في هذا المقال نعرض للحوار بين الأعلي (الله) والأسفل (إبليس)، حيث تحول الحوار إلي نوع من الجدل من جانب إبليس، إذ تمرد علي الأمر الإلهي بالسجود لآدم: »ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين« (الأعراف: 11)، وسبق أن أوضحنا أن السجود هنا ليس سجود عبادة، وإنما هو سجود تعظيم لخلق الله. ويحكي القرآن الحوار الصادر من الذات الإلهية: »قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين« (الأعراف: 21) ورد إبليس يثير تساؤلاً غريباً: فمن أين جاءه أن النار خير من الطين؟ إذ كلها من خلق الله لا تتفاضل، وربما لو أدخلناها دائرة التفاضل، لكان الطين هو الأفضل، لأن النار مع فوائدها الكثيرة، لها القدرة علي الإهلاك والتدمير، مما يعني أن رد إبليس قائم علي المكابرة والمغالطة الجدلية التي لا تسوغها المرجعية الدلالية للمفردتين، ومن ثم جاء الرد الإلهي الحاسم: »قال فاهبط منها فمايكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين« (الأعراف: 31)، ويوغل إبليس في تمرده: »قال أنظرني إلي يوم يبعثون. قال إنك من المنظرين« (الأعراف: 41، 51). واضح من سياق الحوار المروي أن إبليس كان من سكان الجنة، أو من سكان الملكوت الأعلي، ثم يوغل إبليس في تمرده وعصيانه: »قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين« (الأعراف: 61، 71)، وهنا نلحظ أن إبليس دخل دائرة التحدي، مدعياً أنه سيعمل علي إفساد البشر، فلا يعبدون الله ولا يشكرونه علي نعمائه، ثم يصل إبليس إلي قمة تمرده: »قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين.. إلا عبادك منهم المخلصين« (ص28، 38). وجاء الرد الإلهي النهائي: »قال اخرج منها مذءوما (معيبا) مدحورا (مطرودا) لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين« (الأعراف: 81). ولاشك أن هذا الحوار يمكن أن يكون درساً لأهل الأرض في تعاملهم مع حكامهم- مع المفارقة في التشبيه- فإذا كان التمرد والعصيان قد صدر من إبليس في مواجهة من: »إذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون« (آل عمران: 74)، فإن ذلك يعني أن الله هو الذي أتاح لإبليس أن يجادل علي هذا النحو، وأن ذلك لم يكن مانعاً من القرار الإلهي بدخول إبليس ومن تبعه جهنم، وعلي الرغم من هذا الوعيد الذي سيتحقق، لم يتوقف إبليس عن تمرده، فإذا كان ذلك كذلك، فما أولانا أهل الأرض أن نواجه السلطة بالحوار للوصول إلي الحق والحقيقة.