه الأولي علي يد والدته، التي كانت مولعة بلعب الورق، حرفته الثانية و قد وضع الشريف عدة كتب في لعبة البريدچ، ومن هنا تأكدت شهرته كخبير . وعلي أية حال فقد تبين أن عمر لم يؤلف هذه الكتب وإنما ألفها أصدقاؤه بعد أن سمح لهم باستخدام اسمه. وها هو الحظ يتخلي عن الشريف، لقد أنفق أمواله كلها في الكازينوهات وباع شقته في باريس، لم يبق لديه شئ سوي أن يعود إلي السينما، عند ذلك لم يكن أمامه سوي قبول أية أدوار تعرض عليه. بدأ الشريف في الاشتراك في أفلام لمخرجين من الدرجة الثانية وواصل مع ذلك اللعب ( بل أنه كان ينتوي أن يفتتح كازينو في أوكرانيا) و انغمس في الملذات حتي تغيرت حياته في 1990 تغيراً حاداً . لم يحتمل قلبه كل هذه الأحداث، فأجري جراحة فيه، أقلع عن التدخين و هو الذي كان يدخن أربع علب من السجائر كل يوم، شارك في التمثيل في أفلام رديئة ثم انتقل إلي القاهرة و راح يعمل كثيراً في الأعمال الخيرية، ثم عاد إلي السينما بمعناها الحقيقي. لقد نجح نجاحاً كبيراً في دوره في فيلم " السيد ابراهيم و زهور القرآن " (2003) عن رواية إيريك- إيمانويل شميت ، حيث يؤدي دور مسلم عجوز يعمل تاجراً في محل للبقالة ، يتبني طفلاً يهودياً . لم تكن مصادفة أن حصل الفيلم علي عدد من الجوائز، من بينها جائزة " سيزار" و جائزة مهرجان ڤينيسيا السينمائي. 10يوليو 2015