في إحدي قري محافظة القليوبية عام 1923 وُلد محمد حسنين هيكل، الذي انتقل به والداه إلي حي الحسين، حيث بيتهما المكون من ثلاثة طوابق. كان والده تاجراً للحبوب، يكتب ويقرأ، ويحلم بأن يكون ابنه أزهرياً عارفاً بأمور الدين، وبالفعل لبس هيكل العمامة، لكن أمه التي تجيد الإنجليزية، رفضت ذلك، وبعد أيام من بدء الدراسة، سافر والده إلي السودان، لتنتهز أمه هذه الفرصة، لتُلحق هيكل بمدرسة (خليل أغا) إحدي المدارس التابعة لمدرسة التوفيقية الثانوية. ما حدث، كان بمثابة إنقلاب، قادته أمه التي غيرت تفكيره، وشكلت طريقته في الحياة، فهي التي علمته الحكي، حين كانت تجلس لتقرأ له ولأبيه سيرة الظاهر بيبرس وأسطورة الأميرة ذات الهمة، فمن الممكن القول أن بسببها صار هيكل حكاء مصر، والعارف بأمرها. تأثر أيضاً هيكل بخاله، الذي كان يمتلك مكتبة بمندرة الضيوف في الدور الأرضي للبيت، هذه المكتبة كانت تحوي كتب الأدب والتراث، وفيها قرأ هيكل لأول مرة، وسلك درب الثقافة. أما عم حامد، حارس البيت، فهو من أطلع هيكل علي عالم حرب، عندما روي له تجربته في القتال مع الجيش المصري في جزيرة القرم. طفولته هذه، جعلته يري مستقبله بمنظور مختلف، فسرعان ما تخلي هيكل عن حلمه في أن يكون طبيباً. استكمل دراسته في مدرسة التجارة المتوسطة التي التقي فيها إحسان عبد القدوس. في هذه المرحلة تحديداً قرأ هيكل لعدد من الأدباء الذين غرسوا فيه حب الكتابة، مثل عباس العقاد وطه حسين، ورأي أن تعليمه المتوسط ليس كافياً لأن يكون كاتباً وصحافياً، فالتحق بالقسم الأوروبي في الجامعة الأمريكية، وهناك تعلم اللغتين الفرنسية والألمانية. بدأ هيكل مشواره الصحفي - قبل أن يتم عامه العشرين - محرراً بقسم الحوادث في صحيفة (إجيبشان جازيت)، بمساعدة أحد الصحافيين هناك وهو سكون واطسون، والذي كان يُدرس له الصحافة في الجامعة. في تلك الفترة كانت الحرب العالمية الثانية مشتعلةً، ووقع علي هيكل الاختيار للذهاب إلي العلمين لتغطية أحداث الحرب واستطاع أن يحقق نجاحًا كبيرًا في مهمته. وبعد عامان، في 1944 انتقل هيكل للعمل في مجلة روزاليوسف التي كانت بوابة التعارف علي محمد التابعي، الذي طلب منه الانتقال للعمل معه في مجلة أخر ساعة، التي اشتراها الأخوان علي أمين ومصطفي أمين، مؤسسا دار أخبار اليوم. في "أخبار اليوم" استطاع هيكل أن يحقق نجاحاً مُبهراً في تغطية الأزمات، وتحليلها، الأمر الذي شجع مصطفي أمين علي الموافقة لأن يُغطي أحداث الشرق الأوسط والعالم، وبالفعل تجول هيكل لمدة خمس سنوات في عدد من البلدان، فغطي الحروب في كل من اليونان ومنطقة البلقان وفلسطين، وكذلك سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا، وعمليات الاغتيال الكبري في المنطقة من اغتيال رياض الصلح في عمان، إلي قتل حسني الزعيم في دمشق، ثم إلي ثورة مصدق في إيران التي قضي فيها شهراً كاملاً، وفي عام 1951 صدر له أول كتاب بعنوان "إيران فوق بركان". سرعان ما انخرط هيكل في السياسة، وتوالت أعماله، خصوصاً بعد ثورة 1952، التي قربته من جمال عبد الناصر، وحين فكرت الثورة في إصدار صحيفة تعبر عنها وهي صحيفة الجمهورية، طلب عبد الناصر من هيكل أن يتولي الإشراف علي إصدارها لكنه اعتذر، رغبة منه في البقاء في "أخبار اليوم"، وكان حينها رئيساً لتحرير مجلة أخر ساعة، التي استمر فيها حتي عام 1956، لينتقل إلي مؤسسة الأهرام، رئيساً لمجلس إدارتها ورئيساً للتحرير. علي الرغم من تركه لدار أخبار اليوم التي قال عنها: "كانت السنوات العشر التي قضيتها هناك بداية من عام 1946 سنوات خصبة، فيها وضعت الأساس لأي شيء يمكن أن أصل إليه مهنيًا، وفيها عرفني الناس وقرأوا لي، وفيها وصلت بالفعل إلي مكان الرجل الثالث بعد صاحبيها"، إلا أن علاقته بالأخوين ظلت وطيدة حتي عام 1965م عندما اتهمت أجهزة الأمن مصطفي أمين بالخيانة، وعمالته لجهاز المخابرات الأمريكية. ظهر مجد هيكل في جريدة الأهرام، التي وصلت في عهده إلي أهم صحف العالم العربي، فكان أول مقال له تحت عنوان بصراحة يوم 10 أغسطس 1957 بعنوان "السر الحقيقي في مشكلة عُمان"، وفي سبيل البقاء في الأهرام رفض هيكل وزارة الإرشاد (الثقافة والإعلام) أكثر من مرة، حتي اضطر لقبول المنصب قبيل وفاة عبد الناصر، عام 1970، وحين اشترط ألا يجمع بينها وبين الأهرام تركها بمجرد وفاة عبد الناصر، وفي سبتمبر عام 1981 وجد هيكل نفسه وراء قضبان سجون طرة مع كثيرين غيره، وأفرج عنه بعد اغتيال السادات في أكتوبر من نفس العام. رفض هيكل بعد ذلك تولي أي منصب، مهما كان كبيراً، واستمر في الكتابة الصحفية، محللاً للأوضاع، فصدر له الكثير من الكتب السياسية، منها (العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط 1958، وعبد الناصر في ساعاته الأخيرة عام 1971، وحكاية العرب والسوفييت 1979، ومدافع أية الله 1982، حرب الخليج 1992، وباب مصر إلي القرن الواحد والعشرين 1995، والمفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل 1996، والإمبراطورية الأمريكية والإغارة علي العراق 2003". في 23 سبتمبر 2003، يوم ميلاده الثمانين، أعلن هيكل اعتزاله الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي، وكان وقتها يكتب بانتظام في مجلة "وجهات نظر" ويشرف علي تحريرها، لكنه واصل إصدار الكتب، ففي عام 2009 نُشر له (علي هامش صراع الحضارات)، وفي عام 2010 نُشر (كلمات لها مناسبات). ومن حسن حظ هيكل أنه عاصر ثورة 25 يناير 2011، ليخرج لنا بمجموعة من الأعمال منها (عصر ما بعد ثورة يناير، ومبارك وزمانه.. من المنصة إلي الميدان، ومصر إلي أين؟).