أكثر من عشر سنوات قضيتها في منطقة وسط البلد ما بين عمل وجولات فنية ولقاءات مع أصدقاء، ومع ذلك كان الطريق إلي 42 شارع عبد الخالق ثروت يبدو غريبا بعض الشيء ، فالعقار الذي أحمل عنوانه لم يسبق وأن سمعت أنه استضاف معرضا فنيا من قبل، الوصول للمكان يتطلب بعض البحث بين أرقام البنايات الضخمة، حاولت أن أستفسر من الشخص الذي رافقني من باب العقار حتي الدور الخامس حيث المعرض الفني الذي أبحث عنه .. والذي هو ربما حارس العقار، كل ما أخبرني أنه أحد العقارات المملوكة لشركة الإسماعيلية وأن عمره أكثر من مائة عام. في الدور الخامس وعلي مساحة شاسعة وجدت الأعمال المعروضة، كجزء من معرض "110 فنان " الذي أقيم ضمن فاعلية "حدث شيء آخر" للفنون المعاصرة، وعندما سألت المسئول عن سبب اختيار هذا المكان كانت كل معلوماته أن الحدث ضخم حيث يضم 110 فنان من جميع أنحاء العالم، . ويعتبر درب 1718 بشارع قصر الشمع بمصر القديمة ، هو المكان الرئيسي لإقامة هذا الحدث ، بينما توزعت باقي الأعمال علي عدة مناطق بوسط البلد كان من بينها 16 شارع عدلي ، وكذلك 24 شارع طلعت حرب حيث تقع "سينما راديو". مساء يوم الجمعة التالية وفي تمام السادسة ،حيث كنت علي موعد بمنطقة وسط البلد، قررت زيارة الجزء الآخر من المعرض الكائن ب 16 شارع عدلي ، لكن هذه المرة لم أوفق ، حيث كان علي النزول علي السلم من الطابق السادس حتي الأول بحثا عن قاعة العرض ولم أجدها، فلم تكن هناك أي لافتة أو ملصق يدل علي وجود معرض بهذا المكان، بينما أخيرا أغادر البناية التقيت بعم محمد حارس العقار .. سألته عن المعرض أخبرني أنه مغلق وأن مواعيد افتتاحه غير معلومة وأرشدني مرة أخري لعبد الخالق ثروت .. اختتمت جولة وسط البلد بزيارة سينما راديو .. حيث قاعتي عرض خارج مبني المسرح والسينما ، الأرضيات يملؤها التراب .. لا شيء يرشدك لما يحدث فعليا .. ربما كان إعادة توظيف المساحات المختلفة في فضاء المدينة لنشر الفنون هو واحد من الأمور التي أجادتها شركة الإسماعيلية التي قدمت عدة معارض في أماكن مختلفة بوسط البلد، أذكر منها مهرجان دي كاف للفنون المعاصرة الذي تنوعت عروضه بين أشكال مختلف الفنون المعاصرة ومعرض فن تشكيليي في مبني القنصلية الفرنسية القديم بشارع الفضل حمل عنوان "خدع عظيمة من مستقبلك" ، والعرض الراقص الذي استضافه مبني صيدناوي بعنوان زبكام؟س وكذلك المعارض التي استضافها فندق فينواز. وتأتي تلك الفاعليات الفنية المختلفة لتستكمل أهداف شركة الاسماعيلية للاستثمار العقاري لإحياء منطقة وسط القاهرة كوجهة لجميع المصريين من أجل العيش والعمل والتسوق والتواصل اجتماعيًا. وقد تم تصميم المشروع لتنشيط منطقة وسط العاصمة من خلال الحفاظ علي التراث المعماري العظيم لمباني وسط البلد والاحتفاء بالحراك الحضري لمدينة القاهرة. وربما تعاونت شركة الإسماعيلية لهذا السبب مع درب 1718 في تلك الفاعلية المهمة، ولكن بعض الاحباط أصابني لعدم وجود ما يكفي من المعلومات لمساعدة الزوار ، ليس هناك كتيب للتعريف بالفنانين ، ليست هناك معلومات كافية عن كل عمل ، ليس هناك حتي معلومات إليكترونية عن تفاصيل المعرض، ربما حرص بعض الفنانين علي شرح أعمالهم من خلال ملصق بجوار العمل كما فعل الفنان ماكس فيتيك في مجموعة محاربي النور التي تم عرضها بدرب 1718، أو كما حدث فيما يخص عروض الفيديو التي استضافتها بناية عبد الخالق ثروت ، تحت عنوان أطلس لا استعماري .. عروض فيديو من الأمريكتين 2010 :2015 لعدد كبير من الفنانين ، حيث قدم معرض "أطلس لا استعماري "مجموعة عروض فيديو حديثة لعشرة فنانين من دول عديدة هي شيلي ، وكولومبيا ، وجواتيمالا ، والمكسيك ، والولايات المتحدة . ويستلهم المعرض مفهومة من السياق التاريخي للنصف الغربي من الكرة الأرضية ، ومن أسئلة عامة تخص الحضارة والثقافة ، وتتناول الأعمال المعروضة تساؤلات متعلقة بالمرحلتين الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في محاولة لتحديد هوية "المكان" في المجتمع المعاصر. وربما اعترف الفنان معتز نصر الدين مدير مركز وجاليري درب 1718 ، في حواره مع الزميل أحمد ناجي والذي نشر في جريدة أخبار الأدب في العدد الماضي تحت عنوان "شيء آخر " محاولة لكسر احتكار التمويل الأوربي للأنشطة الثقافية ، عن وجود بعض القصور . إن "حدث شيءً آخر" هو مبادرة مستقلة غير هادفة للربح في مجال الفنون البصرية، والغرض منها هو دعم الفنانين المعاصرين المصريين والدوليين، وقد خرج النشاط الأول في إطار هذه المبادرة هو إقامة فعالية دولية علي مدار شهر كامل، بدأت في 28 نوفمبر 2015. وقد تضمنت الفعالية العديد من المعارض والعروض المختلفة لفنانين محليين وأيضا فنانين دوليين، وأقيمت تلك المعارض في مجموعة مختلفة من قاعات العرض والمساحات الفنية في أنحاء القاهرة، ويهدف حدث شيءً آخر إلي دعوة ممارسي الفن في مصر وخارجها للمشاركة في فعالية تضم مشاريعا فنية، وعروض مختلفة، وحلقات نقاش، ومعارض فنية من أجل لفت أنظار العالم إلي مصر كجهة نابضة منتجة للثقافة والفنون في المنطقة وقد تضمن البرنامج أيضا عروض تجسيدية وأدائية ، كما استضاف درب أيضا حلقة نقاشية حول "حالة الثقافة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط لأولي مارساود وتحدث فيها كل من سيمون نجامي ، وهالة عمار وكريم معتوج، وخلال الافتتاح المعرض الأساسي بدرب 1718 تم تقديم عدد من العروض التجسيدية ومنها "عرض غيتا سكالي" "لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا" ، وعرض "فرانكشتين" لهانو راييسا وأنتي كيمبانيين ، وعرض ليارا مكاوي ولميس حجاج وكذلك عرض "لا بيكورا" لرومينا دي نوفيليس. كذلك تضمن البرنامج محادثة "حقيقية القديم، والفن المعاصر.. الرموز والهوية" لانجيلا بوسكوفيتش بمعهد جوته بوسط البلد المتحدثين سوزان ليب، وأليكساندر كوش، ومونيكا حنا ومعتز نصر ، وكذلك محاضرة "الموسيقي الإليكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " ، إضافة إلي عرض عدد من الأفلام القصيرة المصرية والتنوسية بسينما زاوية . ومن جانبها ذكرت التونسية ألفة الفقي، مديرة مشروع "شيء آخر" خلال حوار لها بقناة الغد ، إن المشروع هو فكرة جديدة يتم من خلالها احتضان الأعمال الفنية لكثير من الفنانين العرب وتجميعها في معرض للفنون المختلفة، لافتة إلي أن مصر استضافت المعرض ذلك العام واختارت أن يكون اسمه زشيء آخرس كنوع من التجديد وذلك بمشاركة الكثير من البلدان العربية كالمغرب وتونس والأردن وغيرها. وقد تضمنت الأعمال المعروضة تجهيزا في الفراغ، وفيديو أرت، ومنحوتات، وتصويرا فوتوغرافيا، وغير ذلك، حيث قدم كل فنان عمله برؤيته الخاصة وبالخامة التي يجيد التعبير من خلالها، وقد شارك فيه عدد من الفنانين المصريين ، حيث قدمت ندي بركة عملا تحت عنوان "كسور" ، وكانت الفنانة قد قدمت قبل ذلك معرضا كاملا استضافه جاليري مشربية تحت نفس العنوان والذي تناولت فيه مكونات الجسد وعلاقته بالحيز المجتمعي والسياسي، أما الفنانة هدي لطفي فقد أعادت تركيب مفردات المدينة من واجهات وعلامات رئيسية في عمل معاصر باستخدام الوسائط المتعددة باسم "المدينة تتلون بلون فن البوب" ، أما الفنان كريم الحيوان قدم عمل التوك توك .. نقاط متصلة .. الواجهة ..تصوير فوتوغرافي الذي قدم فيه مجموعة من الصور الفوتوغرافية ذات القطع غير الشائع لأجزاء مختلفة من التوك توك التي أعطت رؤية مغايرة لإعادة النظر في الأشياء المحيطة ، الفنانة ياسمين المليجي أيضا قدمت عملا تجهيز في الفراغ باستخدام أنابيب المعمل الزجاجية أطلقت عليه اسم "الحمي"..