عاطف محمد عبد المجيد شاعر وكاتب ومترجم مصري، صدر له العديد من الدواوين الشعرية، آخرها " من بئر الأسئلة " عام 2014 عن دار العماد للنشر، يضم الديوان مجموعة من قصائد شعر التفعيلة التي كتبها الشاعر في السنوات الأخيرة، هذه القصائد في أغلبها تحمل الكثير من التساؤلات الفلسفية، وغيرها، والتي تأخذنا إلي عوالم مختلفة، وإلي رؤي رحبة، وأكثر انفتاحًا، فالذات الشاعرة تحمل همًّا إنسانيًّا ضخمًا، وتطمح في غد مشرق، ووطن بلا هموم، وبلا مشكلات. يقول في قصيدته الأبواب: (بابٌ/ لا يتَّسعُ كثيرًا لولوجي/ هلْ مِنْ حَلٍّ/ غيرُ التَّحطيم ؟) هنا المباشرة العامرة بالتساؤل، وهنا الواقعية في أبهي صورها، فالشاعر لا يقف عاجزًا أمام الباب الذي لا يتسع لولوجه، بل سيحطِّمه علي الفور، إنه لا يستسلم أبدًا، مهما كانت العقبات التي تحول بينه وبين الوصول إلي مراده، فلديه العزيمة القوية، والإصرار علي الغوص في الأعماق، والدخول في مناطق أخري، وكما قال سقراط "اعرف نفسك" فإن الشاعر يعرف نفسه جيِّدًا، ويعلم قدراته، وحجم إرادته غير المحدودة، والتي تؤهله لكي يحقق آماله، وطموحاته. وفي ألبوم الغابة يقول عاطف عبد المجيد: (في الغابةِ أُسْدٌ، وهنالكَ أيضًا جُرذانْ الأولي تفتكُ بالضُّعفاءِ، وأمَّا الأخري.. فبقايا بينَ الأسنانْ) إن الغابة، هي رمز للدنيا وللحياة، هذه الدنيا أو هذه الحياة التي نعيشها، قسَّم الشاعرُ النَّاسَ فيها إلي قسمين، قسم كالأسود، وآخر كالجرذان، فالأسود القوية تفتك بالجرذان الضعيفة، في عصر طغت فيه الماديات بكافة أنواعها، وأشكالها، علي كل القيم، والعادات، والتقاليد القويمة، فالشاعر هنا لا يتستَّر علي القبح، ولا يخفي قلقه من هذه الآفات، ومن تلك الجراثيم، إنه يعبِّر عن رؤيته بتعبير رمزي مفهوم ومحسوس، ويشخِّص الداء الذي استشري في الأمَّة، ويلخِّص حالة القهر والظلم والاضطهاد التي يعانيها الضُّعفاء في كل زمان ومكان. في قصيدة الصُّدْفة وظروف أخري يقول: (مسألةُ الصُّدفةِ أعيتني حتَّي يتهيَّأُ لي أنَّ النَّملةَ أيضًا.. قدْ تُمسي فِيلاً) في هذا المقطع استطاع الشاعر بدفقة شعريَّة برَّاقة، أن ينظر في ذاته الشاعرة بعينه اللاقطة، وببصيرته النفَّاذة، ليقتنص الفكرة، ويبلورها بلغة جذَّابة، وبصور مدهشة غاية في الجمال والرَّشاقة، وكما يقول صلاح عبد الصبور في كتابه حياتي في الشعر : "وليس معني النظر في الذات هو الانكباب علي النفس، بل إن الذات هنا تصبح محورًا أو بؤرة لصور الكون وأشيائه، ويمتحن الإنسان من خلال النظر في ذاته علاقته بهذه الأشياء، وقد يدير نوعًا من الحوار الثلاثي بين ذاته الناظرة، وذاته المنظور فيها، وبين الأشياء" وهذا ما يفعله شاعرنا، إنه لا ينكبُّ علي نفسه، لكنه يطل علي العالم من خلالها، فهو لا يمل من البحث، ومن التفكير، ومن التساؤل.. هو لا ينكر دور الصُّدْفة في تغيير مسار الإنسان، فبها قد يصبح الفقير غنيًّا، والضعيف قويًّا، والأعمي بصيرًا، وقد تصير النملة فيلاً... الخ..... في قصيدة لا تعليق يقول: (جاري.. يحكي لأناسٍ يعرفهمْ.. عنِّي.. أنِّي مِنْ شدَّةِ فقري.. أدعو الرَّبَّ بأنْ أنضمَّ إلي الأمواتْ وأنا مِنْ جهتي.. لا حيلةَ لي إلا أن أتمنَّي.. أحيانًا.. أن تُقبلَ هذي الدَّعواتْ) من خلال هذا الوضوح، وتلك الصَّراحة، وبهذا التناول التصويري، والدرامي، وبهذه البساطة، وبهذا العمق، يصف لنا شاعرنا الحال المتردِّية، التي وصل إليها الشاعر في بلادنا، من خلال حوار أجراه جاره مع آخرين عنه، حيث يتمنَّي الموت لشدة فقره، فهو لا يمتلك مقومات الحياة الكريمة، وربما لا يملك قوت يومه، فكم من شعراء يعيشون مرضي لسنوات، ولا يملكون ثمنا للدواء، فالحكومات تتجاهلهم، هذا التجاهل سيولِّد الانفجار الذي لا تحمد عقباه، إن هذه الأجيال وغيرها، قد عاشت طويلا تحتسي مرارات الحرمان، والفقد، والهزائم، ومن هنا نشأت فكرة الثورات لكي يرحل العملاء، ويرحل الفاسدون . في قصيدته مستحيل يقول عاطف عبد المجيد: (قدْ.. يُلغي جَرَّاحٌ.. في لحظةِ تجميلٍ كُلَّ تجاعيدي.. هلْ يقدرُ مشرطهُ.. أنْ يستأصلَ ما بالدَّاخل ؟!) ثمة تركيز جلي، وتكثيف واضح، وبناء محكم، حيث يستثمر الشاعر كل طاقاته وخبراته، في أن يخرج لنا عبارات دالة، وصياغات مبتكرة، فالسرد الشعري هنا له خصوصيته، ودلالته، ويجسد ببراعة حالة الحزن الذي يعربد في داخله، فالشاعر ما زال يلقي بنفسه في بئر من الأسئلة الكثيرة التي لا حصر لها، فهل يقدر مشرط هذا الجرَّاح أن يستأصل ما بالداخل من آلام،وأوجاع، وانتكاسات وغير ذلك، إن الشاعر لا يهمه الشكل الخارجي فقط، هو يريد أن يسلم، وأن يبرأ من الداخل، فهو المهم، والأولي بالنسبة له. هذه إطلالة سريعة ومختصرة علي بعض جماليات هذا الديوان، فكلمات وقصائد عاطف محمد عبد المجيد تصوِّر لنا الواقع بصدق، وشفافية، ودون غموض.