بوفاة الكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو عن عمر يناهز الرابعة والثمانين فقد العالم الأدبي شخصية استثنائية متعددة الجوانب، فبالإضافة لشهرته كأديب، كان ناقدا أدبيا وكاتب مقالات، فهو فيلسوف وباحث في القرون الوسطي، له العديد من الكتابات الأكاديمية، ومتخصص في علم الرموز والإشارات، سعي إيكو إلي تفسير الثقافات عبر دراسة تلك العلامات والرموز من:كلمات وأيقونات دينية، ولافتات وملابس وفرق موسيقية ، حتي رسومات الكارتون، ونشر أكثر من من عشرين كتابا حول تلك الأشياء بينما كان يعمل في التدريس بجامعة بولونيا أقدم جامعات أوروبا. وبدلا من فصل أعماله الخيالية عن العلمية غرس أمبرتو إيكو في رواياته السبع الكثير من اهتماماته العلمية، وبني جسورا بين هذين العالمين، روايته الأولي "اسم الوردة" التي نشرت سنة 1980 لاقت نجاحا منقطع النظير وباعت أكثر من مليون نسخة وترجمت إلي أكثر من ثلاثين لغة، وتدور داخل دير في القرن الرابع عشر حيث يتم قتل الرهبان من إخوانهم في الدين العازمين علي إخفاء بحث فلسفي لأرسطو ظل مفقودا لزمن طويل، وبالرغم من استغراقه عدة فصول في مجادلات حول اللاهوت المسيحي والبدع، إلا انه تمكن من اجتذاب جمهور كبير من القراء، الذين عرفوا أن كل ما عليهم لقراءة رواياته هو استيعاب جرعات كبيرة من تأملات خبير في الرمزية المغموسة داخل حكايات خيالية. بالرغم من وقوف الكثيرين من الأوساط الأكاديمية وعالم الأدب في صف إيكو، إلا أن بعض نقاد هذين العالمين رفضوه بحجة افتقاره لوقار العلماء وموهبة الروائي..حتي أن الروائي البريطاني سلمان رشدي كتب مراجعة لاذعة في الأوبزرفر ساخرا من روايتة الصادرة سنة 1988 »بندول فوكولت« مستنكرا نشرها خالية من الشخصية الرئيسية: »وخلوها من أي شيء يشبه الكلمة المنطوقة ذات المصداقية« إلا أن إيكو وافق علي الظهور بجانب رشدي خلال ندوة أدبية في نيويورك سنة 2008 مختارا بامتعاض قراءة مقتطف من "بندول فوكولت". كنجم عالمي في كل من الثقافة الراقية والدوائر الثقافية الشعبية قابل إيكو مثل تلك الانتقادات برباطة جأش قائلا:" لست أصوليا" مضيفا: ليس هناك اختلاف بين هوميروس ووالت ديزني....! كان قادرا علي القاء محاضرات بخمس لغات حديثة، وكذلك باللاتينية واليونانية الكلاسيكية، عبر المحيط الأطلسي لحضور المؤتمرات الأكاديمية، وجولات توقيع كتبه، وحفلات كوكتيل أقامها مشاهير علي شرفه، متهور، ملتح، مدخن شره، يستمتع بالمزاح مع تلاميذه باحتساء النبيذ الرخيص في حانات بولونيا حتي ساعات متأخرة من الليل. ولد في 5 يناير 1932 في اليساندريا وهي مدينة صناعية في بيدمونت بشمال غرب إيطاليا، والده كان محاسباً بشركة تعدين ووالدته جيوفانا موظفة هناك، في طفولته كان يقضي ساعات في قبو جده قارئا ما جمعه الكبار بداية من جون فيرن إلي ماركوبولو وتشارلز داروين ومجلات المغامرات المصورة، خلال ديكتاتورية بنيتو موسوليني hرتدي الزي الفاشي فائزا بجائزة فاشية في الكتابة عن الفاشيين الصغار، بعد الحرب العالمية الثانية انضم إلي منظمة الشباب الكاثوليك وترقي حتي أصبح زعيمها، واستقال سنة 1954 أثناء الاحتجاجات ضد السياسات المحافظة للبابا بيوس الثاني عشر، لكنه حافظ علي ارتباطه القوي بالكنيسة، آخر أعماله "الرقم صفر" ترجمة ريتشارد ديكسون ، تدور قصته حول وسائل الإعلام السياسية ومؤامرات القتل مع افتراض أن موسوليني لم يمت سنة 1945 بل ظل يعيش متخفيا لعشرات السنين. حصل علي أعلي جائزة أدبية إيطالية »بريموستريجا«، كما حصل علي لقب فارس من الحكومة الفرنسية، وكان عضوا فخريا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب. نعاه رئيس وزراء إيطاليا مايتو رينزي بقوله" كان مثلا يحتذي به لمفكر أوروبي، جمع بين الفكر الفريد للماضي مع قدرة لاحدود لها علي توقع المستقبل، انها خسارة كبيرة للثقافة التي تفقد بغيابه كتاباته وصوته، وأفكاره البارعة المفعمة بالحيوية وإنسانيته"، كما علق وزير الثقافة الإيطالي علي تويتر قائلا: »إمبرتو إيكو ظل شابا حتي آخر يوم في حياته، وهو الأستاذ الذي نشر الثقافة الإيطالية في جميع أنحاء العالم«.