غيب الموت عن عالمنا الكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو الذي ذاعت شهرته بعد كتابة رواية "اسم الوردة" عام 1980 توفي الجمعة عن 84 عاما. ولم يكن إيكو معروفا خارج الدوائر الأكاديمية حتى منتصف العمر عندما حقق لنفسه شهرة دولية بين عشية وضحاها بعد أن نشرت روايته الأولى وهي رواية بوليسية غير تقليدية تدور أحداثها في دير يعود للقرون الوسطى. وبحسب آراء النقاد "كان نموذجا استثنائيا للمثقفين الأوروبيين فجمع بين فهمه الفريد للماضي وقدرة لا تنضب على التنبؤ بالمستقبل." وكان حول أيكو المتأخر لعالم الشهرة الأدبية مفاجأة لكثيرين - كان عمره آنذاك 48 عاما- ولم تكن رواية "اسم الوردة" التي تضمنت وصفا للحياة في دير من القرن الرابع عشر والروايات الموثقة للنزاعات الفلسفية والدينية آنذاك لتثير اهتمام القارئ المعاصر. لكن شعبية الكتاب كانت في حبكته الذكية وأجواء الخوف والقتامة التي رسمها إيكو ببراعة حول الدير بالإضافة إلى الشخصية الرئيسية الجذابة وهو محقق استوحاه إيكو من شخصية المحقق البريطاني الشهير شارلوك هولمز. وكانت "اسم الوردة" تطبيقا عمليا لأفكاره النظرية التي لم يجرؤ رائد السيميائيّات وفلسفة اللغة، على دخول ميدانها إلا في عام 1980 عندما اكتسح المجال الروائي بعمل متكامل فنياً وفكرياً، وليعلن عن نفسه منذ ذلك الحين واحداً من أهم الروائيين المعاصرين في العالم. بالإضافة إلى رواية "اسم الوردة" التي تحولت إلى فيلم سينمائي في عام 1986، ولعب دور البطولة النجم شون كونري الذي جسد شخصية راهب في القرن الرابع عشر يكافح الخرافات من أجل حل لغز جريمة قتل في دير، كتب إيكو روايات أخرى بينها "بندول فوكو" في عام 1988 و"جزيرة اليوم السابق"عام 1994 وفيها يعود الكاتب إلى أربعة قرون إلى الوراء ليعرض حرب الامبراطوريات الكبرى للحصول على خريطة خطوط الطول ودوائر العرض على سطح الكرة الأرضية، والتي ستمكن من يمتلكها من معرفة تموقع أساطيله التجارية والحربية في المحيطات البعيدة وبالتالي فرض هيمنته على الجميع. وفي عام 1994، أصدر الروائي الايطالي رواية روايته الرابعة "باودولينو" التي تروي تنقلات بطله باودولينو بين أزمنة وأماكن متنوعة بين الواقع والخيال مع أبعاد أسطورية. ونشر ايكو في عام 2010 روايته "مقبرة براغ" التي كشفت النقاب عن حقائق تاريخية تمّ التكتم عليها من خلال وضع شخصية خيالية تروي تفاصيل مثيرة مستمدة من التاريخ والواقع، أما روايته "العدد الصفر" فقد صدرت العام الماضي وكانت أخر رواية لأمبيرتو إيكو والتي انتقد فيها نظرية المؤامرة، من خلال تحقيق صحفي غريب أنجزه الصحفي براغادوتشيو عن مقتل موسوليني، إذ يعتقد الروائي الإيطالي الراحل أن نظريات المؤامرة تنتشر بشكل غريب عبر مواقع الإنترنت ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي. وبجانب شهرة إيكو بوصفه روائيا، شملت أعماله أيضا مجالات أخرى مثل الفلسفة واللغويات وعلوم الرموز، وكان له حضور لافت في وسائل الإعلام سواء من خلال كتابة أعمدة ثابتة في أرقى المنابر الصحفية أو من خلال تحليلاته العميقة لمختلف أشكال العملية الإعلامية. ولد إيكو في مدينة أليساندريا في الخامس من يناير/ كانون الثاني عام 1932 وكان ابنا لمحاسب أراده أن يصبح محاميا لكن إيكو اختار أن يدرس الفلسفة في جامعة تورينو بشمال إيطاليا حيث أصبح مفتونا بعالم القرون الوسطى.