إن العقل النقدي للمفكر الاسلامي المرموق نصر أبوزيد والذي غيبه الموت في اعتقادي وعن دراسة موسوعية للمفكرين المسلمين الكبار وأبرزهم »ابن رشد« يأتي استمرارا خلاف لهذه الككبة من مفكري الاسلام اللذين تصدوا للفكر الميتافيزيقي الغبي وأكدوا عن يقين تراث العقلانية الاسلامية والمنهج العلمي ورفضوا النقل عن السلف واستبدلوه بالابداع. ولتقترب أكثر من فهم قيمة ما اضافه نصر أبوزيد للتراث العقلاني الاسلامي سنجد أنه التلميذ المبدع لطه حسين الذي ازعج السلفين وكتبته السلطان وفقهاء السلطان »في الشعر الجاهلي« الذي أسس المنهج العلمي في الدراسات الادبية. كذلك فإن نصر أبوزيد ورث وطور منهج استاذه أمين الخولي ومحمد خلف الله »صاحب كتاب الفن القصصي في القرآن« والذي رفضت الجامعة منحة الدكتوراة عنه.... الخ. وقبل أن نحدد في النقاط التالية جوهر اضافته المبكرة العلمية والثورة التي أحدثها في الدراسات القرآنية حيث »تاريخية القرآن«. نقول أن مأساة الحكم عليه بالردة والتفريق بينه وبين زوجته كشفت عن اخطار وسلبيات عديدة تحاصر وتخنق التفكير العلمي وحرية التعبير وتجعل من الأزهر محكمة تفتيش جديدة.. كذلك ثغرات قانون الحبس واختراق القضاء من السلفي والظلامين امرا بحب الا يسكت عليه المثقفين قبل المفكرين والنقاد والسياسيون.. ثم ان الامر الاخطر انه تعوق عملية النهوض السياسي لمصر كدولة محورية ويساند الآخر والعدو الصهيوني علي بقائنا محلك سر بل لا نقول ان المخططات الخارجية والداخلية بدأ تقلص دور مصر الحضاري في محيطها العربي والاقليمي وحوض النيل الآن. تؤصل هذه الدراسات الرائدة المكثفة، منهجيا - علي تحليل الأفكار والكشف عن دلالتها أولا ثم الانتقال الي مغزاها الاجتماعي السياسي الايديولوجي.. ثانيا وبعيان أخري ستكون الحركة من الداخل إلي الخارج، من الفكر إلي الواقع الذي انتجه، وذلك لتجنب مزالق التحليل الميكانيكي الانعكاسي - اذا ظلت الحركة المنهجية من الخارج الي الداخل ووضع فكر المفكرين الذي يعرض لهم في السياق الفكري العام للعصر الذي انتجه من جهة وفي سياق المجال المعرفي. أولا: ان نقطة الانطلاق الاساسية التي تشكل مفتاح مشروعه الفكري في نقد الخطاب الديني هو اعتقاده أن الحضارة العربية الاسلامية هي حضارة - النص - والنص هنا هو القرآن - وقد يقال أن النص القرآني نص خاص وخصوصيته نابعة من قداسته والوصية مصدره، ولكنه رغم ذلك نص لغويا بشريا ينتمي لثقافة خاصة لها بعدها التاريخي. غير أن - نصر أبوزيد - يؤكد قائلا: وليس معني ذلك ان النص بمفرده هو الذي انشأ الحضارة.. فإن النص أيا كان لا ينشر حضارة ولا يقيم علوما وثقافة، ان الذي انشأ الحضارة وأقام الثقافة جدل الانسان مع الواقع من جهة .. إن تفاعل الانسان مع الواقع وجدله معه بكل ما ينتظم هذا الواقع من ابنية اقتصادية واجتماعية وسياسية هو الذي ينشيء الحضارة.. وللقرآن في حضارتنا دور ثقافي لا يمكن تجاهله في تشكل ملامح هذه الحضارة وفي تحديد طبيعة علومها. ثانيا: انه يرفض التوحيد بين الفكر والدين لأن التوحيد المباشر بين الانسان والإلهي واضفاء قداسة علي الانساني والزماني يهدد البعد التاريخي في تصور التطابق بين مشكلات الحاضر وهمومه وبين الماضي وهمومه وافتراض امكانية صلاحية حلول الماضي للتطبيق علي الحاضر ويكون الاستناد الي سلطة السلف والتراث واعتماد نصوصهم يوصفها نصوصا أولية تتمتع بذات قداسة النصوص الاولية، تكثيفا لآلية اهدار البعد التاريخي، وكلتا الآليتين تساهم في تعميق اغتراب اغتراب الانسان والتستر علي مشكلات الواقع الفعلية الفعلية في الخطاب الديني، ومن هذه الزاوية نلمح خاصة فيما يرتبط بتفسير الظواهر الاجتماعية »إن رد كل أزمة من أزمات الواقع في المجتمعات الإسلامية بل وكل أزمات البشرية إلي »البعد عن منهج الله« هو في الحقيقة عجز عن التعامل مع الحقائق التاريخية والقائها في دائرة المطلق والغبي، والنتيجة الحتمية لمثل هذا المنهج تأييد الواقع وتعميق اغتراب الانسان فيه والوقوف جنبا الي جنب مع التخلف ضد كل قوي التقدم تناقضا مع ظاهر الخطاب الذي يبدو ساعيا لله صلاح والتغيير مناديا بالتقدم والتطوير. ونكتفي بهذه العناصر التي تكون جوهر منهج ورؤية نصر أبوزيد.. تعمدنا أن ننقل أجزاء مهمة منها ليتاح لأكبر قدر من القراء مشاركتنا أهمية التعرف علي هذا المنهج العلمي البصير الذي يعيد الاعتبار للانسان والمجتمع بشكل متكامل أي بلا بعدية المادي والروحي وهو بذلك يتجاوز الروحانية الصرفة والمادية الصرفة في آن معا، وضمن هذا المعني يشكل تجاوز الوضعية مرحلة جديدة. في الفكر العربي الحديث، فلم تعد مسألة الدين أو الايمان أو الروحانيات رغم حساسيتها واشكالياتها تخيف العلماء المعاصرين أو تجعلهم يشعرون بالنفور منها كلما استيترت باعتبار أنها أشياء رجعية تعود إلي عصور مضت وانقضت، علي العكس لقد أصبحت في الصميم من اهتمامات المفكرين والعلماء علي اختلاف تخصصاتهم واتجاهاتهم ولكن بطريقة ادراكها واستيعابها أصبحت تختلف عما كان عليه الحال لدي المؤمنين التقليديين بين المسجونين داخل السياج الدوغمائي المغلق. أخيرا لقد كان نصر أبوزيد الشهادة والنبؤة رحمه الله وغفر لنا.